الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مدحت صفوت يكتب عن أغنية إلى النهار للشاعر السماح عبد الله

السمّاح عبد الله
شاعر

(Alsammah Abdollah)

2012 / 11 / 10
الادب والفن


السمّاح عبد الله وأغنيته الجميلة إلى النهار

=================
مدحت صفوت محفوظ
=================

منذ بداياته، ارتبط فن المسرح بالشعر، أو على حد تعبير د. عبد العزيز حمودة " أن المسرح حينما بحث عن أداة للتعبير اللغوي لم يجد أمامه أفضل من الشعر"؛ " فنشأ في أحضانه " بتعبير صلاح عبد الصبور، وظل محتفظا به فترة طويلة، فيندر أن تجد منذ المسرحيات الإغريقية، ومرورًا بتراث العصور الوسطى، وعصر النهضة، وبداية الرومانسية الأوروبية مسرحية لم تُكتب بالشعر".

وبعد ثلاثة عشر ديوانًا شعريًا، وثلاثة دواوين شعرية للأطفال، وبعد امتطاء السمّاح عبدالله جوادَ الشعر ما يزيد على العشرين عامًا، وبعدما أصبح واحدًا من أهم شعراء الثمانينيات فى مصر، يلجأ إلى حصانه الشعرى كأداة تعبير وخلق فى ذات الوقت؛ لتشكيل أولى مسرحياته الشعرية "أغنية إلى النهار" والتى صدرت مؤخرًا عن دار التلاقى للكتاب.

تبدأ المسرحية بفتح الستار عن مكان متسع، خاو تمامًا، ليس فيه أى شيء سوى صخرة هنا، حجر هناك، حوائط ترابية متهالكة، وثمة كوة لمعرفة الوقت، ورجل وامرأة منزويين، يواجهان بعضهما. يتضح من إضاءة المكان الرمادية أنهما بلا ملامح، بلا عمر محدد، منكوشا الشعر، يرتديان ملابس مهلهلة من الجلد البدائى، فقط لستر العورات. من الواضح أن هذه الشخصيات ـ كما يقول المؤلف ـ معزولة تمامًا عن الواقع.

سريعا ما ندرك أن هاتين الشخصيتين، مع شخصية ثالثة (الأب)، تعيش سبع سنوات عجاف وفى ليل دائم أيضا، وهم جميعا بانتظار بزوغ النهار وهطول الأمطار؛ لتنبت الحياة على الأرض من جديد. ولقد كانت المرأة هى المسيطرة على مقدرات المعيشة من ماء وتمر وقراقيش، وهى صاحبة اليد العليا، على حين لم يكن الرجل إلا آلة أو دمية تنفذ الأوامر فحسب. ويتضح من سياق الحوار أن المرأة أخت الرجل وزوجته فى آن واحد، والمؤلف هنا لا يصور لنا علاقة حب محرمة، بقدر ما يوظف شكلا من الأشكال الأسطورية البدائية فى علاقة الرجل بالمرأة، بصورة تشبه علاقة هابيل وقابيل بأختيهما. ومع زيادة الأحوال سوءًا وطول فترة الانتظار لبزوغ النهار، يتفق الرجل والمرأة على التخلص من أبيهما، طمعًا منهما فى زيادة نصيبهما من الطعام والشراب الذى أوشك على النفاد.

