الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التويتر من عصفور مغرد إلي صقر محارب

ريهام عودة

2012 / 11 / 19
القضية الفلسطينية


إنه الطائر الأزرق الصغير الذي يغرد بأصوات الهاربين من عالم الواقع إلي العالم الافتراضي الالكتروني عبر موقع التويتر الشهير .
فأصحاب تلك الأصوات لا يحتاجون للسفر إلي كافة أنحاء العالم لكي يتحدثوا عن قضاياهم و يعبروا عن ألامهم عبر منابر وكالات الإعلام الدولية و التجمعات الشبابية العالمية و هم غير مضطرون للانتظار لعدة أيام من أجل تحديد موعد لاجتماع مع مسئول دولي كبير قد يكترث لندائهم العاجل لإغاثة سكان مدينتهم الجريحة و لا يرغبون أيضاً بالانتظار ليوم واحد أمام باب منزل نجمهم الفني المفضل لكي يطرحوا عليه سؤالاً حول أخر أعماله الفنية و مغامراته العاطفية.

إنهم بكل بساطه شباب غزة الذين يغردون ويسافرون عبر طائر التويتر الجميل و يرسلون رسائل الحب و العتاب للعالم كله ،بصوت عصفور سجين لا تحتمل حنجرته الصغيرة سوى 140 حرف فقط ، فهو يغرد بعدة لغات من العربية الي الانجليزية أو أي لغة أخرى يمكن أن تعتمدها لوحة مفاتيح حاسوبهم الشخصي.

إنني أستطيع أن أجزم هنا بأنه قد لا يوجد شاب فلسطيني مثقف في غزة ليس لديه حساب مجاني في مواقع التواصل الاجتماعي الإلكترونية ، فندرة الأماكن الترفيهية و النوادي الشبابية في قطاع غزة تجعل معظم شباب غزة يتهافتون لاحتضان هواتفهم المحمولة من أجل التواصل عبر المواقع الالكترونية الاجتماعية مع ذويهم و أقرانهم المتواجدون في كافة أنحاء العالم ،فهم يعبرون بكل حرية عن أرائهم المتنوعة حول الحياة و السلام أو الحرب و الثورة و ذلك من خلال عبارات نصية قصيرة تلخص مدى الألم النفسي الذي يعانون منه جراء الانقسام الفلسطيني و واقع الصراع الاسرائيلي الفلسطيني المرير الذي أنهك قوى الكبير قبل الصغير و الذي ورثه الأجداد للأحفاد من أحلام العودة إلي الديار المهجرة و أحلام الحرية و الاستقلال و الوحدة الوطنية الفلسطينية.

ومابين السياسة المتقلبة و الأوضاع الاقتصادية المتردية في قطاع غزة ، تلمح عيني زائر أعشاش التويتر التي تسكنها الطيور الشابة الفلسطينية نص لتغريده ذات ابتسامة ساخرة تصدر من شابة مقبله على الحياة بكافة ألوانها الرمادية و الوردية تحاول أن تمازح شاباً متقمصاً لدور مراسل الأخبار العاجلة وتقول له: "لماذا تستمر بنقل الأخبار الحزينة التي أصبحت جزءً لا يتجزأ من حياتنا اليومية و التي أصبحت أيضاً واقعاً لا نستطيع أن نتغلب عليه ؟ فلنستمع سوياً عبر مقطع اليوتوب لقصيدة لمحمود درويش يقول فيها :على هذه الأرض ما يستحق الحياة".

