الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ساعات الخليقة الخفية

مجدى زكريا

2012 / 11 / 17
الطب , والعلوم


" اكره كونى مرتبطا بساعة " هل تشعرون هكذا احيانا ؟ اذا كان كذلك, ربما خطرت ببالكم الفكرة : " ما اجمل ان يترك المرء وراءه ساعات الحائط واليد لئلا تزعجه ثانية دقاتها ومنبهاتها المتوالية "
ومع ذلك, حيثما ذهبتم فى هذا الكوكب هنالك ساعات لا مفر منها. وقد بدأت تدق عندما كنتم جنينا صغيرا فى الرحم. وتتوقف فقط عندما تلفظون نفسكم الاخير.
يسمى العلماء هذه ساعاتنا الاحيائية او التواترات اليومية. والفشل بالتقيد ببرنامج ساعاتنا غالبا ما ينتج لنا المشاكل.
وضع الخالق بحكمة فينا ساعات تنظم عمليات جسدية معينة. فهل تجدون نفسكم نعسا ليلا ؟ احد اسباب ذلك هو ان حرارة جسدكم ترتفع وتنخفض وفق نموذج او تواتر محدد. قليلا تبدأ حرارتكم بالانخفاض, ولكن فيما يقترب الصباح ترتفع ثانية. وسرعان ما تستيقظون مستعدين للنشاط. وهل تجوعون باقتراب وقت الطعام ؟ حسنا, ان نبضكم وضغط دمكم ومستويات السكر موقته وفقا لتواترات احيائية معينة, (الساعات الاحيائية, او التواترات اليومية, يجب الا تخلط بمايدعى عموما التواترات الحيوية).
وفى الواقع اكتشف العلماء الطبيون ان الساعات الخفية تضبط مئات الدورات المختلفة فى اجسادنا. ومما يثير الاهتمام ان الكثير من هذه الساعات يتزامن مع نظام اخر معقد حافظ للوقت : دوران كوكب الارض. ففيما يدور كوكبنا على محوره يخضع كل كائن حى عليه لتوترات نظامية, تواترات تغير الحرارة والنور. وكما عبر عن ذلك احد الكتاب : " ليس مدهشا . . . ان نكتشف ان التصرف والتغييرات الكيميائية فى الخلايا لمعظم الكائنات الحية يتبع برنامجا من 24 ساعة. "
ومع ذلك, جرب الباحثون ان يخدعوا هذه الساعات الداخلية بوضع اشكال حياة فى محيط مخبرى, مبقين الحرارة والنور والطعام والصوت ثابتا, الا ان تواترات ال24 ساعة استمرت دون تغيير. وهذا يبين لنا ان الساعات اليومية انما هى داخلية. ورغم ان بعض التأثيرات الخارجية يمكن ان تؤثر فيها او حتى تفسد نظامها الى درجة ما.
يرجح الان ان تكون ساعات جسدكم مضبوطة وفق المنطقة الزمنية التى تحيون فيها. فبعد الظهر فى كاليفورنيا, يكون الليل فى اوروبا. ولذلك, بعد الطيران على متن طائرة نفاثة بين هاتين النقطتين, قد تختبرون الصداع والكسل ومشاكل النوم - حالة معروفة عموما ب " فتور النفاثة ".
فماذا حدث ؟ لقد اضطربت ساعتكم الاحيائية, وهى تحاول بيأس ان تلتصق ببرنامج موطنكم. (العمال المناوبون غالبا ما يختبرون بشكل مماثل اعراضا غير ملائمة.) ومشاريع العمل او المؤتمرات او حتى متعة العطلة يمكن ان تتأثر على نحو غير مؤات بالصداع والارق والتهيجية والمشاكل الهضمية والاعياء التى غالبا ما يتسبب بها " فتور النفاثة ".
