الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
الثورة الاشتراكية ونضال تحرر النساء - الجزء الثالث
الاممية الرابعة
2005 / 3 / 9ملف - بمناسبة 8 مارس/ اذار 2005 يوم المرأة العالمي
تحرر النساء في البلدان المستعمرة والشبه المستعمرة
1/ ليس تحرر النساء شأنا خاصا بنساء البلدان الرأسمالية المتقدمة التي لها مستوى تعليم وحياة مرتفعين نسبيا. بالعكس يتعلق الأمر بعنصر حيوي بالنسبة لجماهير نساء العالم أجمع. وليست البلدان المستعمرة والشبه المستعمرة استثناء.
ثمة تنوع شديد في الظروف الإقتصادية-الإجتماعية للبلدان المستعمرة والشبه المستعمرة وفي تقاليدها الثقافية. فالتنوع يشمل ظروفا بدائية للغاية في بعض المناطق وصولا إلى درجة تصنيع هامة في بلدان كبورتوريكو أو الأرجنتين. لكن كل البلدان المستعمرة والشبه المستعمرة تعاني من عواقب السيطرة الإمبريالية المشتركة. وهو ما ينعكس على نحو خاص على نساء هذه البلدان.
تعني السيطرة الإمبريالية أن علاقات الإنتاج الرأسمالية تداخلت وامتزجت مع أنماط إنتاج وعلاقات اجتماعية قبل رأسمالية من نوع قديم وحولتها وأدمجتها في الإقتصاد الرأسمالي. وكان ظهور الرأسمالية في أوروبا الغربية مطبوعا في البلدان الأكثر تقدما بثورات ديموقراطية بورجوازية إستهدفت تحطيم السلطة الإقتصادية والسياسية للطبقات الإقطاعية المسيطرة القديمة. لكن التغلغل الإمبريالي في البلدان المستعمرة غالبا ما عزز الإمتيازات والتراتبيات والتقاليد الرجعية للطبقات قبل الرأسمالية المسيطرة، واستند عليها أينما أمكن ذلك للحفاظ على الإستقرار وتوطيد الإستغلال الإمبريالي.
باستعمال التعذيب والإبادة و الإغتصاب وأشكال إرهاب أخرى على نطاق جماهيري، بلغت مستوى استعباد مكشوف لسكان إفريقيا الأصليين، إكتسى توسع الرأسمالية الأوروبية طابع استعمار عنيف لأمريكا اللاتينية وبعض أجزاء آسيا وإفريقيا دافعة إياها إلى السوق العالمي. وكانت المسيحية، التي تزامن دخولها مع نغلغل الغزاة الأوروبيين وأحيانا الأمريكيين، إحدى أهم وساءل السيطرة المستعملة.
كان لتغلغل إقتصاد السوق الرأسمالي مفعول متناقض على نساء العالم المستعمر وشبه المستعمر: فهو من جهة أدخل علاقات إقتصادية جديدة تضع الأسس التي تتيح للنساء الشروع في تخطي إضطهادهن العريق،
لكنه من جهة أخرى يأخذ على عاتقه التقاليد القديمة والقوانين الدينية و المسبقات المعادية للنساء ويستعملها معززا إياها عبر أشكال جديدة من الميز وفرط الإستغلال.
بصفة عامة يرتبط وضع النساء بدرجة التصنيع القائم. لكن التطور المتفاوت والمركب قد يكون مصدر تناقضات صارخة في بعض المجتمعات: في بعض مناطق إفريقيا مثلا تحوز النساء المسؤولات عن الزراعة –التي ما زالت في طور بدائي للغاية- على استقلال اقتصادي نسبي.
2/ يتطور الإنتاج الرأسمالي في البلدان المستعمرة وفق حاجات الإمبريالية. لذا لا يتقدم التصنيع إلا ببطء وعلى نحو مختل ومشوه. وفي أغلب البلدان الشبه المستعمرة تعيش غالبية السكان في القرى وتخضع لزراعات معاشية تستعمل أساليب زراعية شديدة التخلف. وتبقى العائلة، التي غالبا ما تضم الأعمام والعمات والأجداد وأقارب آخرين، الوحدة الأساسية للإنتاج الزراعي الصغير..
تقوم النساء بدور إقتصادي حاسم. فهن لا يعملن في الحقول ساعات طوال وحسب، بل ينجبن أطفالا سيضطلعون بقسطهم من العمل ويضمنون لاحقا أمان المسنين على المستوى الإقتصادي. وتتزوج النساء في عمر المراهقة وينجبن في غالب الأحيان أكثر عدد ممكن من الأطفال. وغالبا ما تحدد قيمتهن بعدد أطفالهن. وتعتبر المرأة العاقر عارا إجتماعيا ومصيبة إقتصادية. وغالبا ما يكون العقم سبب الطلاق.
تحافظ العائلة بفعل وظيفتها الإقتصادية على سطوة قوية جدا على كل أعضائها ولا سيما النساء. وهذا التركيب بين وضع اقتصادي بدائي وثقل العلاقات العائلية يضع النساء الفلاحات اللواتي يعشن في المناطق الزراعية في وضع حرمان واحتقار عميقين. فبصفتهن أفرادا لاحق لهن عمليا على المستوى القانوني وكذا الإجتماعي وغالبا يعتبرن بالكاد كائنات بشرية. إنهن يعشن في الواقع تحت سيطرة ذكور عائلتهن وتحكمهم المطلق. وغالبا جدا يجري اقتسام موارد العائلة الضئيلة بين الذكور أولا، ولا يندر أن تنال الفتيات الصغيرات من الغذاء والعناية أقل مما ينال الصبيان، مما يؤدي إلى قوام هزيل أو موت مبكر بسبب سوء التغذية. ومازال قتل الفتيات يمارس في مناطق عديدة سواء بطريقة مباشرة أو بإهمال مقصود. وكثيرا ما تصل نسبة الأمية 100% بين النساء.
3/ إن لإدماج البلدان المستعمرة وشبه المستعمرة في السوق الرأسمالي العالمي عواقب حتمية على المناطق الزراعية. فالتضخم واستحالة منافسة وحدات أكبر تستعمل طرائق أكثر مردودية، هو مصدر موجات هجرة متواصلة من القرى إلى المدن. وغالبا تبدأ هذه الهجرة برجال العائلة الذين يتركون للنساء وللأطفال و للشيوخ عبئا أثقل: أن يتدبروا أمر استخراج ما يسد رمقهم من الأرض.
يفضي البحث اليائس عن عمل إلى جر ملايين العمال إلى مغادرة بلدانهم الأصلية للهجرة نحو البلدان الرأسمالية المتقدمة. وإن حالفهم حظ إيجاد عمل هناك فسيكون في ظروف استغلال فاحش.
ثمة ميل إلى إنتهاء العزلة واختفاء التقاليد المتخلفة، لا بسبب الهجرة نحو المدن ومنها فقط بل أيضا بسبب تغلغل وسائل الإعلام الجماهيرية كالراديو والتلفزيون.
4/ مع الهجرة إلى المدن تبدأ ظروف الحياة والعمل الجديدة بمراجعة المعايير التقليدية والخرافات المتعلقة بدور النساء. وتختفي العائلة البورجوازية الصغيرة بسرعة في المدن بوصفتها وحدة إنتاج. ويضطر كل فرد منها إلى بيع قوة عمله فرديا, لكن عدم استقرار العمل والمسؤوليات التي تقع على كاهل الجماهير شبه البروليتارية في المدن إزاء الأقارب الباقين في القرى يجعلان الوحدة العائلية تستمر غالبا في ضم الخالات والأعمام وأبناء الأعمام والأخوان والأخوات ونسلهم، علاوة على الأب والأم والأطفال.
