الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تونس ترتقي إلى مصاف الفريسة المتميّزة

محمد عمامي

2012 / 11 / 21
مواضيع وابحاث سياسية


تثير " ترقية " تونس الى مصاف الشريك المميّز للاتحاد الاروربي جدلا كبيرا بين محتف و مندد. وكثيرا ما يكون التأييد أو الرفض مبننين على انطباعات شخصية أو مواقف قبليّة دون إلمام بالموضوع. ذلك ما تبيّنه عديد المقالات الصحفية و/أو التصريحات التلفزية المتعددة التي كثيرا ما تكتفي بالواجهة الاعلامية ولا تنفذ إلى المعبّر عنه والمسكوت عنه في الوثائق الرسمية الصادرة على المؤسسات الراعية للشراكة الاورومتوسطية عامة والشراكة الاوروبية مع تونس خاصة.
ونظرا لكون المجال لا يتسع لقراءة جدية لمجمل الوثائق الممضاة من مختلف "الشركاء" منذ انطلاق المشروع، فإننا على الأقل سنكتفي باستنطاق الإعلان المشترك (فيفري 2012) بين باروزو، بوصفه ممثلا عن المفوّضية الأروبية وحمادي الجبالي بوصفه ممثلا عن الحكومة التونسية، والهدف الفوري من ذلك هو لفت الانتباه إلى بعض المفاهيم المفاتيح الواردة في تلك الوثيقة، باعتبارها أساسا للشراكة المتقدمة أو المميزة المزمع إرساؤها، واستجلاء بعض ما تخفيه من كوارث محدقة بالثورة وبالشعب التونسي وبقية شعوب المنطقة.

„Task Force „قوة ميدانية" تستعجل التنفيذ"

يدخل مخطط العمل الذي أعدته مؤسسات الاتحاد الاوروبي حيّز التنفيذ بشكل متسارع لكبح المسار الثوري الجاري في تونس ولملمة أزمة الهيمنة التي يمر بها الرأسمال ودولته وللسهر على ذلك التنفيذ Task Force المتسارع، تم وضع قوة ميدانية اطلق عليها اسم
وتقرر المرور الفوري إلى منح تونس صفة الشريك المميّز، وهو ما يتطلب من حكومتها التزاما مميّزا هو الآخر يتمثل في تطبيق سلسة من الاجراءات التي تقوم عليها تلك المرتبة.

ولئن تم وضع تلك الاسس والمخططات في فترة حكم الباجي قائد السبسي، فإن حكومة النهضة التزمت بمواصلة المهمة وتعميقها. ويبيّن الاعلان المشترك المشار اليه سابقا ملامح المرحلة الجديدة في الشراكة الاستعمارية الاوروبية- التونسية.

وطبعا لن أتوقف عند الديباجات والعموميات التبريرية المعدّة للاستهلاك وسأكتفي، على العكس، باقتفاء أثر الاجراءات والتدابير والقرارات العملية التي سيكون انعكاسها مباشرا على الوضع الاقتصادي والسياسي والاجتماعي للبلاد.

الأولويات التي ترتكز عليها الشراكة المميزة

لقد اُرسي بصفة فورية مجلس مختلط من أصحاب المؤسسات الخاصة الاوروبية والتونسية لاشاعة الثقة في صلب المستثمرين الخواص بتنسيق مع السلطات من الجانبين فهم من يوجهون سياسات الحكومات وهم من يفرضون تدابيرهم لمزيد تنمية أرباحهم باسرع ما يكون وبصورة مضمونة وبدون عوائق. وتؤكد الاتفاقية على أهمية التوظيف المباشر للراسماليين الأوروبيين في تونس، وهو ما يجرّ حتما إلى حرصهم على رصد المناخ الاجتماعي والسياسي واتخاذ التدابير اللازمة للتاثير فيه بتدخل مباشر من دولهم المدعوة إلى السهر على إعادة تشكيل وتدعيم الدولة التونسية حتى تقوم بدورها التقليدي في حماية مصالحهم وفرض الطاعة
وفي نفس السياق يحرص الاعراف الاوروبيون على الاستعادة الفورية للمفاوضات حول خوصصة المواد الفلاحية والمواد الفلاحيّة المحوّلة والصيد البحري، وكذلك الامر بالنسبة للنقل الجوي الذي وقع الاتفاق على تحريره بدعوى إعادة اطلاق القطاع السياحي. ويعدّ الاتحاد الاروبي لتونس رزنامة للتفكيك اللامتماثل(1) لكل مظاهر حماية الاقتصاد المحلي.

