الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثقافة خارج الذاكرة

جمال الهنداوي

2012 / 11 / 15
الادب والفن


منذ مدة والكثير من الكلام يتردد في اروقة الابداع العراقي عن وجود ازمة حقيقية تواجه الثقافة الرسمية كفعل ومنجز وتأثير..والاكثر كان هو البحث في الجذور والمسببات لما يصفه العديد من المحملين بالهم المعرفي كشح ووهن وانحناء محسوس لقامة الثقافة العراقية الحقة المترفة امام انتحالات تتقنع الابداع دثارا مزوقا لممارسات عصية على التواجد في ذاكرة الوطن والانسان..
والسؤال الاكثر الحاحا كان عن بعض الجهد المتقطع من قبل المؤسسة الرسمية والذي يستهدف بث دبيب الحياة في اوصال المشهد الابداعي عبر بعض الفعاليات المتفرقة هنا-والاكثر هناك-وروتينية تمخضه عن احتفاليات متوالية لا تكاد تبدأ حتى تنتهي مع القاعات الخاوية والتصفيق الخافت الخجول الذي لا يتناسب مع ما اهدر عليها من اموال..
يختصر البعض الامر بالقول ان المتلقي هو المسؤول عن البرودة التي تقشعر لها المحافل الادبية وهو بكسله اللئيم ملام عن انقطاع التواصل مع مايريد المثقف ان يقول ويعلن ويعلي من صورة ومضمون وحرف..ويذهب البعض الآخر الى ابعاد اللوم عن المؤسسات الثقافية من خلال الترويج لمسؤولية الانفتاح الاعلامي ووسائل الاتصال الحديثة عن عزوف الناس عن ثقافة تتلاشى في مهب ايقاع العصر اللاهث..وربما كان هذا الاحتمال وارداً,ولكنّ السؤال الاكثر مرارة هو: لماذا وصل المتلقي الى هذه الحالة?ولمن توجه اصابع اللوم في كل هذا الانكفاء المؤلم للجمهور عن الوصل الفاعل مع الجهد الثقافي الرسمي الذي تضاءل حتى اصبح لا يصلح الا كاخبار وعناوين تملأ فراغات الصحف المهملة..
فرغم وجاهة وبلاغة المبررات التي ترمي الكرة في ملعب –ووجه- الجمهور..ولكننا لن نجانب الصواب كثيرا لو احلنا الامر بقضه وقضيضه الى ثقافة التودد والتنطع لما في يد السلطان والرغبة في استمطار العطايا والهبات عن طريق ملء المساحات الاقرب الى قلب وعقل اولي الامر والنعمة بكل ما يمجد ويهلل ويأله ويدر الرضا والوعد دون العناية لأي قيمة او اهمية او وقع او اكتراث للجمهور المشيح ببصره وضميره عن هذه الانتكاسات الادبية المكلفة..
وهل سنجافي الحقيقة لو اشرنا باصابع الاتهام الى كتاب وشعراء ومبدعين يتحولون بقدرة الاصفر الرنان الى موظفي علاقات عامة لمن في يده خزائن الارض ومفاتيح النفوذ ينثرون على الجمهور ادب مخل يبرر التجاوز والفشل والانحراف مستهدفين الناس في وعيهم وكرامتهم الانسانية وحراكهم الفكري,من خلال ثقافة لا تلامس الروح ولا تقدح القلب ولا تراكم القيمة ولا تستثير الضمير..
ان اي ثقافة لا تعيد الاعتبار إلى الحياة والإنسان والارض التي تحمل وقع اقدامه،هي محض تآمر على الناس ومدركاتهم..وكل ثقافة لا ترفع سبابة في وجه الخلل والزيف هي انتحال للفعل الانساني وخيانة لمسؤولية الوعي التي يتحملها المثقف ولن تقوى على ترك بصمة في ذاكرة الشعوب ولن تكون الا فعل احتضار متدوم في ضجيج من اللعنات..

ان الاتهام يوجه الى المؤسسة الرسمية التي تنكبت طريق الابداع الحق واستكانت الى دعة الصوابية الزائفة الضاجة بالنشيد المداهن المتزلف لمثقفي القصاع الذين يحاصرون المشهد الثقافي بالغث الذي يصحو عليه الناس وينامون ولا يخلف الا رماد تذروه رياح النسيان..
ان اول الطريق هو في الالتفات الى المبدع العراقي الاصيل والايمان بقدرته على النهوض بواقعنا الثقافي المنهك حين تتوافر له عوامل النهضة والرعاية مادية كانت اومعنوية,وان يكون هذا الوعي المثابة التي ينطلق من خلالها مشروع ازالة الوهن والاعياء عن ثقافتنا العراقية,فان الأزمة حقيقية ومؤثرة,وهي موجودة فينا,ومن خلالنا,وان كنا نحن شرارها ووقودها ,فاننا نحن الوحيدون القادرون على جعلها بردا ونورا على الوطن, لكن شرط أن نعرف حدود إمكاناتنا وقدراتنا وألا نضع بطولات على الورق.. فالثقافة استثمار طويل الأمد والأجل..وهي الرهان على تغيير الواقع المعاش نحو غد آخر أفضل.
ان اعادة الروح الى جسد الثقافة العراقية مهمة شاقة ودؤوبة ولا يمكن ان تنجز ما بين ليلة وصبحها..ولكنها لن تتم بالتأكيد من خلال المناسبات التي تحل وترحل دون ان تترك بصمة واضحة في واقع الناس واحلامهم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لماذا تستمر وسائل الإعلام الغربية في تبني الرواية الإسرائيلي


.. ممثلة بفستان مثير للجدل في مهرجان كان السينمائي




.. هوليوود في دقائق.. خيارات صباح العربية لك في السينما والمنصا


.. بعد هروبه من بلاده بسبب القمع.. المخرج الإيراني محمد رسولوف




.. فيلم -أنورا- يحصل على السعفة الذهبية.. تعرف على جوائز الدور