الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العلاقات السورية اللبنانية

أشواق عباس

2005 / 3 / 9
مواضيع وابحاث سياسية


الخلفية التاريخية للعلاقات السورية اللبنانية
لطالما وصفت العلاقات السورية اللبنانية بالعلاقات الإستراتيجية كونها تعتبر ترجمة لحاجة كل من البلدين للأخر فلبنان الذي تربطه علاقات أخوية مع جميع الدول العربية، وتقوم بينه وبين سوريا علاقات مميزة تستمد قوتها من جذور القربى والتاريخ والمصالح الأخوية المشتركة، وهو الأساس الذي ارتكزت عليه آلية التنسيق والتعاون بين البلدين و جسدته مجموعة من الاتفاقات بينهما، في شتى المجالات، بما يحقق مصلحة البلدين في إطار سيادة واستقلال كل منهما. الأمر الذي دفعهما إلى العمل بشكل دائم ( خاصة بعد اتفاق الطائف ) إلى تطوير تلك العلاقة لتشمل مختلف المجالات السياسية منها (انطلاقاً من وحدة المصير)، والاقتصادية (تحقيقاً للتكامل والتعاون المشترك)، والاجتماعية (وصولاً لنسيج اجتماعي منسجم)، والثقافية (حرصاً على تعاون علمي وثقافي)، فضلاً عن العلاقات العسكرية والأمنية حفاظاً على أمن كل منهما وسيادته وكل ما من شأنه أن يخدم التنمية والتطور في مجتمعيهما ، ويعزز تعاونهما ويؤسس لسياسة موحدة تجاه القضايا الإقليمية والدولية، و التي يحتاج إليها كل منهما للتنمية في الداخل الاستقواء بها للتعاون مع الخارج.
تعود تاريخيا العلاقات السورية اللبنانية إلى ما قبل ما يعرف باتفاق الطائف (الذي أسس شرعيا و قانونيا للعلاقات الإستراتيجية بينهما وأوجد لها البيئة والشروط الموضوعية) فقد عاشت سورية و لبنان تحت الانتداب الفرنسي بعد ترسيم حدود دول المنطقة في اتفاقية «سايكس بيكو» ، كبلدين منفصلين بمؤسسات واحدة كبنك سورية ولبنان، والذي ظل يحمل هذا الاسم لفترة طويلة وحتى بعد استقلال البلدين نهائياً عن الانتداب الفرنسي، وقبيل الاستقلال اللبناني عام 1943 بأسابيع عقد أول اتفاق بين لبنان وسورية (التي كانت ما تزال تحت الانتداب الفرنسي)، وكان هدف هذا الاتفاق هو إدارة (المصالح المشتركة) التي خلفها الانتداب الفرنسي للبلدين تمهيداً لاقتسامها بينهما، وبعد حصول لبنان على الاستقلال جاء ما سمي بإعلان الميثاق الوطني اللبناني عام 1943 و الذي تعهدت بموجبه السلطات اللبنانية ألا تستخدم أراضيها مقرا أو ممرا لأعداء سوريا.
وظلت العلاقات السورية اللبنانية تسير وفق هذا الميثاق حتى عام 1958 حين انفجر الوضع الداخلي في لبنان على إثر محاولة الرئيس كميل شمعون الدخول في تحالف مع الغرب بعد فشل العدوان الثلاثي على مصر عام 1956. ولم تنته تلك الأزمة إلا عقب توصل الرئيس المصري جمال عبد الناصر لتفاهمات مع القادة اللبنانيين رحل على إثرها شمعون وحل محله الرئيس فؤاد شهاب، وقد توصل عبد الناصر مع شهاب (في اجتماع جرى بين الجانبين على نقطة بالحدود السورية اللبنانية ) إلى اتفاق نص على حرية لبنان الكاملة كدولة مستقلة فيما يتعلق بسياستها الداخلية، أما فيما يتعلق بالسياسة الخارجية فلا يجوز للسلطة اللبنانية اتخاذ قرار إلا بعد التنسيق المسبق مع سلطات الجمهورية العربية المتحدة (التي كانت تضم وقتها مصر وسوريا). واستقرت العلاقات بين البلدين (لبنان وسوريا) منذ هذا التاريخ وفق تلك التفاهمات (ومن عام 1943 حتى 1974 وقع البلدان 28 اتفاقية، لكنها كانت في غالبيتها اتفاقيات تنظيمية للأمور المشتركة بين البلدين اللذين لم يتبادلا السفراء أبداً، وتجمعهما حدود مشتركة لم ترسم بالكامل حتى اليوم.) حتى انفجرت الحرب الأهلية مرة أخرى عام 1975 الأمر الذي دفع بالرئيس سليمان فرنجية أن يطلب من سوريا التدخل لوقف الحرب. وقد دخلت القوات السورية إبانها إلى لبنان بدعم ومساندة عربية من خلال مؤتمر القمة العربي الذي عقد في عام 1976 وأصدر قرارا بالإجماع يقضي بإرسال قوات ردع عربية إلى لبنان (بهدف إنهاء الحرب الأهلية هناك)، تشكل القوات السورية العماد الرئيسي لها.
ثم شهدت لبنان بعد ذلك تطورا آخر دفع في اتجاه بقاء القوات السورية وسط دعم عربي كامل، ففي عام 1978 اجتاحت القوات الإسرائيلية جنوب لبنان وقامت باحتلاله احتجاجا على ما وصفته (استغلال المقاومة الفلسطينية لهذه المنطقة في توجيه ضربات لشمال إسرائيل). وقد ظل هذا الوضع قائما حتى قامت إسرائيل باجتياح كل لبنان (من الناقورة جنوبا حتى العاصمة بيروت شمالا) عام 1982، ولم تخرج منها إلا بعد تفاهمات دولية خرج بمقتضاها في المقابل ياسر عرفات ورجاله من المقاومة الفلسطينية بشكل كامل من لبنان. ونتيجة لهذا الموقف عادت القوى الوطنية اللبنانية إلى التمسك ببقاء القوات السورية من أجل دحر العدوان الإسرائيلي.
و في عام 1989 جاء اتفاق الطائف ليعيد إحياء العلاقات الرسمية بين لبنان وسورية، بعدما أقر الاتفاق مبدأ (العلاقات المميزة) بين البلدين بمباركة دولية وعربية، وترجم هذا الاتفاق عبر معاهدة (الأخوة والتعاون والتنسيق) التي وقعت بين البلدين عام 1991، والتي نصت على )الروابط الأخوية المميزة التي تربط البلدين والتي تستمد قوتها من جذور القربى والتاريخ والانتماء الواحد والمصير المشترك والمصالح المشتركة(
واتفق البلدان في المعاهدة على أن يعملا على (تحقيق أعلى درجات التعاون والتنسيق بينهما في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية والثقافية والعلمية وغيرها، بما يحقق مصلحة البلدين الشقيقين في إطار سيادة واستقلال كل منهما، وبما يمكن البلدين من استخدام طاقاتهما السياسية والاقتصادية والأمنية لتوفير الازدهار والاستقرار ولضمان أمنهما القومي والوطني وتوسيع وتعزيز مصالحهما المشتركة تأكيداً لعلاقات الأخوة وضماناً لمصيرهما المشترك).
أما في مجال السياسة الخارجية، فقد اتفق البلدان على (مساندة كل منهما الآخر في القضايا التي تتعلق بأمنه ومصالحه الوطنية ، والعمل على تنسيق سياستهما العربية والدولية، وتحقيق أوسع تعاون مع المؤسسات والمنظمات العربية والدولية، وتنسيق مواقفهما تجاه مختلف القضايا الإقليمية والدولية). وقد شكلا لهذه الغاية مجموعة أجهزة، في مقدمها المجلس الأعلى اللبناني ـ السوري، الذي يتألف من رئيس الجمهورية والبرلمان والحكومة في البلدين، وهيئة المتابعة والتنسيق، ولجنة الشؤون الخارجية ولجنة الشؤون الاقتصادية، ولجنة شؤون الدفاع والأمن والأمانة العامة.
