الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الطائفية والدستور المصرى

نصارعبدالله

2012 / 11 / 18
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


الطائفية والدستور المصرى د/ نصار عبدالله
الفرق الدينية المختلفة بكل مذاهبها الفقهية المتباينة، ما هى إلا اجتهادات بشرية خالصة، ومع هذا فإن أتباع هذه الفرقة أو تلك، وأتباع هذا المذهب أو ذاك، كثيرا ما يتصورون فرقتهم أو مذهبهم هو وحده التعبير عن الحق الثابت الذى لا يتبدل، وعندما تتاح الفرصة لهم أن يصوغوا دستورا لدولة ما، فإنهم يحرصون على جعل مذهبهم مذهبا رسميا للدولة بأكملها، وربما أضافوا إلى ذلك نصا مؤداه أنه لا يجوز المساس مستقبلا بهذه الطبيعة المذهبية الطائفية لدستورهم، والمثال الأجلى على ذلك هو المادة الثانية عشرة من الدستور الإيرانى التى نصت على أن" الدين الرسمي لإيران هو الإسلام، والمذهب الرسمى هو الجعفري "الإثني عشري"، مع ملاحظة أنها قد أضافت إلى ذلك نصا مؤداه أن : "هذه المادة تبقى إلى الأبد غير قابلة للتغيير"!! وبذلك تصبح الطبيعة الطائفية المذهبية للدولة الإيرانية طبيعة مؤبدة !!، صحيح أن تلك المادة قد أبدت قدرا من التسامح مع المذاهب الإسلامية الأخرى حين أضافت إلى ذلك نصها على أن المذاهب الإسلامية الأخرى و التي تضم المذهب الحنفي والشافعي و المالكي والحنبلي والزيدي تتمتع باحترام كامل، وأتباع هذه المذاهب أحرار في أداء مراسمهم المذهبية حسب فقههم، و لهذه المذاهب الاعتبار الرسمي في مسائل التعليم و التربية الدينية و الأحوال الشخصية ( الزواج و الطلاق و الإرث والوصية ) و ما يتعلق بها من دعاوى في المحاكم،.وحين نصت كذلك على أنه في كل منطقة يتمتع أتباع أحد هذه المذاهب بالأكثرية ، فان الأحكام المحلية لتلك المنطقة - في حدود صلاحيات مجالس الشورى المحلية تكون وفقا لذلك المذهب، مع الحفاظ على حقوق أتباع المذاهب الأخرى. صحيح أن تلك المادة الإيرانية الجعفرية الإثناعشرية قد أبدت قدرا من التسامح الواضح مع المذاهب الأخرى ، لكن هذا لا ينفى عنها أنها ذات صبغة طائفية ومذهبية بامتياز، وأنها لا تتصادم مع مبدأ المواطنة فحسب ( وهذا أمر مفروغ منه بطبيعة الحال باعتبار إيران دولة دينية رافضة من حيث المبدأ للطبيعة المدنية للدولة)، ولكنها أيضا تتصادم مع النص القرآنى الذى يقول " إن هذه أمتكم أمة واحدة " ومن ثم فهى تتعامل مع المذاهب الإسلامية الأخرى بنفس الطريقة التى تتعامل بها مسودة الدستور المصرى الذى يجرى إعداده حاليا مع أصحاب الديانتين : المسيحية واليهودية، والواقع أن مسودة الدستور المصرى الراهن قد وقعت بدورها فى نفس هذا المحظورالمذهبى حين نصت فى المادة الثانية على أن مبادىء الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيس للتشريع ، ثم عادت بعد ذلك ونصت فى باب الأحكام الإنتقالية (المادة220 ) على أن : "مبادئ الشريعة الإسلامية تشمل أدلتها الكلية وقواعده الأصولية المعتبرة فى مذاهب أهل السنة والجماعة " وبهذا النص الأخير تكون هذه المادة قد استبعدت من مفهوم مبادىء الشريعة الإسلامية أية قواعد أصولية معتبرة عند المسلمين من غير أهل السنة والجماعة!! ، وتكون قد أضفت على ذلك المفهوم الرحب والواسع طابعا طائفيا مذهبيا ، يبتعد بالدستور المصرى لا عن روح المواطنة التى تنطلق منها الدساتير المدنية الحديثة فحسب ، بل يبتعد به كذلك عن روح الإسلام الرحبة الواسعة ذاتها ، وهى تلك الروح التى نلمسها فى اجتهاداته الفقهية التى ساهمت فى إثرائها على مدى تاريخه فرق ومذاهب كثيرة، فى مقدمتها بطبيعة الحال مذاهب أهل السنة والجماعة الذين يمثلون الجزء الأكبر من المسلمين، لكن هذا لا ينفى اجتهادات أخرى ( نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: الإجتهادات الفقهية للمعتزلة والخوارج) ، وهى اجتهادات لا ينبغى للدستور بشكل مباشر أو غير مباشر أن ينص على نفيها أواستبعادها أو تجاهلها ، مثلما يستفاد من ذلك النص الذى أوردته المسودة والذى يقول بأن القواعد الأصولية التى سيؤخذ بها فى تحديد مبادىء الشريعة الإسلامية هى تلك المعتبرة فى مذاهب أهل السنة والجماعة، وهو نص من شأنه أن يختزل سائر المصريين إلى جماعة من السلفيين أو إلى جماعة من الإخوان المسلمين .
[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - من تخدع ؟!
فارس شمر ( 2012 / 11 / 18 - 08:47 )
طبلت وزمرت لنظام ملالئ طهران بسياق ذكرك لمادة عنصرية بغيضة بدستور ثورة إمامهم الخميني! وتناسيت القمع والتنكيل والإجرام الذي يتعرض له أهل السنة من العرب بإقليم الأحواز العربية المحتلة وسنة الفرس! المساجد والأوقاف التابعة لأهل السنة تم الاستيلاء عليها! نتفق معك بعنصرية من رفع لواء أهل السنة ونعني النظام السعودي المنافق المجرم لكن من خدعك وأوهمك أنه منا أو يمثلنا؟ بمصر لايمارس الطائفية إلا أقلية معروفة! تصر على تحكيم كتابها المقدس بشؤونها وتطرد من يتزوج خارج كنيستها منها بل وتحرمه من ملكوت يسوع! وبذات الوقت تعارض أن يحكم الأغلبية كتابهم الكريم بشؤون حياتهم! فمن الطائفي بربك؟ من العنصري؟ هل يعقل أقلية محدودة تفرض رأيها على الغالبية العظمى؟ ما رأيك بقيام مبدأ الاستفتاء الشعبي بكل شيئ؟ حينها ستخرص ألسنة كثيرة! وأولها دعاة الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان الذين يكيلون بمكيالين وينظرون بعين واحدة !!‏‎ ‎

اخر الافلام

.. فلسطينيون يرحبون بخطة السداسية العربية لإقامة الدولة الفلسطي


.. الخارجية الأميركية: الرياض مستعدة للتطبيع إذا وافقت إسرائيل




.. بعد توقف قلبه.. فريق طبي ينقذ حياة مصاب في العراق


.. الاتحاد الأوروبي.. مليار يورو لدعم لبنان | #غرفة_الأخبار




.. هل تقف أوروبا أمام حقبة جديدة في العلاقات مع الصين؟