الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الملفّ المالي : خيار أمريكي فرنسي يدفع الجزائر الى المستنقع

محمد نجيب وهيبي
(Ouhibi Med Najib)

2012 / 11 / 14
مواضيع وابحاث سياسية


الملفّ المالي : خيار أمريكي فرنسي يدفع الجزائر الى المستنقع
محمّد نجيب وهيبي
المحتوى :
1) الوضع الحالي في مالي
2) مصالح فرنسا في المنطقة
3) الخيارات المتاحة
4) مواقف الجزائر
5) الخلاصة
1- الوضع الحالي في مالي
انهار النظام المركزي في باماكو مالي ، وتفكّك الجيش المالي بشكل سريع ومفاجئ ، اثر اندلاع مواجهات مسلّحة مع مجموعات اسلاميّة ، واخرى تنتمي الى قبائل الطوارق بالشّمال ، وتبدو الاوضاع في الشمّال على الحدود الجزائريّة جدّ خطرة بالنسبة للجزائر ودول الجوار الاخرى في السّاحل الافريقي ، ومنها النيجر وموريتانيا .
وقد اعلنت المجموعات المسلّحة ، التي تسيطر على اغلبها جماعات اسلاميّة ، انفصال الشّمال المسمى باقليم ازواد .
ويعتبر الوضع الحالي في مالي انعكاسا غير مباشر ، او مخرجات جانبيّة للتغييرات التي تشهدها المنطقة العربيّة وخاصّة ، بعد انهيار نظام معمّر القذّافي الذي كان يتشارك مع الجزائر من حيث التصدّي للارهاب في شمال ووسط افريقيا ، وكان يلعب دورا رئيسيّا في قطع الامدادات العسكريّة على المجموعات المسلّحة والتنظيمات الانفصاليّة في كلّ من تشاد ومالي ، كما كان لنظام القذّافي وسياساته عمق افريقي وإقليمي يمكّنه الى جانب سياسة الجزائر ودورها الاقليمي ، من التدخّل عند مجموعة واسعة من قيادات المجموعات المسلّحة والحكومات الرسميّة في الداخل الافريقي ، من اجل تحقيق الاستقرار النسبي وضمان جزء هام من المصالح الاستراتيجيّة للدول العظمى في المنطقة حتى أثناء الازمات .
ولقد لعب كلّ من نظام القذّافي والنظام الجزائري هذه الورقة –ورقة التصدّي للارهاب –جيّدا لفترة طويلة من الزمن من اجل فرض وجود على مستوى السياسة الدوليّة في المنطقة ، وإرغام حلفائهم من الغرب بالقبول بوجودهم كعنصر أساسي من عناصر حلّ النزاعات . امّا اليوم وبعد انهيار النظام الليبي ، وانتشار الاسلحة والمجموعات المسلّحة في العديد من المناطق الصحراوية في مدن السّاحل الافريقي ، وخاصّة منهم المجموعات الاسلاميّة التي تمكّنت من العبور من الجزائر الى مالي وأخرى من ليبيا او عبر الحدود الليبيّة ، ومجموعات واسعة من قبائل الطوارق التي استقرّت شمال مالي ، وتحالفت مؤقّتا مع المجموعات الاسلاميّة لتحقيق الانفصال عن الجنوب وتاسيس دولتهمم المستقلّة .
ولقد مثّلت مالي طيلة أكثر من عقدين من الزمن متنفّسا وسندا للجزائر في محاصرة المجموعات الارهابيّة وتقييد حركتها شمال مالي ، ولم تتجاوز عمليّات المجموعات المسلّحة في مالي المواجهات المتفرّقة والمحدودة مع النظام العسكري القائم ، نظرا لمحدوديّة تسليحها وانعزالها النسبي عن خطوط الامدادات لبقيّة التنظيمات الارهابيّة ، ولكنّ رياح التغيير الجذري التي شهدتها المنطقة فتحت لها الابواب على مصراعيها لتدفّق السّلاح من ليبيا ولتدفّق مجموعات المجاهدين وعناصر عديدة من بقايا النظام الليبي ومن قبائل الطوارق ممّا قلب موازين القوى وادى الى الوضع الحالي .
2- مصالح فرنسا في المنطقة
يبدو انّ جانب نصيب فرنسا من الصفقة الدوليّة في منطقة الشمّال والساحل الافريقي قد وجدت ضالّتها في دولة مالي ، وقد نالت الموافقة السيّاسيّة لشريكها الامريكي في تأمين مصالحها الحيويّة والاستراتيجيّة في منطقة السّاحل الافريقي وخاصّة جانبه الفرنكفوني .