لكن الوحدة العائلية تميل إلى التقلص ضمن البورجوازية الصغيرة وفي قطاعات البروليتاريا الأكثر استقرارا.
وتتيح هجرة النساء إلى المدن إمكان إستفادتهن من التعليم والحفاظ على علاقات إجتماعية أوسع وكذا نوعا من الإستقلال الإقتصادي. وتغدو حاجات الرأسمالية، التي تخرج عددا متناميا من النساء من عزلتهن العائلية، مناقضة للترسيمات القديمة حول دور النساء في المجتمع. وباشتغالهن في الصناعة أو الخدمات تشرع النساء في تبوء مواقع كانت من قبل ممنوعة نظرا للمسبقات والتقاليد المتخلفة. و اللائي تمكن من تحصيل تكوين يتيح دخول مهن كالتدريس والتمريض يظهرن كمثال يناقض المواقف التقليدية، وهذا حتى في أعين النساء اللواتي لا يعملن. وتتزعزع أكثر فأكثر خرافة دونية المرأة بفعل هذا الواقع الذي يعيد النظر في خضوعهن العريق.
وحتى النساء اللائي لا يتمكن من الدراسة أو العمل خارج البيت، تتيح لهن ظروف الحياة في المدينة الإفلات من السجن العقلي الذي تفرضه عزلة العائلة القروية. هذا سواء بفعل أثر وسائل الإعلام الجماهيرية أو قرب الحياة و النضالات السياسية أو وجود أدوات منزلية حديثة ومغاسل الخ.
5/ غالبا ما تمثل النساء بالبلدان المستعمرة والشبه المستعمرة نسبة من اليد العاملة أقل مما في البلدان الإمبريالية. وتتراوح تلك النسبة بين 08 و 15% وبحد أقصى يصل أحيانا 20% قياسا بالبلدان الرأسمالية المتقدمة حيث تصل هذه النسبة 30 إلى 40%.
وكما هو معلوم تشغل النساء بالخصوص الوظائف الأقل تأهيلا والأضعف مكافأة والأقل حماية فيما يخص ظروف العمل وضمان أجر أدنى، الخ. هذا لا سيما في الأشغال الزراعية والعمل المنزلي أو أشغال خادمات البيوت حيث تمثلن القسم الأعظم من اليد العاملة. ويمثل متوسط أجر العاملات قرابة ثلث أو نصف أجرة العمال الذكور. وعندما تدرس النساء وينلن تكوينا يجري حبسهن في الأعمال "الخاصة بالنساء" كالتمريض والتدريس على نحو يفوق ما يحصل في البلدان الرأسمالية المتقدمة.
لكن النساء حاضرات أيضا في صناعة النسيج واللباس و الأغذية وبعض أقسام الصناعة الكهربائية حيث يمثلن القسم الأكبر من اليد العاملة. واعتبارا للغلبة المطلقة للصناعة الخفيفة في البلدان المستعمرة المصنعة أكثر، يمكن أن تحتل النساء مكانة استراتيجية حاسمة رغم ضعف نسبتهن من مجموع قوة العمل. ففي بورتوريكو مثلا تشكل النساء القسم الأعظم من شغيلة قطاع الصيدلة والكهرباء، وهي أهم صناعات البلد.
إن تشغيل النساء في هذه القطاعات أساسي بالنسبة للأرباح الفائضة للإمبريالية، لأنه في نفس الوقت مصدر عمل رخيص ولأن تشغيل النساء في الأشغال الأقل مكافأة يتيح للرأسماليين تقسيم الطبقة العاملة وإضعافها وكذا الإبقاء على المستوى العام للأجور في أدنى المستويات. ولا يمكن فهم سيرورة التراكم الإمبريالي فهما واضحا دون تفسير دور الإستغلال المفرط للنساء العاملات بالبلدان شبه المستعمرة. تمثل البطالة ونقص الإستخدام في العالم المستعمر برمته مصادر أزمة دائمة، والنساء أول من يتحمل عبء هذا الوضع. فلمساعدة عائلتهن على البقاء، يضطرن غالبا إلى اللجوء إلى مصادر دخل غير قارة، كبيع بضائع رخيصة أو أغذية معدة في البيت وغسل لباس الآخرين. وكثيرا ما تكون الدعارة ملاذا وحيدا.
كما تفاقم البطالة المستشرية إدمان الكحول واللجوء إلى المخدرات، مما يؤدي إلى تشديد العنف إزاء النساء وحالة فقر أكثر مدعاة لليأس.
6/ لم تحصل النساء بعد في بلدان مستعمرة وشبه مستعمرة عديدة على أبسط الحقوق الديموقراطية التي حازتها نساء البلدان الرأسمالية المتقدمة في القرنين التاسع عشر والعشرين. وفي بلدان عديدة ما زالت القوانين تخضع النساء لتحكم الرجال قانونيا. ويشمل هذا بالخصوص القوانين التي تشترط ترخيص الزوج لعمل المرأة، متيحة للرجل التصرف في أجرة زوجته، أو القوانين التي تمنح أتوماتيكيا للزوج حضانة الأطفال ومسكن زوجته. وما زال تزويج النساء في بعض البلدان تجارة. كما يمكن اغتيالهن دون معاقبة بسبب المس ب"شرف" الزوج.
وإذا جرت إصلاحات قانونية تضمن للنساء مزيدا من الحقوق فإن ذلك يبقى شكليا في الغالب. وتعجز النساء في الواقع عن تفعيل حقوقهن بفعل الثقل الساحق للفقر والأمية وسوء التغذية وتبعيتهن الإقتصادية والتقاليد المتخلفة التي تشكل حدودا لوجودهن. تشكل الرأسمالية المحتضرة إذن عائقا بوجه حصول نساء العالم المستعمر على أبسط الحقوق الديموقراطية
7/ مازالت سلطة الدين وتأثيره قويين على نحو خاص بالبلدان المستعمرة والشبه المستعمرة بسبب التأخر الإقتصادي وتعزيز الإمبريالية للتراتبيات الدينية وحمايتها لها. و ينعدم فصل المؤسسات الدينية عن مؤسسات الدولة في بلدان عديدة. وحتى عند وجود فصل رسمي تحتفظ العادات والعقائد الدينية بكامل ثقلها. وترتكز بعض القوانين، لاسيما تلك الأكثر همجية إزاء النساء، إلى قوانين دينية. وفي الهند تجري مفاقمة بؤس ملايين النساء بنظام الفئات المغلقة (Castes) الذي يرتكز إلى الديانة الهندوسية رغم أنه غير مكرس بالقانون. وفي البلدان الإسلامية تقضي التقاليد بحجاب النساء، وهي تقاليد ما زالت شديدة التأثير، مستهدفة إقصاء تاما للنساء من الحياة العامة وإنكار كل وجود خاص بهن. وفي البلدان الكاثوليكية يبقى حق الطلاق محدودا في الغالب، إن لم يكن بكل بساطة منعدما.
8/ أما العنف ضد النساء، الذي كان دوما مكونا خاصا لإخضاعهن الإقتصادي و الإجتماعي والجنسي طوال مختلف أطوار تطور المجتمع الطبقي، فقد فاقمته التناقضات التي جلبتها السيطرة الإمبريالية.
