الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صورة المرأة في الشعر العربي المعاصر

عمار عكاش

2005 / 3 / 8
ملف - بمناسبة 8 مارس/ اذار 2005 يوم المرأة العالمي


مع بداية الخمسينات من القرن الماضي بدأتْ حركة التحرر العربية تـشق طريقها بخطواتٍ متسارعة محققةً الانتصار تلوى الآخر ، ترافق ذلك مع تغيرات كبيرة في مجمل الوعي العام العربي و الإيديولوجيات السائدة تمثلتْ في الدرجة الأولى بوعي ضرورة التغيير ، ... و هنا برزتْ عدة إشكاليات على الساحة السياسية العربية تمحورتْ حولها مشاريع التغيير الاجتماعي كإشكالية فك الارتباط من التبعية الاستعمارية – تحقيق الوحدة العربية – إشكالية النهضة – العدالة الاجتماعية و غيرها ...
و في خِضم هذه المشاريع المتـنوعة احتلّتْ قضية المرأة موقعاً مهماً ، من حيث إعادة النظر في دورها في المجتمع و المساحة المتاحة لها للتعبير عن نفسها و علاقتها بالرجل ، فأخذتْ مختلف أطراف الطيف السياسي و الفكري تدلو بدلوها فيما يتعلق بتصورها لحل قضية المرأة .
و في ظل كل هذه الإرهاصات التي شهدها الوطن العربي انطلـقتْ الإنتلجنسيا العربية لتكون بمثابة الناطق الرسمي بمجمل المشاريع النهضوية على اختلاف تلاوينها و مشاربها ، و لتتصدّر الحِراك المجتمعي ، .... و الفن بما هو لون من ألوان التعبير عن الواقع الاجتماعي بكل تغيراته بدأت تظهر فيه طروحات التغيير و النهضة خاصةً أن المذاهب الفنية و الأدبية ارتبطتْ بالاتجاهات السياسية إلى حدٍّ بعيد ، ... و على اعتبار أن الشعر هو من أعرق الفنون عند العرب فقد شكّل ساحةً لصراع الأفكار و الاحتمالات التي برزتْ على المسرح السياسي العربي ، و بدأتْ المرأة في هذه المرحلة الشعرية تدخل بحلّة جديدة مختلفة عن الصورة التقليدية التي أخذتها في الشعر العربي ، كان العنوان العريض لهذه الصورة : (( حرية المرأة )) ، فهل كان المضمون مماثلاً للعنوان ؟! .
لعلّ الشاعر نزار قباني يمثِّـل أول من كسر الطوق المفروض على المرأة و حالة الحصار المجتمعي على رغبات الإنسان العربي و مشاعره من خلال ديوانه قالت لي السمراء ، هذا الديوان كان الخطوة الأولى في مشوار قباني الطويل في دروب المرأة ، قدّم الشاعر في قصائده إدانة لذكورية المجتمع العربي و دفاعاً عن حق المرأة في التعبير عن مشاعرها و حاجاتها ، لكنّ الإشكالية تكمن في أن نزاراً كان يدعو لهدم الحواجز بين المرأة و الرجل من الناحية الجنسية بالدرجة الأولى ، أما التأسيس لعلاقة متكافئة بين الرجل و المرأة فقد كان غائباً عن شعره ، فمعظم صوره التي قدمها عن المرأة كانتْ مقتصرة على المرأة اللعوب ، أو المراهقة العذراء مقابل الرجل المجرِّب ، فإذا خرج عن هذه الأُطر نجده يغيب في لوثة جنسية تستغرق منه قصائد كاملة أما العلاقة الصحية بين الرجل و المرأة بكل أبعادها الجسدية و النفسية و العاطفية فهي مفتقدة في مجمل طرح نزار الشعري ، حتّى لأنه يمكن لنا أن نقول مع عبد الله الغذامي أن نزاراً كان يعيد إنتاج خطاب عمر بن أبي ربيعة ، و فيما يلي نورِد مقطعاً شعرياً لتلميذة نزار قباني سعاد الصباح يقدم صورة المرأة المراهقة البريئة مقابل صورة الرجل المجرِّب ، هذه الصورة تـتفق إلى حد بعيد مع خطاب نزار الشعري إلى حدٍّ بعيد :