وتتمثّل المصالح الفرنسيّة الاستراتيجيّة الفرنسيّة في خمس مسائل رئيسّية :
تتمثّل الاولى في سعي فرنسا ضمان عدم تفكّك وحدة حلفائها/أتباعها من الدول الفرنكفونيّة في السّاحل الافريقي ، ومن هذا المنطلق فهي تسعى الى فرض سيطرتها الكاملة على كلّ سياسات دول المنطقة وتعزيز ذلك بوجود عسكري او سبه عسكري مثلما هو الحال في الكوت ديفوار " ساحل العاج " التي تشترك مع مالي في الحدود الجنوبيّة ، وهي –أ يفرنسا- من خلال اصرارها على التدخّل العسكري في مالي تريد لنفسها اتسرجاع دور دولي في محوري في تحديد السياسات الدوليّة واقتسام مناطق النفوذ في النظام العالمي الجديد .
أماّ الثانيّة فيمكن اعتبارها محاولة للالتفاف على الجزائر وتضييق الخناق على مواقفه المتصلّبة تجاه الغرب وفرنسا خاصّة ، ومحاصرتها سياسيّا واقليميّا ، لتقويض سيادتها الوطنيّة وذلك عبر ارغامها على المشاركة في الحرب على شمال مالي ، واضعاف جبهتها الجنوبيّة ، عبر خلق مناطق نزاع ميلّح في المدى القصير ، وبناء نظام سياسي تابع لفرنسا بشكل كلما في المديين المتوسّط والبعيد يقطع بين الجزائر وامكانيّة توسّع سياساتها في العمق الافريقي ، ولهذا فانّ آراء عدّة تؤكّد ضلوع كلّ من المغرب ، والنيجر وساحل العاج في تأزيم الاوضاع شمال مالي لفرض ساحة الخحرب في الحديقة الخلفيّة للجزائر ، كما ساهمت السلطات الليبيّة في تمرير السّلاح الى المقاتلين شمال مالي .
وامّا الثالثة فتنحصر في المصالح الاقتصاديّة المباشرة لفرنسا في منطقة السّاحل الافريقي ومنها الصّحراء الكحبرى من جنوب الجزائر الى شمال مالي وهي منطقة غنيّة بالبترول والخامات المعدنيّة من الحديد والذهب ، الى جانب كون مالي تحتكم على طبقة ترسّبات لليورانيوم بمعدّلات جيّدة ، ولانّ فرنسا تنتج نسبة 77% من طاقتها الكهربائيّة من خلال الطّاقة النوويّة بعدد مفاعلات هو الاعلى في كلّ اوروبّا ب66 مفاعلا نوويّا يكون احتياجها لليورنايوم مرتبطا بأمنها الاقتصادي الوطني وخيارا استراتيجيّا حسّاسا يحرّك الجزأ الاكبر من سياساتها الخارجيّة وتوسّعاتها وتكون بذلك منطقة السّاحل الافريقي ومنها مالي هي وجهتها الاهم لتحقيق مواردها منها .
وامّا الرابعة فتتعلّق بالتنافس الدولي القائم على القارّة الافريقيّة ومواردها الطبيعيّة بوصفها القارّة العذراء ، انتاجا واستهلاكا ، فلم تعد اطماع روسيا والصّين بخافية في المنطقة والسعي الى خلق أسواق ومبادلات خاصّة بهم فيها ، ولذا فانّ فرنسا وأمريكا تعملان ما في وسعهما من اجل توسيع نفوذهما في المنطقة لقطع الطريق على هذه الامكانيّات .
وبالنسبة للمسألة الخامسة وهي الاكثر كلاسيكيّة واستهلاكا في السياسة الدوليّة الحديثة فهي السعي للقضاء على الارهاب والمجموعات العسكريّة والانفصاليّة في المنطقة بعد دفعها الى تجمّع في منطقة ما .
3- الخيارات المتاحة
تدفع فرنسا بشكل جدّي وقوي الى التدخلّ العسكري المباشر في شمال مالي ومنه الى كلّ التراب المالي وهي لذلك تحرّك كلّ حلفائها في المنطقة للمساهمة في تكلفة الحرب التي ستفتحها في قلب السّاحل الافريقي ، وتسعى فرنسا الى توجيه ضربات حاسمة وناجعة بعمليّة عسكريّة واسعة ، بعد ان ضمنت موافقة بقيّة الدول الافريقيّة على محاصرة المجموعات الانفصاليّة في الشّمال وقطع الامدادات عنها ، ولكنّ توجّه فرنسا هذا يصطدم برفض جزائري صريح لأي عمليّات عسكريّة على حدوده الجنوبيّة او انطلاقا من اراضيه .