فبقدر ولوج النساء التعليم والعمل. وما يلازمه من مشاركة أوسع في الحياة الإجتماعية عامة، تتاح لهن حياة أقل إنعزالا وأكثر إنفتاحا على الحياة العامة، وفي قطيعة تامة مع القيم القديمة ومع التقاليد. لكن محاولة النساء لإستعمال هذه الإمكانات وتخطي دورهن التقليدي غالبا ما تؤدي إلى ردود فعل لدى الزوج أو الأقارب الذكور، ردود فعل قد تؤدي إلى إقصائهن من الدائرة العائلية، عبر ضربهن أو تشويههن وحتى اغتيالهن. وفي أغلب الحالات يكرس القانون هذا النوع من العنف الهمجي ضد النساء. وكثيرا ما يجري قبول العنف عمليا على نطاق واسع لدرجة أنه يبقى دون عقاب حتى في البلدان التي لا تكرسه بالقانون.
9/ تظل إمكانات تعلم النساء في البلدان المستعمرة وشبه المستعمرة محدودا جدا، قياسا بنظيرها في البلدان الرأسمالية المتقدمة. ويتجلى ذلك في نسبة أمية عالية بين النساء. ومن الإبتدائي إلى الجامعي تقل نسبة النساء بكثير وتزداد الهوة اتساعا في الدرجات العليا. كل نظام التعليم في البلدان المستعمرة وشبه المستعمرة منظم، على نحو صارخ أكثر مما في البلدان الإمبريالية، قصد الحفاظ على إقصاء النساء من كل حياة إجتماعية وتلقين الفتيات دور المرأة –الأم- خادمة البيت. و الإختلاط نادر وغالبا ما تكون لمدارس الفتيات ميزانية أدنى ومدرسون أقل عددا وشروط تدريس أكثر سوءا. وأينما وجد الإختلاط يتم إجبار الفتيات على متابعة دروس خاصة كالخياطة والطبخ والأشغال المنزلية.
ورغم أشكال الميز هذه، أدى ضغط السوق العالمي إلى تغييرات عديدة فيما يتعلق بتعليم النساء. فالحاجة إلى أطر تقنية أكثر تأهيلا فتح أبوب التعليم العالي للنساء رغم بقاء عددهن محدودا.
10/ تقل إمكانية تحكم نساء العالم المستعمر في وظائفهن الإنجابية عن نظيرها لدى نساء البلدان الإمبريالية. فقلة فرص التعليم، المرتبطة بسطوة الدين على مضمون التعليم نفسه، تعني قلة لا بل إنعدام إطلاع النساء على المعلومات العلمية المتعلقة بالإنجاب أو الجنس. ويتعرضن لضغوط على المستوى الإقتصادي و الإجتماعي، لدفعهن لإنجاب اكبر عدد من الأطفال. وحين يتمكن من الحصول على معلومات التحكم في الولادات ووسائل الحد منها، فغالبا ما يندرج ذلك في إطار سياسة عنصرية فرضتها الإمبريالية للتحكم في السكان. وفي بعض البلدان أقامت الحكومة برنامج تعقيم إجباري يمس جماهير النساء. ففي بورتوريكو كان أكثر من ثلث النساء القادرات على الإنجاب ضحية سياسة تعقيم إجبارية بإيعاز من الحكومة الأمريكية. وكثيرا ما يجري فرض التعقيم الإجباري على نساء أقليات مضطهدة كالسكان الهنود في بوليفيا.
وتؤثر الدعاوة العنصرية لضبط السكان على المجتمع برمته حتى في البلدان التي لا يكتسي فيها التعقيم القسري طابع سياسة رسمية، معيقة نضال النساء لفرض التحكم في أجسادهن.
جرى على نطاق واسع إستعمال نساء العالم المستعمر وشبه المستعمر موضوعيا لتجريب أساليب منع الحمل. وينتج الإجهاض أيضا عن إكراه وليس إختيارا. فكل سنة تضطر ملايين النساء في البلدان المستعمرة للإجهاض بشكل لا قانوني في أسوأ الشروط مما يؤدي إلى وفيات لا تحصى.
وفي جميع الأحوال تحرم النساء من حق إتخاد قرار الإنجاب واختيار حينه. وفي ظل الأزمة الإقتصادية لا يمكن لسياسة التحكم في السكان إلا أن تتعزز مضاعفة أمثلة شبيهة لما يقع في بورتوريكو. وسيعزى "الإنفجار الديموغرافي" المزعوم إلى المصاعب الإقتصادية للبلدان المستعمرة وشبه المستعمرة بهدف صرف الأنظار عن مسؤوليات الإمبريالية التي تسبب البؤس وتحافظ عليه.
العنصرية والتمييز على أساس الجنس تفرضهما أيضا في العالم المستعمر دعاوة تركز على ترسيمات ثقافية غريبة عن العادات الخاصة بهده البلدان. وإن كانت معايير "الجمال" التي تفرضها صناعة التجميل مصدر إضطهاد النساء الأوروبيات والأمريكيات، فذلك يصح أكثر عندما يفرض على نساء البلدان المستعمرة وشبه المستعمرة عبر الإشهار أو الأفلام أو أية أشكال أخرى من الدعاية.
11/ يعزز التأثير القوي للدين التأخر الشديد فيما يتعلق بالجنس، وهو ما يتجلى في وضع مهين للمرأة بوجه خاص. إن التصور العام الذي يرى في النساء كائنات لا جنسية ولكن في نفس الوقت أسيرات رغبات الأزواج الجنسية، هذا التصور مفروض على نساء البلدان المستعمرة وشبه المستعمرة بعنف يفوق نظيره في البلدان الإمبريالية. وهو يتجلى في التقاليد وفي القوانين وفي إستعمال العنف بما فيه البتر الجنسي للفتيات. ومطلوب من النساء أن يحافظن على بكارتهن لأزواجهن. وفي الغالب إذا لم تشبع النساء في البلدان المستعمرة أزواجهن جنسيا أو أتهمن بانعدام البكارة لحظة الزواج يكون ذلك مبررا كافيا للطلاق. والأخلاق الجنسية المزدوجة عند الرجال والنساء واقع أقوى مما في البلدان الإمبريالية. وما ممارسة تعدد الزوجات سوى أقصى مثال عن ذلك.
ويمثل الإضطهاد الشديد للمثليين جنسيا، نساء ورجالا، إحدى أوجه التأخر الجنسي في البلدان المستعمرة.
12/ كون تطور الرأسمالية في العالم المستعمر قد أدمج علاقات إقتصادية و إجتماعية قبل رأسمالية (الكثير منها بأشكال مشوهة) أمر يستتبع أن النساء يواجهن، في سبيل تحررهن، كباقي الفئات المضطهدة والمستغلة، مهاما مركبة. وغالبا ما يبدأ النضال ضد السيطرة الإمبريالية وضد الإستغلال الرأسمالي من مشاكل تحرر قومي أو إصلاح زراعي أو حقوق ديموقراطية بقيت دون حل.
