الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاستحمار أعلى مراحل الإمبريالية

محمد جمول

2012 / 11 / 11
مواضيع وابحاث سياسية



إذا كانت الإمبريالية أعلى مراحل الاستعمار فإن الاستحمار هو المرحلة التي لم تخطر ببال أي من الفلاسفة والمفكرين في المراحل الماضية أنها ستكون أعلى مراحل الإمبريالية. وإذا كانت الإمبريالية تتضمن إنشاء القواعد وإرسال الجيوش لمواصلة نهب فائض ما لدى الشعوب من الثروات عبر اضطهادها وقمعها بالقوة فإن الاستحمار يعني جعل هذه الشعوب تعمل طوعيا على تقديم ما لديها من ثروات تكاد لا تسد رمقها للمستحمِر.
لا يستطيع أحد أن ينكر أن الرأسمالية على قدر كبير من الذكاء والقدرة على التكيف مع المستجدات بما يمكنها من إطالة عمرها وتحديث أدواتها. وهكذا كان طبيعيا أن تدرك أن ديمومة مرحلة الاستعمار غير ممكنة بشكلها القديم، كما أن كلفتها باتت أكثر مما يمكن تحمله، وخصوصا أنها وجدت البديل المضمون النتائج والرابح. فبعد أن بدأت الشعوب تحقق انتصارات واضحة عبر ابتكار أساليب خلاقة لمواجهة جيوش الاحتلال وتكبيدها خسائر تفوق ما تجنيه من أرباح، كان لا بد من البحث عن أساليب مبتكرة وخلاقة بالمقابل. وربما كان أحدث مثال على ابتكارات الشعوب ما جرى في حرب تموز 2006 في لبنان (وما سبقه في العراق وأفغانستان) حيث وجدت إسرائيل نفسها بعد تلك الحرب مضطرة للإسراع في بناء الجدران العازلة التي تحميها من ضحاياها. وهي التي كانت تقول قبل ذلك إن حدودها تمتد إلى كل نقطة يصلها أي جندي إسرائيلي. وبذلك بدت الصهيونية وكأنها تعلن انتهاء مرحلة التمدد الإسرائيلي والاختباء وراء الجدران بدل الاعتماد على القوة العسكرية الصرفة إلى أن تبدأ مرحلة الاستحمار بإعطاء مفاعيلها التي تعفيها من تحمل الكثير من الأعباء التي تعجز عن تحملها.
وبما أن إسرائيل تبقى المركز المتقدم للإمبريالية الغربية التي عانت من هزائم مماثلة في العراق وأفغانستان، كان لا بد من البحث عن بدائل مشتركة مع السيد الغربي أقل كلفة تضمن السيطرة على الشعوب المتخلفة ومقدراتها.
لقد بدأ الإعلان عن هذا التوجه قبل سنوات حين أبلغت أمريكا حلفاءها في المنطقة العربية بأن الغرب لم يعد مستعدا لإرسال جنوده للقتال في المنطقة، لكنه جاهز لتقديم التدريب والتسليح لهؤلاء الحلفاء كي يقاتلوا هم بأنفسهم. وجاءت الصياغة الفكرية لهذا التوجه تحت شعار "الفوضى الخلاقة". ومن دون الحاجة إلى توضيحاتهم يمكن القول إنها خلاقة بالنسبة لهم بقدر ماهي مدمرة لنا ولشعوبنا.
كيف قُدمت لنا الفوضى الخلاقة؟ وكيف حولونا إلى خناجر ومتفجرات تفتك بنا؟ كيف نقلونا من مرحلة قتال عدو مغتصب لحقوقنا إلى مقاتلة بعضنا بعض؟ الإجابة على هذه الأسئلة تبين لنا كيف استطاعوا الانتقال بنا من مرحلة الاستعمار إلى مرحلة الاستحمار. وجعلونا نتحمس لقتال بعضنا بعض بدل الوقوف في وجههم ووجه نهبهم لمقدرات شعوبنا.
ما يحدث، وما يخطَّط له في المنطقة يشير إلى أن انتشار الاستحمار يبشر القوى المعادية بالخير، وأن خططه تتقدم على طريق عملية التدمير الذاتي لهذه الشعوب. ومن الواضح أن هناك الكثير من القوى والأدوات المحلية التي توفر كل المبررات وتشكل الرديف الفكري المطلوب، وعلى رأس هؤلاء حشد كبير من الليبراليين الجدد و الفقهاء الذين يعتمدون المذهبية والفكر المتخلف لتأمين الأرضية المناسبة للتحريض الطائفي المذهبي الذي يقنع السني أن الشيعي أكثر خطورة من إسرائيل على الدين، وإقناع الشيعي أن السني أكثر خطرا عليه أيضا من إسرائيل وأمريكا. وحيث لا يكون هناك سنة وشيعة، نلاحظ أن أشكالا أخرى من الانقسام يمكن أن توفر الشروط والأسباب المطلوبة لنشر الاستحمار. وهكذا نلاحظ أنه في البلدان التي لا وجود لإنقسام شيعي سني، يجري التحريض على أساس الخلاف بين السلفيين والصوفيين وحتى الإخوان المسلمين كفصيل إسلام سياسي بدأ يتميز عن الآخرين مع وصوله إلى السلطة في أكثر من بلد عربي. وهكذا نلاحظ أن الصراع الدموي لم يقتصر على سوريا والعراق حيث التنوع المذهبي، وإنما امتد إلى ليبيا وربما مصر واليمن، وقبل ذلك استمر عشر سنوات في الجزائر وهو موجود في الصومال منذ فترة طويلة، مع أنه لا وجود لمثل هذا الانقسام المذهبي. ألا يعني ذلك أن التربة الخصبة متوافرة لزرع بذور الاستحمار في مختلف بلداننا بغض النظر عن شكل الانقسام السكاني، وأن كل ما يفعله الغرب وإسرائيل هو أن يقرر نوع السلاح الذي يقتلنا به. وهكذا استطاع ببساطة أن يقنع كثيرين في المنطقة أن إيران هي الخطر وليس إسرائيل أو الغرب الذي يدعمها لتدمير وطن وشعب وحضارة؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غزة.. الجيش الإسرائيلي يدعو السكان لإخلاء شرق رفح فورا


.. إسرائيل وحماس تتمسكان بموقفيهما ولا تقدم في محادثات التهدئة




.. مقتل 16 فلسطينيا من عائلتين بغارات إسرائيلية على رفح


.. غزة: تطور لافت في الموقف الأمريكي وتلويح إسرائيلي بدخول وشيك




.. الرئيس الصيني يقوم بزيارة دولة إلى فرنسا.. ما برنامج الزيارة