وشكلت المعاهدة نموذجاً مثالياً للعلاقات بين البلدين، لكن نصوصها كما الاتفاقات التي انبثقت عنها بقيت في كثير من الحالات حبراً على ورق، ولم تستطع الهيئات التي انبثقت عنها القيام بعمل مؤسساتي. فالمجلس الأعلى الذي تنص المعاهدة على انعقاده دورياً كل سنة لم يجتمع خلال السنوات الـ14 التي تلت المعاهدة إلا في ما ندر. ومنذ توقيع معاهدة الطائف وقع لبنان وسورية نحو 39 اتفاقية و80 بروتوكولاً ومذكرة وبرنامجا، كان آخرها في 31 يناير (كانون الثاني) 2005 في المجالات المختلفة. كانت باكورة الاتفاقات بينهما اتفاقية أمنية، وقعت بعد نحو أربعة أشهر من الطائف حملت عنوان (اتفاقية الدفاع والأمن)، وقد نصت على تأليف لجنة لشؤون الدفاع والأمن مهمتها التأكد من (منع أي نشاط أو عمل أو تنظيم في كل المجالات العسكرية والأمنية والسياسية والإعلامية من شأنه إلحاق الأذى أو الإساءة للبلد الآخر. والتزام الجانبين عدم تقديم ملجأ أو تسهيل مرور أو توفير حماية للأشخاص والمنظمات التي تعمل ضد أمن الدولة الأخرى، وفي حال لجوء أفرادها إليها القبض عليهم وتسليمهم إلى الجانب الثاني بناء على طلبه). وقد شملت الاتفاقات التي وقعت بين البلدين حقول الاقتصاد والشؤون الاجتماعية والعمل والصحة والنقل والزراعة والثقافة والتربية والرياضة والشباب والقضاء والتعليم المهني والفني والتقني والضرائب والاستثمارات والصناعة والملاحة البحرية والطيران وغيرها.
وفي جميع الأحوال، لا يمكن تقييم الطرف الأكثر استفادة من هذه الاتفاقات، لأنها في غالبيتها لم تطبق بالكامل، أو لم تطبق أبداً. ويلقى اللبناني في سورية معاملة المواطن السوري، ويستفيد من تقديمات الدولة السورية في مختلف المجالات كالطبابة والتعليم بالمجان، كما يمكنه العمل في مختلف المجالات لاسيما و أن الدولتان وقعتا اتفاقاً ينص على تمتع عمال كل من الدولتين العاملين في الدولة الأخرى بنفس المعاملة والمزايا والحقوق والواجبات، وفقاً للقوانين والأنظمة والتعليمات المرعية في كل منهما. لكن هذا الاتفاق وإن كان يطبق في سورية فهو لا يطبق من قبل لبنان، فالعمالة اللبنانية في سورية منظمة إلى أبعد الحدود، وهي إجمالاً عمالة نخبوية وتقنية، أما في لبنان فهناك تقديرات متفاوتة لعدد العمال السوريين لأنه لا يوجد أي رقم رسمي.
أي أننا نستطيع القول بان العلاقات السورية اللبنانية مرت خلال العقود الثلاثة الأخيرة بمراحل مختلفة، تغيرت خلال كل منها الاصطفافات الداخلية اللبنانية بالعلاقة مع الدور السوري، بل وتغيرت توجهات الدور السوري نفسه. و يمكن القول بأنها مثلت انتقالاً من مرحلة إيقاف الحرب الأهلية اللبنانية إلى مرحلة ضبط القوى المتصارعة، والسيطرة عليه تمهيداً لتجريدها من سلاحها، والانتقال بها من مرحلة الصراع المسلح إلى مرحلة الصراع السياسي، وإعادة الهيكلية للنظام السياسي اللبناني، ومن ثم العمل على التحكم به. وبين شد وجذب ظلت المعارضة اللبنانية للوجود السوري تطالب على استحياء بخروج القوات السورية تحت سقف اتفاق الطائف حتى صدر القرار الدولي رقم 1559 في سبتمبر 2004 الذي يعتبر ضمنا تمركز القوات السورية في سهل البقاع غير كاف. ومنذ ذلك الحين استمر الضغط الدولي على سوريا من أجل الخروج من لبنان يتصاعد حتى جاءت حادثة مقتل الحريري لتزيد من هذه الضغوط بشكل أكثر حدة.و قبل التكلم عن ما نص عليه اتفاق الطائف فيما يتعلق بالوجود السوري و خلافاً لكل الكلام السائد في لبنان من قبل المعارضين، فإن اتفاق الطائف لا ينظم وحده الوجود السوري في لبنان. فالمادة الرابعة من معاهدة «الأخوة والتعاون والتنسيق»، تنص على الآتي: (بعد إقرار الإصلاحات السياسية بصورة دستورية وفق ما ورد في الميثاق الوطني اللبناني، وعند انتهاء المهل المحددة بالميثاق، تقرر الحكومتان السورية واللبنانية، إعادة تمركز القوات السورية في منطقة البقاع ومدخل البقاع الغربي في ضهر البيدر حتى خط حمانا ـ المديرة ـ عين داره، وإذا دعت الضرورة في نقاط أخرى يتم تحديدها بواسطة لجنة عسكرية لبنانية ـ سورية مشتركة، كما يتم اتفاق بين الحكومتين يجري بموجبه تحديد حجم ومدة تواجد القوات السورية في المناطق المذكورة أعلاه، وتحديد علاقة هذه القوات مع سلطات الدولة اللبنانية في أماكن تواجدها). وتربط المعاهدة بذلك إعادة الانتشار بقرار من الحكومتين و«اتفاقهما» على تحديد حجم ومدة الوجود السوري، و«علاقة» القوات السورية مع سلطات الدولة اللبنانية. ورغم أن الدولتين لم (تتفقا) على تحديد حجم ومدة تواجد القوات السورية، إلا أنهما أيضاً لم تتفقا على سحب هذه القوات .

البنود المتعلقة بالوجود السوري في وثيقة الوفاق الوطني (الطائف)
- بسط سيادة الدولة اللبنانية على كامل الأراضي اللبنانية.
بما انه تم الاتفاق بين الأطراف اللبنانية على قيام الدولة القوية القادرة المبنية على أساس الوفاق الوطني. تقوم حكومة الوفاق الوطني بوضع خطة أمنية مفصلة مدتها سنة، هدفها بسط سلطة الدولة اللبنانية تدريجياً على كامل الأراضي اللبنانية بواسطة قواتها الذاتية، وتتسم خطوطها العريضة بالآتي:
1ـ الإعلان عن حل جميع الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية وتسليم أسلحتها إلى الدولة اللبنانية خلال ستة أشهر تبدأ بعد التصديق على وثيقة الوفاق الوطني وانتخاب رئيس الجمهورية وتشكيل حكومة الوفاق الوطني. وإقرار الإصلاحات السياسية بصورة دستورية.
2ـ تعزيز قوى الأمن الداخلي من خلال:
أـ فتح باب التطوع لجميع اللبنانيين من دون استثناء والبدء بتدريبهم مركزياً ثم توزيعهم على الوحدات في المحافظات مع إتباعهم لدورات تدريبية دورية ومنظمة.
بـ تعزيز جهاز الأمن بما يتناسب وضبط عمليات دخول وخروج الأشخاص من والى الحدود براً وبحراً وجواً.
3ـ تعزيز القوات المسلحة:
أـ إن المهمة الأساسية للقوات المسلحة هي الدفاع عن الوطن وعند الضرورة حماية النظام العام عندما يتعدى الخطر قدرة قوى الأمن الداخلي وحدها على معالجته.
ب ـ تستخدم القوات المسلحة في مساندة قوى الأمن الداخلي للمحافظة على الأمن في الظروف التي يقررها مجلس الوزراء.
ج ـ يجري توحيد وإعداد القوات المسلحة وتدريبها لتكون قادرة على تحمل مسؤولياتها الوطنية في مواجهة العدوان الإسرائيلي.
د ـ عندما تصبح قوى الأمن الداخلي جاهزة لتسلم مهامها الأمنية تعود القوات المسلحة إلى ثكناتها.
هـ ـ يعاد تنظيم مخابرات القوات المسلحة لخدمة الأغراض العسكرية من دون سواها.
