الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من حصاد الثورة

فريدة النقاش

2012 / 11 / 14
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


أعلنت عشرون من منظمات المجتمع المدني جمعيات واتحادات ومؤسسات رفضها لمسودة الدستور بسبب كثير من المواد التي ترسخ لدولة استبدادية وقمع للحريات المدنية وحقوق الإنسان، وإهدار مبدأ الفصل بين السلطات، كما أن المسودة المتاحة تميز بين المصريين، وتنتقص من ولاية القضاء واستقلاله، وتقيد الإعلام وحرية الصحافة، وقالت المنظمات في بيان لها إن المسودة جاءت خالية من أي مرجعية حقوقية أو النص علي أي من التزامات الدولة المصرية وتعهداتها الدولية المتعلقة باتفاقيات ومواثيق وإعلانات حقوق الإنسان التي وقعت عليها مصر، كذلك أعلنت عدة ائتلافات نسائية رفضها للمسودات المتتالية قائلة إنها تميز ضد النساء وتهدد الحريات العامة.

كما هدد ثلاثون عضوا بالانسحاب من التأسيسية احتجاجا علي سلق الدستور، وقال عدد من فقهاء القانون إن الصياغة ركيكة ومبهمة ولا تليق بمصر، فضلا عن الأخطاء اللغوية الفاضحة.

وعقد القضاة جمعية عمومية طارئة للتعبير عن رفضهم القاطع للمواد الخاصة بالسلطة القضائية في مسودة الدستور، وهي مواد تستهدف قص أجنحة استقلال القضاء الذي يحمي العدالة، وتغيير وضعه من سلطة ثالثة هي أحد أركان الدولة ضمن سلطتين أخريين تنفيذية وتشريعية، إلي مؤسسة حكومية تهيمن عليها السلطة التنفيذية ويعقد الصحفيون يوم العشرين من نوفمبر جمعية عمومية طارئة تعبيرا عن رفض جموع الصحفيين للمواد الخاصة بالصحافة في المسودة الأخيرة والتي جاءت علي العكس تماما من كل ما نادي به الصحفيون وقدموه مكتوبا للجمعية التأسيسية لا دفاعا عن حرياتهم وحقوقهم وإنما دفاعا أيضا عن الحريات والحقوق العامة في المقام الأول وقدمت إحدي وعشرون نقابة مهنية رفضا مكتوبا للمواد الخاصة بالنقابات المهنية في الدستور المقترح.

أي أن كل القوي الحية في البلاد أخذت تعمل بصورة جماعية ضد المشاريع الكارثية للدستور التي يتوالي خروجها إلينا كأنها من جراب الحاوي الذي يفاجئنا كل يوم.

من جهة أخري تؤدي النزعة الاختزالية الضيقة لحصاد ثورة 25 يناير إلي قراءة جزئية لهذا الحصاد، فضلا أنها تعتبر أن الثورة قد اكتملت وانتصرت بمجرد سقوط رموز النظام القديم وتغيير نظام الحكم ثم إحلال نظام جديد محله، ولكن هذا الحصاد تضمن في الرؤية الموضوعية الشاملة له ما هو أهم ألا وهو تلك القفزة الكيفية في القدرات الثورية للشعب المصري، وابتكاره لأساليب جديدة لمواجهة مشكلاته وحل قضاياه الكبيرة والصغيرة، إنها تلك القفزة النوعية إلي نادرا ما تتحقق في التاريخ، ولا تحدث إلا في زمن الثورات الكبري، وهي تؤدي الي تقدم كبير جدا في مسار النمو الاجتماعي وعادة ما تمهد الأرض وتعبد الطريق للانتقال من نمط إنتاج إلي نمط إنتاج آخر بعد أن تصفي ما تراكم من آثار الفساد والتحلل والانحطاط الذي يكون النظام القديم قد أحدثه.

جميعنا يعرف بطبيعة الحال أن ما حدث في مصر من انتقال الحكم من أيدي «مبارك» وعصابته وحزبه إلي أيدي الإخوان المسلمين لم يشكل انتقالا من نمط إنتاج إلي نمط إنتاج آخر لأن الاستغلال الرأسمالي بطابعه الريعي الطفيلي كان ولا يزال قائما، وهو يضع الآن قناعا دينيا بل إن بعض أسوأ ما في الشعب المصري قد أخذ يطفو علي السطح، ولكن هذا كله ليس علامة علي السكون أو ما يسميه حكامنا بالاستقرار، وإنما هو من مظاهر غليان وفوضي مرحلة الانتقال – التي قد تطول – بين نظامين، لأن ثورة 25 يناير لاتزال تتعثر في مرحلة الانتقال ما بين شكلين لنظام واحد في المسار نفسه، لكن ما يتراكم ويفعل فعله ببطء تحت السطح هو لواعج الشوق إلي نظام جديد تماما كما طرح الثوار في الميدان إرهاصاته التي لخصوها في شعارات عبقرية عيش – حرية – عدالة اجتماعية – كرامة إنسانية ولاتزال كل أشكال الاحتجاج التي يسمونها إضرابات فئوية تستدعي هذه الشعارات حين المطالبة بالحقوق المشروعة للعمال والفلاحين والعاملين كافة.

