الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عراق الحكومة وعراق الشعب

مالوم ابو رغيف

2012 / 11 / 17
مواضيع وابحاث سياسية


لا اعتقد ان هناك من يعترض على وصف البيئة السياسية والحكومية في العراق بانها بيئة فساد، وبيئة الفساد لا ينبت فيها غيرالتهتك والفضائح. لذلك وخلال طيلة سنوات سيطرة حكومة المالكي الدائمة، لم نسمع ولم نرغير الفضائح والاخفاقات، فلا نجاحات ولا انجازات لا على مستوى البناء والتعمير، ولا على مستوى العلاقات السياسية والاجتماعية، ولا على مستوى تحسن الظروف المعيشية والخدمية.
كان هناك دائما، عراق الحكومة والاحزاب السياسية المتنفذة حيث برزخ الترف والبطر والنعيم، وعراق الشعب، حيث برزخ الحرمان والعذاب والمهانة.
المهانة ليس بالضرورة ان تكون صفعة على الخد او ركلة في المؤخرة او شتيمة في الوجه، فالعبيد ودون ان يجلدوا هم مهانون اذلاء.
المهانة هي اضطرارالعيش في بيئة تفرض الذل والخنوع والخضوع القسري وتصادر الحرية.
المهانة هي الرضا بالعيش في بيئتها، في ظروفها المعيشية والنفسية.
المهانة ان يُسرق المواطن ويُنهب في وضح النهار تصغيرا واحتقارا واستخفافا بشأنه وتقليلا من اعتباره.
المهانة، ان يكون القانون، بكل عنفه وقسوته، سلاحا ضد المواطن وليس سلاح بيده.
المهانة، ان يُعفي ويُستثني من عنف وقسوة القانون الفاسدون، الذين هم اولى بأن يحاسبوا ويعاقبوا.
المهانة، في ان يتولى شأن الدولة ويعلوا على الشعب من لا يفهم امرا، ولا يستوعب درسا، ولا يتقن عملا، ولا يحسن تعاملا، ولا يحترم قانونا ولاعرفا.
المهانة، ان من يرمي بالمواطن في هذا الوضع المأساوي وهذا الازدراء المعيب، يُوصف بإنه الحريص على المصلحة العامة، المدافع والذائد عن الوطن. بينما هو، جهرا وسرا، يتاجر بالانسان وبالوطن في بورصة المصالح والصفقات السياسية والاموال والمشاريع السرية.


وان كان في بيئة الفساد لا ينظر الى الفضائح كنتائج حتمية لعدم نزاهة ضمائر وذمم المتسلطين، اوكسقوط اخلاقي يخل بالشرف والكرامة، انما كاخطاء غير مقصدوة تاتي كناتج طبيعي للعمل، الا انها، اي الفضائح، عندما تزداد وتائر حدوثها وتكبر سعة ومدى، وتصبح مصاحبا دائما لكل النشاطات الحكومية ولجميع العلاقات السياسية، وتغدو طقسا متبلدا بغيوم التدهور القيمي والاخلاقي، فلا تمطر الا فسادا وانحطاطا، عندما تصبح الفضائح ازمة دائمة لا يمكن انهائها الا بمعاقبة المتورطين بنفس قوة فعلهم، تجنح الحكومة الى خلق جو من الحقد والعداء الديني والاجتماعي والقومي لتصريف هذه الفضائح، اوعلى الاقل للتخفيف من حدة وطئتها، وانقاذ المفسدين من عواقبها، فهم من حاشية او تشكيلة عراق الحكومة. فهل يوجد افضل من مناخات العداء والاحقاد لنشر الجهل والغفلة بين الناس وقلب الموازين وتمرير المساوئ؟

الاحزاب الدينية، على اختلاف الانتمائات، لم تصل الى السلطة وتفرض حكمها الفاضح الا من خلال الاحترابات الطائفية والارهاب، اذ انها قد سوقت نفسها المدافع الوحيد عن مصلحة الطائفة والمتصدية للارهاب اوالشاهرة سيف محاربة الاحتلال. وعندما تتغلب الاحقاد الطائفية، يتراجع العقل ويخطأ الناس بتصوراتهم، بان من هو جزء من المشكلة يكون جزء من الحل.
لكي تضمن الاحزاب الدينية استمرار سيطرتها على السلطة، تسعى الى خلق مناخات مثل تلك التي مكنتها من نشر شعبيتها وبالتالي الفوز بالانتخابات وفرض برامجها السياسية التي لا تتعدى الطقوس والشعائر الدينية وتعاليم العبادة والنصائح باطاعة الله والرسول واولي الامر، برامج ليس لها علاقة بمعيشة الانسان ولا بحل مشاكله ولا ببناء البلاد ولا تقدمه.

