الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اليهود إذا إنتقدوا إسرائيل

منعم زيدان صويص

2012 / 11 / 16
مواضيع وابحاث سياسية


كثيرا ما نسمع أو نقرأ أن كاتبا أو مثقفا أو سياسيا يهوديا انتقد سياسة إسرائيل وأيد "حقوق" الشعب الفلسطيني، وان يهوديا آخر انتقد سياسة الولايات المتحدة المؤيدة لإسرائيل وتعاطف مع الشعب الفلسطيني وهكذا. ونلاحظ أيضا أن أول من يلتقط هذا الانتقادات ويروجها هو الإعلام العربي الذي ينشرها ويذيعها بكل فخر ويمتدح هؤلاء المنتقدين لإسرائيل واصفا إياهم تارة بأصدقاء الشعب الفلسطيني، وطورا باليهود غير الصهاينة، ويستخدم هذه الانتقادات للبرهنة على صحة وجهة النظر الفلسطينية وعدالة القضية الفلسطينية. ويُعتبر نوعام تشومسكي أكثر المفكرين اليهود أنتقادا لإسرائيل وسياسة أمريكا في المنطقة، ولهذا ينظر إليه بعض المثقفين العرب بكثير من الإعجاب وينشرون له آراءه ومقالاته على مواقع عدة.
في معظم الأحيان يكتب هؤلاء اليهود بنيّة حسنة، فتشومسكي عمل بإخلاص لدعم "التعاون" بين اليهود والفلسطينيين وعاش في عام 1953، هو وزوجته، في أحد الكيبوتزات الإسرائيلية، والتي كانت بمثابة مصانع لإنتاج المستوطنين اليهود العتاة، ولكنه قال إنه كان يؤيد دولة ذات قوميتين في فلسطين في ذالك الوقت.
أنا لا اعتقد الآن أن هؤلاء اليهود المنتقدين لإسرائيل يلحقون أي أذى بالدولة العبرية أو يؤثرون عليا بما لا تحب، فهم لا ينتقدون إسرائيل ككيان أبدا ولا يقولون إن وجودها جرد شعبا كاملا من أرضه وحقوقه، ولا يتبنون في الوقت الراهن فكرة أن فلسطين يمكن أن تتسع لليهود والفلسطينيين معا -- لأن هذا يعنى تجريد إسرائيل من عبريتها وتمثيلها ليهود العالم -- وإنما يتبنون منهجا إنسانيا صرفا، فينتقدون سياستها المتعنتة وظلمها وتمييزها ضد الشعب الفلسطيني، ويذهب بعضهم إلى حد تشبيهها بنظام الأبارثايد الذي كان سائدا في جنوب إفريقيا، ويهاجمون سياسة زعمائها اليمينيين الرافضين لإعطاء الفلسطينيين ما يسمونه حقهم في إقامة دولتهم على جزء من فلسطين التاريخية. إن بعضهم مستعدون حتى للانضمام إلى أية مجموعة تحاول أن تكسر الحصار على غزه لمساعدة سكانها وتخفيف آلامهم.
ولكنْ هل أيّد أي من هؤلاء اليهود "المحبين للفلسطينيين" حق الفلسطينيين في العودة لبيوتهم وأراضيهم التي طردوا منها؟ هل انتقاداتهم لإسرائيل هي فعلا ما يريده الفلسطينيون أو ينفعهم؟ هل يتلخص هدف الفلسطينيين في تأسيس دولة على أقل من خُمس أرض فلسطين، وبدون أن تكون القدس الشرقية كاملة عاصمتها؟ إذا كان الفلسطينيون والعرب فعلا يريدون ذلك فلماذا "شرشحوا" محمود عباس بعد تصريحاته الأخيرة عن حق العودة؟
إن منتقدي إسرائيل من اليهود لا يخدمون قضية الفلسطينيين أبدا وإنما يخدمون، عن قصد أو غير قصد، الشعب اليهودي، ومن هنا إسرائيل. ما هو أهم انطباع يخرج به أي قارىء -- عربي أو غير عربي -- لهذه الانتقادات؟ هل يخرج بالانطباع أن العدل يجب أن يطبق وأن إسرائيل يجب أن تختفي من الخارطة، كما يقول أحمدي نجاد، لأن هذه هي الوسيلة المُثلى التي يمكن أن تعيد للفلسطينيين حقوقهم؟ هل يخرج القارىء بالانطباع أن نوعام تشومسكى يؤيد عودة ستة ملايين فلسطيني إلى بلادهم ودفع اليهود إلى البحر المتوسط؟
