الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


زمن الأستحقاقات

فريد حداد

2005 / 3 / 10
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


زمن الأستحقاقات
تمر على سورية اليوم , ظروف بالغة الخصوصية والدقة . ولا تتأتى خصوصية الظروف تلك , ودقتها , من ما يسميه الصاخبون الببغائيون بالهجمة الأمبريالية – الصهيونية التي تستهدف النظام سورية وتواجده في لبنان . بل تتأتى , عن استحقاق تصفية حسابات نجاح الهجمة الأمبريالية – الصهيونية – الأستبدادية على الشعب العربي , و منه الشعب السوري , والتي كانت من أهم نجاحاتها , تثبيت وتمكين النظام الأستبدادي في الحكم بسورية عام 1970 . وامثاله في البلدان العربية الأخرى .

انها مرحلة تصفية الحسابات , بين النظام الأستبدادي الذي ارتضى لنفسه ان يهمش شعبه لمدة 35 سنة , باحثاً في الخارج عن مصادر دعمه وحمايته وشرعيته , وبين تلك القوى التي أمّنت له ذاك الدعم والحماية في مواجهة شعبه .

انها مرحلة تصفية حسابات بين النظام الأستبدادي الذي نزع السياسة من مجتمعه ودفع شعبه للأنكفاء والأبتعاد عن الشأن العام , وبين المستفيد من هذا الأنكفاء الشعبي - الغير مباشر - الذي اسقط عراق ال.27 مليون مواطن بثلاثة اسابيع .
تصفية حساب بين من انهك مجتمعه قمعاً وافقاراً واذلالاً , وبين من أمّن لهم الغطاء لذلك خلال عقود طويلة , والقادم اليوم عبر المحيطات ليقطف ثمار دعمه السابق للديكتاتوريين , الذين نفّذوا مهامهم بنجاح .من خلال تدمير مجتمعاتهم , وارهاق شعوبهم , وتحويلها للقمة سائغة , سهّل على الأستعمار ابتلاعها في العراق , كما سيقدمها اليوم في سورية وباقي البلدان العربية الأخرى . .

ولكن لماذا يتم الحساب ؟
لقد أوكلت الولايات المتحدة , الى النظام السوري , منذ مطلع السبعينات , مهمتين اقليميتن كبيرتين ومتداخلتين - ناهيك عن ترتيب وضع البيت السوري - وهما . ترتيب شأن البيتين الفلسطيني واللبناني . ولقد تداخلت هاتين المهمتين , بسبب التداخل القائم بينهما بفعل التواجد الفلسطيني المقاوم والمسلح على أرض لبنان , بعد الضربة الأليمة التي ألمت بالمقاومة الفلسطينية في الأردن على يد النظام الأردني , وانتقالها للعمل من خلال الأرض اللبنانية . وقد تلخصت الواجبات المعطاة للنظام السوري بما يلي :

1 – تدمير العمل العسكري الفلسطيني , أو تحجيمه للحدود الدنيا , وابعاده عن الحدود مع فلسطين المحتلة قدر المستطاع . وقد تم فعلاً تنفيذ هذا العمل بنجاح كبير , حيث تم اخراج المقاومة الفلسطينية من لبنان بشكل نهائي بعد قتل أكبر عدد ممكن من رجالها .

2 – تأمين الهدوء على الجبهة السورية الأسرائيلية مع ما يستدعي ذلك من انهاء التواجد العسكري الفلسطيني في الأراضي السورية , واقفال معسكرات تدريبهم . ما عدا تلك التي تنشط تحت أمرة المخابرات السورية , لغايات , ليس الكفاح الشعبي في سبيل تحرير الأرض أحدها . ولا يُخفى على أحد بأن جبهة الجولان مغلقة باحكام منذ عام 1973 امام اي عمل مقاوم سوري اوفلسطيني , رسمي او شعبي .

3 – ضبط المجتمع اللبناني وقواه السياسية , بهدف منع قيام اي نظام وطني ديمقراطي , متجاوزاً الأنقسام الطائفي الذي كان وما يزال المجتمع اللبناني يعيشه .