4ـ حل مشكلة المهجرين اللبنانيين جذرياً وإقرار حق كل مهجر لبناني منذ العام 1975م بالعودة إلى المكان الذي هجر منه ووضع التشريعات التي تكفل هذا الحق وتأمين الوسائل الكفيلة بإعادة التعمير. وحيث إن هدف الدولة اللبنانية هو بسط سلطتها على كامل الاراضي اللبنانية بواسطة قواتها الذاتية المتمثلة بالدرجة الأولى بقوى الأمن الداخلي. ومن واقع العلاقات الأخوية التي تربط سوريا بلبنان، تقوم القوات السورية مشكورة بمساعدة قوات الشرعية اللبنانية لبسط سلطة الدولة اللبنانية في فترة زمنية محددة أقصاها سنتان تبدأ بعد التصديق على وثيقة الوفاق الوطني وانتخاب رئيس الجمهورية وتشكيل حكومة الوفاق الوطني، وإقرار الإصلاحات السياسية بصورة دستورية، وفي نهاية هذه الفترة تقرر الحكومتان، الحكومة السورية وحكومة الوفاق الوطني اللبنانية إعادة تمركز القوات السورية في منطقة البقاع ومدخل البقاع الغربي في ضهر البيدر حتى خط حمانا المديرج عين داره، وإذا دعت الضرورة في نقاط أخرى يتم تحديدها بواسطة لجنة عسكرية لبنانية سورية مشتركة. كما يتم الاتفاق بين الحكومتين يجري بموجبه تحديد حجم ومدة تواجد القوات السورية في المناطق المذكورة أعلاه وتحديد علاقة هذه القوات مع سلطات الدولة اللبنانية في أماكن تواجدها. واللجنة الثلاثية العربية العليا مستعدة لمساعدة الدولتين في الوصول إلى هذا الاتفاق إذا رغبتا في ذلك.
-
الأزمة بين البلدين

لقد طرح اغتيال رئيس الوزراء ( أكثر من القرار 1559 ،و بصرف النظر عن المسئول الحقيقي عن هذا الاغتيال) ، مسألة الانسحاب السوري من لبنان كما لم يحصل في أي وقت سابق ، وكشف عن خطورة الأزمة التي بدأت بضرب العلاقات السورية اللبنانية بالعمق والتي يهدد تفجرها بإعادة لبنان إلى دوامة العنف والفوضى من جديد من جهة ، و زيادة الضغوط الدولية على سوريا من جهة أخرى (لاسيما تراكم الضغوط على النظام السوري. من ذلك التوافق الفرنسي- الأميركي، النادر الحدوث في السنوات الأخيرة، على تحرير لبنان من "الاحتلال" السوري وسعيها لاستصدار قرار من مجلس الأمن رقم 1559في الخريف الماضي، والذي يدعو إلى جلاء كل القوات الأجنبية من لبنان، وعدم تدخل أي دولة في شؤونه المحلية)
. هذه الأزمة التي لا تنبع من غياب المصالح السورية اللبنانية ولا من تضاربها وإنما على العكس تماما، أي من الوجود الموضوعي لمصالح كبرى جيوسياسية وسياسية واقتصادية إقليمية و دولية تقضي بعدم استمرار هذه العلاقة بشكل جيد و بضرورة فصل المسارين السوري و اللبناني . مستغلة من أجل تحقيق غاياتها تسعير الأزمة بين البلدين على استغلال بعض الثغرات التي تعتري هذه العلاقات (رغم أن الحكومة السورية كانت قد أشارت مسبقا إلى وجود عدة ثغرات في العلاقات التي تربطها بلبنان و عن رغبتها في تصحيحها و هذه الإشارة تمثلت بتصريحين للرئيس السوري الأول خلال خطاب القسم الأول حين قال " أن العلاقة السورية اللبنانية هي مثال لعلاقة لم تكتمل" وبذلك أشار إلى موجود مشاكل وأخطاء في هذه العلاقة ، و الثاني خلال زيارته الأخيرة إلى موسكو حيث أشار إلى انه يرغب في "التعامل بطريقة مختلفة مع لبنان", مشيرا إلى أهمية أن تكون العلاقات بين لبنان وسوريا ضمن إطار "المؤسسات") بالشكل الذي مكنها من تجيير الشرعية المرتبطة بها في سبيل بناء شبكات منافع اقتصادية أو سياسية تخدم تحقيق أهدافها .
فليس للصراع الذي تحول اليوم إلى قطيعة بين السلطة اللبنانية وأطراف المعارضة المتعددة الاتجاهات حول إعادة النظر في حجم وطبيعة النفوذ السوري في لبنان هدف آخر سوى إعادة بناء المعادلة السياسية والاجتماعية اللبنانية على أسس جديدة تتجاوز تلك التي كرسها تطبيق الطائف و هذا لا يعني أننا نعتبر أن ثغرات هذه العلاقة بين البلدين هي وحدها المسئولة عن الأزمة الحالية بل يجب أن يأخذ بالاعتبار الحقيقة الأكبر وهو اختلال المعادلة الجيوستراتيجية وتبدل موازين القوة الإقليمية، فهي نتيجة مباشرة للضغوط الدولية على سوريا في إطار إعادة ترتيب الأوضاع الشرق أوسطية على نار الحرب والتهديدات الأمريكية الإسرائيلية.
لقد كان من الواضح جدا من خلال ما قامت به الولايات المتحدة من الربط بين القرار 1559 وبين قانون محاسبة سورية، أن هناك أمراً ما كان كانت تحضره الإدارة الأمريكية من أجل إرباك سورية ومن أجل خلق جو تستطيع من خلاله الضغط عليها وعلى لبنان للتأثير على علاقتهما مع بعضهما البعض، و ما تبع ذلك من خطة فرنسية أمريكية لفصل العلاقات السورية اللبنانية، وهنا يجب أن نقارن ونعود إلى تصريحات وزير خارجية إسرائيل حينما قال مباشرة بعد القرار 1559 إن الدولة الثالثة التي ستوقع معاهدة السلام معها هي لبنان وبالتالي كانت هناك وعود أمريكية فرنسية بأن هناك ضغطاً على سورية ولبنان، لقد هدف المخطط الأميركي إلى خلق صدام بين سورية ولبنان من جهة ومجلس الأمن من جهة ثانية، بما يعطي الذريعة لها أن تتدخل بشكل أو بآخر سواء بطلب من مجلس الأمن أو بدون طلب، بزعم أن هذه الدولة متمردة على الشرعية الدولية وبالتالي مسموح لنا التدخل فيها وذلك خلافاً لما ينص عليه الفصل السابع من ميثاق الجمعية العامة الذي لا يسمح بالتدخل، طبعاً المخاطر لهذا القرار ولبيان الرئاسة تتبدى في نقاط عديدة من أهمها أن أمريكا تريد أن تقنع الأوربيين بأن حزب الله هو حركة إرهابية لاسيما و أن أوربا لم تتخذ مثل هذا القرار، فعندما تحاول أمريكا أن تقنع الأوربيين أن حزب الله هو حركة إرهابية يمكن أن يكون هناك استدراج للقيام بعمل وخلق جو من قبل الأوربيين والأمريكيين والإسرائيليين لإدراج المسألة على أن وجود هذا الحزب كحركة إرهابية في لبنان يهدد الأمن والسلام في العالم وبالتالي حينها تستطيع أن تتخذ الولايات المتحدة الأمريكية ومجلس الأمن قراراً يتيح التدخل الدولي و في النهاية عندما تستطيع أن تفرض ذلك في إطار مجلس الأمن يصبح الموقف العربي السوري اللبناني أضعف مما هو عليه الآن. لكن الرئيس بشار الأسد أشار في خطابه أمام مؤتمر المغتربين السوريين (إلى أننا وإن كنا نوافق الشرعية الدولية ونعمل ضمن إطارها ونحترم قراراتها لكن نناقش هذه القرارات ونتحدث عن مخاطرها ونفند أخطاءها) وقال) بان هناك إشارات واضحة بأن ما تم في الأمم المتحدة في تلك الفترة كان يحضر له قبل فترة طويلة وكان هدفه فصل العلاقة القائمة بين سورية ولبنان للاستفراد بكلا البلدين كل على حده .
