الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفرن-1-

نصيرة أحمد

2012 / 11 / 18
الادب والفن



شرع ينتزع أزرار ثوبها الامامية واحدا تلو الاخربشراسة ، وهي تستسلم لعينيه الخضراوين . كانت لاتقوى على حمل يديها لرده ولو قليلا ، حتى انها لم تفكر كيف ستزرر ثوبها ثانية بعد ان انتزع الازرار انتزاعا ، لم يطرأ ببالها ماذا سيحدث في الزمن القصير القابل ، او ان الزمن توقف لاستقبال الحدث القائم .
حركت الريح ذرات من التراب الاحمر المطحون بشدة واعتلت ركبتيها العاريتين . أرسلت نظراتها برقة وتأملت ساقيها الممتلئتين وقد تكاثرت ذرات التراب عليهما .. لقد ألفتك ايها التراب الناعم وألفتكَ أجزاء جسدي منذ خمسة عشر عاما , كان جسدي رقيقاوطفوليا , لقد احتضنتك جنبا الى جنب مع لعبتي القماشية القذرة , لاأسهو عن شىء , لاأسهو ..شدّ شعرها الى الخلف بقوة . انتبهي . لاأريد ان اصحو . الوقت ليس بصالحي . كانت الشمس ساطعة , حارقة تأكل الاشياء بشراهة , تأكلني . انا جائع ماالذي يشبعني ؟ كل شىء يشدني اليكِ , يبهرني, لايمكن ان اتغاضى , ان ابتلع جنوني بك . أرتجف . كل يوم تأخذني شاحنتي اليك , كانها تتوق لك هي ايضا . أأتي بها فارغة , وانا فارغ ايضا. املؤها طابوقا وامتلىء انا منك. تأتيني بالماء , امسك بيديك الخشنتين مع الاناء . وأشرب . اشرب . وروحي تغلي وجسدي يريد ابتلاعكِ . سلمى , اريدك. اريد انتزاعك من هذا المعمل المحترق ليلا ونهارا, يوما واحدا . ساعة واحدة فقط . ليرتدّ اليّ عقلي الذي أذهبت به .
زادت سرعة الريح قليلا . وحركت معها كميات من الغبار والاتربة , كان المكان ضيقا من الخلف لكنه مفتوح من الامام الى الهواء والريح والشمس الصيفية. كان الظل قصيرا لايكاد يغطي نصف جسدها , وهو جالس قربها ، يقابل وجهه وجهها في ذلك النهار المهجور . حفرة في مرتفع بسيط من الارض , يمر بها طريق فرعي ترابي يعرفه سواق الشاحنات .كانت جوانبها مرصوفة بالطابوق يبدو انها كانت حانوتا صغيرا لبيع السكائرهجره اصحابه منذ زمن . ناولته سيكارة , ابتسم وخفض رأسه بهدوء وعلّق عينيه الرائعتين ليتأملني . انني احتاجه.أحتاج هذا الاهتمام الذي اصادفه اول مرة في حياتي . احتاج هذه النظرة النهمة .أريدها . أشعل السيكارة وقال لأبي:متى أحمّل الشاحنة ؟ .قال أبي : انتظر قليلا ألاتريد رؤيتنا ؟ . بلى . أريد . أشتاق اليه , ولاأدري ماذا افعل ..لاأفعل شيئا سوى ان أهرول نحو الشارع العام , واتمشى فوق الاسفلت الحارق . كان يلسعني بشدة . أمتلك نعالا أسود مقطوع الجانب أكره لبسه , انه يعيقني عن الحركة السريعة والعمل المتواصل حتى ساعة متأخرة من النهار . دوامة نهاري , وليلي يأكله النوم المنهك . يسيل الاسفلت تحت قدمي , لعله يمرّ , وأراه . المهم ان يراني . نعم . كأنني أُرى اول مرة . كان البشر عميا , أول مبصر أراه . انا لااملك مرآة , لااعرفها . تذكرت . هناك واحدة في سيارة الحاج ياسين صاحب المعمل, جانبية , لابأس .هرولت , احشر نفسي في الزاوية المتكونة من المرآة وباب السيارة الكبيرة. آه . عيناي سوداوان . رموشي معقوفة .