لقد أحسن المؤلف صنعا فى رسم شخصيات عمله، خاصة الشخصيتين الرئيسيتين، واللتين جاءتا على خلاف نفسى وفكرى بيّن؛ فالرجل أحادى الجانب، ضعيف الشخصية، ربما استمد ضعفه من الهزال الذى أصابه، متردد، لا يفكر سوى فى الحصول على تمرة أو نقطة ماء، أصابه اليأس فى النهاية فاستسلم للموت. على حين جاءت المرأة بشخصية مركبة / متعددة الجوانب، فهى القوية المتسلطة، المخادعة، القادرة على أن تخلط الحقائق وتزيفها، وهى التى تملك ناصية المنطلق، واللعب باللغة ودلالة الألفاظ ، فتطوع مهارتها فى تحقيق ما تصبو إليه، وهى، فى ذات الوقت، حالمة، ظامئة إلى لقاء على فرشة قش، وسقف المطر، وحضن دافئ وقبلتين. تقول المرأة:

إنى أريد أن تفى بوعدك القديم
أريد ليلة دافئة كاملة
تبدأها بالقبلات
وتضمنى بكفتيك

ورغم ارتجافة الروح، وبرد البدن، ورغم أنها لم تذق طعم الجنس/ الفرح من عامين، ورغم الظروف التى تزداد سوءًا من حولها، إلا أنها لا تزال تملك الحلم، الفرح، والحب.

ثمة ملاحظتان، يلحظهما القريب من السمّاح عبد الله :

الأولى تتمثل فى تأثير التراث ـ بشكل عام ـ على نتاجه الشعرى، وبدا واضحا فى فكرة السنوات السبع العجاف / المظلمة، والتى حطت بظلالها على النص؛ ليهاجر المؤلف من الواقع الزمنى المألوف إلى زمن هلامى أشبه بالحال فى الأحلام.

أما الملاحظة الثانية، فهى احتفاء شعر السمّاح بالقضايا الكبرى، ومن ثم تناول قضية من ذلك النوع فى عمل خلا من التقريرية والتطويل والخطابة، وجاء مؤكدًا على قدرة الشاعر/ المؤلف على التفرقة بين الدراما الشعرية والشعر الدرامي؛ حيث فى الدراما الشعرية - كما يقول إليوت - يُفرض البناء الدرامى للشخصيات. وعلى الشاعر أن يحدد نصيبها من الحوار الشعرى. الأمر الذى يدفع الشاعر إلى محاولة استنطاق تلك الشخصيات ـ كل على حدة ـ الشعر الذى يعبر عن مكنونها. ويصعب هنا تمييز صوت الشاعر فى أى منها، إذ تتحدث كل شخصية بصوتها الخاص. أما فى الشعر الدرامى فيمكننا تمييز صوت الشاعر، وإن تخفى وراء شخصية خيالية أو تاريخية. وفى هذه الحالة يفرض الشاعر شعره على هذه الشخصية.

تذكرت، عندما انتهيت من قراءة النص، مقولة مارتن لوثر كينج : " إن المأساة تنتظر البشر الذين تعلموا الطيران فى السماء كالطيور، والعوم فى البحار كالأسماك، لكنهم لم يتعلموا أن يمشوا على الأرض كالإخوة " فمجيء النهار بعد موت آخر الشخصيات الثلاثة، يراها البعض أنها النهاية المأساوية المستحقة لمن لم يمش فى إخاء. وإذا كان إليوت أنهى قصيدته " أرض الضياع " بالإنسان الذى لا يجد سوى الرعد يملأ السماء، ولا يعقبه الغيث، فإن السماح عبدالله جعل من نهاية " أغنية إلى النهار " دعوة للتذرع بالأمل، والتشبث به، مؤكدًا أن الغيث آت.. لا ريب تقول المرأة :

مازال فى يدىّ حلمٌ
، سوف نحياه معًا
مازال فى جيبىّ فرح
، سأرشه على المكان
مازال فى عينىّ حب
، سوف يحبو حولنا
، وينشر الأمان.
مدحت صفوت محفوظ








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل


.. أفلام رسوم متحركة للأطفال بمخيمات النزوح في قطاع غزة




.. أبطال السرب يشاهدون الفيلم مع أسرهم بعد طرحه فى السينمات


.. تفاعلكم | أغاني وحوار مع الفنانة كنزة مرسلي




.. مرضي الخَمعلي: سباقات الهجن تدعم السياحة الثقافية سواء بشكل