إن جميع مؤشرات هذه الأزمة تشير إلى أن هناك مؤامرة استهدفت سوريا ولبنان من خلال الاغتيال من أجل العودة بلبنان إلى ما قبل الطائف فتوقيت الجريمة وحجمها يأتي في وقت دقيق ينذر بمخاطر حروب وانشقاقات أشعلتها سياسة المحافظين الجدد في الولايات المتحدة الأمريكية الذين يعتمدون ما يسمونه بسياسة الفوضى الخلاقة التي تعتمد إشعال الحرائق وتفجير الأوضاع في المنطقة. لقد أدى اغتيال الرئيس الحريري وتداعيات ما بعد الحدث إلى كشف حجم الضغوط الدولية الهائلة والمنسقة مع البعض في الداخل التي يتعرض لها لبنان وسورية أن قضية الرئيس رفيق الحريري تتجاوز الجدل المثار بشأن الوجود السوري في لبنان فهي تندرج في إطار مخطط ضخم يستهدف كل من سوريا و لبنان وفي إطار الفوضى التي أُدخلت إلى الشرق الأوسط.


إن الولايات المتحدة تطالب سورية بالانسحاب وبتأييد مباشر من المعارضة اللبنانية التي انبثقت فجأة من تحت الأرض والتي تمثل في مجموعها هيكلية الإقطاع السياسي المالي والعقاري في لبنان بالخروج من لبنان (وقد ثبت بان حرباً أهلية دامت خمسة عشر عاما لم تستطع هدم هذه الهيكلية بالكامل وها هي تعود لتنبت كالفطر من جديد) هدفها عزل سورية عن لبنان والتفرد به وهو لم يبرأ بعد من جراحات حربه الأهلية, ولم تترسخ قوته العسكرية والأمنية بشكل كامل, ولقد ثبت أيضا بأن أوضاعه الدستورية والبرلمانية لم تتمكن حتى الآن من احتواء تمزقه الطائفي وبنيته الطبقية وهيكليته الاجتماعية المخترقة .
ويبدو أن "معارضة البريستول" في لبنان، قطعت كل الخيوط مع النظامين اللبناني والسوري وركبت موجة اغتيال رفيق الحريري لتعلن "انتفاضة استقلال لبنان"!!.. مما يذكرنا ببداية الحرب المؤامرة التي انطلقت شرارتها في الثالث عشر من نيسان/أبريل 1975 في عين الرمانة واستمرت 16 عاماً من أجل إقامة (كانتونات) وفيدرالية طائفية لحماية أمن الكيان الصهيوني.. فهل سيكون نيسان/أبريل القادم "تسونامي" محطم للبنان وسوريا تحقيقاً لمخطط "إعادة رسم خارطة المنطقة العربية".
وللتذكير فقط نورد ما جاء في صحيفة "يديعوت أحرونوت" في 12 شباط/فبراير 2005 وهذا التاريخ للتنبيه أنه قبل يومين من حادث اغتيال الحريري ، كتبت الصحفية (سمدار بيري) مراسلة الصحيفة من مصر تقول عن "قمة شرم الشيخ": إنها "بطاقة تمديد ولاية (الرئيس حسني مبارك) لدى الإدارة الأمريكية، وإن الأمريكان سوف يغيرون الآن وجهتهم من مصر إلى سوريا وسينتقل مستشارو بوش للتعاطي مع الأسد"!!.
وعندما زار تيري رود لارسون مبعوث كوفي أنان للبنان الأسبوع الماضي كي يستقصي رد فعل اللبنانيين على قرار مجلس الأمن رقم 1559 الداعي إلى نزع سلاح "حزب الله" وانسحاب الجيش السوري من الأراضي اللبنانية، وصف وزير الدفاع اللبناني عبد الرحيم مراد تنفيذ القرار بالطريقة التي تريدها الولايات المتحدة بأنه "انتحار سياسي". وردت وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليسا رايس على ذلك بعزل سوريا إذا لم توقف دعمها لمن أسمتهم "الإرهابيين الراغبين بتدمير عملية السلام في الشرق الأوسط"، وقالت رايس: "دمشق غير متعاونة من أكثر من وجه: بمساندة سوريا للتمرد في العراق، وتقويض الديمقراطية في لبنان من خلال رفضها سحب قواتها من هناك". ومنذ يومين أعلن بوش الصغير "أن سوريا لا تواكب تطور الديمقراطية في المنطقة" وكرر تهديده لسوريا وحملها مسؤولية اغتيال الحريري!!..
وتطابق الموقفين الأمريكي والأوروبي (خصوصا الفرنسي) من سوريا ولبنان يكون التفسير المنطقي لاغتيال الحريري أنه يستهدف ضرب عدة عصافير بحجر واحد!.
لقد جعلت هذه الاحداث (في شهر أيلول من العام 2004 ) من لبنان البؤرة الثالثة، بعد فلسطين والعراق للتوتر في المنطقة. لم يكن القرار 1559 حصيلة للتمديد، وإن تزامن وتذرع به، إنما كان نتيجة لسياسة أميركية جديدة حيال سوريا بدأت مع سقوط بغداد، كان من الواضح، عبر مسارها، أن واشنطن تريد بعد أن امتلكت حضوراً إقليميا في المنطقة، إعادة النظر في الأدوار الإقليمية لدول المنطقة على ضوء اللوحة الجديدة، فيما كان الوجود السوري في لبنان مترافقاً مع ضوء أخضر أميركي في العام 1976، ومع تفاهم ثنائي أميركي سوري في العام 1990، أخذت فيه سوريا، مقابل ذهاب قواتها إلى (حفر الباطن) ، كان من الواضح، في خريف 2004 وما بعده، أن لبنان قد تحول إلى ساحة كباش بين سوريا والولايات المتحدة، ولو مع انضمام فرنسا إلى صف الأخيرة من أجل الحصول على موطئ قدم في شرق المتوسط بعد أن فقدت نفوذها التقليدي في شمال أفريقيا لصالح واشنطن وإثر فشلها في نيل شيء من (الكعكة العراقية) عبر سياساتها بين العامين 1991 و2003، فيما كانت التجاذبات اللبنانية والاصطفافات مبنية على إيقاع ذلك الكباش. اللافت للنظر، هو تحول لبنان إلى البؤرة الأكثر اشتعالاً بالمنطقة بعد هدوء البؤرتين الأخرتين، في فلسطين والعراق، الشيء الذي عكسته الحياة السياسية اللبنانية وتجاذباتها في الأربعين يوماً الأولى من العام الجديد، وعكسته أيضاً محاولات التركيز الأميركي الفرنسي على الوضع اللبناني والوجود السوري بلبنان (ربما أعطت الثانية الإطار أو )الريح المؤاتية) للأولى) في صورة لا يمكن للمراقب لهذ الأزمة إلا أن يقارنها بصورة عام 1975 اللبنانية، عندما كانت التناقضات اللبنانية الداخلية حطباً مؤاتياً لياسر عرفات لإثبات أن الفلسطيني هو)الرقم الصعب( في المنطقة مع اتجاه مصر إلى التسوية، فيما كانت تلك التناقضات، بالنسبة لكيسنجر، فرناً من أجل حرق الفلسطيني أو لأجل تحجيمه.
أتى اغتيال الرئيس الحريري ليحول لبنان إلى كرة لهب تكثف أزمة دولية إقليمية عبر حطب محلي، حيث أدى ما حدث، قرب فندق السان جورج، إلى إنشاء وضع يتيح لواشنطن تصفية الحساب (أو فتحه وصولاً إلى تسوية ما ( مع من تعتقد أنه يمتلك أوراق حزب الله الذي تحول إلى قوة أبعد من لبنانية)، وتأثيرات فعّالة على (حماس) و(الجهاد)، وصولاً إلى تلك الورقة الخاصة بسنّة العراق التي تدعي بأن دمشق تمتلكها بعد 9 نيسان 2003 بحكم عوامل الجغرافيا والتاريخ والتداخل الاجتماعي: هذه الأوراق الثلاث( حسب المزاعم الاميركية) تتيح لدمشق خربطة وضع المنطقة، ابتداءً من بغداد وصولاً إلى غزة .
