الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العرب يصنعون موتهم

محمد قاسم

2012 / 11 / 12
مواضيع وابحاث سياسية



أحدث نفسي دائماً عن خيبات العرب . أعرف أنها ليست مجرد أرث تأريخي قديم ولد مع هؤلاء القوم. بل هي هرمون طبيعي ينمو مع حجم وسعة الذّل المخبأ تحت العقال البدوي أو العمامة الساذجة أو ربطة العنق الدخيلة على مدنيتهم المصطنعة. أن تاريخ العرب ليس بحاجة الى شهادة من أحد لكي يضعه بين دفتي كتاب ضخم يلم به صراعاتهم مع أنفسهم أولاً وبينهم وبين أمم هزمتهم وأوجعت سياطها ظهورهم ثانياً.
كثيرة هي هزائم العرب. ولكن أكثرها أيلاماً لهم هي تلك التي خاضوها مع أسرائيل ، والتي أثبتت بما لايقبل الشك بأنهم أمة جبانة ، تعيش في مخيال قديم . ولا تفهم من واقعها الذي تعيشه غير البحث عن أنجع الطرق لتكبير القضيب وأبقائه منتصباً حتى بلوغ أرذل العمر.
لقد ظل هاجس الهزائم يلاحق العرب في صحوهم ومنامهم. فلم يجدوا بديلاً لهذا الداء غير أن
يشربوا من عقاقير الأمنيات أو الإبحار في لجج الخيال . وبما أن خيالهم ساذج بطبيعة سذاجتهم فقد راحوا ينهلون من صور أحلامهم التي لم ولن تتحقق أبداً وذلك بخلق أبطال من ورق هش ، يزجون بهم في معارك وهمية مع المخابرات الأسرائيلية . ينتصرون عليها في النهاية ويرسمون فرحة النصر العربي على الوجوه المصابة بداء الكآبة.
نعم ، لقد أنتصر العرب على أسرائيل في معركة ( رأفت الهجان ) وفي معركة ( بئر الخيانة) وفي معركة (دموع في عيون وقحة) وأخيراً أنتصروا في اكثر ملاحمهم سخرية ، هي ملحمة (فرقة ناجي عطا الله). تلك الفرقة الكرتونية التي غزت تل أبيب وسرقت ، هكذا وبكل بساطة، مئات الملايين من الدولارات بعد أختراقها العبقري لأنظمة الحماية الألكترونية لأكبر وأهم بنك في أسرائيل ، فضلاً عن أجتيازها لكافة الدفاعات الأمنية الأسرائيلة . وبالطبع فأن فرقة أبطال العرب تلك قد دخلت أسرائيل وسرقت دولاراتها بفضل العقل الفذ والنادر للبطل العربي ناجي عطا الله.
لقد وصل العرب الى نهايتهم من دون شك . فهم أدمنوا خدرهم الطويل، وراحوا يصدقون أكاذيبهم. فما عاد بينهم من يكذب لكي يصدقه الناس بل صار يكذب لكي يصدق نفسه. وليس ببعيد عن هؤلاء كاتب المسلسل الكرتوني( فرقة ناجي عطاالله) السينارست (يوسف معاطي ) الذي تمكن وبمجمل أعماله السينمائية من فتح بوابات الكذب على مصاريعها . وأعني بذلك الكذب المشحون بطاقة الكوميديا السيئة التي لا ينصهر مع سخفها سوى صناع هذه الأعمال المنتهية الصلاحية.
ولا أريد في هذه الورقة أن ادخل في جدل عقيم مع أفلام السيد معاطي، فهي تعلن عن نفسها من خلال مواضيعها السطحية وطرق معالجتها فنياً. ما يهمني هنا هو ذلك الوهم الكبير الذي حاول الكاتب ان يضع المتلقي فيه بأقترابه من منطقة رخوة في عاطفة العرب وهي الأنتصار على الاسرائيليين حتى ولو جاء هذا الأنتصار بأقذر الطرق وأكثرها خسة ألا وهي السرقة!.
وكذلك محاولة هذا الكاتب اليائسة في تغيير الصورة النمطية السائدة عن الأنسان المصري والمعروف بعشقه للجنيه وعدم أستعداده التفريط بفلس واحد ولأي سبب من الأسباب وتحت أي ظرف من الظروف.
لقد تمكنت أسرائيل من كسر شوكة العرب وفرك انوفهم في تأريخ صراعاتها معهم. فقد سحقت جيوشهم وأذّلت حكامهم وأبكت شعوبهم وأخترقت منظوماتهم الأخلاقية وأوسعت من رغبتها في تأسيس وجودها وحاجتها الدائمة الى نمط كينونتها الأجتماعي والسياسي.فكانت ردود أفعال العرب هي البكاء على الأطلال والعويل المزعج الذي لا ينتج سوى الأنطواء على النفس والهرولة بأتجاه احلام اليقضة ومعاقرتها كأفيون دائم المفعول . وما أنتجته تلك الأحلام هو القبول بأدنى درجات التمني والأقتراب من حالة الخدر الطويل , وهو ما أصبح لاحقاً مشروع العرب الجميل الذي أذكى صيرورة غيبوبتهم ومنحها مشروعيتها في تأسيس نمط جديد من أنماط الحروب الوهمية. أنها الحروب الجميلة التي تأكد فيها أنتصارهم , وأنتهى بواسطتها كيان الدولة العبرية .