(( لا تـنتقد خجلي الشديدْ
فإنني بسيطةٌ جداً .. و أنت خبيرُ
خذني بكل بساطتي و طفولتي
أنا لم أزلْ أخطو و أنت قديرُ
من أين تأتي بالفصاحة كُلّها
و أنا يتوهُ على فمي التعبيرُ
أنا في الهوى لا حَوْل لي أو قوةً
إن المحبَّ بطبعه مكسورُ
يا هادئ الأعصابِ إنك ثابتٌ
و أنا على ذاتي أدورُ
فرقٌ كبيرُ بيننا يا سيدي
فأنا محافظةٌ و أنت جسورُ
و أنا مجهولةٌ جداً و أنتَ شهيرُ
و أنا مقيدةٌ و أنت تطيرُ
يا سيد الكلمات هَبْني فرصةً
حتى يُذاكِرَ درسه العصفورُ ))
شاعر آخر مصنّف في خانة اليسار القومي نتـناوله هنا كمثال على التعاطي مع المرأة شعرياً هو الشاعر الكبير أمل دنقل الذي انخرط في مسيرة الحداثة الشعرية العربية في ظل تلازم واضح بين الهم السياسي و الهم الإبداعي لتغدو الكثير من قصائده علامات فارقة في الحداثة الشعرية ، و على الرغم من الوعي الحاد الذي تميّزتْ به قصائده في تـناول مجمل ما يحيط به من صراعات اجتماعية و سياسية و فهمه الواعي لطبيعة الصراع مع العدو الصهيوني فهو لم يتمكن من الارتقاء في تعامله شعرياً مع المرأة إلى ذات المستوى من الوعي ، فهو لم يتمكن من التحرر من موروثه الريفي الذي ينظر إلى المرأة كمصدر للغواية مقابل صورة أخرى طُهرانية للحبيبة المقدسة ، هذه الثـنائية التي تمثـل عقدة الرجل الشرقي كما تذكر الدكتورة نوال السعداوي لازمتْ معظم أشعار أمل دنقل :
(( يهتز قرطها الطويل
يراقص ارتعاش ظله
على تلفتات العنق الجميل
و عندما تلفظ بذر الفاكهة
و تطفئ التبغة في المنفضة العتيقة الطراز
تقول عيناها : استرحْ
و الشفتان شوكتان ))
و لا يغيب عن بالنا أن نقف قليلاً مع شعر الأرض المحتلة الذي بدأ يحتل موقعاً مهماً في الخارطة الشعرية العربية من حيث تجديده شكلاً و مضموناً للشعر العربي و لعل ذلك يعود إلى موقع المقاومة كرافعة للوضع السياسي العربي المتردّي .
تقتصر صورة المرأة في قصائد شعراء المقاومة على صورة أم الشهيد أو أخت الشهيد أو في الصورة المثالية التي استخدمها شعراء المقاومة كثيراً و هي صورة المرأة / الوطن ، و على الرغم مما حفِلتْ به هذه الاستخدامات من جماليات لا متـناهية لكن ذلك لا يمنعنا من انتقاد شعراء المقاومة في عزوفهم عن تـناول المرأة كمرأة بصرف النظر عن أي اعتبار آخر ككائن له مقوماته الإنسانية و خصوصيته الأنثوية ، و كأن ردّ الاعتبار إلى المرأة و منحها موقعها الصحيح يتطلّب الانتظار ريثما تُحرَّر الأرض المحتلة :
(( شاءها الله شهية !
شاءها الله .. فكانتْ .. كبلادي العربيه !
شعرها ليلة صيفٍ بين كثبان تُهامهْ
مقلتاها ... من مُهاةٍ يمنيه
فمها ... من رطب الواحة في البيد العصيّه
عنقها زوبعة بين رمالي االذهبيه
صدرها نجد السلامه