توقيت اغتيال الحريري وتداعياته على تسعير الأزمة بين البلدين :
جاء اغتيال الرئيس رفيق الحريري في ظروف حساسة للغاية، لبنانياً وإقليمياً ودولياً، ولا شك في أن الذين خططوا ونفذوا ذلك الاغتيال كانوا يدركون تماماً أهمية توقيت عملية الاغتيال، و احتمالات تداعياته الخطرة على مختلف الصعد ( لبنانيا ، عربيا ، إقليميا ، و دوليا ) .
- فعلى الصعيد اللبناني : كان هنالك فترة التحضير للانتخابات النيابية المقبلة ، تحت ظروف عدم التوافق والتفاهم بعد حول قانون الانتخاب، و ظروف المشادات والتجاذبات و التي كان تتمحور حول الموالاة وحول المعارضة، في حين كان الحريري يشكل القطب المرجح، الذي ارتفع عن تلك المشادات والتجاذبات ليختار طريقاً ثالثاً، معتدلاً في معارضته عن لا واقعية أطروحات بعض أطراف المعارضة وشطحاتها، فجاء اغتياله ليوجه ضربة إلى حالة الحكمة والتعقل، وإلى تركيبة لبنان، وذلك كي يتم تعطيل وتشويش حرية الناخب، أو يثنيه عن قول كلمته في الانتخابات القادمة. فضلاً عن أن اغتيال الحريري ستكون له تأثيراته على النموذج المتفرد الذي خطّه في العمل السياسي اللبناني من دون إي ادعاء إيديولوجي أو عقائدي، قوامه الاعتدال والمثابرة على الإنتاج والنجاح اعتماداً على تفرّد شخصيته، من خلال امتلاك القدرة على العمل العام وامتلاك المبادرة الفردية، وقد امتد هذا إلى المجال الاجتماعي إضافة إلى المجالين السياسي والاقتصادي. لذلك ترك اغتيال الحريري اللبنانيين في حال من الحيرّة، وترك كذلك التكهنات مفتوحة حول الجهة الفاعلة ودوافعها وأهدافها.
- و على الصعيد العربي وعلى مستوى العلاقة السورية اللبنانية خاصة : جاءت حادثة الاغتيال كي تسير بهذه العلاقة إلى مرحلة تأزم غير مسبوقة، فقد حمّلت قوى المعارضة سوريا مسؤولية الاغتيال إلى جانب الحكومة اللبنانية، وطالبت بانسحاب فوري للوجود العسكري السوري. ويبدو أن جريمة اغتيال الحريري ستكلف سوريا ثمناً باهظاً، بل قد بدأت بدفع الثمن بالفعل
- و على الصعيد الإقليمي : نشهد اشتعال المنطقة في ظرف صار فيه الاحتلال الأميركي للعراق واقعاً، وتتزايد فيه الضغوط الأميركية والأوروبية على إيران للتخلص من ملفها النووي، فيما تعاني الكويت والسعودية من هجمات وأحداث دموية، ويشهد السودان مجازر ومخاطر عديدة. وعلى العموم فإن الوضع في البلدان العربية لا يبعث على الطمأنينة والاستقرار، حيث إن المنطقة برمتها مشمولة بالتغيير، وإعادة رسم خريطتها، بما يتوافق مع الإستراتيجية الأميركية في مشروع الشرق الأوسط الكبير، وبما يجعل إسرائيل دولة فاعلة فيه. وجاء اغتيال الحريري ليفتح الباب أمام مختلف الصراعات في داخل لبنان وفي المنطقة، الأمر الذي يزيد من التحديات، خصوصاً بعد بروز بعض المعطيات والقرائن من خلال التحركات الأميركية والفرنسية، التي بدأت بالمطالبة بإجراء تحقيق دولي، بما يعنيه من تشكيك بصدقية الحكومة اللبنانية، ووصولاً إلى لقاء بوش وشيراك، ومروراً بتدخلات ساترفيلد وتصريحات كونزليزا رايس وسواهما من المسئولين الأميركيين. لذلك، وعلى المدى القريب، سوف تتزايد الضغوط على سوريا وعلى لبنان، بشكل يتمّ فيه تدويل عملية الاغتيال. والخوف من أن تستغل عملية الاغتيال لتدخل دولي في شؤون لبنان بحجة تنفيذ قرار مجلس الأمن 1559، بمعنى أن تستغل عملية الاغتيال كذريعة للتدخل في توازنات المشهد اللبناني، وهو مشهد لم يتوحد قط كما توحد استنكاراً لعملية اغتيال الحريري. إذاً من المهم أن ندرك خطورة التداعيات المترتبة على اغتيال الشهيد الرئيس رفيق الحريري، سواء على صعيد الداخل اللبناني، وتأثير تركيبة المعادلة الداخلية اللبنانية، وكذلك الاختلال في المعادلة العربية المختلة أصلاً، واحتمالات التدخل الأميركي الأوروبي التي قد تصل إلى حدّ التدخل العسكري الذي يبدو أنه بات يلوح في المدى القريب.
-
الدور الأميركي و الأوروبي في الأزمة
أعطى اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق، رفيق الحريري، الشهر الماضي، زخماً جديداً لفكرة قديمة: وهي استعمال مسألة استقلال لبنان لتقويض الموقف الاستراتيجي لسوريا. بوحي من اللغة التي وردت في القرار الصادر عن مجلس الأمن الصيف الماضي، والذي على أساسه يدعو الرئيس بوش ومسئولون رفيعو المستوى الآن "النظام السوري إلى سحب جنوده واستخباراته من لبنان، والتخلّي عن كلّ دور سياسي هناك."
و يعتبر صقور الإدارة الأميركية مثل وزير الدفاع دونالد رامسفيلد (الذي أشرف على انهيار التدخّل الأميركي في الحرب الأهليّة اللبنانية عندما كان مبعوث الرئيس رونالد ريغن إلى الشرق الأوسط) ونائب مستشار الأمن القومي، إليوت أبرامز (الذي كانت مشاركته السابقة في إعداد السياسة الأميركية تجاه لبنان من العناصر المساهِمة في فضيحة إيران كونترا) أنّ مسار الأحداث هذا من شأنه أن يؤدّي إلى تشكيل حكومة مؤيّدة للغرب في بيروت تلبّي مطالب إسرائيل وتساعد في بسط النفوذ الأميركي. ويعتبرون أيضاً أنّه يهيّئ الساحة لانهيار النظام السوري، وتالياً للتخلّص من دولة بعثيّة "مارقة" أخرى. ربما تجسّد الاضطرابات التي أطلقها اغتيال الحريري في لبنان – والتي بلغت ذروتها هذا الأسبوع مع استقالة رئيس الوزراء عمر كرامي – فرصة إستراتيجية، للإدارة الأميركية الذي رافق الهجوم الذي شنه رئيسها جورج بوش على سورية إعداد إدارته إستراتيجية جديدة للتعامل مع سوريا ذات ثلاثة محاور :
- أول محاور الإستراتيجية الأميركية في الضغط على سورية، هو رفع الإدارة صوتها علنا ضد سيطرة سورية لثلاثة عقود على لبنان, من خلال بيانات رسمية من بوش وكبار المسئولين، وذلك في وقت يبعث برسائل دبلوماسية من وراء الستار عبر مبعوثين أميركيين إلى دمشق. وفي الوقت نفسه, أوضح البيت الأبيض انه مستعد لدراسة عقوبات جديدة ضد دمشق إذا لم تستجب. وتحول لبنان بسرعة إلى مركز لجهود الإدارة الأميركية في الترويج للديمقراطية في الشرق الأوسط, في وقت تزداد فيه الضغوط الأميركية على سورية.. فقد قدم نائب رئيس البعثة الأميركية في دمشق ستيفن سيشي رسالة حادة إلى الحكومة السورية، طبقا لما ذكره مسئولون أميركيون.