كردستان، كاقليم وكيان للشعب الكوردي لم يتكون نتيجة للتغير الذي أعقب اسقاط نظام صدام، فقد سبق التغير بعشرة سنين، على عكس الحكومة العراقية التي جاءت كنتيجة لهذا التغيير، فليس لأحد منة او فضل على الشعب الكوردي.
واذا كانت كردستان قد استطاعت بهذه السنين العشرة، وما تلاها بعد اسقاط النظام، ان تتقدم وتتعمر وتنهض قوية مدنية متحظرة، فان حكومة العراق، وبنفس المدة وبما لا يقاس من الاموال الطائلة لم تتكل اعمالها الا بالاخفاقات وضياع مليارات الدولارات وبالفضائح الفاحشة وخيبات الامل المريرة، سواء على مستوى الحريات او على مستوى الثقافة والتحضر، او على مستوى التعمير واعادة البناء.
وبدلا من التصدي للفساد وازالة اسسه ومعاقبة عناصره وقلع جذوره وانهاء مسلسلات فضائحة المنكرة، شكلت حكومة السيد المالكي قوات جديدة ليس لمحاربة الفساد، انما لاثارة ازمة جديدة مع اقليم كردستان، واللعب على اوتار العواطف القومية، والنفخ في كانون العداء للشعب الكوردي، لكي يبدو وكان الاقليم هو عائق محاربة الفساد، بينما مضاربه في المنطقة الخضراء وبذور الفساد في جيوب المسؤولين ينثرونها اينما وطات اقدامهم واينما امتدت اياديهم!!

واذ استطاعت حكومة كردستان وشعبها التصدي للارهاب والتخلص منه واجتثاثه كما يجتث المزارع الماهر الطحالب التي تنمو عرضا في الحقول الخضراء، فان الحكومة العراقية بدت كمزاع اهوج يقتلع النباتات المثمرة ويبقي على الطحالب، ثم يشكو المزارع هذا، بكل حماقة ونزق، ان ما من احد يتعاون معه، بينما هو مالك الحقل و صاحب المنجل وهو من يملك القرار وحرية التصرف والاختيار.

اما كان من الاوجب الاستعانة بخبرة اقليم كوردستان ومقدرته على التصدي للارهاب والتخلص من التاثيرات الضارة للتدين المتطرف.؟
اما كان الاوجب ان تتعاون الحكومة مع الاقليم لمحاربة الارهاب والاستفادة من قوات البيشمركة المتواجدة بالتنسيق والعمل الاخوي المشترك للقضاء على الارهاب في كركوك وديالى والموصل بدلا من ان تسعى الى مواجهة لا يستفيد منها الا دعاة الشر واعداء الانسان.؟
اما كان الاوجب الاستفادة من خبرة الاخوة الكورد حيث نجحوا في البناء وانجاز المشاريع بينما حصدت الحكومة الاتحادية الفشل بعد الفشل والخيبة بعد الخيبة؟

يتهمون حكومة كردستان بالاستيلاء على سلاح الجيش العراقي السابق وعدم اعادته الى الحكومة الاتحادية، ومثل ما قال الامين العام لوزارة البيشمركة جبار ياور، بان سلاح الجيش العراقي السابق كان متواجدا في جميع الانحاء، شمالا وجنوبا وشرقا وغربا ووسطا، الذي حدث ان السلاح في تلك المناطق، عدا كوردستان، استولى عليه الارهابيون، ووجهوه الى صدور العراقيين، صنعوه مففخخات انفجرت وتنفجر في كل مكان وفي كل زمان، انهت وتنهي حياة وتعيق الاف مؤلفة من الابرياء، حولوا السلاح الى عبوات ناسفة زرعوها على جوانب الطرق وفي الاسواق الشعبية، وحيث مساطر العمال وفي دروب زيارة العتبات المقدسة، او باعوا هذا السلاح بابخس الاثمان كخردة على دول الجوار وخاصة الاردن التي غصت حدودها بملايين الاطنان من الدبابات والمدافع والاجهزة الصالحة غير المعطوبة.