إن أهم انطباع يخرج به أي قارىء محايد -- عربي أوغير العربي -- لهذه الانتقادات أن الشعب اليهودي شعب طيب يؤيد الحق والعدل ولا يتوانى مثقفوه عن انتقاد إسرائيل عند الضرورة وعندما تظلم الفلسطينيين وتشد الحبل على أعناقهم، وبما أن الإسرائيليين هم يهود فهم أيضا طيبون ولا يقصدون في الحقيقة أن يظلموا الفلسطينيين، ولكنهم يدافعون عن أنفسهم. وسيقارن القارىء بين تصرف هؤلاء اليهود وتزمت العرب وانعدام حياديتهم وتعصبهم المطلق لبني جلدتهم.
في الولايات المتحدة يحق فقط لليهود أن ينتقدوا إخوانهم اليهود أو الإسرائيليين. لا يستطيع أي أمريكي أن يحصل على مقعد في مجلس الشيوخ أو في مجلس النواب ألا إذا تملق اليهود وأيد إسرائيل. فقط أمثال اليهودي جون ستيوارت، مقدم البرامج التلفزيوني الشهير (Daily Show)، يستطيع أن يتهكم على المرشحين للكونغرس الأمريكي وللرئاسة، ملمحا إلى أن أخلاقهم السياسية مسألة قابلة للنقاش، وانهم "يتبارون في تملق اليهود الأمريكيين." في أحد برامجه الكوميدية، تمادى ستيوارت في استهزائه بهؤلاء السياسيين والمسؤولين الأمريكان وكوّن التعبير: (Jews or lose) ومعناه: إما أن تؤيد اليهود أو تخسر. ولو أن شخصا غير يهودي قدم برنامجا كهذا فأنه لا محالة سيتهم بمحاربة السامية وستكون هذه نهاية حياته المهنية.
اليهود الوحيدون الذي كان بإمكان الفلسطينيين أن يستفيدوا من صداقتهم هم جماعة حركة "السلام الآن الإسرائيلية" والتي كانت تؤيد الحقوق الفلسطينية -- ما عدا طبعا القضاء على إسرائيل أوتطبيق حق العودة -- لأنهم كانوا يريدون أن تعيش إسرائيل بسلام. ولكن هذه الحركة شبه ميته اﻵن بعد أن بدأت تخسر تأييد الإسرائيليين في أعقاب العمليات الانتحارية على المدنيين الإسرائيليين في التسعينات وبداية القرن الحالي.
ومن أكثر الحركات التي تُعجِب الكثيرين من العرب حركة ناتوري كرتا التي لا تعترف بإسرائيل. وأتباع هذه الحركة قليلون في إسرائيل وهم يعارضون وجود إسرائيل كما هي الآن، لأنهم يفسرون التوراة بطريقتهم الخاصة. وهؤلاء أصدقاء للسلطة الفلسطينية ومستعدون للعيش تحت حكم الفلسطينيين إلى أن يأتي المسيح المنتظر، حسب تفسيرهم لكتبهم الدينية. وهم يعيشون ويتكلمون بحرية في إسرائيل وبذلك هم أيضا يحسّنون صورة إسرائيل كدوله ديمقراطية تؤمن بالتعددية، ويعطون الانطباع أن اليهود شعب متسامح. وأذكر أن قناة الجزيرة أذاعت قبل عدة سنوات مقابلة مع زعيم هذه الحركة عدة مرات "بناء على طلب الجمهور العربي،" وهذا دليل على بساطة الشعوب العربية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غزة : ما جدوى الهدنة في جنوب القطاع؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. حتى يتخلص من ضغط بن غفير وسموترتش.. نتنياهو يحل مجلس الحرب |




.. كابوس نتنياهو.. أعمدة البيت الإسرائيلي تتداعى! | #التاسعة


.. أم نائل الكحلوت سيدة نازحة وأم شهيد.. تعرف على قصتها




.. السياحة الإسرائيلية تزدهر في جورجيا