الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عالم آخر ممكن

اسماعيل شاكر الرفاعي

2012 / 11 / 10
ملف حول المنتدى الاجتماعي العالمي، ودور الحركات الاجتماعية والتقدمية في العالم العربي.


عالم آخر ممكن
اسماعيل شاكر الرفاعي
نعم " عالم آخر ممكن " اذا ما حافظنا على قوة تخيلنا وصرنا مسكونين بهاجس التغيير من اجل عالم افضل . نحن لا نتبأ انطلاقاً من فرضيات لم تقدم بين يديها البرهان على امكانية تحققها ، بل من فرض يمليه لاعدالة الواقع القائم ، والذي لم يوفر الحد الادنى من كرامة الانسان . حين نريد ان نعترف بأنفسنا كبشر ، يجب بالضرورة احترام كرامة الآخر الذي يشاطرنا سكن المكان الواحد . ديناً كان هذا الآخر ، او اثنية لها كينونتها وشخصيتها الثقافية المميزة . اما كيف يكون هذا الاعتراف فهو مسألة منوطة بالآخر لا بنا . علينا ان نتعلم حسن الاستماع لما يحب ان يكون عليه الآخر ، ولما يحب ان يمارس . من غير هذا الاعتراف يظل تفكيرنا ووعينا امبراطورياً . والوعي الامبراطوي يعني الايمان بالمركزية الشديدة للدولة ، وبأننا المالكين الوحيدين لها ، فنكتب تشريعاها بما يضمن نفي الآخر عنها والنفي هنا مقصود كموقف ، لكي نصبح من خلاله : السيادة ، والحق ، والعدالة .

2

لم ينتبه مفكرو عصر الانوار العربي الى الانقلاب الكبير الذي حلّ بزاوية نظر الاوربيين الى ارض الدولة كمفهوم سياسي اولاً ، وكمفهوم اقتصادي ثانياً . فمع تحول الوعي هذا ، لم تعد الارض ملكاً صرفاً لقومية واحدة ، وتراجع الى حد كبير النظر اليها : خالقاً وحيداً للثروة والغنى والقوة . لقد زحزح منهج الثورة الصناعية القائم على مبدأ التحويل : زحزح الوعي السياثقافي العام ، وانعطف به من المنطق الامبراطوري : منطق الفتح وضم الاراضي ، الى منطق جديد تأخذ فيه الارض قيمتها من المشهد الصناعي : سوق للمنتجات الجديدة ، او كنزاً للمواد الخام . وهو منهج يحتاج الى اخلاق جديدة : اخلاق ثقة ، يصطنعها تاجر السوق لكسب المزيد من الزبائن . سمًى المفكرون والمؤرخون هذا الموقف الجديد من الارض : ديمقراطية و ليبرالية . فالديمقراطية تتضمن فيما تتضمنه موقفاً جديداً من الارض ومن سكنتها ، تجسد على شكل تشريعات جديدة لصالح الاعتراف بوجود اثنيات وهويات وثقافات اخرى ... لم يرَ محمد عبدة في رحلته الى اوربا شيئاً من ذلك . لكأن الاوربيون لم يأتوا بجديد ، ولم يفعلوا اكثر من استعادة الكلمة التي انفجرت كايقاع ثابت للكون والحياة في شعاب مكة وطرقات يثرب ــ المدينة . لم يرَ محمد عبدة سيماء حضارة جديدة ماثلة بقوة في دخان المعامل ، وفي المحرك البخاري والمحرك ذاتي الاحتراق ، ولم يرَ المدن التي توسعت بفعل اختراع سكة الحديد ، بل نظر كما ارادت له الكلمة البدوية ان ينظر وان يفلسف ما رأى فقال : رأيتُ اسلاماً ولم ارَ مسلمين . مثل هذا الذي قاله محمد عبدة قاله ايضاً الصينيون واليابانيون والالمان . قالوه جميعاً في وقت واحد تقريباً . هم جميعاً لم يكتشفوا في ما رأوا اوربا الثائرة على نفسها ، اي على موروثها الذي لا يختلف في جوهره عن الموروث الصيني والعربي والهندي والمكسيكي : موروث ما قاله السلف يوماً ، وخلاصته : ليس بالأمكان افضل مما كان ، ولا جديد تحت الشمس . لم يكتشفوا التحول في المنهج الذي ارسل كل شئ الى المختبرات وطالب بالبرهان : اي ان تبرهن كل كلمة قالها السلف على صدقها بالدليل العلمي العقلي ، لا بالظن . فصادر هذا الرعيل الاول الآتي من منطقة الوعي الأمبراطوري ، والمثقل بأطنان المرويات عن اقوال وافعال السلف ، صادر كل انجاز لحركة تاريخ البشر على الارض ، فهذه البشرية لم تأت بجديد ، انما هي سائرة سيرَ عود على بدأ : الى الكلمة الاولى التي قالها السلف ذات يوم . ومثلما صادر النهضويون العرب تاريخ افعال البشرية التي لا تتضمن سوى العودة بحركة دائرية الى الكلمة التي قالوها بدو الجزيرة العربية قبل 1400 سنة ، نصادر نحن كل الخصوصيات الاخرى . لا يوجد في لغة تحليلنا ساكن لهذه الارض . ولم تطف اجواء هذه الارض اصوات ولغات اخرى ، ولم يعش على ارضها من كانت ديانته غير اسلامية . لقد وجدت هذه الارض منذ الابد وستستمر الى الازل بملامح واحدة وبثقافة واحدة وبلغة الضاد الواحدة : التي هي لغة رجال عالم الارض وعالم ما بعد العالم الارضي . اذ لا مكان في هذا العالم للجنس الآخر لا في هذه الدنيا ، ولا في العالم اللاحق . هكذا تكلم الجابري سليل الكواكبي ومحمد عبدة ، عن الصفاء القومي والمذهبي في المغرب ، ونفى ان تكون ثمة مسألة قومية او مذهبية فيه ، فلا امازيغ ولا طوارق ولا هم يحزنون ، المغرب ليس بحاجة الى فك الاشتباك بين الدين والدولة . ولذا فأن مسألة العلمانية غير مطروحة كتحدً حضاري في بلاد المغرب وشمال افريقيا عموماً ، انها في رأيه مسألة مشرقية . المشرق وحده غارق في مشاكل التعددية المذهبية والدينية والقومية . ولهذا ولدت فكرة العلمانية من المشرق لا من المغرب . هكذا يطرح الجابري تلميذ محمد عبدة ، مسألة العلمانية لا كتحدٍ حضاري على حلها يتوقف ولوجنا بوابة الحضارة الجديدة ، بل مسألة اقوامية ، ضرورتها مرتبطة بالتعددية العرقية والمذهبية ، وليس بزاوية نظر جديدة الى الدولة من حيث بنيتها التشريعية والمؤسساتية .