وبمقابل تنفيذ تلك المهام , تُطلق يدي النظام , في سورية ولبنان , نهباً , واستعبادا , ً واستغلالاً, كما يدخل النظام بحد ذاته تحت مظلة الحماية الأمريكية . على ان يبقى الأمريكي ماسكاً بمفاتيح الملاعب , يفتحها لمن يشاء ويرسم على أرضها حدود الحركة للاعبين والتي لا يجوز عبورها . في زمن كان للأتحاد السوفيتي دوراً في دعم من يريد الخروج قليلاً عن الحدود المرسومة , حيث كان يهدف الخروج عن ما هو مرسوم الى الحصول على بعض المكاسب ومن ثم العودة الى داخل الدائرة . ولم يكن هناك ضيراً من تغليف ذاك الخروج عن المرسوم , بغلاف النضال , والتصدي للأستعمار , وما شابه

لقد أستمرأ النظام الحاكم في سورية لعبة القفز فوق الحبال بين الكبار, عندما كان كلٍ منهم بحاجته لأهدافه الخاصة , و قد ادمن النظام هذه القفزات معتقداً بذلك انها ادخلته نادي الكبار , هذا الأعتقاد الذي دفعه لتصدير نفسه بان دوره في المنطقة هو اكبر من حجم سورية البلد وامكانياتها , وان له دوراً محورياً لايمكن لأحد ان يتجاوزه . هذا التبجح الذي ظهر مجدداً على لسان بشار الأسد عندما قال ان " امريكا ستكتشف سريعاً ان لسورية دور هام في احلال السلام في العراق ولبنان وفلسطين " . متناسياً بذلك انه بعد انهيار المنظومة الشرقية , تقطعت كل الحبال , وان لاخيار لديه الا بالسير على الطريق الوحيد , الذي يرسمه الكبير الوحيد في عالم اليوم , الذي سئم لعب الصغار , ولم يعد بحاجة لخدماتهم . ان القواعد الجديدة للسياسة الأمريكية في منطقتنا تنطلق من تحجيم كل انظمة الحكم فيها وسجنها داخل حدودها القطرية , مع احتمال التضحية مستقبلا بها , تقرباً من شعوب المنطقة , ولتظهر نفسها بانها " محررة الشعوب من الطغيان . وحاملة مشعل الحرية والديمقراطية " .

لماذا الحساب الآن ؟
لقد انجزت الديكتاتوريات العربية , ومنها السورية , ما تم التعاقد عليه منذ مجيئها الى سدة الحكم . و منها تدمير البنى الأساسية للمجتمع , واضعاف الوحدة الوطنية , وخلق هوة كبيرة بين الفقراء ولصوص المال العام , وارهاق الناس في عيشها , وترويعها , واذلالها . مما أدى بدوره الى وضع الديكتاتورية لنفسها في خانة الأنظمة الكريهة التي لم يعد يحتاجها أحد , فاصبحت عالة حتى على من تبناها من البداية , فتنكر لها , وسحب غطاءه لها خارج حدودها .
وفي ظل تلك المناخات , فقد اثار النظام السوري العالم عليه , عندما نسي او تناسى , بانه يعمل بلبنان بموجب عقد عمل , وتصرف وكأنه يعمل لحسابه الخاص , فكان التمديد للحود . كما كانت مساعيه لتعميم تجربته اللبنانية ( في دعم أطراف ضد أخرى اليوم والعودة الى النقيض غداً في مسعى لتدمير الجميع وفرض سلطته عليهم ) الى العراق وما ينجم عن ذلك من ازعاجات للمحتل ( رب العمل أو الطرف الآخر في العقد ) . فكان انهاء عقده في لبنان من خلال القرار 1559 . وتركه بدون غطاء حماية امام غضبة الشعب اللبناني في الأيام اللاحقة .

