الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التموينية والجوع

شاكر الناصري

2012 / 11 / 9
حقوق الانسان


لا يخفى على الجميع الاليات البشعة والمريعة التي تم بموجبها العمل وفقا لنظام الحصة الغذائية او ما يعرف عراقيا "البطاقة التموينية". وانها لم تكن آليات بقدر ما كانت وسيلة للتلذذ بمعاناة العراقيين وتنظيماً متقناً ووفق الشرعية الدولية للمجاعة التي واجهها العراقيون الذين وقعوا بين نار الدكتاتورية والقمع السافر من جهة وبين نار الامم المتحدة والمجتمع الدولي الذي يريد ان يقلم أظافر دكتاتور بخيال دموي.

كان الجوع والفقر والحرمان والموت الجماعي مجموعة من الكوارث التي حلت بالعراق والعراقيين. جوع وحرمان اقل ما يقال عنه أنه لم يترك صغيرا ولا كبيرا، لم يترك بشرا إلا ومرغ حياته وآماله ووجوده بوحل الذل والمهانة.

تنبه المجتمع الدولي "الرؤوف الرحيم " إلى العار الذي سيلحق به وهو يرى ويسمع بوضوح يصم الآذان ما يحل بالعراقيين من موت وجوع وإذلال ومهانة قل نظيرها نتيجة تواصل سياسة العقوبات والحصار الأقتصادي الأجرامية وبعد ان فشلت كل محاولاته للحد من طغيان صدام حسين ولا الحد من ممارساته التي حولته الى دكتاتور مهول يتلاعب بملايين البشر وحول حياتهم الى جحيم واداة في لعبة مساوماته ومزايداته، فتم حشد الخبراء وعتاة التنظيم البيروقراطي المهين فحسبوا وأحصوا عدد السعرات الحرارية وعدد غرامات السكر والطحين والزيت التي يحتاجها الفرد العراقي ليتمكن من البقاء على قيد الحياة ولكن كشبح هزيل ومهان.

هكذا حسبوا و قرروا وهكذا رهنوا حياة الناس بعدد من الكليلوغرامات والتي ستتحول لاحقا الى اداة موجعة بيد سلطة دكتاتورية لا تتردد عن استخدام ابشع الوسائل من اجل إذلال العراقيين. تحولت الحصة التموينية الى وسيلة لشراء الذمم وكسب الولاءات وخنق الاصوات المعارضة او الرافضة لممارسات الدكتاتور وحكمه المرعب. حتى وصل الجميع الى قناعة بأن هذا النظام قد تمكن من تركيع شعب بأكمله ويفعل به ما يشاء بمساعدة الأمم المتحدة وقراراتها ونظمها البيروقراطية المتعالية.

بعد سقوط نظام القمع الدكتاتوري في العراق واصلت السلطاتُ في العراق العملَ بالبطاقة التموينية التي بدأت تشهد تراجعا في مفرداتها ومحتوياتها ورداءة ما يتم توزيعه فيها بالإضافة إلى التلاعب بالمقادير والتأخر في مواعيد توزيع الحصة الغذائية التي يفترض بأن تكون منتظمة ودقيقة لان اعدادا كبيرة من العائلات العراقية تنتظرها كل شهر.

تحولت البطاقة التموينية ومفرداتها بعد ان ساد نظام المحاصصة والتوافق الطائفي الى ساحة صراع بين القوى الطائفية والقومية ليس من اجل تولي من هو أقدر على تلبية احتياجات الفقراء من العراقيين وتحسين حياتهم ولكن لأن وزارة التجارة قد أصبحت اداة كبيرة للسرقة واللصوصية وسرقة قوت شعب بأكمله وان من يتولى هذه الوزارة سيتحول وفي غضون أيام الى احد الرؤوس الكبيرة ومن أصحاب المليارات.

مليارات الدولارات نهبت تحت يافطة البطاقة التموينية، وزارة التجارة التي تسلمها من كان يسمى "قديس الدعوة"عبد الفلاح السوداني، القيادي في حزب الدعوة تحولت الى قلعة حصينة للفساد والسرقة واستغلال السلطة والإثراء الفاحش. فضائح كثيرة ورؤوس كبيرة يتم الكشف عن فسادها، سرعان ما يتم توفير الحماية لها بذريعة الأستهداف السياسي والطائفي فتهرب بما حملت وهرّبت من أموال ولكن، لا مفردات الحصة التموينية تحسنت ولا حياة الفقراء من العراقيين والذين يشكلون ما نسبته 8 بالمئة من مجموع السكان وفقا للأحصاءات الرسمية لوزارة التخطيط تحسنت كذلك او شهدت تقدما في مجالات انخفاض معدلات الفقر والجوع والامراض .

