الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في يوم المرأة العالمي: ختان الذكور- الجريمة المستمرة- سيطرة الايديولوجيا الدينية على العلم

سميح صفدي

2005 / 3 / 9
ملف - بمناسبة 8 مارس/ اذار 2005 يوم المرأة العالمي


أستخدم الايديولوجيا في هذا المقال بمعنى النسق الفكري المغلق الذي يمتلك جواباً لكل سؤال، ولا يطرح الأسئلة على نفسه، ولا يتشكك في بديهياته الثابتة ثبات الصخور. أطرحها كضد للفكر والتفكير، كضد للمعرفة الباحثة عن نفسها دائماً وأبداً، والتي تحطم اليوم بالعقل والنقد، ما كان بالأمس بديهيات مستقرة.
ولعل العلم كان ولايزال أحد أهم فروع المعرفة التي لا تخضع لبديهيات المجتمع، ولا تطأطيء رأسها للايديولوجيا السائدة مهما تعملقت هذه الاخيرة، ومهما مارست من غطرسة واستبداد.
أن ختان الذكور يعتبر من شروط الايمان وإستكمال الدين عند المسلمين واليهود على السواء. لهذا فإن طرح هذا الامر ومناقشته ما زالت مسألة معقدة ومستهجنة، وقد يستغرب البعض طرح هذا الموضوع في مثل هذا اليوم - يوم المرأة العالمي-، وكان الاجدر طرح مسألة ختان الإناث. ولكني أقول ان مسألة ختان الاناث وعدم شرعيتها حاضرة بقوة في أذهان الجميع، وهي في طور الانقراض، ومن السهل دحضها وقد أخذت حقها من النقاش والعمل الى حد مقبول. أما ختان الذكور فإنه ما زال يعامل كبديهية لا تحتاج الى التفكير، ولا يتردد أي أب او أم حتى لو كانوا غير متدينين أو حتى من الطوائف والاديان الاخرى التي لا تفرض الختان بختان ابنهم الذكر وهم مقتنعون بكل سذاجة بانهم يفعلون الافضل لإبنهم.
وبما أن تحرر المرأة لا ينفصل عن تحرر الرجل، وبما أن الحياة الجنسية الطبيعية هي من أهم الأسس في هذا التحرر فإن قضية الحد من عملية ختان الذكور برأيي هي مطلب أنثوي بقدر ما هي مطلب ذكوري، أو لنقل مطلب طبيعي. وقد ذهب بعضهم الى حد اعتبار ان عملية ختان الذكور هدفها بالدرجة الاولى قمع النساء.
المتدينون يعتبرون الختان شرطاً من شروط الايمان، ومقدمة للتطهر من "الاثم والنجاسة"!، وبالتالي فإنهم يفرضون نوعاً من التعتيم ويقمعون أي محاولة لنقد الختان (على الاخص ختان الذكور)، حتى في الغرب ورغم كل هامش الديموقراطية المتاح فسيدهش المتابع لهذه القضية من الجهود التي يبذلها "اللوبي الصهيوني" في الولايات المتحدة واوروبا والعالم للإبقاء على هذا الموضوع طي الكتمان، رغم أنه "أي اللوبي الصهيوني" كان له دور كبير في فضح مسألة ختان البنات في مصر، ويشهد على ذلك مقدار الوقت الذي كرسته محطة ال CNN لهذا الموضوع حتى تُصور مدى البشاعة التي تمارس ضد النساء في المجتمعات الاسلامية، ولكنه(اللوبي الصهيوني) لا يسمح بمجرد مناقشة قضية ختان الذكور، لأنها من صلب العقيدة اليهودية، والتي لا يسمحون بنقدها أبداً، ولا يترددون في أعلان تهمة "معاداة السامية" لأي باحث يفتح هذا الملف حتى لو كان سامياً أيضاً.
بدأ اهتمامي بهذه القضية منذ ما يقارب الست سنوات، حين رزقت بطفل ذكر، وكنت أنوي بلا تفكير ولا مساءلة أن أجري له عملية الختان كغيره من الأطفال الذكور، ولكن بحكم عاطفتها الامومية وشفقتها الطبيعية، حالت زوجتي دون هذا الامر، وطرحت طرحاً وجدته سليماً جداً ومنطقياً جداً: لماذا لا نترك هذا القرار للطفل نفسه، حين يكبر ويجد أنه يريد ذلك يستطيع أن يجري هذه العملية بقراره هو.
وهكذا بدأت أفكر في هذا الامر، وأقلب جوانبه المختلفة:
