الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في الحاجة إلى انتقال العالم العربي من- الواقع /القانون- إلى -الواقع /القوانين-

محمد بوجنال

2012 / 11 / 17
مواضيع وابحاث سياسية


في الحاجة إلى انتقال العالم العربي
من" الواقع /القانون" إلى "الواقع /القوانين"

بداية ننطلق من المسلمة التالية: حصول الفهم والبناء السليم لبنية المجتمع، أي مجتمع، يقتضي الارتباط حصرا بالواقع والتجربة.
المسلمة تلك تقودنا إلى الاعتراف بأن الواقع تعدد وأنماط من الوجود يفرض المنطق استحضار واعتبار قيمه وقوانينه تلافيا لتفريغها وتهميشها لصالح أحدها الذي يفرض ، بفعل عدد من العوامل، الهيمنة والسيطرة. ومصدر" القوانين" تلك، كما سبق القول، يتعدد بتعدد المجالات التي هي أساسا الواقع. فالمجال العلمي مثلا يعمل على نشر معرفة قيم وقوانين يعتبرها هي الحقيقة والقانون الذي يقابله ما يسميه بالخطأ. وتحديده هذا الواقع وبالتالي الحقيقة ليس هو تحديد المجال القضائي باعتباره واقعا آخر للعدالة الذي مؤداه أن الحكم العادل لا يكون مرتبطا بالتلمس المادي للقضية بقدر ما أن ذلك مرتبط بالاستعمال والاستثمار الجيد لأدوات وآليات العدالة وهو عكس الواقع أو النمط العلمي الذي يقتضي الملاحظة والتحليل والتمحيص والحجة والحوار المفتوح إلى حين ظهور ما يستفز ذلك. وقس على ذلك باقي تحديدات الواقع باختلاف باقي الأنماط.
هذان المثالان لواقعين مختلفين يبرز لنا طرح أن العالم العربي كأنماط من الوجود يحتم علينا طرح قيم وقوانين أنماط وجوده الذي تتحدد دلالته في القول ب"الواقع المتعدد" أو قل تعدد الواقع المؤسس على تعدد "أنماط الوجود" الذي هو مختلف الموجودات؛ والمقصود بالموجودات هنا كل أشكال الوجود: البشرية منها والحيوانية والنباتية وحتى المتخيلة وكذا مختلف الأشياء من قبيل البحار والجبال والأرض والأجسام. هذا التحديد يفرض علينا اعتبار كل ما هو موجود على أنه وجود فاعل ومنفعل تحكمه علاقات هي عبارة عن قوانين. الوضع الأنطولوجي ذلك نلخصه في القول بأن العالم، الذي منه العالم العربي، يخضع أنطولوجيا لقوانين الواقع المتعدد الذي تمت ترجمته في صيغة" سيادة القانون": دولة القانون، حقوق الإنسان، المساواة بين الجنسين، حق الإضراب والتظاهر، المحاسبة، محاربة الفساد، الحق في الشغل، الاحتفال بالأيام العالمية ل...، استقلال القضاء...الخ. ومن هنا طرحنا السؤال: ما معنى القانون أو قل العالم العربي كأنماط وجود قانونية لتتمكن القوى الحية بالمجتمع من ضبط القوانين الجامدة والمتحجرة واللاإنسانية والتي مصدرها أساسا الواقع الأحادي المتسلط المتمثل في الدولة والدين مخ الاختلاف في الهيمنة؟ الجواب يقتضي، وبالضرورة، استحضار الواقع والتجربة علما بأن الواقع ذاك، كما سبق القول، هو التعدد والاختلاف.
" فالقوانين" هي التأسيس والتعبير الدائم للقيم أو قل لكل ما يمكن من الإيقاظ والتفعيل والتعبئة ضد كل أشكال اليقين المسماة مكرا "بالقانون" الذي هو عامل عرقلة التطور والإبداع باعتبارهما أساس دلالة الإنسان متمثلة في قدراته وإحساساته وإدراكاته وتحليلاته وتركيباته باعتبار ذلك قوانين تتعدد بتعدد الواقع. فنظريا، وبناء على فرضيتنا السابقة، القوانين ليست نسقا قيميا مفروضا من القمة على مجمل ساكنة المجتمع، أي مجتمع؛ فالقمة تلك سواء كانت إلها أو سلطة بشرية قد حددت نفسها بالتميز الطبيعي عن غيرها واعتبرت نفسها، وفق التميز ذاك كونها