-المحور الثاني في الإستراتيجية الأميركية : هو التعاون مع الحلفاء الأوروبيين، إذ أشاد بوش خلال حفل في معهد آن اروندل في ميريلاند بالرسالة الأميركية الفرنسية التي وصفها بأنها واضحة بالنسبة إلى سورية ومفادها: (اسحبي قواتك واستخباراتك من لبنان). و هي نفس الرسالة التي حملها مبعوث الأمم المتحدة تيري رود لارسن إلى سورية ولبنان في محاولة لتأكيد وحدة الموقف الدولي في المطالبة بإلزام سورية تنفيذ القرار الدولي الرقم 1559. ويدعو هذا القرار الذي اقر في أيلول الماضي، إلى نهاية وجود كل القوات الأجنبية في لبنان وإجراء انتخابات حرة وعادلة.
- المحور الثالث للإستراتيجية الأميركية : هو التعامل مع الدول العربية التي لديها نفوذ على سورية، كما أوضح مسئول رفيع المستوى في وزارة الخارجية الأميركية. ومن المفارقات أن الحرب اللبنانية التي اشتعلت العام 1975 جاءت بالتزامن مع جولات كيسنجر المكوكية إلى المنطقة بهدف البحث مع مصر وسوريا تحقيق السلام مع إسرائيل، واليوم في الوقت الذي تنشط فيه الدبلوماسية الأميركية لإيجاد حل للفلسطينيين يشهد لبنان وسوريا توتراً متصاعداً, كما أن الظرف الإقليمي والدولي الذي كانت تمر فيه سوريا حينذاك لم يكن أفضل من اليوم بل أسوأ بكثير, مما يثير أكثر من إشارة تعجب واستفهام تتطلب بلا شك قراءة متأنية .

سيناريوهات حل الأزمة الحالية :

يجمع المراقبون للأزمة السورية اللبنانية على أن عملية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري سوف تترك ظلالاً معتمة على مستقبل العلاقات بين البلدين، ويضعها في مهب الريح ما لم تدر الأزمة بوعي ناضج يتجاوز ردود الفعل المباشرة، لاسيما و أن الاحتمالات مفتوحة على مصراعيها، بخصوص العلاقات اللبنانية - اللبنانية أو السورية- اللبنانية أولا و بخصوص العلاقات اللبنانية – اللبنانية ثانيا ( حكومة و معارضة ).
فقد يزداد الموقف تأزماً بين المعارضة والحكومة في لبنان وقد ينفرج. أما عن احتمال التأزم فمقدماته واضحة، خلافاً لاحتمال الانفراج، الذي يأتي من التفكير الناضج في ملابسات جريمة الاغتيال ونتائجها .
وفي ضوء التطورات الأخيرة ، لاسيما بعد إعلان الحكومة اللبنانية عن استقالاتها (و التي أحدثت تسارعا جديدا في إيقاع الحدث، و أوضحت أن الأزمة في لبنان تتجه نحو المزيد من التعقيد) و احتمالات تشكيل الحكومة القادمة تطرح عدة سيناريوهات لهذه الأزمة التي أخذت درجة كبيرة من الخطورة لاسيما بعد اغتيال الرئيس الحريري و تدخل القوى الدولية و رغبتها في المشاركة بشكل أساسي في إدارة هذه الأزمة حسب الطريقة التي تراها (في مؤشر إلى أن التدخل الدولي في لبنان يقترب من مستويات خطرة، ألمحت وزيرة الخارجية الأميركية كوندليسا رايسإلى إمكان تقديم مساعدة أمنية إلى لبنان لملء فراغ القوات السورية عند انسحابها، و هو ما بن في مؤشر إلى أن التدخل الدولي في لبنان يقترب من مستويات خطرة، ألمحت وزيرة الخارجية الأميركية كوندليسا رايس، أمس، إلى إمكان تقديم مساعدة امنية الى لبنان لملء فراغ القوات السورية عند انسحابها، و هو ما بنى عليه المحللون على أن إجبار سوريا على سحب قواتها من لبنان هو خطوة أولى للولايات المتحدة والدول الغربية الكبرى للتدخل في شؤون لبنان الداخلية أما الخطوة الثانية فهي تصفية المنظمات المسلحة الغير الشرعية في لبنان. الأمر الذي سيضيف مزيدا من الاضطراب والتوتر في لبنان ).
، ابرز هذه الاحتمالات :
- الاحتمال الأول : أن تتمسك سوريا بخيارها الإستراتيجي (لا خروج من لبنان إلا بعد تسوية الصراع العربي الصهيوني كاملا) وألا تعتبر الولايات المتحدة إعادة تمركز قواتها في سهل البقاع تنفيذا كاملا للقرار 1559؛ ما قد يؤدي، وانطلاقا من أرضية القرار 1559، إلى تدخل دولي عسكري تقوده فرنسا والولايات المتحدة ، الأمر الذي يدفع بالمنطقة إلى أتون فوضى ستتسبب لا محالة في إشكالات ضخمة بالمنطقة ككل. و هو احتمال مستبعد جدا لاسيما مع المواقف السورية الأخيرة التي أعلنت موافقتها الرسمية على الانسحاب .
- الاحتمال الثاني : أن تفوت سوريا الفرصة على الولايات المتحدة و تحالفها الدولي و تعلن عن موافقتها تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 1559 بدون أي شرط ( رغم اقتناعها الكامل بعدم شرعيته ) و بالتالي الانسحاب الكامل من لبنان .
السيناريو الثالث : يندرج تحت سقف السيناريو الثاني لكن سيتضمن تنفيذ سوريا للقرار 1559 تحت سقف اتفاق الطائف .
السيناريو الرابع : أن تطلب سوريا مشاركة عربية من قبل عدة دول عربية ( لاسيما تلك التي شاركت مسبقا في الإعداد لمؤتمر الطائف ) لإيجاد حل للازمة و أن تتبنى هذه الأطراف العربية هذه الدعوة و تنجح في تهيئة المناخ لمؤتمر لبناني سوري أو ما يمكن أن يطلق عليه "مؤتمر الطائف– 2"، يشارك فيه عدد من القادة العرب بهدف إخراج الأزمة بشكل لا يحمل أي أضرار لسوريا، على أن تقوم السلطات السورية بتنفيذ اتفاق الطائف وسحب قواتها إلى منطقة البقاع اللبنانية ، كمرحلة أولى تمهيدا لانسحابها من لبنان. ولعل هذا السيناريو هو الأكثر ترشيحا للتطبيق لاسيما و انه ينسجم مع الطرح السوري لمعالجة الأزمة، كما أنه يمكن أن يشكل لدمشق "غطاء عربيا" هي في أمس الحاجة إليه لمواجهة الضغوط الدولية.
الاحتمال الخامس : احتمال القيام بضربة أو تدخل عسكري في سوريا أو لبنان في حال عدم الموافقة السورية على كل المطالب الأميركية و هذا الاحتمال يبقى قائما و بشكل كبير لاسيما مع التصريحات الأميركية بإمكانية القيام بمثل هذه الضربة ، و سحب الولايات المتحدة لسفيرتها في سوريا ( أعلنت وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس أن سحب السفيرة الأميركية من دمشق يمثل إشارة على تدهور العلاقات الأميركية مع سوريا ) من جهة أولى وما أعلنه الرئيس السوري من توقع بلاده لضربة عسكرية أميركية على سوريا من جهة ثانية.

الأزمة و فق المنظور اللبناني و احتمالاتها المستقبلية داخل لبنان
يتنازع الأزمة اللبنانية السورية تياران أساسيان (رغم بروز تيار ثالث أطلق على نفسه صيغة الاعتدال لكنه يبقى دون فاعلية التياران الأساسيان )) تيار الحكومة الرسمية و تيار المعارضة .
تتركز مطالب تيار المعارضة حول مطالبة ً القيادة السورية بوقف تدخل أجهزة الأمن والمخابرات في الشؤون الداخلية اللبنانية وفي إدارة ملف العلاقات السورية – اللبنانية . ويكاد هذا المطلب أن يكون في مقدم أولوياتها مضافاً إليه مطالب أخرى تراوح بين تصحيح الخلل في العلاقات السورية – اللبنانية مروراً بتطبيق اتفاق الطائف وإعادة انتشار القوات السورية إلى سهل البقاع، وصولا إلى المطالبة بانسحاب القوات السورية الكامل من الأراضي اللبنانية كما ينص على ذلك القرار الدولي رقم 1559.