سيكون للمطالب الديموقراطية الأولية، كالتي تمنح النساء حقوقا بما هن أفراد مستقلين عن تحكم الزوج، وزن حاسم في نضال تحرر النساء في البلدان المستعمرة. لكن في نفس الوقت ستطرح هذه المطالب وتمتزج فورا مع مشاكل اقتصادية واجتماعية يتطلب حلها إعادة تنظيم المجتمع برمته على قواعد اشتراكية. ومنها مشاكل التضخم والبطالة والسكن ونظام الحماية الإجتماعية والتعليم غير الملائم. ويشمل هذا أيضا المطالب العامة المقدمة من الحركة النسائية في البلدان الرأسمالية المتقدمة والمتعلقة بالحضانات والوسائل الطبية التي تتيح للنساء التحكم في وظائفهن الإنجابية وبحق الشغل والتعليم الخ. لكن أيا من هذه المطالب، حتى التي تمس أبسط الحقوق الديموقراطية، لا يمكن فرضه دون تعبئة ودون تنظيم الطبقة العاملة، التي تمثل وحدها القوة الإجماعية القادرة على خوض هكذا نضالات حتى نهايتها وإحراز النصر.
13/ بسبب الضعف النسبي للرأسمالية وللطبقة المسيطرة في البلدان المستعمرة وشبه المستعمرة، تكون الحقوق المدنية، إن وجدت، متقلصة على العموم وسريعة الزوال في الغالب. إن القمع السياسي واسع الإنتشار. وعندما تنخرط النساء في النضال –كما عندما تشرع قطاعات أخرى من السكان في التمرد- كثيرا ما تواجهن القمع بسرعة، مما يفرض عليهن النضال للحصول على حريات سياسية، كحق الإجتماع وحق التنظيم وحق نشر جريدة أو منشورات أخرى أو حق التظاهر. لذا لا يمكن فصل نضال تحرر النساء عن النضال الأعم من أجل الحريات السياسية.
تجلت مشاركة النساء المتنامية دوما في النضالات الإجتماعية والسياسية في واقع أنهن يمثلن نسبة متزايدة من المعتقلين السياسيين في البلدان المستعمرة وشبه المستعمرة. وهن يتعرضن في السجون لأشكال تعذيب قاسية ومهينة بشكل خاص. كان النضال لأجل تحرير كافة المعتقلين السياسيين، مع إبراز خاص لوضع النساء في السجون، مظهرا أساسيا للنضال لأجل تحرر النساء في هذه البلدان وسيظل كذلك.
وينطوي النضال على بعد عالمي واضح جدا. إذ لا يوجد معتقلون سياسيون في البلدان المستعمرة فحسب بل في مجموع البلدان الرأسمالية المتقدمة. وستظل المطالبة بتحريرهم نقطة استقطاب لأجل حملات التضامن العالمي في حركة تحرر النساء نفسها.
14/ إرتبط نضال تحرر النساء، على الدوام، بنضال التحرر القومي. فالنساء مهما فعلن يصطدمن بالسلطة الإمبريالية. وتمثل ضرورة تحطيم قيود هذه السيطرة مهمة عاجلة ودائمة بالنسبة لجميع مضطهدي هذه البلدان، كما دل على ذلك مجددا مثالا إيران ونيكاراغوا. وتنخرط نساء عديدات في نضال سياسي لأول مرة عبر مشاركتهن في حركة التحرر القومي. ويصبح جليا في سيرورة تطور النضالات أنه سيغدو بإمكان النساء ومن واجبهن أن يقمن بدور أكبر لإحراز النصر. تتحول النساء من خلال النشاط لاسيما أنهن يقمن بأمور حرمت عليهن بموجب الأعراف القديمة. ويصبحن مكافحات وقائدات ومنظمات وأشخاص كاملين يفكرون سياسيا. وتحفز التناقضات العميقة التي يعشنها تمردهن ضد الإضطهاد الذي يتعرضن له بما هن نساء، وتبرز مطالب بمساواة أكبر داخل الحركة الثورية نفسها. ففي الفيتنام والجزائر وكوبا وفلسطين وأفريقيا الجنوبية والصحراء وغيرها، كانت نضالات النساء، لأجل إنهاء أشكال إضطهادهن الأكثر قساوة، وثيقة الإرتباط بالنضالات المعادية للإمبريالية التي تطورت هناك.
كان لنساء نكارغوا المنظمات في إطار جمعية النساء لمواجهة الإشكالية القومية AMPRONAC دور حاسم في إعداد الإنتفاضة النهائية ضد ديكتاتورية سوموزا. وكان 30% من قوات الجبهة الساندينية مؤلفا من نساء منظمات في ألوية نسائية أو في وحدات أخرى. وفي إيران أدت مشاركة النساء في النضال لإطاحة الشاه إلى جر ملايين منهن إلى المشاركة لأول مرة في الحياة السياسية و الإجتماعية ، مما أيقظ في نفس الوقت رغبتهن في تغيير مكانتهن الخاصة. ورغم وزن الأفكار الدينية الرجعية والإجراءات المتخذة ضد النساء، لا يمكن لتعمق الوعي والنضال المعاديين للإمبريالية ضمن الجماهير الإيرانية إلا أن يحسن شروط نضال النساء من أجل مساواة وحرية أكثر.
كما شرعت مشاركة النساء في نضالات التحرر القومي تغير وعي الرجال فيما يتعلق بقدرات النساء ودورهن. وقد يصبح الرجال، في إطار نضالهم ضد ما يعانون من إستغلال واضطهاد خاص بهم، أكثر إدراكا لإضطهاد النساء وأكثر وعيا بالمعركة الواجبة في هذا المضمار، وأكثر وعيا بأهمية كسب النساء كحليفات في النضال.
15/ توجد أيضا أقليات قومية مضطهدة في البلدان المستعمرة وشبه المستعمرة. ففي إيران مثلا تمثل الأقليات المضطهدة 60% من السكان. وفي أمريكا اللاتينية يمثل السكان الهنود الأصليون أقلية مضطهدة. وتواجه نساء هذه الأقليات إضطهادا قوميا مزدوجا. وسيتطور نضالهن بكيفية تفجرية فور شروعهن في التقدم. وغالبا ما سترتبط مطالب النساء بمطالب القوميات المضطهدة ارتباطا وثيقا وستتبادلان الدعم. فمطلب النساء الخاص بالتعليم مثلا سيمتزج بمطلب رجال ونساء الأقليات القومية لأجل الحق في التعليم باللغة الأصلية.
16/ منذ بداية الثورة القومية في المستعمرات في مطلع هذا القرن، شاركت النساء في الإنتفاضات المعادية للإمبريالية.لكن لم توجد تقاليد خاصة بتنظيم النساء بصفتهن نساء حول مطالبهن الخاصة، وكعنصر متميز في هذه النضالات. لكن تطور النظام الرأسمالي منذ الحرب العالمية الثانية فاقم التناقضات الإقتصادية و الإجتماعية والسياسية في البلدان المستعمرة وشبه المستعمرة، مما سيتيح مستقبلا تدخل النساء، على نحو متنام لفرض مطالبهن الخاصة.
أ. شهدت فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية نموا للتصنيع في البلدان المستعمرة وشبه المستعمرة، رغم تفاوت درجته بشكل هام حسب مختلف البلدان وحسب حاجات القوى الإمبريالية. واستتبع هذا إمكانية أكبر لولوج النساء التعليم والعمل.
ب. بدأت أشكال التقدم التكنولوجي في مجال الأشغال المنزلية والتحكم في الإنجاب تصبح معروفة، رغم أنها غير متاحة بنفس القدر القائم في البلدان الإمبريالية، مبرزة إمكان تحرير النساء من عمل ممل وإتاحة تحكمهن في أحد عناصر الوجود الأكثر أهمية: وظيفتهن الإنجابية.
