الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل ستحسم الأزمة الراهنة خيارات الشعب اللبناني

سليمان يوسف يوسف

2005 / 3 / 9
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


هل: ستحسم الأزمة الراهنة خيارات لبنان...؟
لبنان الليبرالي، الحر الديمقراطي ، لبنان الآمن والمنفتح على العالم ، لبنان الصغير في الجغرافيا والكبير في التاريخ، كان حتى اندلاع الحرب الأهلية عام 1975 مزدهر اقتصادياً ومصدر أمل وتفاؤل، وملجأً آمن، لكل الديمقراطيين والأحرار في المنطقة،الهاربين من الاستبداد والملاحقة في أوطانهم. لكن لبنان اليوم لم يعد لبنان الأمس، فقد ضاق كثيراً وتراجع أكثر وضعف الى مستوى أصبح فيه عاجزاً عن تأمين الحماية والأمن للمعارضة اللبنانية ذاتها، التي باتت رموزها وشخصياتها عرضاً للتصفية والاغتيال في شوارع بيروت، وفي وضح النهار وأمام أنظار الناس. لبنان الحزين، الذي دفع، ومازال، ثمن حروب الآخرين على أرضه، تتجاذبه اليوم العديد من القوى المحلية والإقليمية والدولية ولكل منها مشروعها الخاص.
- التيارات اللبنانية المعارضة ، والمدعومة أوربياً، تعمل لأجل (لبنان الحر)، المنفتح على العالم، يتفاعل مع محيطه العربي، من غير أن يندمج ويذوب فيه.
- التيارات القومية، المدعومة من سوريا ومن القوى العربية الأخرى في المنطقة، تعمل لدمج لبنان مع سوريا ومع محيطه العربي.
- حزب الله ، ومشروع الجمهورية الإسلامية، الذي ترعاه ايران.
ربما تكون، الأزمة الراهنة التي يعيشها لبنان، حدثاً تاريخياً مفصلياً، تحسم خيارات الشعب اللبناني، بعد أن اهتزت شروط بقاء لبنان، كدولة متميزة في الشرق الأوسط، وكوطن جوهر خصوصيته، الديمقراطية والحريات السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
فقد أحدثت، فاجعة اغتيال رفيق الحريري، رئيس الوزراء اللبناني السابق، في الرابع عشر من شهر شباط الماضي، زلزالاً سياسياً واجتماعياً كبيراً ، زلزل لبنان، شعباً وحكومةً، اهتز له التاريخ، أعاد الى ذاكرة اللبنانيين، ويلات ومآسي الحرب الأهلية المريرة التي مضى على نهايتها،أكثر من خمسة عشرة عاماً. فالكل ، في لبنان وخارج لبنان، يجمع على أن اغتيال الحريري هي جريمة سياسية بامتياز ، أبعادها تتعدى قتل شخص (الحريري) الى زعزعة أمن اللبنانيين واستقرار وطنهم، أنه الحدث المطلق، الذي يجمع ويختزل في مضمونه وابعاده كل الأزمة اللبنانية، ماضياً وحاضراً، والتي تتمحور بجوهرها حول خيارات لبنان.
وقد جاء، استشهاد رفيق الحريري، بهذه الطريقة، ليفتح أبواب لبنان على كل الاحتمالات، حيث بدأت المعارضة اللبنانية، باستثمار وتوظيف، قضية (الاغتيال) لأغراض سياسية بحته، فمنذ اللحظات الأولى، ومن غير أن تتوفر أية أدلة، حملت المعارضة، كل من الحكومة اللبنانية وسوريا، مسؤولية الاغتيال، كما هددت باستمرار ما سمته بـ(انتفاضة الاستقلال)الى أن تتحقق جميع مطالبها، في مقدمتها خروج ما تبقى من الجيش السوري من لبنان، و معرفة الجهة الحقيقة التي قتلت الحريري من خلال لجنة دولية تحقيق في الجريمة، وبالمقابل أوحت بعض الجهات في الحكومة بإمكانية إنزال الجيش اللبناني الى الشارع،إذا تطلب الأمر لفرض الأمن في البلاد.
