الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تطور الانتاج الراسمالي والشيوعي ١

حسقيل قوجمان

2012 / 11 / 12
مواضيع وابحاث سياسية


تطور الانتاج الراسمالي والشيوعي ١
كتب لي قارئ عزيز رسالة جاء فيها السؤال التالي:
"في جميع مقالاتك تقول ان في المجتمع الشيوعي لا وجود لفائض القيمة فهل هذا يعني ان المجتمع الشيوعي يصبح مجتمعا جامدا عاجزا عن التطور؟"
يبدو لي ان سؤالك يحتوي على خلط بين مفهومين مختلفين فائض القيمة وتطور المجتمع البشري. ان تطور الانتاج البشري حركة دائمة متواصلة طالما بقي مجتمع انساني على الكرة الارضية. كان هذا حقيقة واضحة منذ نشأ الانسان على الكرة الارضية وحتى يومنا هذا. فالعمل البشري على الطبيعة شرط اولي واساسي لبقاء الانسان اذ بدونه لا يستطيع الانسان الحصول على ما يبقيه على قيد الحياة.
لا يختلف المجتمع الانساني من هذه الناحية عن المجتمع الحيواني. فالمجتمع الحيواني هو الاخر يبحث في الطبيعة على ما يبقيه على قيد الحياة. ولكن تطور دماغ الانسان وتخصص يديه للعمل جعله قادرا على اختزان التجربة وتعلمها بحيث اصبح يطور وسائل تسهل له البحث عما يبقيه على قيد الحياة ويستطيع تكرار انتاجها وتطويرها وبهذا يختلف المجتمع الانساني عن المجتمع الحيواني. ان تطوير وسائل انتاج جديدة جعل بامكان الانسان ان يطور انتاجه كميا ونوعيا بحيث يحصل على معيشته متغلبا على الصعوبات التي تجابهه في الطبيعة القاسية التي نشأ فيها.
ادى تطور الانتاج كميا الى امكانية توفير جزء من الانتاج لبشر لا يشتركون في الانتاج وتطور ذلك الى انقسام المجتمع الى فئات عاملة وفئات تغتصب انتاجها، اي تحول المجتمع الى مجتمع طبقي. في المجتمع الطبقي توجد طبقات تعمل وطبقات تستولي على انتاج الطبقات الكادحة بدون مقابل. في البداية كان الانسان الكادح نفسه اداة الانتاج الرئيسية. فالانسان الكادح ذاته وليس انتاجه وحده ملك للطبقة الحاكمة تستخدمه من اجل انتاج ما يريده وليس الانسان الكادح في هذا المجتمع سوى عبد يعيش على ما يتصدق عليه به مالكه مما انتجه العبد نفسه. في مجتمع العبيد هذا كان الاستغلال محسوسا واضحا اذ من حق المالك ان يحوز على كل انتاج العبد الكادح وان يشغله الى حد الموت وان يقتله او يبيعه باعتباره ملكا له لا يختلف عن غيره من الحيوانات التي يمتلكها سوى انه حيوان ناطق.
ان تطور الانتاج اثناء فترة العبودية لا يتوقف ويؤدي تطوره الى جعل الشكل العبودي للانتاج عائقا ومؤخرا لتطور الانتاج فيتحتم تغيير الانتاج بحيث تصبح الارض اداة الانتاج الرئيسية. يصبح الانسان الكادح في هذا المجتمع حرا نسبيا كانسان ويصبح عمله وسيلة الاستغلال الاساسية للطبقات الحاكمة، يصبح نظاما اقطاعيا. في هذا المجتمع ايضا كان الاستغلال واضحا محسوسا. فالفلاح يعمل في ارضه من اجل انتاج معيشته ومعيشة عائلته ويعمل هو وافراد عائلته في ارض الاقطاعي لانتاج يصبح ملكا للاقطاعي بدون مقابل.
ولكن تطور الانتاج البشري يواصل تطوره بحيث يصبح الانتاج الاقطاعي عائقا ومؤخرا للتطور وينشأ شكل اخر من الانتاج هو الانتاج الراسمالي. في هذا الانتاج يصبح الانسان الكادح حرا بمعنى انفصاله نهائيا عن وسائل الانتاج التي يعمل بها على الطبيعة لانها ملك الراسمالي، ويصبح حرا في التصرف بقوة عمله التي هي ملكه الخاص. تصبح في هذا الانتاج علاقة العامل الكادح والراسمالي علاقة بيع وشراء تبدو على السطح علاقة متعادلة وعادلة. في هذا المجتمع يبيع العامل سلعته الوحيدة للراسمالي كما يبيع كل انسان اخر سلعته في سوق التبادل السلعي ولا يستطيع الحصول على ما يعيله وعائلته الا عن طريق بيعها. ويشتري الراسمالي سلعة العامل الكادح ايضا بطريقة عادلة وفقا لقوانين التبادل السلعي. ومع ذلك كان واضحا ان راسمال الراسمالي يزيد ويتعاظم بينما يبقى العامل الكادح على فقره وعدم امتلاكه غير قوة عمله ثروة يبيعها من اجل كسب معيشته.
لم يكن الاستغلال في الانتاج الراسمالي واضحا ملموسا كما كان في المجتمعات السابقة. وقد عجز علماء الاقتصاد عن تفسير اغتناء الراسماليين وبقاء العامل على فقره رغم ان المعاملة هي معاملة عادلة يبيع البائع سلعته ويشتري الشاري السلعة التي يريد شراءها بدفع ثمنها او قيمتها.
وكان من حظ كارل ماركس ان يجد تفسير ذلك وكشف طبيعة الاستغلال الحاصل في هذه العملية. اكتشف ان عملية الاستغلال تجري خارج السوق، خارج عملية التبادل المتعادل في السوق. اكتشف ان سلعة قوة العمل سلعة تختلف عن جميع السلع الاخرى في المجتمع. اكتشف ان سلعة قوة العمل تختلف عن باقي السلع بكونها عند الاستعمال تخلق قيمة جديدة. اكتشف ان الفرق بين قيمة شراء قوة العمل وبين القيمة التي تخلقها قوة العمل عند الاستعمال في العمل على ادوات انتاج الراسمالي هومصدر ارباح الراسمالي. اكتشف ان القيمة التي تخلقها سلعة قوة العمل لدى الاستعمال تزيد على القيمة التي يدفعها عند شرائها وهذا كان الاساس في ربحه من العملية.