ج. كان للأزمة الإقتصادية للرأسمالية العالمية، التي عبر عنها بجلاء الإنحسار العالمي لـ1974-1975، أثر مضاعف في البلدان المستعمرة بقدر ما حاولت الإمبرياليات إلقاء عواقب الأزمة على كاهل جماهير العالم المستعمر. ويسقط أكبر قسط من هذه الأزمة على عاتق النساء في شكل ارتفاع للأسعار و إقتطاعات من ميزانيات للصحة هي أصلا هزيلة وتنامي البؤس في القرى. هكذا تتعمق الهوة باستمرار بين الممكن للنساء والقائم بالفعل.
د.يتعزز حاليا تأثير هذا التناقض على تبلور وعي النساء بفعل صدى الحركة العالمية لتحرر النساء التي ألهمت النساء عبر العالم مضفية طابعا شعبيا على مطالبهن ومبررة إياها.
تفضي بنا مختلف العوامل هذه إلى استنتاج أن نضالات تحرر النساء ستصبح مكونا متزايد الأهمية في النضالات الثورية مستقبلا في البلدان المستعمرة وشبه المستعمرة.
وقد يتخذ نضال النساء هذا بعدا تفجريا بسبب الهوة بين المعايير والقيم القديمة والإمكانات التي يفتحها تقدم الرأسمالية التكنولوجي فيما يتعلق بتحرر النساء. كما أن المعايير والقيم التقليدية التي يحافظ عليها الإمبرياليون وخدامهم تناقض دوما نمط حياة نساء عديدات. أي أنه فور شروع النساء في رفض اضطهادهن، ولو من وجهة نظر أولية، يمتزج هذا مع أشكال انفجار إجتماعي أخرى وقد يؤدي بسرعة فائقة إلى تعبئات لجماهير النساء في نضالات تسلك توجها راديكاليا ومعاديا للرأسمالية.
17/ تمثل المواقف والسياسة المتعلقتان بمطالب النساء وحاجتهن بالبلدان المستعمرة وشبه المستعمرة أحد الامتحانات الحاسمة للطابع الثوري ولآفاق وبرنامج كل منظمة تطمح إلى قيادة النضال ضد الإمبريالية. إن الدور والأهمية التي نوليها لنضال تحرر النساء في هذه البلدان والبرنامج الذي نتقدم به لهذا الهدف كلها عناصر تميزنا عن القوى غير البروليتارية التي تدعي قيادة نضال التحرر القومي.
كانت ثمة سمة ميزت دوما برنامج الماركسيين الثوريين وانعكست في مقررات المؤتمر الثالث للأممية الشيوعية.
إذ أولت هذه المقررات اهتماما خاصا لعمل شيوعيي الصين النموذجي عندما نظموا وقادوا تعبئات النساء السابقة للثورة الصينية الثانية في 1925-1927.
إذا لم يصل الحزب الماركسي الثوري إلى إدراك أهمية تنظيم النساء وتعبئتهن وقيادة النضال لأجل تحررهن، ستتمكن التيارات البورجوازية والبورجوازية الصغيرة من قيادة تلك الحركات وحرفها في اتجاه إصلاحي، إن لم يكن معاديا للشغيلة كليا.
18/ إن سبيل الثورة الإشتراكية هو الوحيد الذي يمكن أن يمهد الطريق لتحول نوعي في حياة جماهير النساء بالبلدان شبه المستعمرة. ويعتبر مثال كوبا والفيتنام والصين أهدافا مهمة لنساء آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية. إذ تقدم هذه الثورات الإشتراكية حجة جلية على إمكان تغيرات سريعة فور قيام الطبقة العاملة المتحالفة مع الفلاحين بتحطيم قيود السيطرة الإمبريالية. فعندما يتم استبدال قوانين التراكم الرأسمالي بقوانين التخطيط الإقتصادي المعتمد على تأميم قطاعات الإنتاج الأساسية، يصبح ممكنا، حتى داخل البلدان الفقيرة بالعالم شبه المستعمر، تخصيص موارد ضخمة لتطوير التعليم ودور الحضانة والخدمات الصحية والسكن.
وعندما يتم القضاء على النظام الرأسمالي، تصبح البطالة ونقص الإستخدام من رواسب الماضي. وبالعكس نشهد تطورا لخفض ساعات العمل يتيح للنساء مغادرة المنازل وولوج كل قطاعات العمل الإنتاجي بكثافة. وستنمحي تدريجيا العادات والتقاليد الإجتماعية المنغرسة في أنماط الإنتاج ما قبل الرأسمالية والرأسمالية بقدر إنجاز هذا التحول وبقدر ما تصبح الطبقة العاملة أكثر اتساعا وأشد قوة.
19/ ستكون نساء البلدان المستعمرة وشبه المستعمرة في طليعة نضال التغيير الإجتماعي بسبب الإضطهاد الشديد الذي يتعرضن له، ونظرا إلى غياب أي أفق لتحسين أوضاعهن في إطار النظام الرأسمالي.
يجب على فروع الأممية الرابعة أن تعد منهجيا، بواسطة المدارس الداخلية وطرق تربوية أخرى، أعضاءها أنفسهم لفهم أهمية نضال تحرر النساء، حتى وإن لم يرتسم بعد أي نضال جماهيري في الأفق. يجب علينا أن نتبنى توجها سياسيا واعيا يمكننا من كسب النساء للنضال لأجل الإشتراكية ونعمل لتربية وإدماج أشدهن حزما كقائدات لحركتنا.
النساء في الدول العمالية والثورة المغدورة
1/ جاءت ثورة أكتوبر 1917 وكذا كل الثورات الإشتراكية المظفرة التي تلتها بمكاسب جوهرية للنساء، بما في ذلك الحصول على الحقوق الديموقراطية وإدماجهن في قوة العمل المنتجة. وبشكل جلي دلت الإجراءات المتخذة من طرف البلاشفة بقيادة لينين و تروتسكي أن الثورة البروليتارية تعني التقدم الفوري بالنسبة للنساء.
فقد صادقت الحكومة السوفياتية على جملة قوانين تنظم لأول مرة المساواة بين الرجال والنساء على المستوى القانوني. وأصبح الزواج إجراء تسجيل بسيط مبني على الرضاء المتبادل. وتم إلغاء مفهوم اللاشرعية. وأصبح الإجهاض الشرعي والمجاني حقا لكل النساء. وفي سنة 1927 لم يعد ضروريا تسجيل الزواج ويمكن الحصول على الطلاق بسهولة بطلب إحدى الزوجين. وتم إلغاء القوانين المناهضة للمثليين جنسيا.
وتم إقرار مجانية التمدرس و إلزاميته حتى 16 سنة لأطفال الجنسين. ومنح التشريع امتيازات خاصة للنساء فيما يتعلق بالأمومة.
أكد برنامج الحزب الشيوعي لسنة 1919 ما يلي: "إن مسؤولية الحزب حاليا هي التدخل أولا على مستوى الأفكار والتربية بهدف الهدم الشامل لكل آثار التفاوت والأحكام المسبقة، لا سيما داخل الفئات المتخلفة من البروليتاريا والفلاحين. ولا يقتصر عمل الحزب على مسألة المساواة الشكلية للنساء، بل يبذل قصاراه لتحريرهن من الأعباء المادية التي تثقل كاهلهن والمهام المنزلية البالية واستبدالها بمنازل جماعية ومطاعم عمومية ومغاسل وحضانات، الخ". جرى تطبيق هذا البرنامج قدر الإمكان نظرا للتخلف الإقتصادي للجمهوريات السوفياتية الجديدة وفقرها، هذا دون اعتبار الدمار الناتج عن قرابة عشر سنوات من الحرب و الحرب الأهلية.
