الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خذ القلوب الحجرية وأعطنا القلوب اللحمية

مجدي مهني أمين

2012 / 11 / 18
مواضيع وابحاث سياسية


لم أستطع نشر صور أطفال أسيوط.. وجوه كالقمر، تهزمنا براءتها، يشق قلوبنا صدق ابتسامتها، وجوه لم تعرف السياسة بعد، ولا تعرف التجارة، تجارة مين وهم اللي عايزينه كانوا بياخدوه من غير تجارة من والديهم، لم أستطع ان أنشر على صفحتي في الفيس بوك صور أطفال أسيوط، أكتفيت أنها جرحت قلبي، وأشفقت على قلوب أصدقائي، كنت وأنا طفل، لا أفهم معنى ان القلوب تبكي، عندما كبرت عرفت، واليوم بكي قلبي، بكي وانا أرى الاطفال، شهق وأنا أرى أن فيهم أخوة من بيت واحد، وذاب وأنا أرى أحد الآباء يحتضن طفله بين ذراعيه، وانحنى احتراما، وبكي أيضا، وأنا أرى البابا تواضروس يقوم بإلغاء احتفال تجليسه ويكتفي بصلاة القداس.

- كم تفجر هذه اللحظات المرة شعورنا بوحدتنا!
- كم تجمعنا في حضن الأم الوطن، والوطن الأم!

لحظات جامعة فارقة، لحظات بتخلينا عازين نترمي في حضن بعض، وهي لحظات فارقة تجعل من لا يحبون الوطن ينظرون لنا جميعا بتعالي وسخرية، البعض ها يقول ما عندمش قلب، والحقيقة ان قلبهم مليان بتصورات ومعتقدات تحرمهم من الانصهار في آلام اللحظة، تزيدنا اللحظة انصهارا ، وتزيدهم تجمدا وابتعادا عنا، لأنهم لا يروننا بقلبهم، بل بمصالحهم، يرون كيف يسخروننا ويسخرون منا، ويتصورون أنهم بهذه الطريقة يمكنهم أن يحكمونا. تذكرني زوجتي كيف كانت وهي طفلة لا تجيد إلا صلاة واحدة:

- يارب خذ منا القلوب الحجرية، واعطنا القلوب اللحمية

والحقيقة أنا موافق على النصف الأول من هذه الصلاة؛ أن يأخذ منا القلوب الحجرية، أما النصف الثاني فهو النصف الأكثر صعوبة، أعاني منها مع زوجتي في كل حدث تمر به مصر، وأن حاولت الهروب من مأساة فتكون زوجتي قد حاصرتني بها ، ولا أملك في النهاية إلا أن أوافق على القلوب اللحمية، فلا أتصور نفسي إلا حزينا لما حدث مع أطفال أسيوط، خاصة عندما أرى وجوههم البرئية، أو أراهم في أحضان آبائهم وقد ألقوا لنا بكراساتهم، أو سقطت من أياديهم الصغيرة، كي يلقوا وجه رب كريم.

وفي محاولة يائسة للخروج من الألم ، تأملت، فوجدت أطفال أسيوط وكأنهم ، رغم الفاجعة، يفدون مصر، فقد كانت مصر تتعرض لمؤامرة من حماس التي ضربت إسرائيل، كي تجبر إسرائيل على ضرب غزة، وفعلا كان هذا ما تم، وذلك في محاولة من حماس لدعم النظام الحاكم في مصر، فبدلا من أن يخرج الناس لمواجهة النظام الحاكم في مصربمناسبة ذكرى شهداء محمد محمود، أن يخرجوا للتنديد بإسرائيل.

وبالطبع، تجاوب النظام الحاكم مع حماس، فذهب رئيس الوزارة لغزة، وجاءت صلاة الجمعة في الجامع الأزهر كي يكون خطيبها هو الشيخ القرضاوي، لتخرج بعض الصلاة مظاهرة إخوانية تندد بإسرائيل، وبالطبع الفائدة متبادلة، فحماس تريد من العدوان الإسرائيلي أن تفتح المعابر عن آخرها، وأن تستكمل توطين سكان غزة في سيناء، وما فيش مانع لو الأمر تطور وتورطت مصر في حرب مع إسرائيل، أي أن حماس كانت توجه الشارع المصري بعيدا عن مواجهة النظام الحاكم في مصر، وتدفع مصر لمصير مجهول، كي تنفرد هي بسيناء.

ومن اللحظة الأولى، لم اتضامن مع التنديد بإسرائيل، بل بالتنديد بحماس، كنت خايف على مصر، وخايف على ثورتها، شايف سينا وهي بتضيع من غير حروب في إيد الإرهابيين، والدستور اللي ها يضيع مصر في إيد التيارات الدينية، وشايف حماس وهي بتكمل علينا وبتورطنا كي تأخذ منا ما تبقى:

- يعني ياربي بنحرر مصرعلشان ندخل في حروب ودمار؟ يعني مش كفاية اللي احنا فيه من خراب ودمار؟

وفجأة نام عامل المزلقان واصطدم القطار بأتوبيس الأطفال، وتساقطت فلذات أكبادنا كي تعري هذا النظام، هذا النظام الذي جاء كي يثبت أركانه بدلا من أن يدعم مصر، ويصرف موارده على رحلات الرئيس بدلا من صرفها على مزلقانات السكة الحديد.

سقط الأطفال كي يسحقوا مؤامرة حماس، تساقطوا كي يفدونا بدمائهم وينقذوا مصر، ويضعوا الجماهير في مواجهة النظام بدلا من تحويل أنظارهم - بفعل فاعل- وتشتيتهم بقضايا خارجية.. لازالت صورالأطفال تهزنا من الأعماق، فلتأخذ يارب القلوب الحجرية، ولتعطنا القلوب اللحمية، وارحم هذه الأرواح البرئية، إقبلها إلى جوارك كباقة من زهور تحمل للسماء نفحة من رائحة الوطن البرئ الجميل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. استشهاد فلسطينيين اثنين برصاص الاحتلال غرب جنين بالضفة الغرب


.. إدارة جامعة جورج واشنطن الأمريكية تهدد بفض الاعتصام المؤيد ل




.. صحيفة تلغراف: الهجوم على رفح سيضغط على حماس لكنه لن يقضي علي


.. الجيش الروسي يستهدف قطارا في -دونيتسك- ينقل أسلحة غربية




.. جامعة نورث إيسترن في بوسطن الأمريكية تغلق أبوابها ونائب رئيس