لم يبق لليائس سوى الحلم . ! وفلسفة الأحلام هي النتيجة القصوى التي يتشبث بها زرّاع اليأس وحاصديه. ولكي يتأكد الحلم كحقيقة معترف بها ، فلا بدّ من الكذب. لأنه الوسيلة المثلى للأقناع.وأكاذيب العرب ليست تأثيثاً لمجمل انكساراتهم ، وهي بالنتيجة ليست غواية للآخرين لكي يمتحنوا صدق الكذب.! أنما هي أقصى قابلياتهم في انتاج مخيلة متخمة بكسل فريد من نوعه. وهذا الوصف يتأكد بسياسات الرسميين وكذلك في اقلام الكتاب وأعمال الدراما والسينما وحتى الموسيقى والغناء.
ما تنطوي عليه أحلام العرب وأكاذيبهم من جنوح نحو غيبوبة مزمنة هو أكيداً ليس بذخاً في التفكير ، أو تحريكاً للعقول. أنما هو نتيجة واقعية تعكس زهايمر العرب. وهذا المرض قد تضاعف لدى منحرفي الأفكار والحالمين من الكتاب العرب ، ومنهم السيد يوسف معاطي الذي ظل يجرب في مخزون فكري تعفن في عقول أنسلخت عن واقعها . وأكثر من تعاطي لغة ميتة لا يفهمها ألا صنّاع الأوهام . ونحن نعرف أن قيمة الفن في صدقه حتى لوكان بشكل من الأشكال وهماً. أما أن نصنع فناً لا يملك سوى مخيلة كاذبة ومظللة وأطارها العام هو تخدير المتلقي فما تبقى إذن هو دونية صريحة في تسويق (هذه الأنماط السلوكية ) في الكتابة . وهي أنماط تحاكي المنكسرين ، وحتماً هي مواساة مبطنة لهم.وبالتالي هي تأكيد لأنطوائية فريدة على النفس ، وتذويب غريب لحكمة العقل .
أن ما تناوله مسلسل ناجي عطاالله لم يكن سوى شحنة سالبة في ذات محتضرة ، أو منكسرة . ولم يكن مرهماً لعلاج داء الصلع الفكري المزمن الذي أصاب المخيلة العربية كما يتمنى المرء. وقد أصبح هذا العمل الدرامي العلامة الفارقة للخواء . نشم فيها رائحة قديمة جداً. تؤذي الذائقة ، وتصنع تماثيل من هواء. أو شخصيات معطوبة ومريضة ، أضناها ضحكها على نفسها وتصديقها لذنوب ارتكبتها على أنها بطولات يؤطرها التاريخ بزخارف من ذهب . والمشكلة لم تعد مشكلة شخصيات وكاتب وافكار ، بل تعدت ذلك الى مشكلة شعوب تصدق أكاذيبها وتنام في قيامها وقعودها ، وتستهلك أدوات ديمومتها بالكسل .فالكاتب يعرف تماماً بأن خطابه غير موجه الى أسرائيل لأنه يدرك بأن ليس ثمة من يأبه له ، او يمنحه شيئاً من وقته لكي يصغي أليه. بل أن ذلك الخطاب هو موجه بالأساس الى الكسالى القابعين خلف غلالات الأسلام القديم أو قيم الأجداد البدوية المسكونة بحوادث الجنس والجن والقتل والسلب والنهب.!أو لأولئك الذين ما عاد بأمكانهم تلمس مديات الذائقة الفنية الواقعية فأسرفوا في تلقي خطابات وهمية تريح ادمغتهم من عذابات التفكير وتنأى بهم عن كل خطاب يمكن له أن يخرجهم من حالة الموت السريري.
هل أجتمعت أدوات صناعة موت العرب ؟! من خبأ تلك الادوات تحت وسادته ؟ ومن منحها رخصة الوجود؟ ومن منحها شرعية الظهور علناً ؟
لقد أوجد العرب أدوات موتهم من دون شك! وهم من حافظ عليها ، وهم من أدركوا حاجتهم أليها ليفعل مفعولها فيهم دهوراً ليموتوا من دون ألم .
ولعل أدوات الموت تلك كثيرة جداً ليس أولها النوم بين أفخاذ النساء ، وليس آخرها مسلسل فرقة ناجي عطاالله.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصادر مصرية: وفد حركة حماس سيعود للقاهرة الثلاثاء لاستكمال ا


.. جامعة إدنبرة في اسكتلندا تنضم إلى قائمة الجامعات البريطانية




.. نتنياهو: لا يمكن لأي ضغط دولي أن يمنع إسرائيل من الدفاع عن ن


.. مسيرة في إسطنبول للمطالبة بإيقاف الحرب الإسرائيلية على غزة و




.. أخبار الساعة | حماس تؤكد عدم التنازل عن انسحاب إسرائيل الكام