الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تديين السياسة العالمية

محمد سيد رصاص

2005 / 3 / 10
مواضيع وابحاث سياسية


في الربع الأول من القرن العشرين، ساد مسرح السياسة العالمية أشخاص من أمثال: لينين، أتاتورك، كليمنصو الراديكالي، الرئيس الأميركي الليبرالي ويلسون، الليبرالي سعد زغلول، المهاتما غاندي. في ربعه الأخير (وفي أوائل القرن الجديد)، كانت الشخصيات الأكثر تأثيراً في السياسة الدولية، هي أسماء الخميني، البابا يوحنا بولس الثاني، زعيم الحزب الأصولي الهندوسي فاجبايي، الزعيم الصربي ميلوسيفيتش الذي جمع بين التشدد القومي والنزعة الدينية الأرثوذكسية رغم شيوعيته السابقة، الشيخ أحمد ياسين، أسامة بن لادن، ارييل شارون، الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش المتأثر ببروتستانتية "متصهينة" عبر أصولية مسيحية جديدة يتزعمها أشخاص من أمثال بات روبرتسون وجيري فالويل.
في الشرق الأوسط، لم يؤد الاحتلال الانكليزي ـ الفرنسي، الذي أتى للهلال الخصيب في عام 1918 بعد سقوط الدولة العثمانية التي كانت تمثل مركز الخلافة الاسلامية بالنسبة لأغلب مسلمي العالم، إلى تديين الصراع مع الغرب رغم محاولات الشيخ حسن البنا والدكتور مصطفى السباعي، بل صعدت إلى المسرح شخصيات ليبرالية من أمثال عبد الرحمن الشهبندر وسعد الله الجابري وشكري القوتلي، وأصحاب ايديولوجيات قومية، من أمثال ساطع الحصري وميشيل عفلق وانطون سعادة: كان قيام دولة اسرائيل، بوصفها دولة تتحدد هويتها عبر اليهودية، بداية العد العكسي لانطلاقة تديين الصراع في الشرق الأوسط، وخاصة بعد فشل القوميين في المجابهة مع اسرائيل في ربع القرن الأول من عمرها، الشيء الذي لم ينعكس فقط في السياسة، وإنما بدأت مظاهره تتوضح في الاجتماع والثقافة منذ السبعينيات على حساب الأفكار القومية العلمانية واليسارية بالعالم العربي، وهو ما تعزز أكثر، رغم الفشل السياسي للحركات الاسلامية في مجابهة الأنظمة، عندما كان رد الفعل الغربي، الأميركي والأوروبي معاً، على (11 أيلول) نابعاً ليس من زاوية (فولتير) و(جون ستيوارت ميل) و(جيفرسون) و(ويلسون)، وإنما من عند أفكار (جيري فالويل) و(بات روبرتسون) و(برنارد لويس), الشيء الذي زادت في تعزيزه، عند أغلب مسلمي العالم، عملية الاحتلال الأميركي للعراق وما أفرزته من ظواهر مقاومة (بغض النظر عن الرأي في أساليبها) من الواضح تزعم الاسلاميين، وليس القوميين أو اليساريين لها، بعد أن بانت التحاقية أغلب يساريي وليبراليي العراق بالمركب الأميركي قبل الاحتلال وبعده.
بالمقابل، لم يكن صعود الأصولية الهندوسية ناتجاً عن تعثر علمانية حزب المؤتمر أمام انفجار مشاكل السيخ واضطهادات السنهال البوذيين للتاميل الهندوس (من أصل هندي) في سريلنكا، وإنما يجد نبعه العميق في الطابع الديني الذي تأخذه عملية المجابهة مع باكستان في قلوب وعقول وأذهان أغلب هندوس الهند، فيما نجد أن العامل الأرثوذكسي ليس غائباً عن قومية جيرونيفسكي الروسية المتعصبة، وهو ما يمكن تلمس شيء منه عند بوتين أيضاً، فيما لا نجد زيوغانوف خالياً منه ولو عبر طبعة خاصة به.
لا تبتعد اعتراضات الأوروبيين (وخاصة الفرنسيين الذين استمد أتاتورك علمانيته المعادية للدين من "عصر أنوارهم" وليس من علمانية الانكليز المتعايشة مع الدين) على انضمام تركيا للجماعة الأوروبية، عن أجواء عملية تديين السياسة العالمية، إذا لم يؤشر ذلك، ومعه صعود أردوغان، إلى فشل الأتاتوركية في "أوربة تركيا" (ومعها ما أثاره أتاتورك من مواقف مماثلة في إيران والعالم العربي)، ولكن بالمقابل ألا يعني ذلك، انحسار فولتير عن أجواء باريس لصالح شيء آخر؟...
إن ما سبق يثير إشكالات عديدة: هل ذلك يعني فشل التحديث (والحداثة) في العالم غير الغربي، أم أن ذلك أيضاً يعني فشل الحداثة في الغرب، بغض النظر عن التقدّم التكنولوجي؟... ثم: ألم يؤد الغزو الغربي للعالم إلى استيقاظ الثقافات المحلية كعوامل مقاومة أخذت أشكالاً أبعد من الثقافة والاجتماع لتمتد إلى السياسة؟... هنا: ألا يجب تذكر رأي اشبنغلر بالبلشفية (في عام 1919) عندما اعتبرها ظاهرة تغريب لروسيا، متنبئاً بفشلها لصالح مزيج من الأرثوذكسية والسلافية، وهو ما يحصل الآن رغم كل الانفتاح الليبرالي، سياسياً وفي الاقتصاد والتكنولوجيا، من قبل الروس على الغرب، والذي ـ أي هذا الانفتاح ـ يمكن أن يتعايش ويمتزج مع ذلك المزيج؟...
أخيراً: في الغرب، من دون المس بالليبرالية المتقدمة، تزاح جانباً أفكار (عصر الأنوار) و(الثورة الفرنسية)، لصالح أفكار جيري فالويل و(المحافظون الجدد)، حيث كان مؤسس النزعة المحافظة، أي إدموند بيرك (1729 ـ 1797)، قد بنى أفكاره، على مبدأ التعارض مع أفكار ثورة 1789 الفرنسية، وهو ما نشهد مثيلاً له في العالم الاسلامي عندما يكون الاسلاميون هم الأكثر تفاعلاً مع التقنية والعلم والاقتصاد؟...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كلمة ايريك سيوتي عضو اليمين الفائز بمقعد البرلمان عن نيس|#عا


.. قراءة عسكرية.. محور نتساريم بين دعم عمليات الاحتلال و تحوله




.. تفعيل المادة 25 قد يعزل بايدن.. وترمب لا يفضل استخدامها ضد خ


.. حملة بايدن تتعرض لضغوطات بعد استقالة مذيعة لاعتمادها أسئلة م




.. البيت الأبيض: المستوطنات الإسرائيلية تقوض عملية السلام والاس