الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بصدد الردة الرجعية

أحمد الناصري

2012 / 11 / 9
مواضيع وابحاث سياسية


الخروج من المأزق الاجتماعي والسياسي

أننا إزاء ردة (رجعية تاريخية)، عميقة وشاملة، تضرب عقل وروح وكيان مجتمعنا، وتقطع عملية تطوره الطبيعي، وتشله، وتقوده إلى متاهات خطيرة. ومع تفاقم وتمدد واستشراء هذه الردة (الرجعية) في جسد المجتمع، التي تترافق عادةً وتنتج عن الكوارث السياسية أو المنعطفات التاريخية التي تمر بها الشعوب والمجتمعات، بجميع أبعادها وتفاعلاتها، وتغلغلها في تفاصيل وعمق المجتمع، وتراجع العقل والفكر والتعليم والثقافة والفنون، وسيادة وانتشار الخرافة والتقاليد البالية وأشكال ما قبل الدولة الحديثة، بواسطة مؤسسات ومرجعيات تقليدية متخلفة، تستحوذ على السلطة وتسخر مؤسساتها وقوتها القمعية وإعلامها ومواردها لخدمتها، وهي مؤثرة في المجتمع بسبب تخلفه وانقسامه، عندها يصبح مصير هذا المجتمع مهدداً بشكل عملي، وهو يسير ويتخبط في عمق الأزمة والمأزق التاريخي.
الحالة الراهنة التي نعيشها، حيث تتواصل وتتعمق الأزمة الاجتماعية والوجودية الشاملة، التي تعصف بمجتمعنا ووطننا، وتدفعه إلى الجدار الأخير، ويلف الناس القنوط والحيرة، من حالة قلقة بلا أمل أو أفق نحو مستقبل طبيعي. وهي أزمة عميقة، تتحول تدريجياً وحثيثاً إلى مأزق تاريخي خطير، يشمل جميع نواحي الحياة، وصلت ودفعت بالمجتمع في مرات عديدة إلى حافة الهاوية، والى أتون الحرب الأهلية الداخلية، التي كادت أن تعصف وتطيح بكل شيء، وأن لا تبقي ولا تذر. والأزمة العامة، لم تزل قائمة بكل بذورها وعواملها وأسبابها، وقد تتفجر بأية لحظة، بفعل فاعل ما، أو عامل من هذه العوامل الكثيرة، المنبثة والمتحركة تحت غطاء هش ومهلهل! وأن أبرز مظاهر الردة الرجعية الحالية، ممارسة وتكريس الطائفية (السياسية) وتعبيراتها المتنوعة، بشكل علني صارخ، وصعود نزعة الدين السياسي الطائفي!
وأزمتنا الاجتماعية والسياسية الوطنية الراهنة، هي أزمة سياسية وقانونية وفكرية وثقافية وأخلاقية، أنها أزمة مشتركة ومتبادلة بين المجتمع والدولة. وهي قديمة ولها جذورها الممتدة بعيداً وعميقاً في تاريخنا ومجتمعنا، وقد حركتها وضخمتها وفجرتها السياسات الخاطئة في مراحل وفترات وحالات كثيرة، كان أخطرها صعود وسيطرة وسقوط النموذج الفاشي المتخلف، أعني بالتحديد ما يمكن تسميته نموذج (الفاشية المتخلفة) في بلادنا، والإخفاق في التصدي له، وعمليات القمع والاستبداد السياسي والأمني الشرس، والتخريب الثقافي، وعسكرة المجتمع والحروب الطويلة والشرسة المتعاقبة، حيث كانت الحرب العراقية الإيرانية، الطويلة والمنسية، أخطرها عمقاً وأثراً، على المجتمع والدولة وعموم حالة البلاد، رغم أنها ظلت تدور على الحدود، حيث ترسخت النزعة العسكرية الصاعدة والهائجة والمنفلتة من عقالها، وهذا الأمر لم يدرس بسبب توالي