إن إجراء الانتخابات و فق الأسلوب الذي ترتضيه المعارضة اللبنانية قد يؤدي إلى فوز أحزاب وقوى وشخصيات المعارضة اللبنانية بأغلبية المقاعد في مجلس النواب الجديد. ويلي ذلك تشكيل حكومة اتحاد وطني تسيطر عليها قوى المعارضة وتطلب هذه الحكومة رسمياً انسحاب كل القوات العسكرية والعناصر الأمنية السورية من هذا البلد في إطار جدول زمني محدد وتبعث برسائل إلى الدول العربية وإلى مجلس الأمن الدولي تتضمن هذا الطلب. ويبدأ التحرك داخلياً وخارجياً، حينذاك، لتأمين هذا الانسحاب السوري ولتسهيل تحقيق هذا "السيناريو التغييري" تدعم الدول الكبرى مطلب المعارضة اللبنانية الداعي إلى تشكيل حكومة مؤقتة برئاسة شخصية سياسية محايدة بحيث تشرف هذه الحكومة على إجراء انتخابات نيابية حرة ونزيهة بمساعدة مراقبين دوليين ترسلهم الأمم المتحدة. ويترافق ذلك مع إصدار قانون جديد للانتخابات مقبول من مختلف الأطراف اللبنانية ومع إعلان نتائج التحقيقات في اغتيال الحريري.
و قبل الانتقال إلى الحديث عن التيار الثاني تنبغي الإشارة إلى أن تشكيل هذه الحكومة (حسب مطالب المعارضة و التي من شأنها أن تؤدي إلى تشكيل حكومة لبنانية مؤيّدة للغرب ) أن تلقى مقاومة من "حزب الله"، أكبر حزب في البرلمان اللبناني، والذي يمنحه سجلّه في محاربة إسرائيل على الأقلّ شرعية في عيون اللبنانيين مساوية للشرعية التي تحظى بها المعارضة المناهضة لسوريا. وستؤدّي هذه المقاومة إلى فشل الجهود لتشكيل حكومة مؤيّدة للغرب، وبالتالي إلى زعزعة الاستقرار أكثر فأكثر في المنطقة في وقت لا تستطيع الولايات المتحدة تحمّل المزيد من عدم الاستقرار.
وفي مقابل هذا "السيناريو التغييري" فإن القوى اللبنانية المؤيدة للوجود السوري في لبنان تعمل على تنفيذ سيناريو آخر والمتجسدة بالدرجة الأساسية بالحكومة اللبنانية والتي تنطلق في علاقتها مع سوريا من أن مواقف قادة سوريا ولبنان متفقة تماما وأن العلاقات الخاصة بين سوريا ولبنان قائمة على أساس "اتفاق الطائف" و اتفاق الأخوة للتعاون والتنسيق بين سوريا ولبنان وسيناريو هذا التيار يتضمن الأمور والعناصر الأساسية الآتية:
أولاً: تشكيل حكومة لبنانية جديدة برئاسة شخصية مقبولة من التيارات الثلاثة (شخصيات مؤيدة للتحالف مع دمشق وشخصيات معارضة معتدلة وشخصيات مستقلة ).
ثانياً: تعمل هذه الحكومة مع مجلس النواب على إصدار قانون جديد للانتخابات مقبول من مختلف الأطراف أو من معظمها.
ثالثاً: تعيد القوات السورية انتشارها في بعض المناطق اللبنانية لكن من دون إجراء انسحابات كبيرة لها قبل إجراء الانتخابات النيابية في مايو القادم .
رابعاً: تجري الانتخابات النيابية بإشراف الحكومة الجديدة لكن من دون حضور مراقبين دوليين أو عرب إلى لبنان.
خامساً: تحقق المعارضة اللبنانية مكاسب في هذه الانتخابات لكنها لن تتمكن من الفوز بأغلبية المقاعد النيابية التي ستظل في أيدي المؤيدين للتحالف مع سوريا (قادرين على الفوز بأكثر من ثمانين مقعداً نيابياً من مجموع 128 مقعداً.(
سادساً: يتم تشكيل حكومة جديدة منبثقة عن هذه الانتخابات تضم بعض الشخصيات المعارضة المعتدلة وتسيطر عليها القوى الموالية.
سابعاً: تطلب هذه الحكومة الشرعية الجديدة تجميد العمل، فعلياً، بالقرار 1559 وتؤكد التفاهم مع القيادة السورية على حجم ومدة وجود القوات السورية في لبنان من دون الإعلان صراحة عن موعد محدد لانسحاب هذه القوات من البلد.
ثامناً: تؤدي هذه التطورات كلها إلى تقليص حدة الأزمة وتبديد أجواء المواجهة السورية - الدولية حول لبنان وعودة الأوضاع إلى مجراها الطبيعي تدريجياً في الساحة اللبنانية، وفقاً للمخطط الذي وضعته هذه القوى المؤيدة لاستمرار التحالف الوثيق بين لبنان وسوريا.
الأزمة وفق المنظور السوري :
لم يكن مفاجئاً من قبل السوريين أن يصل الضغط على سوريا إلى هذه الدرجة من التصعيد، ولن تكون هناك أي مفاجئة إذا ما تصاعد إلى عدوان إسرائيلي( أو حتى أميركي مباشر )على أهداف في سوريا ولبنان، فما يحدث الآن هو تنفيذ دقيق لسيناريو معلن تحدث عنه كثير من الباحثين الغربيين الذين يسمح لهم أن يتحدثوا بحرية عن المخططات، ، وأما اتهام سوريا بجريمة قتل الحريري فإنه يبدو وكأنه تنفيذ حرفي لمقترحات التقرير المقدم(تقرير معهد واشنطن) إلى مجلس سياسة الدفاع الأميركي، (استهداف سوريا عبر ملف اتهامي بعلاقتها بالإرهاب، وباحتلالها للبنان، وبامتلاكها أسلحة تدمير، فضلاً عن الملف الإصلاحي) وقد واكب هذا التقرير قانون العقوبات على سوريا، ولعله وجد سبيل التطبيق السريع حين تمكنت الولايات المتحدة من تحقيق تفاهم مع الأوروبيين حول مستقبل الشرق الأوسط الكبير في مؤتمر الثماني في "سي آيلاند"، وهذا ما قد يفسر التحول المفاجئ في الموقف الفرنسي. فقد بدا بعد هذه القمة أن "تروست" القرن الحادي والعشرين (كما سماه السيناتور ريتشارد لوغار) قد انطلقت عرباته الأوروبية خلف القيادة الأميركية. ويقضي تفاهم التروست، بأن تعتبر سوريا وإيران الهدفين التاليين بعد العراق، وأن تتولى إسرائيل ضرب سوريا وفلسطين بينما تتولى الولايات المتحدة ضرب إيران. وتقضي الخطة حملة لتشويه صورة سوريا (وهذا ما ينفذه الإعلام الأميركي و الغربي و الإسرائيلي و حتى بعض الإعلام العربي ) حيث يتم اتهام سوريا ليس فقط بقتل الحريري، وإنما بدعم الجرائم التي تنفذ في العراق ضد العراقيين ، وبأنها المسئولة عن عمليات المقاومة الفلسطينية التي تنفذ داخل الأرض المحتلة.
لقد تعاملت سوريا مع احتمالات الأزمة مع لبنان عبر مرحلتين ( المرحلة الأولى بدايات بوادر الأزمة قبل اغتيال الحريري و المرحلة الثانية بعد اغتياله )
في المرحلة الأولى أعلنت الحكومة السورية ما يلي :
- أن السوريين يسعون إلى تبني جدول زمني لتمركز و إعادة انتشار قواتهم تمهيدا لسحبها (لن تكشف عنه دمشق لاعتبارات عسكرية، كما أنه سيكون قابلا للتغيير بحسب التطورات السياسية)، على أن تتخذ عملية إعادة الانتشار الجديدة من اتفاقية الطائف مرجعية أساسية له.