الطاقة التي لها القدرات العقلية والتنظيمية على نشر الاستقرار والانضباط والحرية؛ كما أن القوانين تلك ليست إفرازا للمجالات المسماة مكرا بالمجالات الكفأة التي منها الدولة والدين وذوي الاختصاص؛ وبمعنى آخر، فالقوننة يجب أن تكون نتاج فعل وشراكة الواقع العربي كتعدد وهو ما يعني الاعتراف بكل مكونات الواقع المتعدد الذي يجب أن يتحمل سوية مسئولية بناء وتنظيم وجوده بالشكل الذي يكونه هو كواقع متعدد. وفي كل هذا يتضح أن "القانون" العربي هو نقيض ما سبق توضيحه. فالقانون المهيمن هو قانون الواقع المهيمن أحاديا على غيره؛ وفي هذا ممارسة وشرعنة للفساد والتسلط أو قل حماية لكل ذلك خدمة لمصلحة الواقع الأحادي ذاك الذي حارب ويحارب وأفرغ ويفرغ وهمش ويهمش الأشكال الأخرى للواقع؛ وهكذا تتجسد هيمنة قانون الواقع المهيمن على وفي مختلف المجالات من قبيل الاقتصاد والسياسة والحياة الاجتماعية؛ وبلغة أخرى، تكون هيمنة قانون الواقع ذاك على مختلف مكونات بنية الطبيعة والمجتمع على السواء؛ وهو ما يعني الخضوع للواقع الفوقي وفرض الثقة في جهازه القانوني في الوقت الذي نجد أن الأصح والعقلاني هو الثقة في "القوانين" كتعدد وبالتالي في قيمه وتنظيمه التي هي التعدد ذاته بطبيعة الحال.
وهناك نمط آخر من أنماط الوجود العربي والمسمى" بنمط الوجود أو الواقع الديني". يتأسس هذا النمط من الواقع على ثنائية الخير والشر أو الجنة والجحيم، بل وتحديد حتى وضعيهما المكاني: الجنة على اليمين والجحيم على اليسار علما بأن تصور هذا النمط يعتبر من أصعب التصورات في عالمنا العربي حيث لا يمكن تصور القانون بدونه. فعمق المجال التاريخي العربي الذي تميز بتواجد أنماط إنتاجية غير عقلانية ولا مستقلة التكوين والبنية، قد عملت على تجذير هذا الواقع إلى درجة التقديس الذي تعتبر مناقشته أو رفض حتى جزء منه بمثابة ردة وكفر وإلحاد تجب مواجهته بالغالي والنفيس؛ إذ القانون الديني ذاك لا يعترف بغيره ولا يقبل الإلغاء بحجة إطلاقيته التي ضامنها ومصدرها الذات الإلهية التي تبشر معتنقيه برضا الله في الحياة والفوز بالجنة بعد الممات ورافضيه بالجحيم. إلا أن هذا القانون، وفق نمط الوجود أوالواقع الديني، لا يصمد كثيرا أمام النقد بسبب كونه ليس سوى إرادة رجال الدين الذين تحددت وتتحدد شخصيتهم بالكاد باعتبارهم كائنات بشرية أفرزها نمط إنتاج ضعيف ومفكك ألبس ويلبس الواقع العربي المتعدد قانون واقع أحادي هو الواقع الديني؛ بل ولا يصمد كذلك أمام النقد بسبب دلالته الثيولوجية الممأسسة على الشك والغموض. عدم أهلية هذا الواقع تدفعنا إلى البحث عن الصدق والعدالة في واقع آخر يسمى في جل الأدبيات "بقصر العدالة". ونظريا هو نمط نوعي يتميز بعدم الضعف عند مقارنته بالقانون في المجال أو الواقع السياسي/الديني نظرا لتميزه على المستوى النظري دائما، بنسبة ما من الصدق التي يعترف بها الجميع نظرا للاستقلالية التي يتميز بها والتي بفعلها اكتسب ويكتسب النسبة تلك من المصداقية متبنيا نهج محاولة الاعتراف بالتعدد. إلا أن مشكلته الراهنة تتجسد في كونه مجالا سريا للمتخصصين؛ ومن هنا تبدأ السلبيات وصعوبة التحكم في عملية الصراع الذي لا يمتلك "قصر العدالة" شروط ممارسته لينحني لصالح قانون الواقع الأحادي المتسلط. هدا على المستوى العالمي؛ أما في عالمنا العربي "فقصر العدالة" ذاك يفتقر الاستقلالية وبالتالي المصداقية ليخضع إلى الواقع الأحادي المهيمن، واقع التسلط والاستبداد. فإذا أخذنا مثلا امرأة كاميرمان –مصورة- دخلت المسجد بالدجينز لالتقاط صور، فقانون "قصر العدالة العربي" يعتبر الوضع ذاك وضعا غير قانوني؛ وفي هذا تناقض: فكيف يعتبر المرأة تلك خارج القانون وهي مسلمة؟ علما بأنها ككاميرمان تساهم اقتصاديا هي وغيرها ، بشكل مباشر وغير مباشر في إنعاش الاقتصاد الوطني وبالتالي في إنعاش أحوال المسجد من قبيل الترميم والصباغة والتجهيز...الخ بمعنى أن هيمنة قانون الواقع الواحد على واقع "قصر العدالة" في عالمنا العربي لن يؤدي إلا إلى رفض هذه المرأة المصورة؛ والأمثلة كثيرة. ومعلوم أن هذا الرفض المعتمد قيمة قانون الواقع الأحادي المتسلط، يقابله على المستوى الأنطولوجي، كما رأينا، وجود التعددية القانونية والقيمية المفروض حصولها والتي تمثل بعبعا للأنظمة العربية المتسلطة والتي توجد في حالة ما نسميه باللاموجود القابل في أي لحظة، عندما تتوفر الشروط، إلى الانتقال إلى حالة الموجود.
مما سبق يظهر صدق التعددية على مستوى القوانين أو القيم أو الحقائق؛ إلا أن المطروح هو كيفية تحقيق الوحدة بين الوجود التعددي ذاك. إلا أن مصلحة قانون الواقع الأحادي، قانون التسلط يهاب ويحارب ويدمر شروط الظهور الجنيني لهذا التصور. لذا، فكل آليات الواقع الأحادي المتسلط من انتخابات ومؤسسات وتنظيمات وجمعيات وغيرها، آليات تعتبرها مجمل الفئات المجتمعية العربية الراهنة غير بريئة وغير صادقة؛ لدلك فمضامين القانون السياسي في عالمنا العربي وكذا مختلف أشكال المقاربات والمعالجات التي تمارس ليست سوى أشكالا للكذب والمراوغات أو قل ليست سوى مظاهر لممارسات هي في حقيقتها ممارسات تسلطية. وهذا يفسر لنا ضعف وهشاشة المقاربات تلك مما يجعل مجمل المشاريع المتعلقة بمختلف المجالات تفتقر قوة وصدق الحوار المفترض حصوله في السياسي كشرط لاكتساب وتمنيع الاقتصادي عافيته؛ فالبورصة مثلا كمجال للاقتصاد السياسي تعاني حقيقة من ضعف الأنشطة المالية كما المساحات الاقتصادية الكبرى التي تقوم بتعويض ذلك قدر الإمكان بمحاولات تحكمها في قواعد لعبة الأنشطة التي من حق المواطن العربي الحصول عليها أو التمتع بها أو التي تسمح له الفرص السانحة من امتلاكها وغير ذلك من القيم التي هي قيم قانون الواقع الأحادي المتسلط. لهذه العوامل، فقانون الاقتصاد السياسي في عالمنا العربي الراهن، كما السابق، محدد باعتباره مجرد شبكة إنتاج الحسابات الذي تم إخضاع المواطن العربي لتبعيتها والذي بفعله يتم توزيع وتحديد القيم من قبيل المنتج وغير المنتج، الفاعل والمعرقل، الخير والشرير...الخ؛ إنه التوزيع القيمي الذي كان وما زال يعزى، كما سماه الواقع أو القانون الأحادي منذ آدم سميث إلى اليد الخفية في الاقتصاد أو في الدولة والذي دعمه وأعاد سبكه الواقع الأحادي العربي المتسلط بربط اليد الخفية تلك بالميتافيزيقا الدينية في الوقت الذي يجب أن يسند فيه إلى واقع متعدد هو المجتمع ووفق آليات تنظيمية يسهر على بلورتها وصياغتها وتحمل مسئولية تنفيذها التعدد المجتمعي ذاك. وضعف قانون الواقع الأحادي المتسلط ذاك يبرز، وبوضوح، في كون أن المكان الأهم في عالمنا العربي أي البرلمان الذي من المفروض أن يكون مكان الواقع المتعدد هو على العكس من ذلك مكان في ملكية الواقع الأحادي المتسلط يسهر على إضعافه وكذا تحديد اختصاصه في العمليات الحسابية المغلفة بالشعبوية السلبية. بهذا النهج اكتسب الاقتصاد والاقتصاد السياسي الصفة الدينية