وتختلف سلعة قوة العمل اختلافا اخر يخلق بعض المشاكل للراسمالي عند استعمالها. فعند شراء كل سلعة عدا سلعة قوة العمل يستلم الشاري السلعة التي دفع ثمنها من البائع بحيث لا تبقى اية علاقة للبائع بالسلعة التي باعها والشاري يستلم السلعة التي اشتراها ومن حقه ان يستخدمها بالشكل الذي يشاؤه بدون ان تكون للبائع اية علاقة بذلك. اما سلعة قوة العمل فهي سلعة لا يستطيع البائع فيها ان يسلم السلعة للشاري كما هو الحال في السلع الاخرى. الشاري لهذه السلعة لا يستطيع استعمالها الا بحضور البائع.
ان الراسمالي باعتباره شار لسلعة قوة العمل يجد ان من حقه ان يستعملها كامل اليوم الذي دفع ثمنه. وليس من حق البائع، العامل، ان يعترض على ذلك. ولكن الراسمالي لا يستطيع استعمال سلعته التي اشتراها ليوم واحد يوما كاملا لعدم امكان بائع السلعة العامل ان يعمل جسميا وصحيا اربعا وعشرين ساعة. لذلك فان هذه هي السلعة الوحيدة في العالم التي ينشأ عند استعمالها صراع بين الشاري والبائع حول استعمالها. وتاريخ النظام الراسمالي شاهد على الصراع بين الراسمالي والعامل حول مدة استعمال قوة العمل. صراع حول يوم العمل استغرق قرونا من تاريخ الانتاج الراسمالي وما زال النضال قائما حول يوم العمل وظروف العمل وغيرها من الصراعات بين الطبقة العاملة البائعة لقوة عملها والطبقة الراسمالية الشارية لها. ولا ينتهي هذا الصراع الا بتحقيق القضاء على نظام الانتاج الراسمالي.
ليس فيما تقدم شيء جديد اذ كل ما جاء هو تكرار لموضوع نوقش مرارا وتكرارا خلال مئات السنين. ولكني اردت من تكراره ان اظهر لقارئي العزيز الفرق بين فائض الانتاج وفائض القيمة. فائض القيمة هو الصورة التي اتخذها الانتاج الراسمالي للاستغلال وهي صورة غير ملموسة وغير واضحة كما كان الاستغلال في انظمة الانتاج السابقة. اما فائض الانتاج فهو ظاهرة ثابتة ثبات وجود الانسان على الكرة الارضية ولا علاقة له بانظمة الانتاج مهما كان شكلها. تستطيع الطبقات السائدة ان تشجع تطور الانتاج او تعارضه وفقا لمصالحها ولكنها لا تستطيع ايقافه.
حتى حاليا حين يجابه العالم الراسمالي اقوى واقسى واخطر ازمة اقتصادية ومالية في تاريخ النظام الراسمالي وهي دليل على نشوء حتمية الثورة على النظام الراسمالي وعجز الطبقة العاملة والكادحين عن تحقيق ثورتهم والقضاء على النظام الراسمالي، وباللغة التي يحبها يعقوب ابراهامي حين اصبح على الفرخ البروليتاري في البيضة الراسمالية ان يكسر قشرة البيضة لكي يتحول من فرخ الى طير، وتحقق نتيجة عجز الفرخ عن كسر قشر البيضة الراسمالية قانون فناء الضدين، فلم يبق الفرح فرخا ولم يبق الراسمالي راسماليا، فيما نراه من فناء في الجانب الراسمالي من افلاسات وانهيارات مالية وازمات اقتصادية وما نراه في الجانب الكادح من تفاقم البطالة والجوع والفقر ومن تشديد ذلك بفرض قوانين التقشف على الشعوب وفقا لاوامر البنك الدولي لم يتوقف تطور المجتمع علميا وفنيا. وفي الجانب العسكري يجري افناء مخزونات وانتاجات جميع اصناف اسلحة الدمار الشامل بالقائها على الشعوب في الحرب العالمية التي اعلنتها الولايات المتحدة منذ اكثر من عشرة اعوام وفناء هذه الشعوب بملايينها وباجيالها القادمة وفناء منشآتها في ارجاء العالم ومع ذلك نرى التقدم الهائل في العلم وانجازاته في الثورة التكنولوجية التي يعيشها العالم.
لكن نتائج التطور تختلف باختلاف النظام الانتاجي. تختلف نتائج التطور الانتاجي في المجتمع الراسمالي عن نتائج الانتاج الاجتماعي في المجتمع الشيوعي. الاختلاف الرئيسي هو كون هدف الانتاج الراسمالي هو القيمة بينما هدف الانتاج الشيوعي هو القيمة الاستعمالية. وقد جاء في مقالات القيمة والقيمة التبادلية ان نقض الانتاج الراسمالي يؤدي الى سيطرة القيمة الاستعمالية في تناقض الانتاج بدلا من سيطرة القيمة في تناقض الانتاج في الانتاج الراسمالي. ومناقشة هذا الفرق بين نتائج التطور سيكون موضوع الحلقة الثانية من هذا المقال.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - سيدي
طريف سردست ( 2012 / 11 / 12 - 22:51 )
في احدى محاضرات الماركسية اللينينية، على مدرجات جامعة في موسكو، بعد صعود غورباشتوف، والاعترافات بالازمة الاقتصادية السوفيتية، فاجئنا الاستاذ المحاضر بالتالي:
الشيوعية هي فكرة . انها فكرة لم يسبق تحقيقها، ونحن نتجه نحوها بدافع الحدس. لا احد يعلم الطريق الاكيد والاقصر للوصول اليها او حتى اذا كنا سنصل اليها بفضل هذا الطريق تحديدا ، وليس لدينا احد قادر ان يدلنا على الطريق المضمون .. ماذا يعني ذلك؟
الماركسيين ماديين، في حين يسعون نحو تحقيق فكرة، لتكون الفكرة هي الاصل. ولكن ذلك يتناقض مع المادية، من حيث ان الفكرة اولا هي قاعدة ميتافيزيقية. ان المادية التاريخية والمادية الديالكتيكية هما ادوات لوصف الواقع وليس المستقبل. بالتأكيد يمكن ، من خلال فهمنا الحاضر والماضي ان نحاول رسم المستقبل، غير ان ذلك لايعني امكانية وضع المستقبل في - نظرية- جاهزة، او اننا قادرين على التحكم في جميع العوامل الداخلة فيها. بذلك يكون الاشتراكيين الديمقراطيين اكثر توافقا مع الواقع المادي من - الشيوعيين- الحالمين.. شكرا لك