-أن القوات السورية منذ انسحاب إسرائيل من جنوب لبنان، قبل نحو 5 سنوات، قامت بأكثر عملية إعادة انتشار لقواتها بحيث أصبحت معظم هذه القوات (14 ألفا إجمالا) متمركزة بالفعل في الوقت الراهن في منطقة سهل البقاع أي أنها نفذت انسحاب لما يعادل ال 60 % من قواتها في لبنان
وبعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الراحل رفيق الحريري وتصاعد مطالب المعارضة اللبنانية بإنهاء الوجود السوري في لبنان أعلنت الحكومة السورية عن إستراتيجيتها للتعامل مع الأزمة (الشروع في تجميع قواتها في سهل البقاع دون إعلان جدول زمني واضح لذلك وتنفيذ القرار 1559 من خلال اتفاق الطائف)،
و بما أن هذا التوجه لم يكن كافيا على ما يبدو لوقف مطالبات المعارضة اللبنانية من جهة والضغوط الغربية وفي مقدمتها الضغوط الأمريكية فقد تبنت القيادة السورية :
1 - خيار الدخول في مباحثات مكثفة مع عدد من المسئولين بالدول العربية من أجل التوصل إلى اتفاق "مشرف" للأزمة الراهنة تقبله جميع الأطراف المعنية، عبر مؤتمر قمة عربي ( لاسيما و أن دخول القوات السورية إلى لبنان كان نتيجة اتفاق الطائف أي بشرعية عربية و دولية فمن الطبيعي أن يكون الخروج حسب الطلب السوري بشرعية عربية أولا و دولية ثانية ) تتمثل المرحلة الأولى منه في تمركز كل القوات السورية المتواجدة في لبنان في منطقة سهل البقاع، ويمكن أن يمهد في مرحلة لاحقة لانسحاب سوري من لبنان.
2 – الإعلان السوري ( و رغبة منها في تفويت الضغط الدولي لاسيما الأميركي منه ) عن عدم ممانعة الحكومة السورية للانسحاب الكامل من لبنان عبر انسحاب كافة قواتها الى سهل لابقاع كخطوة أولى و من ثم الانسحاب الى الحدود السورية اللبنانية كخطوة ثانية و يترك للمجلس الاعلى لاسوري اللبناني الاتفاق على تفاصيل و تاريخ ذلك خلال اجتماعه الذي سيعقد في السابع من الشهر الجاري و أن قرار سوريا في كل انما يخضع لتنفيذ اتفاق الطائف و القرار 1559 .

مستقبل العلاقات السورية اللبنانية
قبل مقتل الرئيس الحريري كانت العلاقات السورية اللبنانية تمر في أزمة، لكنها دخلت بعد عملية الاغتيال في محنة حقيقية. يمكن تبين معالم هذه المحنة في طبيعة الشعارات التي تطلقها قوى سياسية رئيسية في لبنان ضد الوجود السوري والتي تعكس خطورتها بشكل واضح التقاء القوى اللبنانية التي بقيت لعقدين متتاليين في مواجهة عسكرية مستمرة، على العمل يدا بيد مع الولايات المتحدة وفرنسا لتصفية الوجود السوري في لبنان،إن مستقبل العلاقات بعد هذه الأزمة بين البلدين متوقف على التطورات اللاحقة التي ستتوقف على الطريقة التي ستترجم بها القوى المتنازعة جميعا نتائج هذا الانسحاب والأهداف التي ستحددها لسياساتها على طريق استغلاله والرد على آثاره معا، أي الطريقة التي ستحسم بها الأزمة الراهنة في هذه العلاقات. فإذا نجحت بعض أطراف المعارضة في ترجمة ديناميكية الرفض الشعبي المتزايد للحضور الأمني السوري إلى عداء لسوريا يحرمها من أي موقع اكتسبته في لبنان في العقود الثلاثة الماضية، أي إذا تحول انسحاب سوريا إلى مناسبة للعودة بلبنان إلى نمط التحالفات المحلية والدولية التقليدية التي كانت تفرض عليه العمل في دائرة السياسات الغربية وربما إلى تحويله من جديد إلى مصدر ضغط وتهديد للأمن والاستقرار في سوريا، فستكون النتيجة بالتأكيد السير السريع نحو قطيعة شبيهة بتلك التي عرفها البلدان عشية الانفصال عن الانتداب الفرنسي في الأربعينيات، ومن وراء ذلك تنامي مشاعر العداء وسوء الفهم وانعدام الثقة والشك في لبنان وسوريا معا.
لكن، في المقابل، إذا لم يترجم الانسحاب السوري من لبنان بسيطرة التيارات اللبنانية المعادية لسوريا أو بنزعة واضحة للتحالف مع القوى الدولية النازعة إلى تكثيف الضغوط على سوريا لجرها إلى دائرة نفوذها واستخدامها كجزء من إستراتيجيتها العالمية، فليس من المستبعد أن يتحول الانسحاب إلى فرصة جدية لإعادة بناء العلاقات السورية اللبنانية على أسس موضوعية وعقلانية، أي على احترام كل بلد لسيادة البلد الآخر الشكلية، أو على الاقل مظاهرها، لأنه لم يعد هناك في الواقع شيء آخر غير ذلك، والتعاون على توسيع دائرة المصالح المشتركة الاقتصادية.
وفي اعتقادنا أن الحفاظ على إمكانية مثل هذا المخرج الايجابي لأزمة العلاقات السورية وتجنب القطيعة والعداء المتبادل، لاسيما و أن الطرف السوري أعلن هذا الخيار كخيار أساسي بالنسبة له انطلاقا من أن علاقته بلبنان تتجاوز الجغرافية إلى التاريخ و انه ليس فقط العامل العسكري هو الذي يحدد فقط الدور السوري في لبنان بل إن سوريا تلعب دورا مهما بغض النظر عن وجود الجيش أو لا .
إن مجرد طرح الكثيرين للتساؤل عن مستقبل العلاقات السورية اللبنانية؟ ، أو ما سيكون عليه وضع لبنان بعد خروج السوريين ؟، أو بالعكس كيف سيكون وضع سوريا بعد خروج قواتها من لبنان ؟ فهو يعني، بدون مواربة، أن ثمة وضع لبناني، أو شكل لبناني، متشكل بالعلاقة مع دور فاعل لسورية في لبنان، هو عينه الواقع، أو الشكل، الذي سوف يحاول أن يتغير وفق المعطيات اللبنانية "وحدها"، بعد خروج القوا ت العسكرية والأمنية منه.
إن مستقبل العلاقات السورية اللبنانية و انطلاقا من عمق العلاقات التي تجمع بينهما يجب أن يشيد على الأسس التالية:
1 -انسحاب القوات السورية والأمنية من لبنان وعدم التدخل في شؤونه الداخلية، إلا كنوع من الاستجابة لأسئلة الداخل اللبناني. وفي هذه الحالة، ينبغي أن تأخذ الاستجابة السورية شكل التعبير عن الرأي، العلني والشفاف،.
2 -مساعدة اللبنانيين، في حال طلبوا ذلك، على تطبيق اتفاق الطائف، أو تطويره،
3- ينبغي أن يكون واضحا لجميع القوى اللبنانية ، أن عودة العنف إلى الداخل اللبناني، تحت أي مسمى، وعنوان، أو تحويل لبنان إلى ساحة للضغط على سورية، هو في غير صالح لبنان ولا سورية، وهو مجال مهم للتعاون بين جميع اللبنانيين والسوريين، الرسميين وغير الرسميين.
4- إعادة النظر في جميع الاتفاقات السورية اللبنانية ، بما يراعي مصالح كلا الطرفين .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجزائر: نظام ري قديم للمحافظة على مياه الواحات


.. مراسل أوكراني يتسبب في فضيحة مدوية على الهواء #سوشال_سكاي




.. مفوضية الانتخابات العراقية توقف الإجراءات المتعلقة بانتخابات


.. الصواريخ «الطائشة».. الفاشر على طريق «الأرض المحروقة» | #الت




.. إسرائيل.. انقسام علني في مجلس الحرب بسبب -اليوم التالي- | #ر