3

الثقافة صراع جدلي بين الوعي والارادة ، وانهما يعيشان كتابوتين لجثتين هامدتين اذا لم يدخلا التاريخ الذي دخله انسان عصورنا الحديثة بوعي واحد محدد : هو وعي التغيير . وان التغيير يصبح عودة الى الشرب من الاناء ذاته اذا لم يقترن بالدعوة الى تغيير الحقوق . . " عالم آخر ممكن " شرط ان لا ندخل بخصام مع التاريخ ، شرط ان ننطلق من التاريخ ، من وقائعه ، من ميوله واتجاهاته ، وذلك بالضبط هو الفعل الذي مارسته بشرية ما بعد الثورة الصناعية ، منذ ان دخلت مرحلة الوعي بالذات واستطاعت ان تصنع تاريخها عبر صناعة وقائع هذا التاريخ . في هذا التاريخ انتزع الوعي البرجوازي الواعي لما هو سائر الى اجتراحه ، حقوق المساواة امام القانون ، انتزعها لنفسه بداية ، الاّ انها تعممت عالمياً واصبحت اداة حرية واداة تحرير ، تضمنتها دساتير كل البلدان التي تملك دستوراً بشرياً لا سماوياً . لكن في عالم الضاد المنكود بحمولته الموروثة ، تعطلت قوى التغيير عن اداء دورها التاريخي في انتزاع الحقوق الاولية للملايين . لأنها لم تشرع بعد بفتح بوابات مرحلة من نقد لا يلين ، لقص حبال المقدس الذي ربطت اليه عربة التغيير ، فى عالم الضاد المثقل باطنان من مقدس الحضارة الزراعية التي اجبرت الانسان على التنازل عن ابداع يديه ، بنسبتها الى قوىً اخرى مجنحة ترود المسافة الكائنة بين الارض والسماء ، تحصي عليه انفاسه وتوجهه الى عبودية دامت آلاف السنوات ، الى الوقت الذي اخذ على عاتقه مستنيرون التقطوا انفسهم ــ ولم يصطفيهم احد ــ ومارسوا نقداً لا يرحم ضد زاوية النظر هذه ، فقصوا ، لكن من غير رأفة ، الحبال عن عربة التغيير وسحبوها بقوة نقد لم يرتجف ، ووضعوها على سكة البداية الصحية في تحرير الانسان لنفسه . فاطلقت قوى الانسان عاصفة عاتية من الابتكارات التكنولوجية تعززَ في مرآتها مسار الانسان في مدارج روحانية جديدة ، هي روحانية تحرير انسانية الانسان من اغترابه وتشيؤه . في البلدان الناطقة بالضاد : "عالم آخر " غير ممكن اذا لم يكن سؤال الحقوق وارداً وهو سؤال لا يضمن ديمومة الحقوق في تشريعات الدولة { كما حصل في الاتحاد السوفياتي } اذا لم يقترن المفهوم الامني للدولة بادارة اصحاب الحقوق لحقوقهم ، عبر ما يرونه مناسباً من تنظيم واجهزة ، وان لا يحل غيرهم في الدفاع عن هذه الحقوق . لقد اثبتت وقائع التاريخ بعد سقوط الاتحاد السوفياتي خطل النظرية اللينينية في النضال الحزبي نيابة عن الاخرين : فقد قادت هذه النيابة الى اغتصاب حق التفكير نيابة عن اصحاب الحق في التغيير ، وفي وضع الخطط لحياتهم . ان المسألة الاساسية كما تتبدى لي تتمثل بالكيفية التي نمنع فيها عودة ثنائية السادة ــ العبيد ، المتحدرة من الافق الثقافي للحضارة الزراعية ، الى تنظيمات فعل التغيير . فاي امتياز داخل هذه التنظيمات يشرع الابواب عريضة امام ما سماه فرويد بعودة المكبوت . ان مهمة التغيير مناطة باصحاب الحق في التغيير ، الذين ستكون اولى مهامهم القاء ثنائية الستراتيج / التكتيك في مزبلة التاريخ ، والتفكير الدائم بالمسكوت عنه او اللامفكر فيه المصاحب دائماً لمسألة التكتيك . هذه هي التاريخية كما نراها او نفهمها : اسقاط عبادة النص الذي شاخ ، وترك عادة التبرك بجثث الاموات ، واستشراف ميول واتجاهات المستقبل انطلاقاً من نقد التجربة التي سقطت ، والنظر اليها لا على طريقة الملل الدينية ، بل بمنهجية تشريحية لازالة ما تحمله من روائح كريهة لمعادلة : السادة ــ العبيد . كانت اديان الحضارة الزراعية قد تصورت بانها قالت كلمة الفصل في خلق المدينة الفاضلة ، ولم يمر بخلد انبيائها بان ثورة اخرى سترتبط بالانسان ستجعل من الابداع والابتكار التكنولوجي للاشياء بديلاً عن موجودات الطبيعة القديمة ، وستغذ السير حثيثاً عبر متوالية لا تنتهي من الثورات التكنولوجية في تحقيق معجزة الطيران فوق حدود الزمان والمكان ، وفوق مخافر حدود الدول التي لم تستطع خيول الحضارة الزراعية من تحقيقها ، رغم الهالة الكبيرة من المعجزات التي احاطت برموزها ... ادى منهج ابتكار الاشياء وتكثيرها الى صناعة سوق عالمي واحد ، ما زالت تتسيّد الحقوق فيه رؤى من القداسة المتسللة من الحضارة الزراعية ، والتي تشطر المجتمع الى سادة وعبيد ، لكن على ارضية من التقدم والرفاه اغنى واكبر مما كانت عليه ارضية المدن الفاضلة في خيال المفكرين والانبياء . ويبدوا ان فعالية السوق التي تضم اركان الارض جميعاً ، ما زالت تتمتع بقدر عظيم على المنافسة وبقدرة خلاقة على الابتكار ووضع الحلول . الاعتراف بذلك ضروري للبحث عن مواطن الضعف ، لا المكابرة عليها بقصائد عصماء مستوحاة من ترسانة فكرة الجمال البدوية الممعنة بمدح الذات وهجاء الآخر . كيف يمكن اطفاء شعلة البحث عن الارباح وتكثيرها التي ما زالت تمثل رافعة التحولات العظيمة وارتقاء النوع البشري ؟ كيف يمكن احلال شعلة اخرى محلها تقضي على التفاوت والفقر والندرة ، وتحافظ على جذوة الابتكار مشتعلة ومتأججة ؟ هل سنوفق بالاجابة على هذا الاسئلة......








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تقارير تتوقع استمرار العلاقة بين القاعدة والحوثيين على النهج


.. الكشف عن نقطة خلاف أساسية بين خطاب بايدن والمقترح الإسرائيلي




.. إيران.. الرئيس الأسبق أحمدي نجاد يُقدّم ملف ترشحه للانتخابات


.. إدانة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب توحد صف الجمهوريين




.. الصور الأولى لاندلاع النيران في هضبة #الجولان نتيجة انفجار ص