وتلاحق الكوارث الحربية والسياسية، والانخراط السريع، ومن دون فاصلة حقيقية والتورط في مستنقع ومأزق احتلال الكويت، ونشوب حرب تدمير العراق من قبل أمريكا، لإعادته إلى العصر الحجري حسب وزير خارجية أمريكا الأسبق جميس بيكر، وفرض الحصار الطويل والجائر على شعبنا، والذي راح ضحيته مليون طفل عراقي، (كثمن طبيعي لابد منه حسب أولبرايت)، إلى جانب الخسائر البشرية والمادية الأخرى، والتي لم يجر إحصائها وتقييمها ومعرفة أثرها العميق في أضعاف وضعضعة أسس المجتمع، ونقله إلى حالات ومستويات أخرى تختلف عن سابقاتها من حيث التوجه والقيم والسلوك العام والعلاقة بالمستقبل، لينتهي كل شيء مع الغزو والاجتياح والاحتلال والتدمير المدروس والمنظم والعشوائي لكل ما هو موجود وقائم أو بقاياه البسيطة والمتهالكة، تساعد الاحتلال في هذا التدمير الشامل شراذم تائهة مندفعة لا ترتبط بالوطن بشيء، كما أكدت الممارسات والتجارب الممتدة لعشر سنين دامية مرت لحد الآن. هذا المشهد المرعب يرينا ويطلعنا على عمق الأزمة الحالية وطبيعتها، وربما يفتح المجال والأمل في معالجتها وإيقافها، وهذه مهمة الحركة الوطنية الجديدة غير المنجزة للآن، وربما المهملة والمتراجعة لعوامل نحاول دراستها وكشفها! علماً بأننا نتحدث عن مجتمع لم ينجز أو يكمل مشروع (نهضة) أي مشروع نهضته، ولم يلعب فيه التعليم والفكر دوراً صاعداً ومؤثراً، وكذلك حال الثقافة والفنون والآداب، وكان الفكر السياسي بسيطاً ومشتتاً بل ساذخاً، خاصة بين عناصر السلطة أو ما يسمى بالطبقة الحاكمة، دع عنك قضايا التنمية والبناء والتطور الاقتصادي والصناعي والزراعي والعلمي. وأقصد من ذلك كله نحن أمام بنى اجتماعية وسياسية، هشة وبسيطة وقلقة، لم تكتمل، ولم تكن بأفق مستقبلي ثابت، لذلك يجري الانقلاب السهل عليها وتحويلها إلى اتجاه آخر حسب مزاج وتوجهات الحاكم أو السلطة!
طبعاً، هنا ودائماً، لا أريد تناسي أو التقليل من دور العامل الخارجي في عموم منطقتنا، وأشكاله وأساليبه وأسبابه التاريخية والثقافية والاقتصادية وأطماعه التي تتعلق بالسيطرة ونهب الموارد الهائلة في المنطقة، وموقعها الجغرافي الحساس، وسهولة اختراقها بسبب ضعفها وهشاشتها الداخلية، ووجود الكيان (الإسرائيلي) وعلاقته بالغرب، ومسالة أمن (الكيان) والحفاظ عليه، ليقوم بدوره الوظيفي الخطير فيها، ولا كيفية التصدي للمشروع الخارجي وأشكال الهيمنة والتبعية القديمة والجديدة في ظل العولمة والمشاريع والخطط المتعددة والمتغيرة الأخرى. وهذا أيضاً موضوع آخر، واسع وهام.
وموضوع العامل الخارجي المتفاقم، يحتاج إلى مبحث علمي منفصل ومتخصص، يستند إلى الوثائق والحقائق والمواقف والمصالح الوطنية، وليس إلى حشره بشكل مفتعل أو منفعل أو روتيني شكلي متكرر، لا يكشف جوهره وحجمه الحقيقي، وهذه مشكلة معرفيه مستقلة، تمنع الوصول إلى الطرق الصحيحة والفعالة للتصدي له!
