الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الجوّ السياسيّ العَكر !!

ييلماز جاويد
(Yelimaz Jawid)

2012 / 11 / 14
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية


يومَ تسودُّ وجوه وتبيَضّ وجوه !!

قالوا " الدنيا جرخ وفلك " والإنسان عجول لا يتعظ من ما تفعله الأيام . يتجبّر عندما يكون في الأعالي ، ولا يعي ما سيكون مصيره في الأسافل . كثيرون صاروا دروساً ، فهل تنفع الدروس . شاشات التلفزة نقلت للعالم أجمع ما صار من أمر طاغية العراق ، وكذا طاغية ليبيا ومصر ، وما تجرّه الأيام على آخرين .

هل ترى يعي صاحبنا ؟

من سفرته إلى الولايات المتحدة ، وقبل عودته مباشرة أطلق فتيل " ملف طارق الهاشمي " وإمتلأ الجو السياسي صخباً وصارت أفكار أبناء الشعب قاطبة في هرج ومرج ، بين مؤيّد لهذا الجانب أو ذاك ، وبين مجادلٍ في شرعية ودستورية الإجراءات ، وآخرين خضعوا لعواطفهم وبرأوا أو أجرموا بدون تمحيصٍ موضوعي . وقد أخذ ذلك حجماً كبيراً ، ولكنه رغم كبره تضاءل بعد إشباع الجدل فيه ،وقارب أن يكون في طيّ النسيان . جاء الفتيل الثاني في الصراع على ما سمي " بالشراكة الوطنية " في إقتسام السلطة بين الكتل السياسية المتنفذة ، فعقدت بعض الكتل إجتماعاً في أربيل ، تمخض عن إرسال رسالة إلى الحكومة ورئسيها تتضمن طلبات تلك الكتل في تفعيل " الشراكة الوطنية الحقيقية " على أساس الدستور وإتفاقية أربيل التي بموجب بنودها تم تشكيل الحكومة . هذا الموضوع أخذ وقتأ لا يستهان به كاد يؤدي إلى سحب الثقة عن الحكومة لولا ( البارولة ) التي لعبها رئيس الجمهورية وتبعتها المحاولات التسويفية التي لعبتها كتلة التحالف الوطني في ما سمّيت ( ورقة الإصلاح ) والتي تبيّن في النهاية عدم وجودها . كل ذلك أخفتَ جذوة الفتيل الثاني ، تبعها الفتيل الثالث في الصراع بين المركز والإقليم على صادرات النفط والعقود الموقعة من قبل الإقليم ، وأضيف إليها الخلاف حول مَن يقف مع الشعب السوري في ثورته ومَن يقف مع النظام الدكتاتوري ، مما صعّد وتيرة الخلاف السياسي وإكتملت بتأسيس قوات دجلة وإرسالها إلى كركوك مما جعل قوات الجيش في مواجهة قوات البيشمركة ، وأوصل العراق إلى قاب قوسين أو أدنى من حربٍ أهلية تحرق الأخضر واليابس . في خضم هذه الأجواء المتعكرة لم تألُ حكومة المالكي جهداً لتجميع كافة الصلاحيات في يد رئيس الوزراء والسيطرة على المفوضية العليا للإنتخابات ، والمحكمة العليا التي صارت تصدر قراراتها حسب شهية المالكي ، وديوان الرقابة المالية الذي يعدّ التقارير المالية التي تتناسب مع رغبته ، والأجهزة القمعية التي تلفق التهم ضد المعارضين ثم تجعلهم يعترفون تحت وطأة التعذيب بما يدينهم . وما أن عادت بعض الحياة إلى رتابتها ، حتى حان أوان الفتيل الرابع في محاولة رئيس الوزراء في السيطرة على البنك المركزي بأن تم كشف ملف من ملفات المالكي التي هدد بها جميع مناوئيه ، فكان ملف محافظ البنك المركزي الدكتور سنان الشبيبي . تم كشف الملف بينما كان الدكتور سنان الشبيبي في مهمة رسمية خارج القطر ، وتم إعلان الملف في وسائل الإعلام وإصدار أمر إعتقاله عند وصوله مطار بغداد . وقد إستحق هذا العمل قولة " مثلناكم .. ومثلتم بنا في غيابنا ، حسب نجابتكم الوطنية " . ما كان هذا الملف ، في تصوّر المالكي ، ورهطه الذين يساعدونه في ترتيب هذه الفتائل ، والذين لا يختلفون أبداً عن صانعي المفخخات واللاصقات . أقول ما كان ملف الشبيبي كافياً ليحافظ على عكرة الجو السياسي لأمدٍ طويل ، فأطلق الفتيل الذي بعده بإتخاذ وزارته قرار إلغاء البطاقة التموينية التي تؤمن لأبناء الشعب جزءاً من قوتهم اليومي على شكل مواد عينية ، وإستبدالها بتخصيصات نقدية مقدارها 15000 دينار للشخص الواحد شهرياً ، بحجة أن عملية البطاقة التموينية فيها فساد ، وأن المبلغ المخصص أكثر من ما تتحمله الدولة عند توفيرها للحصة الغذائية ( 11000 دينار ) . إن رئيس الوزراء عند تبريره قراره ودفاعه عنه لم يذكر أن القرار إنما جاء رضوخاً لشروط صندوق النقد الدولي في إقراض العراق ثلاثة مليارات دولار . تُرى ما الذي يجعل حكومة ميزانيتها مائة مليار دولار ، تقترح على البرلمان تشريع قانون البنى التحتية لتنفيذ مشاريع بالآجل قيمتها أربعون مليار دولار ثمّ تلهث للحصول على قرض بمقدار ثلاثة مليارات ، وتقطع عن العوائل الفقيرة المعوزة الجزء الحيوي من أسباب معيشتهم ؟. ثمّ أن المبلغ التافه المقترح لا يعادل أكثر من أحد عشر دولاراً شهرياً بينما إيجارات السكن الشهرية بمئات الدولارات . لقد أغفل المالكي ، عن قصد ، بالتأكيد ، وليس عن جهل ، أن التعويض النقدي هذا سيجعل أسعار البضائع الضرورية تتضاعف مباشرة . كان المفروض أن يكون إيقاد فتيل إلغاء البطاقة التموينية إيذاناً لغزو الجماهير ساحات مدن العراق كافة ، وكان المفروض أن تكون مناسبة لإطلاق رصاصة الرحمة على هذه الحكومة . ولكن ردود الفعل لم ترتقِ إلى مستوى يتناسب مع ما سيجري في العراق من مجاعة وزيادة في الجرائم المتأتية بسبب الحاجة والعوز . ومع ذلك لم ترَ الحكومة سبباً لتغيير قرارها جذريّاً بل علقته على أمل إجراء إستفتاء شعبي لقبوله أو رفضه . و بقصد إلهاء الناس بمشكلة جديدة ، أشعلت الحكومة فتيلاً جديداً في صفقة الأسلحة الروسية ، وما إكتنفها من فساد بإلغاء الصفقة وهي ما زالت " في مرحلة التفاوض " ، ثمّ تشكيل لجنة أخرى لتكملة المفاوضات وعقد الصفقة من جديد . كلّ ذلك تحت غطاءٍ إعلاميٍّ كثيف مآله أن الولايات المتحدة لم تفي بإلتزاماتها في تسليح العراق . أكاذيبٌ لا تنطلي على أبناء الشعب العراقي ( المفتحين باللبن ) . منذُ متى أصبح الذين أتوا إلى العراق فوق الدبابات الأمريكية مخلصين إلى العراق أكثر من ولائهم للولايات المتحدة ؟ وإن إفترضنا صحة إدعاءاتهم ، فكيف رضيت أمريكا تسليمهم مقاليد الحكم ، وكيف تتساهل في بقائهم فيه ؟

