الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الوعي الاجتماعي والسخرية اللاذعة في - الربيع حلم شتوي- للقاصة صالحة سعد

نجية جنة

2012 / 11 / 19
الادب والفن


" الربيع حلم شتوي" مجموعة قصصية صدرت عن دار التنوخي سنة 2012 للقاصة المتأملة صالحة سعد التي تتميز كتاباتها بالإيحائية
و التلميح ، تتدثر بلغة واضحة وأسلوب سهل شاعري ، ولكن القارئ عليه أن يلتقط ما بين السطور، فرغم الوضوح الظاهر للقارئ البسيط إلا أن القارئ الذكي المتمعن سيجد لذة كبيرة في استقراء المغزى الذي تتغياه الكاتبة .
من هنا يمكنني أن أجزم بأن القص اللذيذ الرومانسي الذي يمتع القارئ ما هو إلا تصوير واستقراء للواقع، وما شخصياتها إلا رموزا لمآسي وأحداث واقعية مريرة. فصالحة توظف لغة تشير إلى معنى غير المعنى الظاهر وهنا تكمن جمالية نصوصها، تخاطب عدة مستويات في آن واحد ولكل أن يؤول الرموز حسب مستوى إدراكه للمشكلة أو القضية، ولكن في نهاية المطاف سيشتركون في كون كل القصص تعبر عن خيبة الأمل وضياع الكرامة و الحرية و الحب.
كما تعتمد القاصة صالحة في بعض نصوصها على الومضات السريعة التي تترك أثرا بليغا على المتلقي ، وهذا من خصائص القصة القصيرة جدا التي نمت وتطورت في العصر التكنولوجي الحديث وهي من النوع الذي يتطلب جرأة كبيرة وقدرة فائقة على صياغة حبكتها لما تثيره من أسئلة ونقاشات .يقول الدكتور أحمد جاسم الحسين "إن تلامح الجرأة قد يتطلب تكاثف ثلاثة عناصر: الأول واقع مأزوم ممتلئ بالأخطاء والعثرات ، والثاني قاص واع بالأمور يحلل ويؤول ويغوص في أعماق الواقع ...و العنصر الثاني، وهي قصة ذات تقنيات خاصة يجترحها الكاتب من عمق معاناته ومن ثروته الثقافية"1 كل هذه العوامل تجتمع في قصص صالحة سعد ، فهي تحاول فضح الفساد والإشارة إلى مكامن الخطأ بجرأة وبعمق وتكثيف ، تارة بأسلوب واضح وأخرى عن طريق إيحاءات ودلالات رشيقة.تقول قصتها"ربيع الذاكرة" ص 7 "كنا نراه كل صباح في جريدة ..وعلى رأس كل خبر في عنوان..يرتدي دائما بذلة رسمية ...منذ أشهر..فقد كساءه..وصار يتمشى عاريا كل مساء ..في ذاكرة الجماهير..." توظف السخرية لفضح شخصية سياسية بعدما فقدت منصبها، لقد افتضح أمر هذا السياسي وفقد مصداقيته لذا الشعب،وفي قصة "انطباع" ص 39 " صباح الإعلان عن نتيجة الانتخابات. كان البعض يمشي مقطبا... و البعض يمشي حائرا...كأنهم خائفون... وكأنني أقرأ ما لا يشتهون...فرأيت ..أنه على القادمين الجدد.. استصدار قرار ، لإحداث وزارة ، يكون همها ..تعبئة ماء الفرح وتوزيعه على الناس خوفا علينا من إدمان الضجر.." هنا صالحة تحلم بوضعية مثالية لكنها بطرقتها الفكاهية تسخر من وضعية الواقع السلبي، أما في قصة "انكسار" ص 38 تسرد القصة وضعية الناس الذين ليس لهم ضمان اجتماعي يحميهم عوز الشيخوخة " النادل الذي لم أره منذ سنين ...كان..في مقهى الجامعة.وجدته اليوم في طريقي..في تلك الأرض الجافة...يجلس بجانب الطريق وحيدا ، وقد طال شعره وتدلت لحيته ...يحمل في يده لوحة إشهارية مكتوب عليها مرحبا بكم في مقهى ومطعم البحر الكبير"
أما القصة حلم ص 28 فتتناول مشكلة الشباب المحبط الذي يظل يجتهد ويكافح ويناضل من أجل أن ينال دبلوم أو شهادة ليفاجأ أخيرا بخيبة أمل ويصدم بواقع مأزوم فيسقط حلمه ويكون عبرة كارثية تسبب في إحباط العديد من الشباب " ظل سنينا طويلة يتسلق سلم الحلم ....خرج يحضن شهادته فخورا بنفسه..لكن الأبواب كانت موصدة ...لم يعد بداخله سوى حجر ثقيل ..أبقى عليه ليوصد أبواب الآخرين.."
