الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مع إلغاء -فساد- البطاقة التموينية، لكن بلا مجاعة!!

سعد سامي نادر

2012 / 11 / 10
مواضيع وابحاث سياسية


سبق لي ان عملت كمدقق حسابات في المؤسسة العامة للتجارة، وفي زمن كانت الأمانة والنزاهة فيه جزءً من طبيعة المجتمع. أمانة يحركها حس أخلاقي جمعي، وتهيمن فيه عدالة الحق والخلق العام، والضمير الاجتماعي للفرد. زمن لم يكن الدين والتباهي بالتدين ورموزه، يسود ويلعب بعواطف الناس، كما هو عليه الآن من بدع ضالة.
كان الفاسدون في حكومة صدام قلة، لا يتعدى قادة العائلة الحاكمة وبعض المدللين والمقربين المنتفعين منهم.
هناك قصة حقيقية قد توجز مشهد الفساد وقادته. كان لصدام صديقا قديما، فهو أنيس للقائد لمرة واحدة في السنة، لذا كان يحبه القائد ويغرقه بمكارمه. كان المكَرود، ذكيا و ساذجا بالفطرة. فما يضمره بقلبه، يؤخذ من سقطات لسانه. سأله صدام يوما: بصراحة، ماذا يتحدث الناس عن الحكومة !؟
أجاب باطمئنان: بصراحة ، بصراحة سيدي، يقولون ان هناك فساد كبير في الدولة !!
تململ وتنهد القائد، وهطلت شفته السفلى غضباً، فضرب يده على الطاولة وقال: عجل يا به، هسع آني قائد الحكومة والمسيرة ، يعني آنا فاسد ، ها!؟.. انهار السامرائي المسكين فاقداً الوعي .! وتحت ضحكات القائد، رمي خارج القصر!

ليس موضوعنا الآن عقد مقارنات تتعلق بالنزاهة بين النظام السابق ونظامنا الديمقراطي، ولا هناك مَن يرغم أحد على المشاركة في الحملة المضادة لقرار إلغاء البطاقة التموينية واسبابها. وخارج الأفكار المسبقة عن من أصدر القرار، أرى كما تراه الحكومة، لكن بيقين أكبر من ان الفساد هو من يتحكم بمجمل العملية السياسة، بل سمة من تركيبة نظام المحاصصة الطائفي الحالي. الخلاف عن نظرة الحكومة ، هو اننا نوعز الفشل والفساد بمجمله وبصورِه المتعددة، الى النظام السياسي، المتمثل بقادة السلطة المتنفذين، من دون تبرئة أحد، فهم وحدهم من غضّ ويغض الطرف عن الفساد والفُسّاد الفاشلين. وهم لا سواهم من أطلق العنان لأيديهم الفاسدة بالعبث والسرقة. ما يؤكد تهمنا هذه، ان الحكومة وفي كل مرة، لم تتحرك عن حضانة بيضها الفاسد، لحد ما يغطي رائحته النتنة المشهد السياسي برمته ، فتقوم بعدها ودون حياء، بتبرير وتقديم أعذار لتغطية هرب المسئولين المُفسدين مع ما نهبوه من مليارات.
لماذا لم يتم القبض على واحد منهم.!؟ لا عجب، ولا جواب ، ولا تفسيرات لديها ، لهروب فلاح السوداني وأيهم والشعلان و و ! فمن أين أتى حس النزاهة والخوف على المال العام إذن ؟ولماذا هذا اليوم!؟ هل هو جزء من صناعة أزمة، أو عبور مرحلة، او لتسويف ملفات حرجة. !

يقينا ان حكومتنا تعرف جيدا موهبة كوادرها الهواة - هل خبز من هل عجين، من هل طحين الفاسد - فالمسئول المؤمن، المؤتمن من كابينتها التنفيذية الفاشلة، وكل شريف مثله يصر بالحفاظ على نظافته ونزاهته، سيُحارب من الجميع، هذا إذا لم يُقتل بكاتم. لكن المخجل ان يقوم بعض المسئولين الشرفاء ! بعرض حرصهم الشديد على المال العام !! فيمتنعوا عن صرف ما خصص لدوائرهم من أموال الميزانية الاستثمارية، وإعادته الى الميزانية العامة، خوفا من الفشل تارة، أو من السرقة والنهب.! حدث ذلك في زمن الإيمان فقط،. فقد أعيد الى الميزانية 70% من ميزانية مناهج الاستثمار للسنوات السابقة لعدم قدرتهم على التنفيذ، ولنفس الأسباب: الخوف من الفشل والسرقة !! يا لخيبة الشرفاء !

نحن أمام مهزلة إيمانية وائتمانية. أزمة ثقة متبادلة تشل العملية السياسية والاقتصادية، فحتى النزيه في حكومة الشراكة، لديه مخاوف مبررة، تمثلها أزمة ثقة بالنفس، فكيف بربكم موقفه من الآخرين.؟ فما العمل ؟!
أجد أن إلغاء البطاقة التموينية واحدة من هذه المخاوف. وهي ضرورية لتقليص الإنفاق العام والفساد معا، ومهما كان رقم المعوض لغذاء الفرد، لكن في الوقت ذاته، أشك في دعوة الحكومة من قدرتها على إغراق السوق بالمواد الغذائية الرئيسية، والأهم قدرتها على السيطرة على خزين وأسعار المواد الغذائية. فهي تتحدث عن مجرد أماني وآمال تكذبها وقائع الفشل المتكررة على مجمل الأصعدة.
السؤال الأهم: كيف لها السيطرة على الأسعار ضمن سوق مفتوح بلا رقابة، وضمن جشع تجار محموم بلا رحمة وبلا حدود ودون واعز من ضمير اجتماعي، فقد تربى الجميع إيمانياً!! على حسد الفاسدين، واحترام قوى اللصوصية المسيطرة!؟
وأخيرا، ماذا عن التهريب، عن حدودنا المفتوحة على مصراعيها، مع جيران فقراء مبتزين، أقوى وأحسن منا تنظيما ؟؟
من المؤكد أننا بعد تنفيذ هذا القرار الذي نشك في توقيته فقط ، سنشهد شد أحزمة على بطون المساكين الفقراء فقط . فهل من رهان على سياسي ساحر يخلصنا من خطط المجاعة!؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المؤتمر الرابع للتيار الديمقراطي العراقي-نجاحات وتهاني-1


.. قتلة مخدّرون أم حراس للعدالة؟.. الحشاشين وأسرار أول تنظيم لل




.. وكالة رويترز: قطر تدرس مستقبل المكتب السياسي لحركة حماس في أ


.. أوكرانيا تستهدف القرم.. كيف غيّرت الصواريخ معادلة الحرب؟| #ا




.. وصول وفدين من حماس وقطر إلى القاهرة سعيا لاستكمال المفاوضات