اما السلاح الذي سيطر عليه البيشمركة فقد بقى بيد امينة، يد حريصة على حياة الناس وعلى مستقبلهم. فالعراق آمن من جهة كوردستان لا يدخله الارهابيون ولا تهرب عبره الاسلحة، بينما يتوافد الارهابيون عبر جهاته الثلاثة الاخرى شرقا وغربا وجنوبا.
افليس الاولى ان تكون الحكومة الاتحادية ممتنة شاكرة لجهود الشعب الكوردستاني حكومة وشعبا في ضمان سلامة المنافذ وحراسة الحدود.؟
كم دفعت الحكومة ولا زالت تدفع من مليارات الدولارات لحماية الحدود مع سوريا والاردن والسعودية والكويت وايران، ومع هذا لم تفلح في توفير ولو مقدار قليل من الامن الذي يوفره البيشمركة فلماذا تبخس حقهم ولا تعترف بهم، مع ان كل منطقة من مناطق العراق يتولى شؤون حراسة حدودها وامنها ا ابناء المنطقة ذاتها؟
لماذا افتعال المشاكل مع الكورد كلما كشفت الظروف او الصدفة او تقاطع المصالح عن مواطن العطن والفساد في أُسس البناء الحكومي والسياسي ونزاهة المسؤولين؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - سيدي الكريم ابو رغيف المحترم
نيسان سمو ( 2012 / 11 / 17 - 20:11 )
نعم لقد اصبت الحقيقة وذكرت العلة والتي طالما بقت سيبقى العراق في هذا الحال وهذه الجريمة وهذا الارهاب والفُقر بالرغم من الثروات الهائلة التي يمتلكها هذا البلد .. الدين سيدي الكريم هو العلة وهو الداء في حالة زواله .. اما موضوع الاكراد او الجانب الكردي فقد ذكرت ذلك في مقالة بتاريخ 29/07/2011 وتحت عنوان : العراق والدويلات الأربعة العدوة بأن الاكراد كانوا اذكى بكثير من الطوائف الاخرى ففصلوا الدين وبشكل كبير عن السياسة ولهذا تقدموا وقاموا ببناء اساس يمكن الاعتماد عليه في المستقبل القريب في بناء دولتهم الحديثة اما باقي الطوائف فسينقسموا الى شيعة ايرانية وشيعة خليجية وسْنة وسطية والخير للأمام لأن العلة والسبب لم يزول من ذلك الجزء .. كل التحية والتقدير


2 - الزميل نيسان المحترم: لقد اصبت التشخيص.ـ
مالوم ابو رغيف ( 2012 / 11 / 18 - 10:04 )
الزميل العزيز نيسان سمو
اضافة الى ما تفضلت بذكره عن ضرر السياسية اذا لبست لبوس الدين وسوقت نفسها كتعاليم مقدسة لا ينبغي تدنيسها ومسلمات مفروضة، اقول اضافة الى ذلك، تلعب المطامح والاطماع دورا سلبيا في اثارة الازمات والشتنجات بين الاحزاب السياسية، ولآن وقد اقتربت الانتخابات ولم يعد يفصلنا عنها من الزمن الا سنة ونصف السنة، وبغياب انجازات الحكومة على المستوى العمراني والمعيشي وتوفير الخدمات، لجات الحكومة الى اسلوب اخر لكسب الاصوات، هو اسلوب الصراع مع اقليم كوردستان، لا تنسى ان هناك الكثير من الاديلوجيات القومية الشوفينية والعقلية غير المتقبلة للاخر، والتي هي من تراث حزب البعث، لا زالت هذه العقليات متفشية ومنتشرة حتى بين المثقفين الذين يرفضون اي تغيير ويعتبرونه انتقاصا للسيادة للقومية العربية، ان هذه المعارك الاعلامية والتشنجات الكلامية وحشد القوات والتلويح بالعصا الغليضة، تهدف الى تصور السيد المالكي وكانه بطلا قوميا عراقيا..
والا ماهي المشكلة مع اقليم كوردستان التي لا يمكن حلها بالتفاهم او في اطرها السياسية والقانونية والعلاقات المشتركة؟
الشعب يدفع ثمن اطماع السياسين لذلك عليه ان يسقطهم

اخر الافلام

.. صلاة العيد بين الأنقاض في قطاع غزة • فرانس 24 / FRANCE 24


.. البيان الختامي لقمة سويسرا: تحقيق السلام يستدعي إشراك جميع ا




.. هدنة تكتيكية تثير الانقسامات في الحكومة الإسرائيلية | #رادار


.. محادثات التهدئة بين شروط هنية وضبابية نتنياهو | #رادار




.. جدل واسع بإسرائيل إثر إعلان الجيش توقفا تكتيكيًّا للعمليات ج