أمام هذا المشهد السياسي الجديد في لبنان، لا أعتقد، بأن أحداً يشكك بنوايا، كل من المعارضة والسلطة، أو يتهم أي منهما بالرغبة في إشعال حرب أهلية جديدة في لبنان، لكن، هذه التطورات السياسية والأمنية الجديدة على الساحة اللبنانية ، في ظل أجواء الحرب والتوتر التي تخيم على المنطقة، تتطلب من الجميع، الحرص الزائد والحذر من التصعيد، لتفويت الفرصة على أعداء لبنان، فمن الحكمة، أن لا تذهب السلطة بعيداً وتبالغ كثيراً، في تضخيم المخاوف والقلق على السلم الأهلي، وأخذ منه ذريعة لضرب المعارضة وقمع الشارع اللبناني الغاضب والمنتفض، فمن شأن أي تصعيد أن يزيد من حالة الاحتقان في الشارع اللبناني وقد يؤدي الى انفجار أمني، تستغله أطراف إقليمية ودولية، لتدخل لبنان والمنطقة في نفق مجهول، خاصة أن قوى الإرهاب والظلام باتت منتشرة في كل مكان وهي لا تريد للبنان، ولا لغير لبنان،أن ينهض وينفتح على العالم الحر الديمقراطي .
فهناك أكثر من مؤشر، لبناني ودولي، يوحي بأن الأزمة اللبنانية تنحو باتجاه التصعيد والتعقيد، بسبب دخول أكثر من طرف اقليمي ودولي على خط الأزمة، فالمعارضة مصرة على مطالبها، وقد استطاعت في 28شباط أن تسقط حكومة (عمر كرامي) الموالية لسوريا، في أول جلسة للبرلمان اللبناني عقدها بعد اغتيال الحريري، وهناك خشية حقيقة من أن يدخل لبنان مرحلة فراغ دستوري بسبب وجود صعوبات وممانعات في تشكيل حكومة جديدة، ثم الاصرار الأمريكي والفرنسي على تنفيذ القرار1559.(أمريكا) الراغبة بالانتقام من سوريا ومحاسبتها على موقفها الرافض للوجود الأمريكي في العراق، لهذا تصعد من لغة التهديد لسوريا.(فرنسا) المهتمة جداً بمصير ومستقبل لبنان، والممتعضة جداً، من السلوك السوري اتجاه هذا البلد، حمل، رئيسها( جاك شيراك) معه الغضب الدولي، على مقتل الحريري، عندما جاء الى بيروت لتقديم واجب العزاء لأسرة الحريري، وطالب باجراء تحقيق دول بالجريمة وقد أيدته أمريكا في هذا المطلب، وهذه خطوة متقدمة باتجاه تدويل القضية اللبنانية، مما يعني سحب الورقة اللبنانية من اليد السورية.
لا شك ، أن ملف الأزمة اللبنانية، هو أحد الملفات الشائكة التي تركها الرئيس الراحل، حافظ الأسد، للرئيس الشاب، بشار الأسد، وقد بات هذا الملف أكثر تعقيداً وتشبيكاً، في عالم تعصف به أعاصير التغير، وبسبب حصول تغير كبير في الظروف، العربية والإقليمية والدولية المحيطة بالأزمة اللبنانية كذلك، بالصراع العربي الإسرائيلي، خاصة بعد الاحتلال الأمريكي للعراق. يبدو وبوضوح أن (القيادة السورية) تبحث وتسعى، عبر أكثر من طرف دولي وإقليمي وعربي، لإيجاد مخرج مناسب ، وبأقل كلفة سياسية، من الأزمة الخطيرة التي انزلقت اليها بسبب العديد من الأخطاء السياسية التي وقعت فيها(القيادة السورية) في طريقة تعاطيها مع الملف اللبناني، في مقدمة هذه الأخطاء، التأخير الكثير في تطبيق اتفاق الطائف، ثم رعايتها لقرار التمديد- الغير مبرر سياسياً بنظر الكثير من السوريين قبل اللبنانيين- للرئيس أميل لحود، الذي