لقد أسس وخلق الاحتلال حالة سياسية شاذة، غير وطنية، اسماها ب (العملية السياسية)، تقوم على أساس طائفي وتقسيمي. تهافتت عليها قوى وشخصيات كثيرة، وجدت فيها فرصة وصفقة تاريخية للوصول إلى الحكم، وقد ترافق هذا المشهد مع تراجع وانحسار دور حركة وطنية قادرة على التصدي للوضع السياسي في بلد يخضع للاحتلال العسكري المباشر من قبل الولايات المتحدة الأمريكية. هنا وصلت الأمور إلى درجتها النوعية الحرجة، حيث سيدور ويحتدم الصراع، بين رؤيتين وتيارين، أحداهما وطنية، والأخرى غير وطنية، قبلت بمشروع الاحتلال وتعمل لصالحه ولصالح جهات إقليمية وخارجية أخرى، وهذا التحديد ضروري وحاسم في تشخيص طبيعة وشكل العمل السياسي في بلادنا، للتفريق القاطع بين العمل السياسي الوطني المطلوب، وبين ما يسمى ب(العملية السياسية) التابعة للاحتلال، وباعتبارها استمرار عملي وتطبيقي له، بأشكال سياسية وأمنية ملفقة، بجميع تفاصيلها وعناصرها ونتائجها الكارثية القائمة في بلادنا. وبالمناسبة فأن هذا التشخيص والتحديد يؤسس لكيفية التعامل مع الوضع، وهو ليس أمراً لغوياً أو شكلياً عابراً، لذلك نركز عليه ونذكر به، بشكل مدروس ومقصود، في كل مرة، فهو من صلب وأسس الفكر السياسي الوطني النقدي، وعليه بنينا موقفنا في رفض (العملية السياسية) رفضاً تاماً، في جميع مراحلها وخطواتها وتفاصيلها، الخطيرة والقاتلة، ولأننا لا نتفق مع هذا النهج، ونعرف بالنتائج الكارثية قبل وقوعها!
هذه المقدمة، بصدد (الردة الرجعية التاريخية) والمأزق الوطني، التي يمر بها ويعيشها مجتمعنا ووطننا، هي مساهمة ضمن الفكر السياسي الوطني، تتطلب دراستها دراسة اجتماعية سياسية، مستقلة ومفصلة. أما الحل السياسي، فيتطلب طرح حلول وطنية ومعالجات آنية ومستقبلية، تتجمع كلها في مشروع البرنامج الوطني الديمقراطي، وهو ما دعونا أليه في فترات سابقة من كارثة الاحتلال، الذي فرض الشكل الطائفي الرجعي الحالي على بلادنا.
لقد أجريت حوارات معمقة مع عدد كبير من الأصدقاء حول الموضوع، وعن دقة المصطلح وقيمته وتطابقه مع الحالة التي يمر بها مجتمعنا، وأهمية كشف أبعاد وعمق الردة الرجعية السائدة في بلادنا ومظاهرها وكيفية التصدي لها!
وهذه رسالة من احد الأصدقاء الأعزاء تشرح وتوضح بعض مظاهر الأزمة السياسية - الاجتماعية (صديقي أحمد أرسل لك أدناه مجموعة رؤوس أقلام قد تنفع للمحور مع محبتي:
ابرز تجليات العملية السياسية الشائهة على المشهد الاجتماعي:
1- انفراط ما تبقى من الرابطة الوطنية.
2- سطوع روح النهب وانعدام الغيرة على المال العام.
3- تدوير اسطوانة المظلومية الطائفية ما استدعى بروز نزعة الحيف التاريخي عند فئة من الجهال التي استخدمت هذه النزعة نفاقا كستار لنهم الامتلاك عن طريق شتى وسائل الفساد والإفساد المالي والإداري.
4- غياب روح التدين الفطري البسيط الذي كان سائدا عند الطبقات الشعبية لصالح روح التدين العدواني التبشيري الذي يبيح لاسذج أدعياء التدين بالإفتاء الاعتباطي بل وإقامة الحدود في بعض الأحيان.