لقد اتى اغتيال الشهيد رفيق الحريري وبغض النظر عن القاتل الفعلي . عملاً منسجماً مع اعمال كثيرة ومتشابهة قامت فيها المخابرات السورية في لبنان على مدار ال. 29 سنة الماضية , والتي لا بد انها كانت تتم تحت انظار الكبار وبعلمهم ورضاهم . فكان ذاك الأغتيال , العامل الذي وحد اللبنانيين بغالبية طوائفهم واحزابهم في معارضتهم للوجود العسكري – الأمني على ارضهم , وكان هذا نجاحاً كبيراً حققه النظام السوري في لبنان ولمصلحة اللبنانيين من دون ان يقصد او يريد ذلك . كما كان المحرك القوي لكل مشاعر القهر والأستياء المكبوتة في الصدور عبر السنوات الطويلة الماضية من ممارسات الأستخبارات السورية في لبنان , التي لا يمكن وصفها الا بممارسات اجهزة مستعمِرة بكل ما للكلمة من معنى . ولم يفت الشعب اللبناني وقواه السياسية والأجتماعية , فرصة سحب الغطاء الدولي في لبنان , عن نظام كريه ومكروه , ليتحركوا مطالبين بحريتهم , وسيادتهم , واستقلالهم , بعد ان أخذوا قسطاً عن اشقائهم السوريين في تحمّل استبداد بغيض طيلة هذه السنوات , فكانت انتفاضتهم الحالية للأستقلال التي سيكون فيها للبنانين شرف البداية , لأنتفاضة اوسع , تكنس كل انظمة الطغيان , وتفتح طريق الحرية للشعب العربي في كل اقطاره .

. لقد طفح الكيل مع الشعبين العربيين في سورية ولبنان , من طروحات مستبديها المدعيّة الوقوف بوجه العدوان الخارجي , وتحرير الأراضي المحتلة , والحفاظ على الوحدة الوطنية , والتقدم والأشتراكية وغيرها وغيرها . بعد ان تبين لهما , ان الطغاة انفسهم , هم من اداموا العدوان الخارجي على الأمة , وتسلحوا به لقمع الداخل العربي , بعد ان حولوا مجابهة العدو الخارجي , من عمل شعبي وطني بهدف تحرير الأرض , الى عمليات مخابراتية , غالباً ماتتم عبر وكلاء , وتهدف الى ابتزاز الكبار, والأغنياء , بهدف تحسين المواقع السلطوية وامكانياتها في القمع والسيطرة , والحصول على الرشاوي والمغانم . وانهم من دمر الوحدة الوطنية , عن طريق سياسة خلق الأزلام , وشراء الذمم , وتعميم الفساد , وتدمير مؤسسات المجتمع المدني .
لقد دأب نظام التضليل في سورية على الربط دائماً بين كل مطلب جماهيري بالحرية , بالتحركات الخارجية التي تستهدف " صموده " وها هو اليوم يعود لهذا الربط بين انتفاضة الشعب اللبناني في سبيل استقلاله وسيادته وحريته والقرار 1559 الذي هو بالفعل قرار انهاء تفويضه في لبنان , وسحب الغطاء الدولي عنه في لبنان . وغداً وفي العاشر من آذار , ومع اعتصام الشعب السوري امام القصر العدلي بدمشق للمطالبة بانهاء الأستبداد وغيره من المطالب الديمقراطية , والتي ستكون امتداداً وتكملة للآنتفاضة اللبنانية . سيعود النظام لهذه الأسطوانة المشروخة لهذا الربط متناسياً ان القوى الديمقراطية السورية مازالت منذ 25 سنة تدفع من حياة مناضليها وحياة اسرهم ثمناً للأنتقال من الأستبداد الى الديمقراطية .
فريد حداد 732005








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الضفة الغربية: مقتل 7 فلسطينيين بنيران القوات الإسرائيلية في


.. زيلينسكي يطمئن الأوكرانيين ويعيد التأكيد على الحاجة الماسة ل




.. الأطفال في لبنان يدفعون غاليا ثمن التصعيد في الجنوب بين -حزب


.. ردود فعل غاضبة في إسرائيل على طلب إصدار مذكرات توقيف بحق نتن




.. جيل شباب أكثر تشدداً قد يكون لهم دور في المرحلة المقبلة في إ