الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفرن -2-

نصيرة أحمد

2012 / 11 / 18
الادب والفن


مضت بضعة شهور ، لم تدر كيف تحصيها ، انها تضعف لاتقوى على الحركة . لعبة هي الحياة ، لعبة مثيرة . انها تدمي القلب وتحاصر الاحلام القابعة في متاهات الروح . لعبة امارسها وحدي ، اول مرة . تنهشني الهواجس ، لكنني استطيع ابتلاعها برفق . لم تعد تراه منذ امد ، لكنها فرحة بشىء مهم ، انها تمكنت من جذبه ، بكل روعته المثيرة . كانت عيناه الخضروان تغزوها مثل شلال شمالي بارد ينعش قلبها ويدفىء جسدها المنهك وسط عاصفة من الدخان الحزين . ابتلعني ان شئت . سدّ جوعك ولهفتك . لن امنعك ابدا . اعبث بكل شىء. إعبث بالماضي والاتي من الزمن الهرم , هاانذا أرجوك لاتيأس . لاتبح لي بشىء . لاافقه الكلام . افعل فقط. وانا انتظر . لن اسدّ عليك طريق الرجعة المنفعل .كلابي تعوي طويلا . وأفرغ حمولته في رحمها كما يفرغ شاحنته من دون عناء، ولكن بهمجية لامثيل لها ابدا .لن آمل شيئا .الريح تمسح المكان البليد,وترفس التراب الاصفر بغباء . انها تستلقي في المكان المحموم ذاته, وقد افترشت الطابوق المرصوف بابتذال ، انفاسها تتصاعد ،الساعة تقترب من الثانية ظهرا وقد فارقت المعمل منذ ساعات . لقد تعودوا غيابها في الاشهر الاخيرة ، لاشىء غير ان يوبخوها ولكن من دون جدوى . انني منهكة . تشكو بتثاقل . انني مريضة . وينتهي كل شىء والفجر المحروق بانتظارها ثانية . وجها لوجه أمام الفرن الذي يبتلع اكواما هائلة من الطابوق والنار. الالم يمزقها وتصرخ في الظهيرة الخائفة . تصرخ ..يهرب صوتها اليها . الالم المر يسحق قلبها . آه . صرخة مروعة . وتهرع اليها صرخة رقيقة تسند صوتها المجنون . أخيرا نجحت ولاشىء غير ذلك . تمكنتُ من اخفائه تسعة اشهر.حينما بدأت بطني تعلو ، خفت ان يفتضح امري وافتعلت امرا لاستبدل ثوبي الابدي بثوب اخر . مزقته من الجانب بعبث . قلت لابي : لديك ثوبان ، اعرني واحدا . وارتديت ثوب ابي الواسع القذر . حمدت الله ان بطني صغيرة . عيناه خضراوان كعيني ابيه ، ولو ان اللون لم يتضح بعد ، الاانني اخترت ان يكون هكذا .
زادت سرعة الريح , ودفنت اثار الحياة الجديدة في المكان المقدس ذاته , لفته بهدوء ومضت بخفة ..انها لاتطالبه بشىء ، لقد منحها اشياء لم تكن تحلم بها . ولكنها لاتحتاج نتاجه الرائع هذا . انها تحب لعبة الحياة , تمارسها بغفلة وغباء ولكن بشىء من الاثارة , وهذا المخلوق الصغير يعيقها عن ذلك . ماذا افعل بك ؟ انا لاافهم شيئا ..كيف حدث كل هذا ؟ انا بصحة جيدة . لقد استردت عافيتها الان ولن يوبخها ابوها ثانية . سأخلع رداء الاختفاء وانطلق بحرية مجنونة . لقد حسمت امري ، والوقت ليس بصالحي . علي ان اسرع . قلبي يطاردني ولاشىء غير الظهيرة اللافحة ، الساعة تقترب من الثانية والشمس تسلطت على كل شىء . انها تخطو خطوات متسارعة . بدا المعمل مهجورا في هذا الوقت , ذهب الجميع للغداء . عبرت الشارع العام بسرعة , لاسيارات . تفحصت المكان عن بعد وشدّت على الحمل المتثاقل . قنبلة موقوتة في يديها . الحظ يسعفها ،(لابد ان ينام طويلا..آه..).لاصوت . لااحد في المكان . الصمت يأكل كل شىء . تسللت الى المعمل . خطوات وئيدة . حبست الانفاس . واجهت الفرن .لاشىء غير النار والطابوق . لحظة مرت . لاتردد. ورمت حملها في البحر الناري المتكور لافتراس الحقيقة والمجهول . امتزجت رائحته المميزة برائحة الطين الارضي المحترق والنفط الاسود والدخان الغاضب . طين يحترق ليجف , ..ليكون شيئا مفيدا. البشر كلهم احترقوا فشكلوا عالما مفيدا . طين ابدي لن يتوقف مدّه أبدا . وانتشرت الرائحة فملأت زوايا المكان الموشح بسواد قديم . أعرفها هذه الرائحة ، لقد غمرتني وانا ادفن رأسي بين رقبته العارية وكتفه العريض . حلم يسحر الروح ويشل القلب . لحظات وانتهى كل شىء. جسدي يرتعد . يرتعد . الدخان يطاردني, وانا ارتجف . وانهارت على صخرة سوداء من بقايا العصر الرمادي او من بقايا الفرن . اين انا ؟ قرب الرصيف . واسندت رأسها الى عمود الكهرباء الساخن والشمس تكاد تمس الارض بحرارتها المجنونة . سلمى . سلمى . من يناديني ؟ الساعة تقترب من الرابعة عصرا . ازدادت حركة الطريق. سيارات متلاحقة . سلمى . لمحت شاحنة صفراء . فارغة . مرت عليها بسرعة وتوقفت بعيدا عند السدرة الضخمة . لمحت فتاة تتسلل بخفة . تفتح الباب . شىء ما يشدها, وتطبق الباب بقوة . سرعان ما تحركت الشاحنة مخلفة ورائها عاصفة من التراب . آه .. لعبتي تتكرر. سلمى . بردت اطرافها وحل السلام في عالمها المهووس بالريح والدخان والحلم الخالد . هرولت نحو المعمل ذي المدخنة العملاقة والفتحات الثمان. ولكن ايها التي دخلت منها ؟ ايها..؟ لاادري . ولااريد ان اعرف . كان ابوها بانتظارها متكئا على عكازه القذر, يرنو اليها بعينين مغضبتين. اين كنت ..؟ لماذا تتركيني وحدي ؟ لماذا تتركين العمل ؟ لماذا ؟ واستمرت اسطوانة التوبيخ زمنا ، وهي تضحك في سرها . رفعت العربة اليدوية المحملة بالطين والتراب ومضت نحو المعمل ، تلهو عن الحلم المبعثر بين اجزاء المكان المحترق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما حقيقة اعتماد اللغة العربية في السنغال كلغة رسمية؟ ترندينغ


.. عدت سنة على رحيله.. -مصطفى درويش- الفنان ابن البلد الجدع




.. فدوى مواهب: المخرجة المصرية المعتزلة تثير الجدل بدرس عن الشي


.. الأسطى عزيز عجينة المخرج العبقري????




.. الفنانة الجميلة رانيا يوسف في لقاء حصري مع #ON_Set وأسرار لأ