وأجريت محاولة واعية للقضاء على المعايير والمواقف الرجعية تجاه النساء المعبرة عن حقيقة بلد كانت غالبية سكانه من فلاحين، ونسبة النساء من يده العاملة ضعيفة نسبيا، وحيث ثقل التقاليد والعادات الإقطاعية تؤثر في مجموع العلاقات الإجتماعية. طبعا في مثل هذا السياق، وجدت المواقف الرجعية تجاه النساء تعبيرا لها حتى داخل الحزب البلشفي، بما في ذلك داخل قيادته. ولم يكن الحزب منسجما على الإطلاق فيما يخص أهمية تطبيق وتمحيص الإجراءات الضرورية التي تمكن من تطبيق برنامج 1919.
2/ أدى إنهاك طليعة الطبقة العاملة، التي أبيد قسمها الأكبر طوال سنوات الحرب، وكذا فشل الإنتفاضات الثورية في أوروبا الغربية غداة الحرب العالمية إلى خلق، طوال العقد الثاني، أسس انتصار الفئة البيروقراطية المعادية للثورة التي يرأسها ستالين. لم تدمر الأسس الإقتصادية للنظام العمالي الجديد لكن فئة إجتماعية ذات امتيازات تمكنت من النمو بسرعة على أرضية فقر روسيا الخصبة وحازت قسطا كاملا من مكاسب الإقتصاد الجديد. وقلبت البيروقراطية، لأجل توسيع امتيازاتها الجديدة، سياسة لينين وتروتسكي في كل المجالات تقريبا بدءا بوجود حكومة مرتكزة على الديموقراطية السوفياتية حتى رقابة العمال للتخطيط الإقتصادي مرورا بحق القوميات المضطهدة في تقرير مصيرها ثم الطابع الأممي والبروليتاري للسياسة الخارجية.
أبادت الثورة المضاد جسديا، في نهاية الثلاثينات، كل أحياء القيادة البلشفية موطدة ديكتاتورية لازالت حتى اليوم تحتفظ بمئات آلاف المعتقلين في معسكرات ومستشفيات الأمراض العقلية، وتنفي وتقمع بقوة كل من أبدى أدنى المعارضة.
تجلت الثورة المضادة الستالينية بالنسبة للنساء في إقامة نظام عائلي وتعزيزه. وصف تروتسكي هذه السيرورة بالعبارة التالية: "لا يتصور أي تحرر فعلي للنساء دون ارتفاع عام للمستوى الإقتصادي والثقافي ودون تدمير الوحدة العائلية الإقتصادية البورجوازية الصغيرة، ودون تشريك التربية وإعداد الطعام، إلا أن البيروقراطية، بغريزتها المحافظة، ذعرت من "تفكك" العائلة. وبدأ التغني بمدح الوجبة العائلية والغسيل العائلي أي العبودية المنزلية للمرأة. ولتتويج كل ما أقدمت عليه، أعادت البيروقراطية العقوبات الإجرامية ضد الإجهاض، مرجعة النساء رسميا إلى وضعهن كدواب. هكذا، في تناقض مطلق مع الف باء الشيوعية، أعادت الفئة المسيطرة أكثر بنيات المجتمع الطبقي رجعية وظلامية: العائلة البورجوازية الصغيرة" (كتابات ليون تروتسكي- Writings of leon Trotsky : 1937-38 –2° édition. P129)
3/ كان العامل الأساسي الذي سهل هذا التقهقر هو تأخر المجتمع الروسي ثقافيا وماديا، إذ أعوزته الموارد الضرورية لبناء ما يكفي من حضانات ومساكن ومغاسل ولتمويل الخدمات الضرورية على مستوى تدبير البيت والتغذية بما يتيح القضاء على الأسس المادية لإضطهاد النساء. وساهم هذا التأخر أيضا وإجمالا في الحفاظ على التقسيم الإجتماعي للعمل الموروث عن العهد القيصري.
وتجاوزت البيروقراطية الستالينية الرجعية هذه الحدود الموضوعية فتخلت بشكل واع عن كل منظور في اتجاه تشريك سيتيح تخفيف العبء على كاهل النساء، وبدأت بالعكس تمجد النظام العائلي ساعية إلى تعزيزه بواسطة القيود القانونية والضغوط الإقتصادية.
وكما أشار تروتسكي في "الثورة المغدورة": "لم يجر هذا التراجع على نمط منافق كريه فحسب، بل سار أبعد بكثير مما تقتضي الضغوط الإقتصادية القاسية"
عززت البيروقراطية النظام العائلي بفعل إحدى دواعي الحفاظ عليه في المجتمع الرأسمالي نفسه أي بصفته وسيلة تلقين سلوك الخضوع للسلطة ومن أجل تأبيد امتيازات أقلية. ويوضح تروتسكي أن "أكثر دواعي عبادة العائلة أهمية هو بلا أدنى شك حاجة البيروقراطية إلى الحفاظ على علاقات تراتبية قارة وفرض انضباط على الشبيبة بمثابة نقاط ارتكاز لفرض سلطتها"
في سياق هذه السيرورة المضادة للثورة اعتمدت ثانية القوانين القيصرية القديمة ضد المثلية الجنسية بعد نفض الغبار عنها. وبفضل تعزيز العائلة تمكنت البيروقراطية من تأبيد تقسيم هام داخل الطبقة العاملة: التقسيم بين الرجل بما هو "رب الأسرة و معيلها" والمرأة بصفتها مسؤولة عن المهام المرتبطة بصيانة المنزل بغض النظر عن أنشطتها الأخرى.
كان معنى هذا بوجه أعم الحفاظ على فصل الحياة الخاصة عن الحياة العامة، مع ما يترتب عنه من عزلة، سواء بالنسبة للرجال أو النساء. كما أن تعزيز العائلة النووية وطد أيضا البيروقراطية لأنه شجع انطواء كل عائلة وأتاح للبيروقراطية خفض تكاليف الخدمات الإجتماعية في إطار سياسة عامة للتخطيط في جميع الإتجاهات ما عدا في اتجاه كفاية حاجات العمال.
لم يتكرر الوضع الذي خلقته الثورة البروليتارية والثورة المضادة الستالينية في الإتحاد السوفياتي بصفة ممنهجة في كل الدول العمالية المشوهة بيروقراطيا بأوروبا الشرقية وآسيا. فثمة فروق هامة تعبر عن التفاوت القائم بين البلدان، بل بين الجهات على المستوى التاريخي والثقافي و الإقتصادي و الإجتماعي. إلا أنه رغم تباين درجة مشاركة النساء في سيرورة الإنتاج وتفاوت عدد الحضانات والخدمات الإجتماعية الأخرى، تظل السياسة الرسمية لكل البلدان العمالية المشوهة هي الحفاظ على أشكال التفاوت الإقتصادي و الإجتماعي المضرة بالنساء وكذا على السياسة الرامية إلى تعزيز العمل المنزلي وتبريره.
4/ تدل إحصاءات الإتحاد السوفياتي الرسمية على أن 90% من مجموع النساء من فئة 16 إلى 54 سنة القاطنات بالمدن يعملن خارج البيت. بيد أن نساء الإتحاد السوفياتي يقضين في المتوسط ما بين 4 الى7 ساعات يوميا في الأعمال المنزلية علاوة على ثمان ساعات من العمل بصفتهن أجيرات.
