الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الزلزال اللبناني - كرة الثلج الديمقراطية

جورج كتن

2005 / 3 / 10
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


الزلزال اللبناني، الذي تفجر بعد الاغتيال الآثم للرئيس الحريري، ليس حادثاً معزولاً عن عملية التغيير التي هزت دول المشرق العربي منذ نيسان 2003، فالذين راهنوا على أوهام غرق القوات متعددة الجنسية في مستنقع، أو حاولوا تبييض صفحة الإرهاب بشقيه السلفي الظلامي والبعثي المتبقي، وأصحاب الدعوة الخيالية لنشر ما أسموه "مقاومة" في كل مكان، والذين عمموا تهم العمالة لأشخاص وأحزاب وحكومات وطوائف وحتى لشعوب وتوهموا أن سلاح التخوين المنقرض يمكن أن يحجب الوقائع الجديدة...جميع هؤلاء وغيرهم داهمتهم أحداث العام 2005، فمنهم من تحول ، ومنهم من تردد، ومنهم من ظل قابضاً على أوهام مفاهيمه البالية.
ما أكدته الأحداث أن الأولوية في المنطقة للديمقراطية وحقوق الإنسان التي لم يعد من الممكن تأجيلها لأي سبب مهما كان، وأن الوطنية لا تتفق على الإطلاق مع الموالاة لنظام فردي أمني، وان المواطن الحر المتمتع بكافة حرياته هو حجر الأساس في الوطنية الحقيقية، والديمقراطية التي جوهرها صندوق الاقتراع وتداول السلطة هي الآلية التي تعيد الوطن للمواطن.
الهزة الأولى في زلزال المنطقة الانتخابات الرئاسية الفلسطينية في ظل الاحتلال، فالمواطنين أوصلوا قيادة جديدة تحوز ثقة الأغلبية خاضعة للمحاسبة، كخطوة أولى نحو الاستقلال. الهزة الثانية، الانتخابات العراقية، خروج الملايين نحو الصناديق رغم التهديدات ولمواجهة الإرهاب بالصدور العارية، لتقول كلمتها فيمن يقودها نحو الأمن ولصياغة دستور ينظم العيش المشترك.
الهزة الثالثة، بل الزلزال اللبناني، أضاف أبعاداً جديدة لعملية التغيير، في مواجهة نظام مخابراتي مع "قشرة ديمقراطية" من مجلس منتخب شكلاً وشبه معين، وحكومة دمى تحرك خيوطها أجهزة الوصاية، وسلطات ممدد لها، وأحزاب شعارات فات أوانها، وجبهات تتعهد تحشدات مسيرة حسب الطلب، وأبواق لتوزيع تهم العمالة، وقضاء يخفي الحقائق ويحقق مع المجنى عليهم، وأقبية تعذيب محلية وإقليمية، وسيارات مفخخة للمصرين على معارضتهم، مع استخدام "القشرة الديمقراطية" لإخفاء الفساد والنهب وإدارة اقتصاد مافياوي، الزبدة فيه للأطراف الإقليمية والفتات للمحلية...
في وجه هذه التركيبة وبعد اغتيال الرئيس الحريري، قال الشارع كلمته بعد أن طفح الكيل، خرج المواطنون بمئات الآلاف ليقولوا كلمتهم التي أبطلت الأغلبية المفبركة في المجلس وأسقطت الحكومة الدمية تمهيداً لإسقاط الطبقة المستبدة وإنهاء الوصاية الخارجية والتحضير لانتخابات نزيهة بإشراف حكومة حيادية تكشف الجناة الحقيقيين.
البعد الجديد الذي أضافه الزلزال اللبناني أنه لا يمكن لأنظمة مستبدة بقشرة "ديمقراطية" أن تهرب من مصيرها، وأن أصل الشرعية في هذه الحالة هو الشعب وليس المؤسسات الشكلية، وأن معركة الحريات توحد النسيج الوطني وتتعدى الطوائف والتيارات لترجح المصالح المشتركة، وهي وحدة وطنية فشل القمع في تحقيقها رغم مرور نصف قرن منذ الاستقلالات.
لن يفيد تمديد عمر الأنظمة بسياسة المماطلة وتقديم الذرائع المستهلكة مثل "المعركة الاستراتيجية!!" و"الخاصرة الرخوة" و"الدولة الرهينة حتى يتحقق السلام" ... وغيرها مما ابتدعه عباقرة كعزمي بشارة مؤخراً: مواجهة المطالبين بالحريات بتهمة "اللاشامية" على وزن "اللاسامية"! هذه السياسة أثبتت فشلها، فانتفاضة المواطنين ضد تهميشهم وللعودة للاهتمام بكل ما يمس حياتهم وأمنهم ومستقبلهم، شل أجهزة الوصاية وأشاع الارتباك في صفوفها، ولم يعد أمام الأنظمة الشمولية سوى التراجع إلى الهاوية وليس حافتها، أو التغيير الشامل والرضوخ لوقائع العصر.
