الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الجبهة والتحالف في تونس: قطب ثالث بلا منهاج؟

محمد الحمّار

2012 / 11 / 11
التحزب والتنظيم , الحوار , التفاعل و اقرار السياسات في الاحزاب والمنظمات اليسارية والديمقراطية


كل عشرة أعوام أو ما يناهزها تطفو على سطح الوعي السياسي فكرةُ الطريق الثالث كبديل تارة إيديولوجي وتارة أخرى اقتصادي وطورا سياسي صِرف. ولئن برزت هذه الفكرة من جديد مؤخرا في داخل المجتمع السياسي بتونس، وذلك من خلال ملابسات تَشكلِ "الجبهة الشعبية" و "التحالف الديمقراطي" على الأخص، فإنّ تواتر الفكرة كان دائما عالميا ولا يقتصر على بلدنا. من بريطانيا إلى ليبيا القذافي ومرورا ببعض الأدبيات السياسية العربية، تتلخص الفكرة في محاولة التمركز خارج المحافظة التي تتجسد في السياسة والاقتصاد المهيمَنَين والتي تترأسها القوة الأعظم وأوروبا بعد أن أزاحتا من طريقهما المنافس الشيوعي وحتى الاشتراكي في بُعده الشمولي. ومن بين الأسئلة التي تطرح نفسها بالنسبة للسياسة التونسية، والعربية الإسلامية عموما: إلى أي مدى تتمتع الفكرة في نسختها التونسية بأوفر حظوظ النجاح؟ وهل نجاحها ممكن من دون عالمية، وبلا منهاج؟

بالرغم من أنّ بعض الجواب متوفر في ما وصفناه أنفا (بداهة البُعد العالمي كمعطى ثابت)، إلا أنّ هنالك جدار سميك يحجب الرؤية عن الطبقة السياسية في تونس وفي معظم البلدان التي تشترك معها في الثقافة وفي الديانة، وتحُول دونها ودون البداهة. و هو الجدار الناجم عن تحويل الدين الإسلامي من عامل تحريك ثقافي ودفع حضاري وإلهام سياسي إلى عامل فُرقة وتفتيت وتشتيت وتخريب. فلن يكون هنالك طريق ثالث ولا بديل، لا محلي ولا إقليمي ولا قومي، ناهيك أن يكون عالميا، دون تحطيم هذا الجدار من الداخل. وهذا عمل يتطلب منهاجا. والمنهاج محكوم بأن يكون غير مسبوق، وإلا من أين للطريق الثالث حداثته ومن أين للبديل تميزه؟

فلنتأمل في واقع الخارطة السياسية في تونس الآن والمتميز بصعود حزب "حركة نداء تونس" إلى جانب حزب "حركة النهضة" المسيطر على الترويكا الحاكمة، وكذلك بتشكل التنظيمين المذكورَين اللذَين يضعان نفسهما في مسار الطريق الثالث أو البديل، ولنرَ كيف أنّ هاته الكتلة الثالثة عارية من منهاجٍ للخلاص بالمقارنة مع القطبين الآخرَين. فـبالرغم من أنّ "النهضة" مكتفية، خلال فترة حكمها الحالي للبلاد، بتكرار منهاجها الموروث عن حقبة العمل السري التي تميزت به في ظل حكم بورقيبة وكذلك أثناء حكم بن علي، إلا أنّه يُعد منهاجا على أية حال، حتى ولو حكمنا عليه بالفشل. كما أنّ "نداء تونس" ما كان ليُظهر سرعة فائقة في مجاراة الواقع وفي التحرك الفعال بالرغم من حداثة عهده بالسياسة كهيكل قائم بذاته لو لم يخلق من شيخوخة قيادته (الباجي قائد السبسي) ومن تجربة كوادره عمرا ثالثا يتسم بالخصوص بمشروعية منهجيةٍ ناجعة تغتذي من الوشائج التي تجمع العديد من قدماء الدستوريين (نسبة لـ"الحزب الاشتراكي الدستوري"، البورقيبي، القبلي لـ7 نوفمبر 1987) والتجمعيين (نسبة لـ"التجمع الدستوري الديمقراطي"، حزب بن علي المُنحل)، فضلا عن اغتذائها من منوال التسيير الدستوري والتجمعي تباعا.