فيستمع الشاب إلي القصيدة لعله يجد مسكن لعقله المرهق بسبب مشاهد العنف و الانقسامات و الحروب و الأخبار المؤلمة حول الجرحى و الشهداء و التي تتوارد اليه كل ثانية من أصدقائه المتوترين عبر التويتر ، و تمر الثواني فإذا به يسمع فجأة صوت يغرد من بعيد باللغة الانجليزية و يقول "أوقفوا الصواريخ الفلسطينية " فتثار حماسة هذا الشاب مرة أخرى و يقوم بدعوة أصدقائه المغردين الفلسطينيين و العرب من أجل شن هجوم مضاد و بالتغريد بصوت واحد مرتفع يقول :
" أوقفوا القصف على قطاع غزة " و يتحول بعدها طائر التويتر الوديع إلي صقر ثائر يحلق بين سماء الطيور الاسرائيلية و الطيور الفلسطينية ينقل رسائل تهديد و وعيد من كلا الطرفين و تستمر المعركة الالكترونية حتى أخر لحظه لم ينقطع فيها التيار الكهربائي من أعشاش الطيور الفلسطينية المعلقة بأشجار زيتون غزة.
و مع أصوات القصف المرعبة من قبل الطائرات المحاربة الإسرائيلية تهتز جذور الأشجار و تستيقظ طيور التويتر الفلسطينية من نومها القلق فتشعر بالتهديد و يزاد غضبها و انفعالها أكثر فأكثر فتقوم بمهاجمة أسراب طيور التويتر الاسرائيلية و آبائهم مرةً أخرى حيث منذ بضعة دقائق قام أباء تلك الطيور الاسرائيلية بقصف بعض الأعشاش الفلسطينية الآمنة و كسر بيضها الذي كان ينبض بالحياة، فترد عليهم حينذاك الطيور الاسرائيلية موبخةً لهم: نعم لقد كسرنا بيضكم و لكن بالخطأ لم نقصد ذلك ، فآبائكم يقصفون الآن أعشاشنا و يقلقون نوم أفراخنا الصغار بسبب سهامهم المشتعلة في سمائنا الزرقاء التي تحميها قبة حديدية قد لا تنجح أحيانا في ابتلاع تلك السهام.

وتستمر المعركة و الاتهامات المتبادلة بين الطرفين حتى تزدحم صفحة التويتر و تنهك قوى المتحاربين و ذلك تحت مرآي العاملين في مجال الإعلام الدولية و أمام جمهور الكتروني عريض منقسم بين معارض ومؤيد و غير مكترث لتلك الحرب الالكترونية.

و أخيراً أود أن أؤكد أنني في هذا المقال لا أتبنى وجهة نظر أي نوع من الطيور المذكورة فيه و لكنني أحاول أن أنقل بكل موضوعية صورة رقمية لواقع الحرب الالكترونية بين المغردين الفلسطينيين و الإسرائيليين ،فلكل طائر محارب مبرراته و أسلوبه الخاص في كيفية الدفاع عن النفس و في كيفية تبرير استخدامه للقوة في انهاء الصراع ،فهناك أسراب من الطيور الفلسطينية تعتبر المقاومة المسلحة حق شرعي لها و تعتبرها وسيلة فعالة لاسترداد حقوقهم الوطنية و ردع المعتدي عليهم و هناك أسراب من الطيور الإسرائيلية التي تعتبر أن أسلحة جيشها المتطورة الفتاكة هي التي ستحمي أفراخهم الصغار من الخوف و بيضهم من الكسر .

الكل يحاول أن ينتصر لكن لا أحد يستطيع أن يتوقع كيف ستكون نهاية ذلك الصراع المرير و الطويل الأجل ،و لا أحد يستطيع أيضاً أن يتنبأ من هو الفائز ،ففي الحرب قلما يوجد فائزاً لأن الحروب عادةً لا تجلب لأهلها سوى الدمار و الضياع و المستقبل المجهول.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماذا وراء سجن المحامية التونسية سنية الدهماني؟ | هاشتاغات مع


.. ا?كثر شيء تحبه بيسان إسماعيل في خطيبها محمود ماهر ????




.. غزة : هل توترت العلاقة بين مصر وإسرائيل ؟ • فرانس 24 / FRANC


.. الأسلحةُ الأميركية إلى إسرائيل.. تَخبّطٌ في العلن ودعمٌ مؤكد




.. غزة.. ماذا بعد؟ | معارك ومواجهات ضارية تخوضها المقاومة ضد قو