باديء ذي بدء فوجئت بمدى حماسة الاطباء الذين قابلتهم، وهم كثر، للختان، لبتر جزء من العضو الذكري للطفل الصغير العاجز، أقول بتر بكل ما تحمل هذه الكلمة من مدلولات مؤلمة وقاسية، ولا أقول "طهور" وهي الترجمة الاخلاقية لهذه الكلمة من منظور جنسوي،. فوجئت بهذه الحماسة، وهذه الرغبة، والتي لست في معرض الحديث عن أسبابها والتي قد ترتبط بعقدة الخصاء المشهورة، ولكنني قاومت هذه الحماسة، حللتها، ونقدتها. بدا لي الامر غير طبيعي، هكذا خُلق هذا الطفل، وهكذا أراده الخالق أن يكون، فلماذا نقتحم عليه حرمة جسده، قدسية حياته، وقدسية الدم الذي يجري في عروقه، لماذا نعطي لأنفسنا هذا الحق "اللا مبرّر" ودون أخذ الاذن من صاحب العلاقة، هل عجزه وضعفه وعدم قدرته على المقاومة تعطينا الحق في انتهاك حرمة انسانيته، وايذائه وايلامه. وعلى ذكر المبرر، سألت هؤلاء الاطباء واحداً واحداً عن السبب الداعي الى هذه العملية، ولم أجد إلا جواباً واحداً: "النظافة" وبعد نقاشات طويلة كنت اكتشف أنهم لم يعملوا التفكير في هذا الموضوع، ولم يدرسوه أبداً في جامعاتهم (نتيجة سياسة التعتيم)، وإنما اخذوه جاهزاً كما هو، ووجدوا له حجة معاصرة "النظافة"، واشهروا سيوفهم لبتر كل ما يعيق هذه النظافة المزعومة.
كطبيب أسنان ممارس كنت ارى يومياً أناس كثر يحملون من الاوساخ على أسنانهم ما لا يحمله أي عضو ذكري يمكن تصوره (وعذراً للمقارنة)، ولكنني طبعاً أنا وكل زملائي لم ننصح يوماً بإقتلاع تلك الاسنان بحجة النظافة، بل كنا ندعو بكل بساطة الى تنظيفها. ورأيت أن نفس الحال ينطبق على تلك الحالة الاخرى، بل أن تنظيفها أسهل بكثير، وفي معظمه يتم غريزياً، فهي تنظف نفسها بنفسها، لإحتوائها على غدد افرازية تفرز مواد مرطبة ومنظفة، بالاضافة الى أن الانسان اليوم يندر الا يستحم، ويستطيع المحافظة على نظافة جسده كله بكل بساطة.
الحجة الاخرى لهؤلاء الاطباء كانت الجراثيم والفطريات، وهم يقدمون لك الدلائل على أنهم يرون في عياداتهم إلتهابات في هذه المنطقة بسبب الجراثيم والطفيليات التي قد تجد هنا وسطاً جيداً للتكاثر، وهم بتلك الحجة يسددون لك حجة علمية جامعة مانعة لا تستطيع في مواجهتها حراكاً.
ولكنك تعود وتفكر: هل هذه حجة كافية لاقتراف تلك الجريمة؟! وهل هذه هي المنطقة الوحيدة التي تتعرض لغزو الجراثيم؟!
الحقيقة أن هؤلاء الاطباء أنفسهم يعترفون أن هذه الحالات نادرة جداً جداً، وأن اللوزتين مثلاً تتعرضان لغزو الجراثيم والفيروسات وبالتالي الالتهابات أكثر بعشرات المرات، وكذا الاذنان والانف والحنجرة والصدر.............الخ لم نسمع يوماً عن قطع الاذنين بسبب التهابات وجراثيم، ولا يلجأ الاطباء لاستئصال اللوزتين إلا بعد اليأس من امكانية الشفاء.
لماذا إذاً هذه السهولة، بل والحماسة في إستئصال "غلفة القضيب"؟، أليس واضحاً أنها تبريرات علموية من أجل خدمة وإرضاء أيديولوجيا سائدة، وبشكل لا واع طبعاً، بمعنى أنها إستلاب مرضي لتلك الايديولوجيا وما تمثله من قوة اجتماعية قاهرة.
الحقيقة أننا نستطيع ان نستشف جذور هذه الايديولوجيا في إسمها بالذات "الطهور"، الطهارة: تحيل على نظافة، وتحيل أيضاً على طهارة بمعنى نبل وعفة، تحيل على معنى أخلاقي، وبالتحديد جنسي، فالطاهر هو من لا تنجس نفسه "رغبات جنسية حقيرة"، وهو الامر ذاته المتعلق بختان البنات، وهدفه معروف: إنه الحفاظ على عفة المرأة وشرفها من خلال تخفيض إحساسها باللذة إلى ادنى مستوى ممكن، فالهدف إذن اخلاقي، وفي جوهره قمعي. ولماذا يكون الحال غير ذلك عند الذكور؟!