2 - يا شغيلة اليد والفكر وكومونيوا العالم اتحدوا
فؤاد محمد محمود ( 2012 / 11 / 13 - 06:59 )
الرفيق العزيز قوجمان
الا ترى ان النضال الكوموني هو المرشح بعد سقوط التجربة الروسية
حبي وامتناني


3 - إلى طريف سردست 1: قانون البيضة والدجاجة
يعقوب ابراهامي ( 2012 / 11 / 13 - 08:14 )
لا يا عزيزي! كما إن فرخ الدجاجة يخرج لا محالة من البيضة سيخرج المجتمع الشيوعي لا محالة من بطن المجتمع الرأسمالي بحكم قوانين طبيعية لا سيطرة للإنسان عليها، إلاّ طبعاً إذا اعترضه في الطريق قانون فناء الضدين (الذي اكتشفه حسقيل قوجمان). عند ذلك سيفنى الضدان (البروليتاريا والطبقة الرأسمالية) وتبقى البرجوازية الوضيعة سيدة العالم وتتحقق بذلك نبوءة فؤاد النمري
وهكذا ترى أن المشكلة هي ليست حتمية المجتمع الشيوعي بقدر ما هي أن هذا المجتمع (كما يصوره حسقيل قوجمان) سيكون مجتمعاً مملاًّ ومضجراً للغاية. وبدل أن يموت الإنسان من الجوع في المجتمع الرأسمالي سيموت من الضجر في المجتمع الشيوعي

اخر الافلام

.. إسرائيل سقطت في فخ حماس..فكيف تترجم -الانتصار- على الأرض؟ |


.. تمرّد أم انقلاب؟ إسرائيل في صدمة!| #التاسعة




.. مراسل الجزيرة يرصد مسار عملية رمي جمرة العقبة في أول أيام عي


.. مراسل الجزيرة يرصد تطورات الخلاف في إسرائيل بشأن -هدنة تكتيك




.. مظاهرات في ألمانيا والنرويج نصرة لغزة