يتيه كلّ محلل أو مراقب في خضمّ هذا الجو المعكر والمستديم ، في محاولته كشف ما يجري في العراق ، والإتجاه الذي تسير فيه الأمور ما لم يستند إلى المعطيات الواقعية ويجد الخيوط الرفيعة التي تربط الواحدة منها بالأخرى .

إن المالكي ، من يوم توقيعه على الإتفاقية الأمنية بين العراق والولايات المتحدة الأمريكية ، دأب على خلق هذه المشاكل الواحدة تلو الأخرى حتى يحافظ على الجو السياسي معكراً ضمن خطة صمم له دوره في تنفيذها . و كما كان غيره ينفذ دون أن يعترض ، فسيأتي اليوم الذي تتغير فيه موازين المصالح وتأتي رياح جديدة ، والله وحده يعلم ما سيكون مصير الجبابرة يومئذٍ .










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - سلمت يراعك
آکو کرکوکي ( 2012 / 11 / 15 - 12:36 )
مقالة ممتعة وجميلة حقاً
سلمت يراعك

اخر الافلام

.. رئيسة حزب الخضر الأسترالي تتهم حزب العمال بدعم إسرائيل في ال


.. حمدين صباحي للميادين: الحرب في غزة أثبتت أن المصدر الحقيقي ل




.. الشرطة الأمريكية تعتقل عددا من المتظاهرين من جامعة كاليفورني


.. The First Intifada - To Your Left: Palestine | الانتفاضة الأ




.. لماذا تشكل جباليا منطقة صعبة في الحرب بين الفصائل الفلسطينية