الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الآخر في قول سربست نبي

سلمان بارودو

2005 / 3 / 11
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


أثارني في إحدى المواقع الإلكترونية المقال الموسوم ب : جدل المواطنة والسيادة – قراءة في ترشيح جلال الطالباني لرئاسة العراق . للكاتب والأكاديمي الكوردي سربست نبي .
حيث تناول الكاتب في هذا الموضوع مسائل عامة ونوعية تخص واقعنا الراهن بكل تجلياته وتداعياته وباسلوب تحليلي نقدي وفي إهاب خطاب سياسي واقعي وشفاف خال من أي لبس أو غموض ، كمسألة المواطنة والحقوق والواجبات والأقلية والأكثرية والتعايش المشترك بين الشعوب والأقوام وتداول السلطة ديمقراطيا بعيدا عن سياسة الإقصاء والإنكار وشطب الآخر .
حيث يقول الكاتب : (( من نافل القول, إن وطناً قائماً على التفاوت بين مواطنيه والتمييز بين مكوناته لا يمكنه أن يكون وطناً للجميع على نحو عادل ومتساو. فلا يشكل الانتماء إليه إلا شكلا من أشكال العبودية .إن مفهوم الوطن نفسه والمواطنة هما ما ينبغي التحقق منهما في مثل هذه الحالة . فتصور وطن وفق هذه الشروط والأوضاع هو تصور تقوده الرغبة العمياء في التسلط والجور والاستعلاء , إنه تصور يؤدي مجدداً إلى وطن مفكك يسوده التنازع والاحتراب , فلا يمكنه أن يكون وطناً حقيقياً للأحرار, ومن الصعب علينا أن نسلم أو نضمن بأن المواطن فيه سوف يتمتع بالحرية والعدل )) .
إزاء ذلك تبرز المسؤولية الملقاة على عاتق الكتاب والمفكرين والمثقفين في أن يمتلكوا الجرأة اللازمة ، وأن يتحملوا مسؤولياتهم تجاه مواطنيهم وشعبهم في مواجهة سياسة التمييز العنصري القائمة التي ما عادت تتناسب وروح هذا العصر وقيمه ، والمساهمة في تنوير الوعي وتحريره من الأوهام العنصرية والأباطيل والأضاليل ، والدفاع بلا هوادة عن كرامة الوطن والمواطن ، والمشاركة بفعالية في القضاء على التخلف والعبودية الاجتماعية والروحية ، وأن يعتبروا الحرية جوهر كل إبداع .
حيث أن الكثير من المثقفين العرب يتجاهلون هذه الحقيقة الماثلة للعيان ، فلا يكترثون بالمسؤولية الملحة ويتنصلون منها نتيجة العقلية الشوفينية والاقصائية التي تمتلكهم وتسود أذهانهم فيعمدون إلى شطب الآخر من دائرة الحق والواجب .
وفي جانب آخر يقول الكاتب سربست نبي : (( إذن ليس ثمة تعارض بين انتماء الفرد الخاص وانتمائه العمومي لدولة السياسية ، حينما يكون موقف الدولة ممثلا لجميع مكوناته . فالخاص يصبح متمثلا في العام والعام يغدو ممثلا للخاص في هذه الحالة . ولا يعود دين بعينه أو قومية محددة دون سواها هي روح الدولة أو جوهرها الإيديولوجي ، فالدولة السياسية الحديثة ، الدولة الديمقراطية لا تحتاج أصلا إلى دين أو أية إيديولوجية قومية من اجل إكمالها السياسي ، لأنها تحقق في ذاتها الأساس الدنيوي الواقعي للدين والقومية بطريقة حرة .
إن إلغاء التفاوت السياسي بين المواطنين يتم بإلغاء الطابع القومي أو الديني للدولة ، وعندئذ تؤلف المواطنة وحدتها وتنحل الفوارق وأشكال التمييز بالمواطنة ذاتها )) .
هذه الحقيقة يجهلها أو يتجاهلها العديد من النخبة المثقفة العربية الذين اعتادوا على العقيدة القومية التي لا تقر بواقع الآخر المختلف وتنفي حقوقه في الاختلاف .
إن واجب المبدع أو المفكر هو إيجاد وتوفير مناخات صحية في المستقبل للعيش الحر المشترك في النظام الديمقراطي وليس سياسة الإنكار وشطب الآخر ، وهو حتما سيكون الحل السليم والأنجع لجميع المشاكل العالقة والموجودة في المنطقة . كما ويجب تطوير المحتوى الحضاري لشعوبهم ، وخدمتهم قضاياها المصيرية
لتحتل المكانة اللائقة بها ، في اتجاهات التقدم الإنساني والتسامح والحوار العقلاني هذا هو جوهر رسالة الكاتب سربست نبي .