صحيح أن الحالة عند الذكور أقل حدة وفجاجة منها عند الانثى، ولكن هدفهما واحد: التقليل من الاثارة واللذة الجنسية على حد سواء، وهذا يضمن للمجتمع التقليدي هيمنته وقوته، فأول الامور التي يخافها هذا المجتمع هي انفلات الغريزة الجنسية من قبضته، فهي التي تضمن السيطرة على المجموعات والافراد، وقد ثبت في علم النفس أن الشخص المقيد جنسياً، وغير المشبع يظل شخصاً خاضعاً وذليلاً وخائفاً ويبحث عن الامان داخل ثنايا مجتمعه.
يوجد اليوم في العالم تيار كبير، وهو يتعاظم يوماً بعد يوم، يناضل من أجل إلغاء عادة ختان الذكور، وهم يحاولون استصدار قانون من الامم المتحدة يمنع هذه العادة، ويصنفها ضمن انتهاكات حقوق الانسان وحقوق الطفل، لكن قوى عديدة تقف في وجه هذا المشروع، وأهم هذه القوى "اللوبي الصهيوني" . ولكن رغم ذلك فإن دولاً عديدة قد تبنّت هذا المشروع . وهذه القوى الجديدة والتي تضم منظمات وجمعيات كثيرة عاقدة العزم على النضال من أجل إالقضاء على هذه الجريمة، وتعتبر نفسها من أهم قوى الإصلاح الإجتماعي في عصرنا، ففي المؤتمر الدولي للختان والذي عقد في جامعة ماريلاند عام 1994 وقف القس «جيم بيجلو» خاطباً: «نحن الروّاد. من قَبلنا الهمجيّة، ومن بعدنا تبدأ الحضارة».
ومن أشهر معارضو الختان في أيامنا: "مارلين فاير مايلوس" "شيلا كارين" "جورج دينيستون" "ستيفن سفوبودا"
ومن مصر: "سهام عبد السلام" و "نوال السعداوي" ومن فلسطين "د. سامي عوض الذيب أبو ساحلية" صاحب كتاب:
"ختـان الذكـور والإنـاث"
عند اليهود والمسيحيّين والمسلمين
الجدل الديني والطبّي والإجتماعي والقانوني
دراسة ووثائق
د. سامي عوض الذيب أبو ساحلية
مسؤول عن القسم العربي والإسلامي
المعهد السويسري للقانون المقارن
تقديم الدكتورة نوال السعداوي
هذا الكتاب الضخم، والذي يتألف من 700 صفحة، والذي ربما كان المرجع الوحيد باللغة العربية حول هذا الموضوع، يعالج قضية ختان الذكور من كافة جوانبها. وقد نشرت هذا الكتاب دار "رياض الريس" في طبعة أولى قليلة، وأيضاً منقوصة، ثم رفضت نشره مرة ثانية بحجة الإشكالات التي يثيرها. وقد أتهم الدكتور"سامي الذيب" في الغرب بعد نشره هذا الكتاب بمعاداة السامية. كل هذه الإشكالات إضطرت صاحب الكتاب إلى اللجوء إلى الإنترنت، وقد نشر كتابه كاملاً غير منقوص في موقع خاص به، ويستطيع أي قاريء مهتم أن يزور الموقع على العنوان التالي:
http://www.lpj.org/Nonviolence/Sami/Circon/Index.htm
في هذا الكتاب سوف يجد القاريء لوائح كثيرة تعدد وتشرح مضار الختان، الصحية والجنسية والنفسية والاجتماعية، والتي لا يتسع المجال لذكرها هنا وتفصيلاً وتفنيداً لكافة الحجج والاداليج التي أيدت الختان عبر التاريخ حتى أيامنا هذه، وسيجد معالجة مستفيضة لكافة جوانب هذه القضية: الدينية والقانونية والطبية والاجتماعية والجنسية والنفسية.
ولكن، من دون الإنتظار حتى تقليب جوانب هذا الكتاب، أو إنتظار جهود المنظمات الدولية لوقف هذه الجريمة اليومية، نستطيع المبادرة ذاتياً وإنقاذ الكثير من الاطفال الأبرياء الذين يأتون إلى هذه الحياة يومياً بعيون بريئة وخائفة، وفي إنتظارهم سرير بروكوست الرهيب، محاطاً بالإحتفالات والزغاريد والقلوب الباردة.
هذا دور مطروح على وعينا وهو لا يحتاج إلا للوعي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وزيرة خارجية ألمانيا: لإسرائيل الحق بقصف أماكن المدنيين


.. أحمد الحيلة: مهلة بلينكن تعني أنه من حق إسرائيل أن تقتل أي ف




.. مراسل العربية: إنذار بإخلاء مناطق سكنية ومنشآت مدنية في حارة


.. إصابة مباشرة لصاروخ أطلق من لبنان على منزل بمستوطنة كريات بي




.. أسامة حمدان: خطة الجنرالات هي أكثر الخطط العسكرية انحطاطا وأ