يحمل البشرى إلى نوحٍ ،
فعودي يا حمامه !
و لدى خاصرتيها بعض شطآني القصيه
شاءها الله كبلادي العربية !
نكهة الغوطة و الموصل فيها .
و من الأوراس .. عنف و وسامهْ
و أبوها شاءها أحلى صبيهْ
شاءها اسماً و شكلا
فدعاها الوالد المُعجَبُ ليلى
و إليكم أيها الإخوان ... ليلى العدنيه ! ))
((سميح القاسم : قصيدة ليلى العدنية))
و على الرغم مما ذكرناه آنفاً فلا يفوتـنا أن نشير إلى شاعرنا الكبير محمود درويش الذي استطاع أن يفلت – ربما لعوامل ذاتية تعود لطبيعة الأحداث التي تعرض لها و مشاهداته الكثيرة و زخم تجربته الحياتية – من إسار الهدف النضالي بمعناه المفروض فرضاً على القصيدة و بمعناه الإيديولوجي لتصبح قصيدته قصيدة الإنسان بالدرجة الأولى ، و لنجد أن صورة المرأة تطورتْ تدريجياً لدى درويش منذ بداياته التي كان تناوله فيها للمرأة لا يختلف كثيراً مع النمط السائد ، ثم بدأ هذا التناول يظهر بشكل متميز تدريجياً لا سيما من خلال ريتا التي كانتْ أشبه بلعنة ملازمة للشاعر ، صحيح أن هناك تداخلات سياسية عديدة في رسمه لريتا لكنها تأتي في سياق العلاقة المنطقي و محيطها الاجتماعي و شروطها ، حتى وصل الشاعر أخيراً إلى تقديم ديوان كامل عن علاقته بالجنس الآخر من خلال عمله الشعري (( سرير الغريبة )) الذي هو محاولة لاكتـشاف عوالم المرأة و أسرارها كمرآة لذاته كرجل ، و محاولة لاختراق المساحة الفاصلة بينه و بين نصفه الآخر :
(( ريتا تحتسي شاي الصباحٍ
و تقشّر التفاحة الأولى بعشر زنابقٍ،
و تقول لي :
لا تقرأ الآن الجريدة ، فالطبول هي الطبولُ
و الحرب ليستْ مهنتي . و أنا أنا . هل أنتَ أنتَ ؟
أنا هوَ،
هو من رآك غزالةً ترمي لآلئها عليه
هو من رأى شهواته تجري وراءك كالغدير
هو من رآنا تائهين توحّدا في السرير
و تباعدا كتحية الغرباء في الميناء ، يأخذنا الرحيلُ
في ريحه ورقاً و يرمينا أمام فنادق الغرباءِ
مثل رسائلٍ قُرِئتْ على عجلٍ ،
أتأخذني معكْ ؟
فأكون خاتم قلبك الحافي ، أتأخذني معكْ
فأكون ثوبك في بلادٍ أنجبتكَ ... لتصرعكْ
و أكون تابوتاً من النعناع يحملُ مصرعكْ
و تكون لي حياً و ميتاً ،
ضاع يا ريتا الدليلُ
و الحبُّ مثل الموت وعْدٌ لا يُردُّ ... و لا يزولُ ))
(( محمود درويش : قصيدة شتاء ريتا ))
ونظراً لغياب الشروط الصحية لقيام علاقة إنسانية بين الرجل و المرأة أساسها الوجدان النقي و التواصل الخلّاق بعيداً عن الابتذال و الذكورية ، فقد تحوّلت الحبيبة في معظم الأحيان إلى حلم من خلال الأسْطَرَة التي تعكس محاولة الشاعر رسم تصور معين لأنثاه مفتقد في الواقع ، فالشعراء في معظم الأحيان كانوا يتـنفسون من خلال قراءاتهم في تصوير علاقتهم بالمرأة بسبب افتقادهم إلى علاقات حقيقية مع الأنثى كونهم جزءً من مجتمع شرقي بائس ، و أيّاً كانتْ جماليات الأسْطَرَة فإن ذلك لا يمنعنا من القول من وجهة نظر خاصة أن هذا التقديم الأسطوري للمرأة يعبر عن عدم قدرة الشاعر على تصوّر المرأة ككائن واقعي مكافئ له ، له حق مماثل في الحياة و التعبير عن كوامن روحه و طاقاته :