وكما تتخذ الاحتجاجات ضد هيمنة قوي الإسلام السياسي علي الجمعية التأسيسية أشكالا جماعية قادمة من الائتلافات الحزبية المدنية والديمقراطية التي تنشأ علي امتداد البلاد لا في مواجهة الإسلام السياسي كما يختزلها بعض الذين عاشوا طيلة عمرهم السياسي في كنف الحركة الديمقراطية وبعد أن صعد الإسلام السياسي أخذوا يقدمون أوراق اعتمادهم، ولكن هذه الائتلافات هي في واقع الأمر استشراف جماعي للمستقبل، واستكمال للبناء الذي وضعت أساسه ثورة 25 يناير حين توحدت تحت راياتها كل القوي صاحبة المصلحة في إقامة عالم جديد خال من الاستغلال والمهانة، متحرر من الاستبداد والظلم وتقدمت طلائع هذه القوي المكونة من الشباب العصري المتعلم من أبناء العمال والفلاحين والطبقة الوسطي ليشكلوا قيادة جماعية لثورتهم تماما كما كان تعبيرهم جماعيا عن قوي أوسع بكثير جدا من قوتهم العددية في الميادين حتي في ذلك اليوم التاريخي الذي احتشد فيه عشرون مليونا من المصريين نساء ورجالا في كل الميادين الكبير والصغيرة في البلاد مصرين علي رحيل «مبارك» «هوه يمشي مش هانمشي» إلي أن رحل لكن نظامه لم يرحل حتي الآن رغم تغير الأشخاص لأن الأساس الاقتصادي الاجتماعي له لايزال متجذرا، وهو ما تتطلع المرحلة الجديدة من الثورة إلي اقتلاعه من جذوره معتمدة علي ماراكمته من خبرات وأساليب وما ولدته من أفكار، وما تعلمته من تجارب خلال عام ونصف العام وعلي رأسها خبرة العمل الجماعي المنظم طويل المدي والنفس.


ومعتمدة أيضا علي الاتساع الهائل للقاعدة الاجتماعية للثورة التي تمتد من العمال والفلاحين إلي الطبقة الوسطي وتكتشف كل يوم ما يجمعها من مصالح مشتركة يغذيها تطلعها لوطن حر ترفرف عليه رايات العدالة والكرامة والمساواة، رغم صعود الثورة المضادة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الطمع يقل ما جمع
محمد البدري ( 2012 / 11 / 14 - 23:15 )
الدستور بالصورة الحالية بعتبر وثيقة اعدام حضاري للمصريين. ومن هنا علينا عقد اجتماعات ومؤتمرات وتشكيل لجان وكتابة مقالات وعمل برامج اعلامية في الفضائيات عن كيف ان الاسلام الجديد الذي يتبناه اهل السنة والجماعة المموله من العربية السعودية ويشاركها دول الخليج التي تقولون بانهم اشقاء بينما كل الحقوق التي يسعي اليها المصري موجوده في وثيقة حقوق الانسان التي جاءتنا ممن قلنا عنهم أعداء؟ اختي الفاضلة استاذة فريده علي مصر والمصريين اعادة النظر في صلة القرابة بيننا وبين باقي شعوب العالم ولا يجوز التحجج بالسياسة والراسمالية للبقاء في جحر الضب الذي وضعنا فيه القوميين العرب ومعهم فصيل ماركسي واسع وعريض ضللنا وضلل الشعب دون أن يكون قادرا علي اقامة اشتراكية بقدر دعواه لهدم الراسمالية. وبعد ان انهدم المعبد بكل احجاره علي اهله عادوا واصبحوا يتمنون مجتمعا ليبراليا يقوم علي راسمالية هو اصلا ضدها. انا لا اجد ما يلخص حالة الضياع التي تورطت فيها القوي السياسية المصرية مع العروبة الا المثل المصري: الطمع يقل ما جمع. تحياتي والشكر العميق لمقالك الذي يفتح جراحا ربما لم يدركها كثيرين من مثقفي مصر بعد


2 - تعليق ثاني
محمد البدري ( 2012 / 11 / 15 - 08:59 )
مشكل الشريعة بين الاحكام والمبادئ ودون الدخول في تفاصيل احكام الشريعة فان احكامها تتناقض مع وثيقة حقوق الانسان التي اقرتها الامم المتحدة ووقعت عليها مصر والتي شارك في صياغتها د. محمود عزمي ممثل مصر فيها. هكذا شاركت مصر في صياغة افضل وثيقة عالمية لحقوق الانسان في زمن الليبرالية المصرية. فما الذي يجري حاليا بعد توجه عروبي قومي او اسلامي علي مدي الستون عاما الماضية؟ خرجت علينا جماعات تطالب باحكام الشريعة وتتمني عدم وجود دستور للبلاد لان حسب قول بعضهم: القرآن دستورنا. إنها انتكاسة حقوقية ودستورية بمعني الكلمة واحتقار لمصر مؤسسة الحضارة وبناء الدولة منذ فجر التاريخ. فهل اصبحت ارواحنا في مصر معلقة علي كلمة -مبادئ- انقاذا لنا من أحكام الشريعة أم ان الغاء كلمة مبادئ ووضع لفظ -أحكام- بدلا منها هو تمشيا مع توجهات قوي الشر العالمية بالتخلص من بشر لا ينتجون بل وغير قادرين علي استهلاك منتجات الاخرين فاصبحوا عالة علي البشرية.

اخر الافلام

.. ماذا وراء تقارب السودان وروسيا؟


.. الاحتجاجات الداعمة لغزة: رئيسة جامعة كولومبيا تهدد بفصل طلاب




.. بلينكن: أمام حماس عرض -سخي- من قبل إسرائيل.. ماذا قال مصدر ل


.. الانتخابات الأميركية.. شعبية بايدن | #الظهيرة




.. ملك بريطانيا تشارلز يستأنف مهامه العامة | #عاجل