تعزف صالحة على أوتار جد حساسة في المجتمع ، سواء سياسية او اجتماعية او اقتصادية بأسلوب ساخر مؤثر.
كما تثير قصة "انهيار" موضوع البنايات المغشوشة الذي نتج عن جشع وطمع شركات العمران التي دفعت بالعديد إلى أخذ قروض ريباوية من البنوك للظفر بسكن لائق ولكن صدمتهم ستكون كبيرة حينما يفاجئون بالبنايات المغشوشة ، إنها معضلة إقتصادية نتجت عن تفشي ظاهرة الغش والخداع والربح السريع.
في بعض القصص يصعب على المتلقي أن يميز بين القصة القصيرة وبين القصيدة النثرية ، فأسلوبها الذي يميل إلى الرمزية والتكثيف والاختزال سيحيلنا على الحالة النفسية القلقة المتأملة في مظاهر الكون والحياة وبالتالي سنجد صالحة تندمج لتعبر عما يخالج ذاتها، وهنا سيتخذ أسلوبها صفة الشاعرية الرومانسية. تقول سعاد مسكين "تكتسي القصة القصيرة جدا خصوصياتها الشعرية واقترابها من الشعر عبر أجوائها التعبيرية الرمزية (الصور و المجازات) وعبر كثافتها الشديدة (الاقتصاد) وعبر هرمونيتها الداخلية (الإيقاع)2 كما في ص64 "
ريح دق على بابي
انكسر له خاطر الحرف
قلت ليتك تجعل هباتك
على قلبي سرا
خوفا علي من صحوة العمر .."
كما نجد في قصة ضجرأيضا ص48
" حينما أنهت كتابة آخر قصة لها
رمت مذكرتها بعيدا حين فاجأتها فكرة طارئة..
فهي لا تفعل شيئا في حياتها الشبيهة بحياة الرهبان
سوى أنها تكتب لصور حزينة ..و تجارب مريرة
تسخر فيها من الناس والحياة والأشياء"
في مجموعتها القصصية " الربيع حلم شتوي" تكتب صالحة القصة القصيرة بحجم صفحة كاملة أو صفحة ونصف تعتمد على شخصيات رمزية وأحداث وصور واقعية توظف النكتة التي تعتمد السخرية اللاذعة تحكي عن علاقة المرأة بالرجل وعن تعدد الزوجات والزنا وعن العلاقة الغير الشرعية التي تسبب في مشاكل عويصة داخل المجتمع منها أطفال الشوارع وظاهرة البغاء المتفشية والسلوكات التي لا تمت للإسلام بأي صلة .
في قصتها "مسافة "ص 33 رجل بلحيته الكثة، يسير إلى جانب امرأة تتمايل بجسدها الثقيل داخل جلبابها الفضفاض..فجأة رقصت عيناه ومال جهة امرأة مرقت بجانبه...قال...أنا لا أفعل شيئا ، سوى أنني ألعن شيطان الجمال الذي كسر مسافة القرب بيننا...مشى وهو يعقد العزم على سبحته ..أستغفر الله .." قصة ساخرة ، فكاهية تعري الواقع وتكشف خبايا بعض السلوكات المشينة التي تتخذ من الدين ستارا لها.
إن المجموعة القصصية "الربيع حلم شتوي " تغري بالقراءة
و التأمل لما تتضمنه من نصوص هادفة تعالج أغلبها مشاكل واقعية ،كما عرفت صالحة بقصصها التأملية ذات الومضات السريعة والتي تتماشى مع العصر الرقمي الحديث .

الهوامش:
1)القصة القصيرة جدا ، مقاربة تحليلية للدكتور أحمد جاسم الحسين ، صدر عن دار التكوين للتأليف و الترجمة والنشر سنة 2010.
2)القصة القصيرة جدا ، تصورات ومقاربات لسعاد مسكين ص 21
3)الربيع حلم شتوي ، مجموعة قصصية صدرت عن دار التنوخي سنة 2012 ،ص 7-28-33-38-39-48-64








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المخرج كريم السبكي- جمعتني كمياء بالمو?لف وسام صبري في فيلم


.. صباح العربية | بمشاركة نجوم عالميين.. زرقاء اليمامة: أول أوب




.. -صباح العربية- يلتقي فنانة الأوبرا السعودية سوسن البهيتي


.. الممثل الأميركي مارك هامل يروي موقفا طريفا أثناء زيارته لمكت




.. أمسيات شعرية- الشاعر فتحي النصري