وتتمسّك فرنسا بان تلعب الجزائر دورا رئيسيّا في الحرب المقبلة ، لقناعتها بأن للجيش الجزائري الخبرة القتالية في التعامل مع المجموعات الارهابيّة والعتاد الاكثر تطوّرا من بين دول المنطقة ، كما انّ للجزائر احتياطيّا من العملة الصعبة ، ونموّا اقتصاديّا يجعلها الاقدر على تحمّل التبعات الاقتصاديّة لعمليّة واسعة مثل هذه .
وقد تلعب تونس دورا هامّا في التأثير على قرار الجزائر وتقديم الدعم للتحرّك العسكري والديبلوماسي الفرنسي في المنطقة ، كما هو الشأن في تقديم ضمانات للجزائر حول التعاون الامني والعسكري على حدودها الشرقيّة من اجل تشجيها على الانخراط في المواجهة على الجبهة الجنوبيّة ، ويبدوا انّ الديبلوماسيّة الفرنسيّة تتحرّك في هذا الاتّجاه من اجل ايجاد موقف تونسي أكثر تماسكا واكثر ضغطا على الموقف الجزائري
4- مواقف الجزائر
انّ الموقف الجزائري المتصلّب نسبيّا يرتكز على خوف الحكومة الجزائريّة من :
ان تتحوّل الحرب على حدودها الجنوبيّة الى حرب عصابات طويلة الامد وان تتحوّل المنطقة الى افغانستان ثانيّة قد تنعكس عليها سلبا وبشكل مباشر في سياستها الداخليّة ، وتوالد المجموعات الارهابيّة وتنظيم القاعدة داخل حدودها بشكل يهدّد استقرارها ، خاصّة وانّها تمكّنت بصعوبة من الافلات من موجات الربيع العربي .
كما لا يخفى على حكومة الجزائر انّها من المرغوب تغييرهم بالنيبة لفرنسا ، وانّ دولة الجزائر موضوعة في حسابات محاولة السيطرة الفرنسيّة والغربيّة على مقدّراتها وخياراتها السياسّة ، ومن هنا فانّ وضع فرنسا يدها بالكامل على دولة بحجم مالي وموقعها من الجزائر سوف يعزلها ، ويقوّص ظهرها في المستقبل البعيد والمتوسّط ، وسيكون قاعدة سياسيّة للضغط على سياسات الجزائر مستقبلا وتطويعها .
وتبقى معضلة كون فرنسا مارست استعمارا مباشرا على الجزائر ، لا يزال الشعب الجزائري ينظر له بمرارة ويطالب الدولة المستعمر بتعويض واعتذار عنها ، الى جانب المطالب بمحاكمة فترة الاستعمار ككلّ ، ولذا يكون من الصعب اخلاقيا وسياسيّا على حكومة الجزائر القبول بانزال فرنسي على اراضيها ، وهو الامر الذي قد يضعفها داخليّأ ويجعلها في موقف محرج تجاه مواطنيها وقد يؤدّي الى تأجيج الاحتجاجات الداخليّة وزيادة عدم الرضا الشعبي على الحكومة ، التي انقذت نفسها الى جانب الحلول الاقتصاديّة بسياساتها الدوليّة الممانعة .
5- الخلاصة :
تبدوا فرنسا متمسّكة بخيارها كما لم تفعل منذ مدّة في سياستها الخارجيّة ، والاعداد للحرب على مالي تجري على قدم وساق ، وهو ما يجعل الجزائر في موقف صعب بين المشاركة في العمليّة وتأجيل المواجهة السياسيّة مع فرنسا ، والقبول باعادة توزيع الاوراق في المنطقة والتعامل فيما بعد مع الواقع الجديد الذي سيتشكّل وهي مراهنة تبدوا معقولة رغم خطورتها ، وبين رفض المشاركة والمضي في قرار غلق حدودها ووضع نفسها في خطّ المواجهة المباشرة وتحمّل تبعات ما قد ينتج عن ذلك من انفلات للامور في شمال مالي وامكانيّة تحوّل العمليّة العسكريّة الصّارمة الى حرب عصابات طويلة الامد تدفع في اتّجاه افغنة المنطقة ، والحكومة الجزائريّة هنا تجد نفسها بين خيارين احلاهما فرنسا .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل تسعى إسرائيل لـ-محو- غزة عن الخريطة فعلا؟| مسائية


.. زيلينسكي: الغرب يخشى هزيمة روسية في الحرب ولا يريد لكييف أن




.. جيروزاليم بوست: نتنياهو المدرج الأول على قائمة مسؤولين ألحقو


.. تقارير بريطانية: هجوم بصاروخ على ناقلة نفط ترفع علم بنما جنو




.. مشاهد من وداع شهيد جنين إسلام خمايسة