الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


للبيروقراطيات عادات كالأفراد

حسن مدن

2012 / 11 / 9
مواضيع وابحاث سياسية


“على المدى الطويل سنكون كلنا أمواتاً«، قائل هذه العبارة هو رجل اقتصاد بارز، وكان يرد بها على أنصار حرية السوق الذين كانوا يقولون، فيما العالم يغرق في الأزمة الاقتصادية الكبرى في عشرينات القرن العشرين:”لا تقلقوا، فالأسواق تضبط نفسها بنفسها، فلنترك لها الوقت، والازدهار سيعود”. وقد رد الرجل بأن “الأسواق لا تصلح نفسها بنفسها، وعلى كل حال ليس ضمن مهل مناسبة، على المدى الطويل سنكون كلنا أمواتاً”. وهو بهذه العبارة ينبه إلى أن الذين يقولون هذا الكلام عن أن الأحوال “على المدى الطويل”ستكون أحسن مما هي عليه، لا يحسبون الحيوات التي سيُقضى عليها بانتظار ذلك اليوم المزعوم .


والحق أن هذا التفكير يطرح قضية أخلاقية مهمة، هي إلى أيّ مدى يبدو مقبولاً أن تتحمل أجيال بعينها تبعات سياسات مؤلمة، تعويلاً على أن هذه السياسات ستعطي أُكلها في حياة أجيال قادمة؟ فما ذنب جيل بذاته أن يتحمل الآلام، على أمل أن الجيل القادم سيقطف ثمار هذه الآلام، وهو أمر غير مضمون بدوره، على نحو ما برهنت تجارب بعض بلدان التوجه الاشتراكي في حقب سابقة؟ ويمكن أن يُقرأ الأمر معكوساً أيضاً، فما ذنب الأجيال القادمة حين تفرط أجيال حاضرة في ثروات هي ليست ملكها وحدها، وإنما ملك لأجيال عدة؟ وأكثر ما ينطبق هذا القول على حال البلدان المصدرة للمعادن ومصادر الطاقة كالنفط مثلاً، كما هو حال بلداننا الخليجية حيث على أجيال اليوم أن تطرح على ذاتها هذا السؤال الأخلاقي عن نصيب أجيال المستقبل من الثروة؟


وعاد اقتصادي بارز معاصر إلى قول رجل الاقتصاد المشار إليه أعلاه وهو يدعو إلى ما يصفه ب”عولمة ذات وجه إنساني”. إنه جوزيف ستيغليتز الذي نال جائزة نوبل في الاقتصاد، في معرض تحليله ل”خيبات العولمة”.


لقد أمضى الرجل نحو سبع سنوات في واشنطن ليس بعيداً عن ولادة السياسة الاقتصادية الشاملة بصفته عضواً في إدارة الرئيس الأسبق بيل كلينتون ورئيساً لمجلس المستشارين الاقتصاديين، لكنه بصفته رجل علم وفياً لإخلاصه العلمي، أدرك أنه ما لم يجر استخلاص العبر الضرورية من الأخطاء، واستمرت العولمة تُدار بالطريقة التي أديرت بها في الماضي، وتُدار بها الآن، فإنها لن تؤدي إلى زيادة النمو فحسب، ولكنها في الآن ذاته، ستظل تنشر الفقر وعدم الاستقرار، وإذا لم يكن هناك إصلاح، فإن العداء للعولمة سيتفاقم .


إن العولمة في نظر الملايين من الناس زادت أحوالهم فقراً، لأن الكثيرين خسروا أعمالهم، وباتت حياتهم أقل أماناً من ذي قبل، وأكبر الخاسرين من ذلك هم سكان العالم النامي، لكن تداعيات سياسية أخرى أكثر شمولاً ستطال العالم المتطور أيضاً .


وإذ يدعو الرجل إلى عولمة ذات وجه إنساني، فإنه يعترف بأن تغيير النظام الاقتصادي العالمي ليس أمراً سهلاً، “فالبيروقراطيات هي كالأفراد: تكتسب عادات سيئة ونتألم عندما يتوجب تغييرها«، ولكنه يرى أن الإصلاحات ضرورية، وممكنة أيضاً .


وهذه الإصلاحات بحاجة إلى دولة فعالة، ذات سلطة قضائية قوية ومستقلة، وإلى دولة ديمقراطية، متفتحة، شفافة، متحررة من الفساد الذي يقضي على الفاعلية في القطاعين العام والخاص معاً، وهو هنا يشير إلى البلدان النامية تحديداً التي يتعين عليها تدبر أمورها وسط غابة دولية من الكواسر .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجيش الروسي يستهدف قطارا في -دونيتسك- ينقل أسلحة غربية


.. جامعة نورث إيسترن في بوسطن الأمريكية تغلق أبوابها ونائب رئيس




.. قبالة مقر البرلمان.. الشرطة الألمانية تفض بالقوة مخيما للمتض


.. مسؤولة إسرائيلية تصف أغلب شهداء غزة بالإرهابيين




.. قادة الجناح السياسي في حماس يميلون للتسويات لضمان بقائهم في