يمثل إبقاء مسؤولية المهام المنزلية على كاهل النساء، من تربية الأطفال وطبخ وغسيل وتنظيف وسهر على حاجات أفراد الأسرة الآخرين، الأساس الإقتصادي و الإجتماعي للإجحاف والأحكام المسبقة المتعلقة بالنساء وكذا ما يترتب عنها من أشكال تمييز على مستوى العمل والأجور. ويؤثر هذا بعمق على نظرة النساء إلى أنفسهن وإلى دورهن في المجتمع وما يرسمن من أهداف.
أظهر بحث أجري في تشيكوسلوفاكيا في نهاية 1960 أن قرابة 80% من النساء اللواتي شملهن البحث قبلن فكرة البقاء في المنزل حتى يبلغ طفلهن 3 سنوات، إذا وافق الزوج وكانت أجرته كافية لحاجات الأسرة. ويكاد هذا لا يفاجئ إذا اعتبرنا أنه خلال نفس الفترة، من ضمن 500 امرأة أستجوبن وكن مهنيا في فئة الأطر، يقوم نصفهن بكامل الأشغال المنزلية (يستغرق ذلك العمل من 4 إلى 5 ساعات يوميا).
تمثل النساء 50% من أجراء الإتحاد السوفياتي لكنهن حبيسات الأعمال الأقل أجرا والأضعف تأهيلا في القطاعات "الأنثوية" في الصناعة وفي الخدمات. هكذا لا زال 43.6% من مجموع النساء النشيطات يعملن في الزراعة، بينما يعمل ربعهن في النسيج. وتمثل النساء 80% من المدرسين في الإبتدائي والثانوي، ومجموع العاملين في الحضانات. كما أن 06.6% فقط من مجموع الشركات الصناعية تديرها النساء سنة 1970. وحسب إحصاءات سنة 1966 بلغ متوسط أجور النساء في الإتحاد السوفياتي 69.3% من نظيره لدى الرجال مقابل 64.4% سنة 1924.
يتراوح فارق الأجر سنة 1970 في مجموع البلدان الشرقية بين 27 الى30% رغم قوانين مساواة الأجور الصادرة بهذه البلدان منذ عقود. ويبين هذا أن النساء لا يقمن بنفس عمل الرجال. ولا يستمر توجيههن نحو الأعمال "الأنثوية" الأقل أجرا فحسب، ولا تسند لهن في الغالب مناصب أقل من مؤهلاتهن فحسب، بل إن نسبة ضئيلة من النساء اللائي يقمن بتدريب يؤدي إلى عمل مؤهل وأفضل أجرا (لاسيما بالصناعة الثقيلة) لا يواصلن العمل في هذه القطاعات لاحقا. إن المسؤوليات العائلية تجعل من الصعوبة بمكان مواكبة المستجدات في تخصص معين. كما أن للقوانين الحمائية التي تحدد شروط العمل الخاصة بالنساء تأثيرات تمييزية في الغالب تمنعهن من العمل في مناصب كالتي للرجال.
وفي سنة 1976 مثلت النساء أكثر من 40% من العلماء السوفيات، لكن عددهن لم يتجاوز ثلاثة من بين 243 عضو بأكاديمية العلوم السوفياتية. ومن ناحية المسؤوليات السياسية كانت 8 نساء فقط أعضاء باللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفياتي ذات 287 عضوا منتخبا. ولا توجد أي امرأة في المكتب السياسي.
في الإتحاد السوفياتي والبلدان الشرقية، كما في البلدان الرأسمالية المتقدمة، تطورت العلوم الطبية والتكنولوجيا إلى درجة كافية لتخفيف عبء النساء المضاعف. إلا أن الغياب الكلي لرقابة العمال الديموقراطية للإنتاج وكذا هيمنة الفئة البيروقراطية ذات الإمتيازات كانا مصدر اختلالات بين سيرورة الإنتاج والتخطيط الإقتصادي مؤدية إلى مشاعر غيظ قوية. ومن وجهة النظر هذه، تعاني النساء من عبء البيروقراطية على نحو أكبر قياسا بالرجال بقدر ارغامهن على سد النقص الحاصل على المستوى الإقتصادي عبر إنجاز يوم عمل مزدوج.
أجبرت إمكانية تفجر هذا الغيظ مختلف فئات البيروقراطية طوال العقد الأخير على تخطيط رفع إنتاج مواد الإستهلاك وكذا تحسين الخدمات الإجتماعية. لكن ظل مستوى منتجات الإستهلاك دون الحاجات والمطامح المتنامية. وظلت الخدمات الإجتماعية أيضا غير ملائمة. وعلى سبيل المثال دلت الإحصاءات الرسمية سنة 1978 أن عدد الحضانات في الإتحاد السوفياتي فاق نظيره بالبلدان الرأسمالية المتقدمة، لكنه لا يستطيع استيعاب سوى 13 من 35 مليون طفل محتاجين إلى حضانة.
لم تتسع الحضانات في تشيكوسلوفاكيا وبولونيا بداية السبعينات سوى لـ10% من أطفال ما دون ثلاث سنوات ولـ 37% و45% تباعا من أطفال ما بين 3 و6 سنوات. هذا في حين تمثل النساء ما بين 40 و45% من اليد العاملة النشيطة في هذه البلدان. ورغم كل مصاعب هذا الوضع بالنسبة للعاملات، قام بعض الستالينيون الرسميون برد الإعتبار لنظرية "التقسيم الطبيعي للعمل" بين الرجال والنساء. وكان "الحل" المعتمد في تشيكوسلوفاكيا وهنغاريا لتمويه ضعف الخدمات الإجتماعية ولمحاولة عكس ميل نسبة المواليد إلى الإنخفاض هو على نحو ما "أجرة منزلية" للأمهات اللائي لديهن طفل أو اثنين يقل عمرهم عن ثلاث سنوات. وفي تشيكوسلوفاكيا ترافق هذا النظام مع زيادة هامة في إعانة الولادة لكل طفل (ما يعادل أجرة شهر عامل). وجلي أن إجراءات من هذا القبيل إنما ترمي إلى الضغط على النساء للبقاء في البيت بالنظر إلى اليوم المضاعف الذي يضاف إلى عملهن الخارجي.
كان عدد المغاسل العمومية ضئيلا جدا (في تشيكوسلوفاكيا وبولونيا و الإتحاد السوفياتي لا تفي سوى بـ05 إلى 10% من الحاجات).
وتلازم ذلك مع انخفاض هائل لعدد الرجال والنساء الذين يأكلون في المطاعم العمومية قياسا بسنوات 1950. فبسبب ارتفاع الأسعار وانعدام الجودة لم يتجاوز سكان تشيكوسلوفاكيا الذين يأكلون خارج البيت 20% بعد أن كانت النسبة 50% في الفترة السابقة.
تسير كل هذه العناصر في اتجاه سجن النساء في البيوت، وهو ميل تعززه دعاية البيروقراطية لصالح العمل الجزئي. ويجد هذا تعبيره في ألمانيا الشرقية مثلا في إعطاء النساء يوم عطلة كل شهر للتمكن من إنجاز المهام المنزلية. وبطبيعة الحال لم يمنح هذا "الإمتياز الخاص" سوى للنساء.
في أكتوبر 1977 تجلى نفس التوجه الرجعي في تعديل البند 35 من الدستور السوفياتي المتعلق بضمان المساواة في حقوق المرأة. ونص التعديل الدستوري على "الخفض التدريجي لطول يوم عمل النساء اللائي لديهن أطفال صغار". وقد فسر القادة السوفيات أن هذا الحكم الجديد في الدستور تعبير عن خط الحزب والدولة السوفياتية المتجه نحو تحسين وضع "النساء بما هن عاملات وأمهات ومربيات وربات البيوت".