5- الانقياد الأعمى لرموز دينية جديدة تتسم بروح الحماسة الخطابية والتحشيد الطائفي.
6- التهوين من خطيئة (العمالة والولاء للأجنبي ) من خلال إشاعة مفاهيم مثل (الرابطة المذهبية ) أو (الرابطة القومية ) أو مفهوم (المصالح التاريخية ) تمهيدا لإفناء الحس الوطني جذريا , وقد تبدى ذلك من خلال رفع الصور ونصب الجداريات في مدن كثيرة من العراق ولاسيما مركز العاصمة لرموز لا تمت للوطن بصلة (الخميني , خامنئي , عماد مغنية , القرضاوي ..الخ ) في ظاهرة هي الأكثر خزيا وترديا في الذات الوطنية العراقية عبر كل تاريخها.
7- انحسار ظاهرة التزاوج البيني فيما بين مكونات الكتلة الوطنية العراقية الى أدنى حدودها في مؤشر خطير على تصاعد نزعة الانعزال الطائفي والقومي والمناطقي وما يتبعه مستقبلا من انقطاع رابط الدم الذي كان يشكل لحمة النسيج الاجتماعي.
8- التهليل لمشاعر وقيم ومداليل ورموز جهوية مغرقة في التخلف وإحياء أساطير تاريخية غيبية لصالح إذكاء روح التباين الجينالوجي بين مكونات المجتمع العراقي واستخدام خطاب التسفيه والحط من قيم ومثل وعادات الآخر الاجتماعية.
9- عشرنة (من عشيرة) وتطييف الوظيفة الحكومية العامة وتمييع كافة قوانين الخدمة المدنية ومعايير التوصيف الوظيفي لصالح مفاهيم مثل (التكليف الشرعي ) للوظيفة العامة و (مصلحة المذهب ) أو (عزوة العشيرة ) وهو الأمر الذي أدى الى سقوط النظام الإداري العام للدولة بأيدي مجاميع من الجهلة عديمي الخبرات وانعدام الضوابط الإدارية والقانونية الرصينة التي تحكم نظام الخدمة العامة وانفراط هيكل وبنية الدولة ما أدى الى هيمنة التخبط بدلا من التخطيط وضياع الثروة العامة للبلاد في مشاريع فاشلة لم ينجز منها شيئا على الإطلاق رغم ضخامة الميزانيات المرصودة لها.
10- إفشال نظام التربية والتعليم من خلال تقليص ساعات الدوام لأدنى حدودها بسبب توسيع مديات العطل والمناسبات الاعتباطية تحت شتى الذرائع المزاجية والتضييق على النشاطات الفكرية والثقافية اللامنهجية التي كانت تغني روح المشاركة وتنمية المواهب واعتبار هذه النشاطات من المحرمات الأخلاقية.
11- إبعاد العنصر النسوي من المساهمة في قيادة الوظيفة المدنية العامة والنشاط الاجتماعي بالرغم من توفر الكفاءات الاستثنائية لهذا العنصر وتحت حجج وادعاءات لم تعهدها الحياة المدنية العراقية عبر كل تاريخها المنظم).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تشييع الرئيس ابراهيم رئيسي بعد مقتله في حادث تحطم مروحية | ا


.. الضفة الغربية تشتعل.. مقتل 7 فلسطينيين بنيران الجيش الإسرائي




.. هل ستتمكن إيران من ملئ الفراغ الرئاسي ؟ وما هي توجهاتها بعد


.. إل جي إلكترونيكس تطلق حملة Life’s Good لتقديم أجهزة عصرية في




.. ما -إعلان نيروبي-؟ وهل يحل أزمة السودان؟