إذن لـ"النهضة" منهاج يميزها ولـ"نداء تونس" منهاج يميزها. زد على ذلك أنّ الاثنين قد سبق أن جرّبا الحكم، إن كمجموعة (النهضة) أم فرادى (قائد السبسي والطيب البكوش وغيرهما). بينما ليس لـ"الجبهة الشعبية" و لا لـ"التحالف الديمقراطي" منهاج. زد على ذلك أنهما لم يمارسا الحكم في الماضي، لا فرادى ولا كمجموعتين. ونستنتج من هذه المقارنة أنّ الفراغ الذي يعوق مُرشحي الخيار الثالث لا يُملأ بالخطب وبالكلام، ولا بالهيكلة الجيّدة. وإنما يُملأ الفراغ بالعمل الرامي إلى التدارك. وفي رأينا لا يأتي التدارك من الخلف (من آخر ما أفرز الفكر الكوني) مثل زعم التمركز "بين الليبرالية والاشتراكية" (كما عرّف محمد الحامدي المنسق العام لـ"التحالف" التوجهَ الثالث، في برنامج تلفزي في ليلة السبت 10-11-2012 على القناة الوطنية1). يحصل التدارك عندما ينطلق الفكر السياسي من الواقع الخصوصي التونسي، بمكوناته العربية الإسلامية وكذلك الكونية، ليدمج ما يتوجبُ دمجه في هذا المجتمع الخصوصي. من هذه الزاوية لا نرى بُدّا من ضرورة دمج إسلامية الفكر النهضوي بعلمانية الفكر "الندائي"، بناءً على أنّ كلا القطبين يمثل أزمة الفكر التونسي والعربي الإسلامي، في أقوى لحظة من لحظات تجلّيه، وذلك من حيثُ انشطار الوعي والفُصام الناتج عنه ومن حيثُ المشكلات المختلفة والعديدة المترتبة عنه. إنهما يجسدان الأزمة أكثر من تجسيدهما للحل. من هذا المنظور سيكون الدمج المنشود هو الذي سيحدد، فيما بعد، ليبراليةَ الخيار الثالث من عدمها أو اشتراكيتَه من عدمها أو منزلةً بين المنزلتين من عدمها. أما الاستباق المتمثل في إتباع الفكر الكوني كما يطرح نفسه على المجتمع المحلي عبر قاطرته الإيديولوجية فهو قفزٌ في المجهول ورفض للإبداع. فهل الجبهة والتحالف واعيين بهاته العلة الأصلية؟ وهل بحوزتها الموارد النظرية اللازمة لإنجاز الدمج المبدع؟

من المتأكد أنّ صفة حداثة العهد بالتوق إلى الحكم التي تتسم بها كل من "الجبهة" و"التحالف"، والتي تعتبر من السلبيات في مجال الأداء السياسي الممنهج، العاجل والآني، هي التي يتوجب تحويلها إلى عامل قوة وإبداع وفعل. قد تكون هي الورقة الرابحة التي لا يكتسبها الفرقاء. ولعلها هي التي ينبغي التعويل عليها من الآن لتعديل الكفة واستقطاب الغالبية الصامتة. وهذا جدّ ممكن تبعا للطبيعة الأحادية والانشطارية لكلٍّ من القطبين الآخرين.

بالمحصلة يمكن الجزم بأنّ السير على دربٍ ثالث يمثل رؤية صائبة متبناة من طرف "الجبهة" و"التحالف". إلا أنّ الخلاص لن يتم بفضل تثليثٍ انقسامي متسبب في مزيد من تفتيت الأرضية الشعبية الوحدوية وإنما بفضل تثليث اندماجي يؤشر على تحويل وجه السياسة ومفهومها من "فن الممكن" إلى فن توليد ملابسات الممكن حسب الأطر المحلية والنسبية ابتغاء تغيير السياسة الكونية. فالخيار الثالث الصحيح هو ذاك الذي يسند الوحدة الوطنية، بل يغزل بطانتها غزلا حتى يتسنى للوطن وللإقليم العالمي وللقوم وللأمة التأثير في التوجهات الكونية بكل جوانبها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مواجهات بين الشرطة والمتظاهرين في تل أبيب وسط مطالبات بإسقاط


.. نقاش | كيف تنظر الفصائل الفلسطينية للمقترح الذي عرضه بايدن؟




.. نبيل بنعبد الله: انتخابات 2026 ستكون كارثية إذا لم يتم إصلاح


.. بالركل والسحل.. الشرطة تلاحق متظاهرين مع فلسطين في ألمانيا




.. بنعبد الله يدعو لمواجهة الازدواجية والانفصام في المجتمع المغ