ويتجلى أيضا تعزيز تقسيم العمل بين الرجال والنساء في سياسة الحكومة التي تبذل قصاراها لمحاولة رفع نسبة المواليد قصد كفاية الحاجات من اليد العاملة. (ألمانيا الشرقية هي الإستثناء الوحيد حاليا). وفي الوقت الذي تيسر فيه الإجهاض لنساء البلدان الرأسمالية، أدت محاولة فرض تزايد السكان إلى إجراءات تقلص إمكانيات الإجهاض في كل بلدان أوروبا الشرقية.
والحقيقية أن البيروقراطيات الستالينية تنكرت لتصور لينين وقادة الثورة الروسية الآخرين الذي يعتبر أن الإتاحة التامة للإجهاض حق ديموقراطي أولي للنساء، وبينما كان حق الإجهاض شرعيا بشكل عام في الإتحاد السوفياتي وفي البلدان الشرقية، لم تكف الفئات الحاكمة عن تقليص هذا الحق ووضع النساء في الغالب في ظروف مذلة ومعاقبتهن إقتصاديا عند سعيهن إلى الإجهاض (كرفض العطلة المؤدى عنها في حالة الإجهاض أو رفض اعتبار هذا الأخير عملا طبيا مجانيا).
باستثناء بولونيا رفضت أغلب بلدان الشرق صراحة كل منظور للتربية الجنسية أو الإعلام الجماهيري حول وسائل منع الحمل. وكانت مراكز تنظيم الأسرة شبه منعدمة عمليا وتعذر الحصول على وسائل منع الحمل كالحبوب والتعقيم إلا في حدود ضيقة (كانت 05% فقط من النساء تستعمل هذه الوسائل في تشيكوسلوفاكيا في بداية سنوات 1970). لكن لم تستطع أي من هذه الإجراءات أن تقلب ميل عدد المواليد إلى التراجع أو أن تخفض عدد الإجهاضات. وأبان البيروقراطيون في مواجهة هذا "المشكل" على قدرة مبدعة كبيرة اختراع وسائل تشجع النساء على إنجاب مزيد من الأطفال. ولجؤوا إلى كل وسيلة ماعدا إضفاء الطابع الإجتماعي على المهام المنزلية. ودرسوا في بولونيا إمكان اللجوء إلى "أجرة منزلية" أو فرض ضريبة على دخل ربات البيوت اللواتي يرفضن الإنجاب أو رفع سن التقاعد النساء من 60 إلى 65 لتمويل صندوق مخصص لإعانة الأمومة أو خفض سن التقاعد إلى 55 سنة لإتاحة مشاركتهن في حضانة صغار الأطفال. ومن جهة أخرى اتخذت البيروقراطية الستالينية في الصين إجراءات إقتصادية خاصة تعاقب الأزواج الذين أنجبوا أكثر من طفلين قصد الحد من نمو عدد السكان. إن حق الإختيار خاضع للقرارات الإقتصادية التي تتخذها البيروقراطية.
تميل سياسة البيروقراطية في كل بلدان أوروبا الشرقية والصين إلى تشديد القمع الجنسي. فالتقليصات الشديدة على مستوى السكن ونوع التربية التي يتلقاها الأطفال منذ الصغر ورفض كراء غرف فنادق لغير المتزوجين، والضغوط على الناس ليتزوجوا في وقت متأخر، هذه كلها عناصر توضح الأخلاق السائدة على المستوى الإجتماعي ومعارضة البيروقراطية لكل شكل للتحرر الجنسي. وطبعا تمثل النساء بالنظر إلى مكانتهن في العائلة أول من يؤدي كلفة هذه السياسة وهذه المعايير القمعية.
5/ لن تحرز نساء البلدان المنحطة تحررهن الشامل دون ثورة سياسية تنزع السلطة من فئة البيروقراطية وتعيد إرساء الديموقراطية العمالية. ورغم قلة علامات ارتقاء مستوى الوعي بخصوص اضطهاد النساء، لا يوجد حاجز مطلق بين البلدان الرأسمالية والدول العمالية، ولاسيما بين أوروبا الشرقية وأوروبا الغربية. وحتما ستتأثر نساء البلدان العمالية بتجذر نساء باقي البلدان وبما ستقدمه من مطالب. وسيكون نضال النساء لأجل تحررهن عنصرا هاما في سيرورة إعادة النظر لأجل إطاحة الأنظمة البيروقراطية وإرساء ديموقراطية اشتراكية. وتمثل المطالب المتعلقة بتشريك المهام المنزلية وجها حاسما من أوجه البرنامج الانتقالي للثورة الاشتراكية القادمة.
من زاوية نظر معينة وقياسا بالبلدان الرأسمالية المتقدمة يمنح الإستقلال الإقتصادي ووضع النساء بالبلدان العمالية مثالا إيجابيا. لكن تاريخ الإتحاد السوفياتي يبين بجلاء تام أن الأسرة هي حجر زاوية إضطهاد النساء. فطالما استمر الإستعباد المنزلي للنساء وجرى تشجيعه بالإجراءات الإقتصادية والسياسية الرسمية، وطالما لم تسند وظائف الأسرة فعلا لمؤسسات إجتماعية أرقى، يظل كل إدماج فعلي للنساء في الحياة الإنتاجية و الإجتماعية مستحيلا. إن مسؤولية النساء في المهام المنزلية هو مصدر ما تواجهن من تفاوتات في الحياة اليومية والتعليم والعمل والحياة السياسية.
6/ تمثل الثورة المضادة الستالينية فيما يخص النساء والعائلة، ودرجة التفاوت الهامة التي تمس النساء في الإتحاد السوفياتي بالخصوص، بعد 60 سنة من ثورة أكتوبر، أحد عوائق استقطاب الماركسية الثورية للنساء اللائي يتجذرن بالبلدان الأخرى. وكما هو الأمر في نقاط أخرى عديدة يجري الخلط بين السياسة الستالينية وبين اللينينية بدل الإعتراف بحقيقتها بما هي إنكار لللينينية. وغالبا ما تنظر النساء اللائي يناضلن في أماكن أخرى إلى ما يجري في الإتحاد السوفياتي وفي البلدان العمالية المشوهة قائلة: "إن كان هذا هو ما تمثله الإشتراكية بالنسبة للنساء فلسنا بحاجة إليها بتاتا". ويستعمل العديد من أعداء الماركسية وضع النساء في هذه البلدان "حجة" على أن طريق تحرر النساء لا يمر عبر الصراع الطبقي. لذا فإن المعركة لكسب القيادات النسائية في بلدان أخرى من العالم وثيقة الإرتباط بتطور الثورة السياسية في البلدان العمالية المشوهة أوالمنحطة، وكذا بقدرتنا على تقديم صورة مغايرة عن الإشتراكية التي نناضل من أجلها بما نحن ماركسيين حقيقيين.
عن موقع جريدة المناضل-ة
www.al-mounadhil-a.info
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. إصابة مباشرة لصاروخ أطلق من لبنان على منزل بمستوطنة كريات بي
.. أسامة حمدان: خطة الجنرالات هي أكثر الخطط العسكرية انحطاطا وأ
.. كيليان مبابي في دائرة الشبهات
.. ماكرون يذكر بأن إسرائيل أنشئت بقرار أممي ونتانياهو يرد بأن -
.. استطلاعات رأي -جنونية- حول حظوظ كامالا هاريس ودونالد ترامب ف