الزلزال اللبناني أوضح أنه ليس مطلوبا من الخارج التدخل المباشر لإحداث التغيير كما في العراق، فإن مجرد التشجيع والدعم السياسي سيطلق قوى سياسية وشعبية تتولى المهمة بنفسها بالطرق السلمية، بالكلمة والتجمع والهتاف والعلم واللافتة والوردة وقبول الآخر من كل التلاوين، فإذا كانت المفاهيم الديمقراطية مستوردة، فإن بناءها مهمة القوى السياسية والمواطنين الأحرار وليست مهمة القوى الخارجية، والسيادة ممكنة إذا ترافقت مع نظام ديمقراطي، أما النظم الاستبدادية فلا سيادة لها في ظل عالم سمته الراهنة نشر الديمقراطية، فالقرار 1559 والتحقيق الدولي، إشارات أخرى تضاف لما سبقها لتأكيد هذه الحقيقة العالمية الجديدة.
الانتفاضة السلمية الجورجية والاوكرانية، واللبنانية الآن، وغداً في أي مكان يحتاج لمثلها، أكدت أن العنف وصل إلى نهاية الخط، ولم يعد سوى : أولاً، إرهاب الدولة، السلاح الأخير لقتل الآخر المعارض أو إيداعه السجون إذا لم ينفع إخراسه. ثانياً، إرهاب وعنف القوى المتضررة من نشر الديمقراطية كالسلفية الزرقاوية وبقايا الصدامية.
حتى عسكرة الانتفاضة بات أمر مرفوض شعبياً بعد نتائج الانتخابات الفلسطينية والعودة للعمل لحلول سلمية توافقية. عشق الكفاح المسلح والبندقية لم يعد يفصله عن الإرهاب سوى خيط واه، فالعنف المسلح الذي كان ممكناً في زمن ما، غير صالح الآن بعد أن أدى في الأراضي الفلسطينية إلى أوضاع كارثية دون نتائج تذكر لتحقيق الأهداف، والمقاومة في لبنان بعد نجاحها في تحقيق الانسحاب الإسرائيلي لم يعد هناك شيء لتقاومه، وهي لم تعد ملهمة للعنف المسلح بعد فشل عسكرة الانتفاضة، فيمكن ل"حزب الله" تعليق البندقية والتحول لحزب سياسي لبناني غير مرتهن لدول عربية أو غير عربية، وإذا كان لا بد من استلهام فتجربة الإصلاحيين الإيرانيين الملتحقة بالعصر والمتقيدة بصناديق الاقتراع، وليس "ديمقراطية" المحافظين أي هيمنة رجال الدين على السلطة. أمام الحزب فرصة اكتساب شعبية لبنانية بالانضمام لصف مواجهة السلطة الأمنية لبناء وطن مستقل ينعم بالحريات، أما طرح مهمات داخلية نيابة عن الآخرين ومواجهات خارجية لتحرير أراضي بلدان مجاورة كبديل عن شعوبها، فسيؤدي لتآكل ما تبقى من رصيده.
الزلزال اللبناني أكد مرة أخرى أولوية القرار الوطني المستقل ورفض الارتهان لوحدة مسارين مجحفة، بعد أن سبقه لذاك القرار الفلسطيني المستقل والمصري والأردني المستقل والرفض الكويتي لوحدة "قومية" صدامية، وتأكيد الهوية الوطنية العراقية المستقلة بعد سقوط النظام، التي تجمع مكونات الشعب العراقي دون رهنه لحروب "قومية" إمبراطورية أحرقت الأخضر واليابس. ودون أن يتعارض كل ذلك مع الانتماء العروبي الحضاري، والتنسيق في جامعة عربية فعالة، أي شعب واحد في كل دولة بعد رفض شعار شعب واحد في دولتين.
كما أكد الزلزال اللبناني الالتفاف الواسع حول ما مثلته "الحريرية" من نهج اقتصادي ليبرالي تنموي ونهضوي يفسح المجال لرأسمالية وطنية توظف إمكانياتها للوطن فتفيد كل فئاته، كبديل للاقتصاد المافيوي لرأسمالية الدولة البيروقراطية الاحتكارية التي عممت الفساد والنهب، مع تصدير منهوباتها للمصارف الخارجية.
لبنان يعود لدوره كمنارة للديمقراطية في المشرق العربي إلى جانب البدايات الديمقراطية في العراق وفلسطين، ولن تستطيع الأنظمة الأخرى المستبدة تجاهل الزلزال والهزات، فمبارك تراجع عن رفض تعديل الدستور، والسعودية تتعرف لأول مرة على صناديق الاقتراع البلدية، والكويت تبحث إلغاء حرمان المرأة من دورها السياسي، والباقي قادم على الطريق....








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. طائرة إيرانية تفشل في الهبوط في مطار بيروت بعد مقتل نصر الله


.. كيف يتلقى أطفال غزة التعليم في مصر؟




.. مقتل زعيم حزب الله حسن نصر الله : بطولات و انتكاسات و مصير م


.. من هو حسن نصر الله ؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. اغتيال نصر الله: نحو مشهد إقليمي جديد؟ • فرانس 24 / FRANCE 2