قرار الحكومة العراقية بإلغاء الحصة التموينية وتعويضها بمقابل مادي شهري لكل من يستحقها 15 الف دينار شهريا. يأتي ضمن مسار الفساد واللصوصية الذي أشرنا اليه وإلا كيف يتم تفسير استعداد هذه الحكومة لزيادة المقابل المادي للحصة التموينية الى 25 الف دينار بمجرد ان شعرت بحجم الرفض الواسع الذي تصاعد بعد سماع خبر قرار الحكومة بألغاء البطاقة التموينية. وكذلك فان هذا القرار سيكون فاتحة لمجموعة قرارات تتطابق مع شروط صندوق النقد الدولي الهادفة الى انهاء مسؤولية الدولة عن حياة ومعيشة المواطن ويأتي انهاء الدعم عن الأغذية والوقود وخصخصة القطاع العام وخفض الدعم في مجالات الصحة والخدمات من ضمن ابرز شروط صندوق النقد والبنك الدوليين التي يتم فرضها على كل بلد يتعامل معهما او يحتاج مساعداتهما.

في بلد غني وبميزانيات ضخمة كالعراق، فإن الحديث عن حصص غذائية توزع شهريا يصبح مثارا للسخرية. العمل وفق نظام الحصص الغذائية هو نظام مهين جدا ولا إنساني، إذ أن الدولة يجب ان تتحمل مسؤولياتها تجاه حياة سكانها ومواطنيها خصوصا أولئك الذين يعانون من البطالة والفقر وانعدام الدخل و أن تعمل على تحسين حياتهم ومعيشتهم وبما يليق بهم كبشر وليس كزوائد تعمل من أجل التخلص منها. ولذلك فإن على السلطات العراقية ان تعمل على ايجاد نظام فاعل للضمانات الأجتماعية والصحية يكون قادرا على تحسين الأوضاع المعيشية والحياتية للفقراء وللعاطلين عن العمل وكل من لا يتمكن من الحصول على مرتب شهري جراء قيامه بعمل أو وظيفة ما.

الضمانات الأجتماعية والأقتصادية تكون حصرا لمن لا يمتلكون عملا او راتبا شهريا يمكنهم من توفير أحتياجاتهم الغذائية والمعيشية كما يحدث في أكثر بلدان العالم المتحضر. وحتى تتمكن من ايجاد هذا النظام فإن عليها ان تعيد العمل بالبطاقة التموينية وتحسين مفرداتها والحفاظ على مواعيدها الثابتة وان تعمل على حمايتها من الفساد واللصوصية وان يتم أيصالها للمواطن بآليات تحفظ كرامته و لا تجعله يشعر بالذل والاستجداء والمهانة .

التوزيع العادل للثروات هو الأمر الذي يجب ان تعمل القوى الأجتماعية والسياسية التي لم تشارك في مهرجانات الفساد واللصوصية من اجل فرضه على السلطات العراقية لأنه سيمكن المواطن العراقي من الشعور بالأمان الاقتصادي والمعيشي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - امتداد لعولمة متوحشة
طلال الربيعي ( 2012 / 11 / 9 - 21:57 )
عزيزي شاكر
السلطة في العراق تؤكد كل يوم امتنانها الى من احتل الوطن وردها الجميل(!) له بادائها دورها بكل دقة واخلاص كامتداد لعولمة متوحشة وككلب مطيع لشروط صندوق النقد والبنك الدوليين.
مع كامل مودتي

اخر الافلام

.. برنامج الأغذية العالمي: توسيع العملية العسكرية في رفح سيكون


.. الأونروا: الرصيف البحري المؤقت لا يمكن أن يكون بديلا للمعابر




.. كل يوم - خالد أبو بكر: الغذاء ينفد والوقود يتضاءل -المجاعة س


.. المثلية الجنسية ما زالت من التابوهات في كرة القدم الألمانية




.. مظاهرات حاشدة في مدينة طرابلس اللبنانية دعماً للاجئين السوري