ومن المثير للاهتمام ان مشاكل كهذه لم تحدث فى ايام التنقل الابطأ. فساعات الجسد كانت تحظى بالوقت لتتكيف مع المنطقة الزمنية الجديدة حتى قبل ان يصل المسافر الى مقصده. ولكن بالسفر فى كطائرة نفاثة يمكن للمرء ان يعبر اربع او خمس مناطق زمنية فى مجرد ساعات. وهذا يمكن ان يشوش كاملا برنامج اكلكم ونومكم. وكما يمكنكم ان تتصوروا فهذا مزعج لمستخدمى الخطوط الجوية خصوصا. اخبر طيار سابق فى احد الخطوط الجوية العالمية :
" لم اختبر اية مشكلة فى عبور مناطق زمنية عديدة خلال ما ندعوه برنامج رحلة ال12 ساعة لان ذلك يرجعنى الى الموطن ثانية ضمن فترة ال24 ساعة ذاتها. ولكن عندما احصل على توقف لفترة خمسة ايام بعد رحلة من فانكوفر فى كندا الى امستردام او روما تبدأ مشاكلى. فكان يبدو ان نظامى برمته يتشوش. ومحاولة منى للتغلب على المشكلة كنت اسهر حتى اتعب جسديا فأنام. وبعد خمسة ايام يتكيف نظامى مع التوقيت الاوروبى. ثم يحين وقت العودة الى فانكوفر لفعل الامر ذاته ثانية. ولم تكن المسكنات هى الجواب. لقد كان امرا شاقا فعلا. "
يظهر الاختبار ان المسافرين من الغرب الى الشرق يعانون مشاكل التكيف الاقسى. والذين يذهبون من الشرق الى الغرب يعانون اقل لان النهار يصبح اطول مسهلا على الجسد التكيف. وأحد الطيارين المعينين لرحلة فانكوفر - طوكيو خفف مشكلته ببقائه دائما حسب توقيت طوكيو مهما كانت المدينة التى يوجد فيها. ولكن التواترات اليومية لا تتأثر عادة بالرحلات من الشمال الى الجنوب لانها تبقى فى منطقة زمنية واحدة او اثنتين.
وطبعا, ليس الانسان المخلوق الحى الوحيد الذى منح ساعات داخلية. فطيور السنونو تعود الى الوقت المعين كل ربيع الى كابيسترانو, كاليفورنيا. وهنالك المحار التى تفتح اصدافها عند اعلى درجات المد وتغلقها عند ادنى درجات الجزربصرف النظر عن المنطقة الساحلية. وثمة نباتات متنوعة تنفتح فى النهار وتنغلق فى الليل.
وظهور سمك الغرونيون حسن التوقيت جدا عند شواطئ كاليفورنيا الجنوبية من اجل " رقص تزاوجها " بحيث تنشر الصحف الوقت الدقيق لوصولها. وحتى بعض الطحالب المجهرية لديها تواتر ال24 ساعة مما يجعلها تتألق كالفوسفور لمدة 12 ساعة فى الليل.
واذا حاول الناس الكشف عن اسرار الكائنات الحية المذهلة عززوا جدا تقديرنا للخليقة. ولكن يحسن التذكر انه ليس حتى اربعينات ال 1900 كان ان بدأ الناس يدركون ظواهر الساعات الاحيائية. وفى غمرة ابتهاجهم باكتشافاتهم غالبا ما ينسى يعض العلماء الامر الجلى - ان هنالك مصمما لهذه العجائب, انه هو الذى يفهم على نحو افضل اعمال الساعات الحية. وفضلا عن ذلك هو من ابدأ دقاتها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الصحة العالمية: الجائحة التالية مسألة وقت.. وهناك تعديلات قا


.. إدمان الإنترنت.. يهدد الصحة الجسدية والعقلية




.. إلى أين يقودنا إدمان الإنترنت؟


.. نازحة في غزة تغني بصوت شجي وتجذب تفاعلا واسعا على منصات التو




.. ابتداءً من 5 يونيو | المملكة المتوحشة | ناشونال جيوغرافيك أب