الدنيوية على المستوى العربي. وسلبيات هذا الوضع الأحادي واضحة لأن الاقتصاد نظريا وممارسة هو "طبيعتنا الثانية" التي تخلى عنها ليتبنى قانون الانتخاب الطبيعي المغلف بالديني الذي لا يعترف إلا بالكائن الأكثر قدرة على التكيف وفق قانون موروث وثابت، قانون تم إسناد تدبيره وحمايته للخبراء وأهل الاختصاص ورجال الدين لضمان إبعاد ذلك عن كل محاسبة ومراقبة؛ وفي نفس الآن يجب مراجعة كل معتقدات الواقع الأحادي المتسلط والعمل على تغييرها لأن استمراريتها تعني شرعنة الوصاية على" الآخرين" وهو واقع الحال، حيث أن باقي المواطنين في عالمنا العربي هم مواطنون من الدرجة الدنيا.
وعموما ، فالمنطق يقتضي العمل على تغيير كل هذه المقولات والقيم القانونية التي هي قيم ومقولات وقوانين الواقع الأحادي المتسلط التي أثقلت كاهل الأجيال ليعاد بناؤها كأنماط من الواقع العربي المتعدد في: العقل، العلم، الثقافة، الديمقراطية، الشراكة، المساواة، العدالة، التمثيلية، الرجل، المرأة، الحكومة، القضاء، الأمن، الفرد، الموضوع، المجتمع، الطبيعة، الثروات، الحرية. وفي كل هذا لابد من تبني القاعدة القائلة: المنطق يقتضي تعلم عدم الثقة في القوانين والقيم والمواضيع المسماة مكرا بما فوق قدرة الإنسان. ومعلوم أن فاعلية وفعالية هذه القاعدة لا يمكن أن تحصل إلا إذا أصبحت لنا الثقة تلك بعدم امتلاك المقدس والفوقي قوانين فوق العقل المتعدد أو قل فوق مختلف أنماط الوجود الأخرى وبالتالي ضرورة مقاربة ذلك تحليلا ونقدا باعتباره واقعا لا يمكن أن يعلو عن باقي أنماط الوجود كواقع متعدد؛ وبلغة أخرى فالمنطق الصادق يقتضي الثقة بضرورة الانتقال من "القانون" إلى "القوانين". إنه نهج الخروج من تقديس القانون الأحادي وبالتالي الخروج من دائرة تقديس القيم المسماة مكرا بالمطلقة فيحصل بدلك شرط طرح التعدد واستثماره باعتباره قانون الوجود. إن قول الواقع الأحادي بالقيم المطلقة وتبريرها بالاستحضار الدائم للأصول الأولى لا يختلف عن تصور الأصوليات الدينية. لذا، لم تجد هذه الأخيرة صعوبة في انتقاده والتهجم عليه. فرفض تعددية أنماط الوجود لصالح نمط أحادي هو من أكبر مميزات العصر العالمي والعربي والذي هو أساسا فهم مراوغ وماكر لدلالة التاريخ والبنيات المجتمعية. بهذا المعنى نجد التقاطع بينها وبين الأصوليات الدينية وهو ما سهل سيطرة هذه الأخيرة زمن الحراك العربي الراهن لتحل ،وبالتدريج، محل الأولى وبالتالي استمرار هيمنة قانون الواقع الأحادي المتسلط ونفي ما عداه الذي هو قوانين الواقع المتعدد.
نستنتج مما سبق ضرورة إعادة فكرنة العالم العربي في أفق التأسيس والبناء يالتركيز على تعددية القوانين دون إقصاء إحداها ودون ترك المجال لسيطرة واحدة على سواها لأن في ذلك إقصاء لجزء كبير من مجتمعات العالم العربي بشريا وجغرافيا. ومن هنا ثابت الأسئلة: كيف يمكن لمجتمع عربي هذا وضعه، وهو واقع الحال، أن يتطور ويبني ويحمي إنجازاته تحت رحمة قانون الواقع المتسلط؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. النموذج الأولي لأودي -إي ترون جي تي- تحت المجهر | عالم السرع


.. صانعة المحتوى إيمان صبحي: أنا استخدم قناتي للتوعية الاجتماعي




.. #متداول ..للحظة فقدان سائقة السيطرة على شاحنة بعد نشر لقطات


.. مراسل الجزيرة: قوات الاحتلال الإسرائيلي تكثف غاراتها على مخي




.. -راحوا الغوالي يما-.. أم مصابة تودع نجليها الشهيدين في قطاع