وقصيرة .حاجباي كثيفان يقتربان من بعضهما .رقيقان في مؤخرتهما . وجهي بيضوي ,حنطي بلون التراب . قذر تماما . شعري اسود وطويل ومنسدل على كتفي أو أسفل .اه لايمكن ان ارى شيئا ، ليس بي حاجة للمرآة بامكاني ان القي بنظري حول جسدي . الى الاسفل .آه يبدو جميلا او جذابا او اعتياديا .لاادري . لاأدري . المهم ان يراه هو, يعجبه. أو فقط يتأمله , لاأريد اكثر . لست متأكدة . قبلني بشراهة . الحمد لله اني تمكنت ان انظف وجهي قبل ان التقيه . حاولت ان امرر المشط بين ثنايا خصل شعري وابى المشط ان يتحرك الاسنتمترات قليلة . لقد تشكل شعري بهيأة خصل متشابكة متلبدة , لكنه يتطاير بخفة . قلت له سأنتظرك عند السدرة الكبيرة في الثانية ظهرا . لاتتأخر . وقفتُ في ظلها وظل ثوبي المتهرىء من الاسفل , لقد ضاعت نقشته والوانها بفعل الزمن المثقل بالعمل المتواصل . أصحو عند الفجر . اجلب الماء للبيت . أوقظ ابي . اقدم له شيئا على عجل . أفطر خبزا وشايا . أهرول نحو معمل الطابوق . ألتقي زملائي .أطفال قذرون. شيوخ يرفعون دشاديشهم . بأحزمتهم . شباب امتصت حرارة المعمل أجسادهم امتصاصا.وألتقي المدخنة العالية .1966. نقش بالطابوق على احد جدرانها الموشحة بالسواد . تاريخ تأسيسها قبل ان اولد بعام واحد . وغيمة سوداء من الدخان تبدأ سميكة من فوهة المدخنة ويخف لونها تبعا لانتشارها في الفضاء ..تتهرأ شيئا فشيئا . يحترق الطين المقسم الى مكعبات مستطيلة . أعداد هائلة . يخرج طابوق أصفر . معمل الحاج ياسين في التاجي . كومة من الازبال المقرفة .ونحن . جيف نتنة . في الظهيرة تشتد الحرارة باشتداد حرارة الجو . تتسابق حرارة المعمل مع حرارة الجو على امتصاص أجسادنا الضعيفة . في الثانية هربت سرأ . انتزعت نفسي بقوة من فوهة الفرن . ووقفت عند السدرة أنتظر . عاصفة من التراب المعبق بصوت الشاحنة الصفراء . قلاب . قرأت هذه الكلمة بالعربية على احدى جوانبها. حمدت الله انني مازلت استذكر حروف العربية التي تعلمتها في مدرسة القرية . هذا يكفي . قال ابي لامي . الصف الرابع الابتدائي . لانملك غيرها ولايمكننا انجاب غيرها . وانا معوق . لايمكنني العمل برجل واحدة . مستقبلها في هذا المعمل .
توقفت الشاحنة . انه هو . ابتسامة لامثيل لها . انها لي .انا . اعتليت السلم الحديدي المصغر وفتحت الباب ، مد يده لي , لي انا . ضحك بدفء .سحبني بشدة،ارتطمت بصدره الواسع ضمني بقوة ,وعض شفتي بقوة .اعتدلت بجلستي وصفقت الباب بنشوة مخيفة ، والتفت خلفي ، فاذا بعاصفة همجية اثيرت خلفنا غطت ملامح الطريق العام .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مخرجة الفيلم الفلسطيني -شكرا لأنك تحلم معنا- بحلق المسافة صف


.. كامل الباشا: أحضر لـ فيلم جديد عن الأسرى الفلسطينيين




.. مش هتصدق كمية الأفلام اللي عملتها لبلبة.. مش كلام على النت ص


.. مكنتش عايزة أمثل الفيلم ده.. اعرف من لبلبة




.. صُناع الفيلم الفلسطيني «شكرًا لأنك تحلم معانا» يكشفون كواليس