بات عبئاً على لبنان وسوريا، وكان سبباً في استصدار قرار مجلس الأمن 1559 الذي يلزم سوريا بإخراج جيشها من كامل لبنان، كذلك سبب(التمديد) في تفكك تحالف الموالين لسوريا لصالح المعارضة اللبنانية، الآخذة في النمو والاتساع في الداخل والخارج. وقد جاءت، جريمة مقتل شخصية لبنانية مهمة كـ(رفيق الحريري) لها وزنها، السياسي والاقتصادي والاجتماعي، الكبير على الساحة اللبنانية والإقليمية والدولية- بغض النظر عن الجهة التي اغتالته وعن أهدافا وغاياتها من الاغتيال- لتوقع كل من (لبنان وسوريا) في مأزق سياسي كبير، وربما كان يراد لهذه الجريمة أن تؤدي هذا الدور، وإعادة خلط الأوراق في لبنان لإعادة ترتيبه من جديد، فقد بات من الصعب جداً الخروج من هذا المأزق من غير ثمن سياسي تدفعه سوريا.
وفي الداخل السوري، بدأت تتفاعل قضية استشهاد الرئيس رفيق الحريري، حيث أبدت المئات من الممثقفين والمهتمين في سوريا، تخوفها من تداعيات الحالة اللبنانية، على سوريا ولبنان، وخشيتها من أن تستجر سوريا وتنزلق باتجاه المواجه مع المجتمع الدولي، وقد عبر المثقفون عن موقفهم هذا من خلال( رسالة مفتوحة) توجهوا بها الى رئيس الجمهورية،الدكتور بشار الأسد، يطالبونه بأخذ المبادرة وسحب ما تبقى من الجيش السوري من لبنان، تنفيذاً للبند المتعلق بالوجود العسكري السوري في لبنان من (اتفاق الطائف)، كاستجابة لرغبة الشعبين السوري واللبناني في صياغة علاقة جديدة بينهما، وتمهد الطريق لإعادة بناء الثقة بين الدولتين في مواجهة التحديات المشتركة ولتفادي تطورات لا تحمد عقباها.
يأمل معظم السوريين، أن تخرج بلادهم من المأزق اللبناني، سليمة ومن غير أي أذى أو ضرر يلحق بشعب سوريا ووطنهم الذي أحبوه، وأن تكون هذه الأزمة مناسبة لطي صفحة العقل الايديولوجي المنغلق والمهيمن على السياسة السورية منذ عقود طويلة، والانتقال الى البرغماتية السياسية بإخضاع الرغبات والأهداف لحكم العقل ولمنطق الواقع، الذي يتنكر له الفكر المؤدلج، وأن تعيد القيادة السورية النظر في طريقة تعاطيها، ليس مع الملف اللبناني فحسب، وإنما مع غيره من الملفات الإقليمية، على أسس جديدة، وبما يخدم المصالح الوطنية الحقيقية لسوريا، وإعطاء الأولوية في السياسية السورية، للملفات والقضايا الداخلية، التي حذفت من أجندة القيادة السورية طيلة المرحلة الماضية، مثل قضية الإصلاحات السياسية والديمقراطية والحريات، قضية التنمية الاقتصادية والاجتماعية، مشكلة البطالة والفساد الإداري والمالي الذي استشر في مختلف اجهزة ومفاصل الدولة، وغيرها من الملفات التي تشغل بال واهتمام المواطنين السوريين أكثر من القضايا الإقليمية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رغم تراجع شعبيته.. ماكرون يكثف حملاته الدعائية | #غرفة_الأخب


.. اتهامات متبادلة بين فتح وحماس بعد تأجيل محادثات بكين | #غرفة




.. أنقرة تحذر.. يجب وقف الحرب قبل أن تتوسع | #غرفة_الأخبار


.. هل تنجح جهود الوساطة الألمانية في خفض التصعيد بين حزب الله و




.. 3 شهداء إثر قصف إسرائيلي استهدف تجمعا لفلسطينيين شمالي مدينة