حيث يقول الكاتب : (( فلم يكن بوسع أي فرد آخر ممارسة دوره السياسي كمواطن , في حدّه الأدنى, من موقع هويته القومية أو خصوصيته الثقافية , إذ كان عليه أن يتطبع مع المجالين السياسي والاجتماعي للنظام حتى ينصهر معه تماماً. كل ذلك عبر وسائط ومن خلال حزب أو عبر جهاز كلي القدرة , فلا يبقى لهذا الفرد من هوية مجتمعية أو خصوصية إنسانية أو قناعة أو رأي إلا بمقدار ما تستجيب لهذا الغرض )) .
يتضح من كل ما سبق أن لا شيء تخافه معظم الأنظمة الاستبدادية ، إن لم نقل كلها ، أكثر من الثقافة النقدية الحرة ، وعليه فهي لا تكتفي بمصادرة حرية الثقافة والمثقفين من خلال مؤسساتها هي فحسب وإنما تسعى إلى خلق أبواق لها في دأبها للحفاظ على استمرارية تسلطها ، بل إنها تمضي إلى أبعد من ذلك ، باستئجار نقاد ومثقفين للحط من قيمة خطاب الآخر الذي يمثله مفكرون يمتلكون شجاعة قول الحق بمواجهة الطغيان والظلم ، وتحاول طمس أسمائهم بوسائل مختلفة ، وتعمد إلى تغييبهم وإقصائهم إلى حين .
يحدد الكاتب مفهوم المواطنة في علاقتها بالسيادة وتبعية الأخيرة لها بقوله : (( إذ لا وجود لمواطنة حقيقية من دون سيادة ممثلة للعموم, ولا معنى للسيادة من دون مواطنة فعلية يتساوى جميع الأفراد على أساسها. إن المشاركة في السيادة هي حق لكل مواطن , فإن لم يكن أحدٌ مواطناً لوحده وسيداً على الآخرين فإن الجميع أسياد وأحرارٌ بالتساوي , وإذا كان جميع المواطنين أسياداً وأحراراً فلا مكان لعبودية أي فرد , وهذا الأمر يشهد عليه التجارب السابقة وستبرهن عليه اللاحقة )) . أن رسالة الكاتب سربست نبي واضحة من أن الرهان على العملية الديمقراطية وجعل القانون هو الحكم بين الدولة والمواطنين هو الطريق للوصول إلى تحقيق التغيير والإصلاح والإتيان بنظام سياسي ديمقراطي تعددي يلتزم بالدستور والقوانين وبمبدأ – التوافقية – كنمط متجدد يفرض نفسه بكل قوة وعزيمة على صعيد العلاقة بين كل من – الأكثرية والأقلية – وذلك بالشراكة العادلة وعلى أساس الاتفاق التعاقدي المسبق بضمانة الدستور بين الأطراف على تقاسم السلطة والثروة . حيث يقول الكاتب : (( إذ ليس من حق الدولة أو النظام السياسي أن تميز بين مواطنيها فتمنح الحقوق للبعض وتمنعها عن البقية بذريعة أيديولوجية ما ، بل عليها أن تتصرف بما يضمن المساواة بين أعضاء المجتمع جميعا وأن تعدل بينهم في الحظوة والمكانة لديها )) .
وهكذا يبدو أن الحاضر الآني والمستقبل الآتي بحاجة إلى حوار وتفاهم بين الشعوب والحضارات والأمم ذات الثقافات المتنوعة ، مما يوفر شروطا أنسب للمجتمعات المهددة بثقافاتها ووجودها الحضاري ، ويتيح لها إمكانيات أفضل للتعبير عن نفسها ومقاومة ضروب الهيمنة والظلم والتهميش التي تشكل إحدى أبرز سمات المرحلة ومفردات العصر .
وأود أن انوه في هذا الصدد بقول الكاتب والسياسي الكوردي مشعل التمو : (( لا أعتقد بأن من لا يمتلك ثقافة احترام الآخر ، ولا يفهم حقه ، وحق الآخرين ، وغير معني حتى بالعمل على التراكم المعرفي لهذه الثقافة ، ثقافة حقوق الإنسان ، فهو سيكون حكما غير معني بالإنسان خارج عقيدته وطائفته )) .
إن عدم الاهتمام بدور الثقافة والمفكرين والمبدعين الأحرار ، وتسخيرهم في بناء أسس الدولة الديمقراطية والمجتمع المدني الحر ، وترك المجال لقيادات انتهازية ، لا تعمل إلا من أجل مصلحتها فقط ، سيؤدي في النهاية ، ليس فقط إلى دمار بنية الاتجاهات الديمقراطية ، بل إلى زوالها نهائيا ، وهنا الطامة الكبرى . والأكثر من ذلك إلى تدمير المجتمع بكامله والسير به في اتجاهات ومتاهات قاتلة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. معاناة متفاقمة للفلسطينيين وتعثر التهدئة بسبب مواقف نتنياهو 


.. مصرع المئات بعد فيضانات مدمرة في أفغانستان ?




.. مشاهد لنسف الجيش الإسرائيلي بقايا مطار ياسر عرفات الدولي شرق


.. حزب الله: هاجمنا 3 أهداف إسرائيلية في مزارع شبعا المحتلة وثك




.. يوم ملتهب في غزة.. قصف إسرائيلي شمالا وجنوبا والهجمات تصل إل