(( عيناك غابتا نخيلٍ ساعة السَحَرْ
أو شرفتان راح ينأى عنهما القمرْ
عيناكِ حين تبسِمانِ تورقُ كالأقمار في نَهَرْ
و ترقص الأضواء وهناً ساعة السَّحرْ
كأنما تنبض في غوريهما النجومْ ))
(( بدر شاكر السيّاب : أنشودة المطر ))
و تحوّلتْ المرأة لدى الكثير من المثـقفين إلى شيء من أشيائهم يحملونه من مكان إلى آخر كما يحملون أمتعتهم ، فالمرأة ترد لدى مظفر النواب في الغالب كلحظة شبقية تـنسيه متاعب طريق النضال الوعر أو إلى جانب الكأس، والسيكارة، والأرض، والوطن، والرحيل ... ، إنها عدّة الشغل كما يقول يحيى الجباعي .
و كثيراً ما كان مظفر يقدم من خلال صورة المرأة المومس صورة مصغرة للمجتمع ( مثل قصيدة في الحانة القديمة ) ، أو يبدأ قصائده بوصف جنسي شبقي قبل الدخول إلى غرض القصيدة الأساسي تماماً كما كان يبدأ شعراء الجاهلية بالوقوف على الأطلال .
و أخيراً نورد مقطعاً شعرياً لسعاد الصباح وُفِّقتْ فيه إلى حدٍّ كبير في تقديم صورة أخرى لعلاقة المرأة و الرجل بعيدة عن التـناول النمطي و الثـنائية التقليدية ( المرأة الحبيبة / المرأة الأخت – الأم ) ، و على الرغم من الخلل الذي تعانيه اللغة الشعرية و هبوطها إلى مصاف اللغة النمطية النثرية لكن ذلك لا يمنعنا من الإشادة بالمضمون كمثال يمكن أن يحتذيه الشعراء :
(( كم جميلٌ لو بقينا أصدقاء
كم جميلٌ .. أن كل امرأةٍ تحتاج إلى كف صديق
كُنْ صديقي .. كُنْ صديقي
لماذا تهتمُّ بشكلي و لا تدركُ عقلي
كُنْ صديقي .. كُنْ صديقي
أنا محتاجةٌ لميناء سلامْ
و أنا متعبةٌ من قصص العشق و أخبار الغرامْ
فتكلّمْ .. تكلّمْ
لماذا تـنسى حين تلقاني نصف الكلامْ
كُنْ صديقي .. كُنْ صديقي
ليس في الأمر انتقاصٌ للرجولة
غير أن الشرقيَّ لا يرضى بدورٍ غير أدوار البطولة ))
و على كلٍّ يبدو أن الحداثة الشعرية التي عمّتْ الشكل الشعري في تقديمها للمرأة لم تستطع سوى تلميع صورة المرأة و إعادة تقديمها بصيغ جديدة و لكنها لم تحقق قَطْعاً مع الصورة التقليدية ، فالحداثة ظلتْ نتوءاتٍ نافرة في وعي النخبة المثـقفة و عموم الوعي الاجتماعي العام ، لتبقى بذلك حرية المرأة في الشعر كما في معظم ميادين الحياة السياسية و الاجتماعية العربية عنواناً لم يجد سبيله إلى الواقع .

عمار عكاش – طالب في قسم علم الاجتماع – جامعة حلب – [email protected]
المراجع :
• يحيى الجباعي : المثـقفون والموقف من المرأة وحقوقها. مقال مأخوذ عن شبكة الإنترنت .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما الذي تستهدفه الطائرات الحربية الإسرائيلية في ضاحية بيروت


.. مسيرة بمدينة نيويورك الأمريكية في ذكرى مرور عام على حرب إسرا




.. مشاهد تظهر حركة نزوح واسعة من مخيم -صبرا وشاتيلا- بعد الغارا


.. مشاهد توثق موجة نزوح كثيفة من مخيم صبرا وشاتيلا بعد الغارات




.. سقوط أكثر من 25 غارة إسرائيلية ليلية على الضاحية الجنوبية لب