من جهة أخرى يؤكد الاتفاق على تعميق اتفاقية التبادل الحرّ التي ستساهم في دمج تونس في السوق الاوروبية بهدف تكوين فضاء اقتصادي مشترك. ولسنا في حاجة الى توضيح النتائج الكارثية التي ستنجرّ عن هذا الدمج للاقتصاد التونسي وعلى الوضع الاجتماعي للتونسيين عامة. فالنتائج أمامنا في جميع الدول الاوروبية الأضعف التي دهسها الكبار وصادروا ممتلكاتها واستولوا على ثرواتها وجوّعوا شعوبها: اليونان،البرتغال، ارلندا،اسبانيا وكذا الحال في جميع بلدان اوربا الشرقية المندمجة حديثا في المنظومة الراسمالية الاوروبية.

وبالطبع سارعوا بإلزام تونس بالخضوع الى المواصفات الاوروبية للجودة التي ستحكم على المنتوج التونسي بالتبعية المطلقة للمنتوج الاوروبي وتقضي على قدرته التنافسيّة،علاوة على مراقبة الانتاج والتسويق واحتكار السوق التونسية ومنع التجارة مع دول لا تخضع للمواصفات الاوروبية ولا تعترف بالملكية الفكرية إلخ... وهي لذلك منتوجات منخفضة الأثمان أو به مجانية. وهكذا يتسنى للاتحاد الاوروبي مراقبة والهيمنة على التجارة المحلية والخارجية التونسية.
المسالة الامنية والهجرة

يسعى الطرفان الاوروبي و التونسي إلى تقنين والحد من الحركية في الفضاء الاورو-متوسطي. ولئن لم يوضحوا أهدافهم في طرح المسالة فان تواصل السياسة الأمنية الاوروبية ضد المهاجرين لم تفتأ تتصاعد. والدور الذي يُعطى للحكومة التونسية هو نفس الدور الذي كان يقوم به بن علي، أي لعب دور الشرطي المأجور الذي يسهر على تامين الحدود الجنوبية لأوربا أمام ادفاق الهجرة غير المقننة.
وترتبط الحركيّة المقننّة بالحركية الشُغليّة بما يعني خلق يد عاملة متقلبة في سوق الشغل الذي يتمركز رئيسياّ في البلدان الاوربية الكبرى، وهذا ما يُملى على الحكومة التونسية شروطا تخصّ التعليم والتكوين اللذان يجب أن يكونا خاضعين لمتطلبات المؤسسات الراسمالية المشغّلة. وهو المعبر السحري الوحيد باتجاه الشمال وهو معبر شديد الانتقاء بعد ان تغلق معابر البحر والجو.

الشراكة المميزة: شراكة سياسية أيضا

إذا كانت الثورة التونسية قد أعطت درسا للرأسماليين الاوروبيين فهو إيلاء الشراكة السياسيّة أهمية كبيرة والقطع مع التركيز فقط على الشراكة الاقتصادية. فقوة أو وهن مؤسسات الدولة من جهة وقوة وضعف المجتمع المدني من جهة أخرى محددان في توفير أو عدم توفير مناخ ملائم للاستثمار والاستغلال وجلب الأرباح.
لذلك سارع الاتحاد الاوروبي بين 2011 و2013 إلى رصد 400 مليون أورو عوضا عن 240 مليون التي كانت مقررة قبل الثورة. وقد أعطيت الاولوية المطلقة لـ "مرافقة الاصلاحات الضرورية بهدف إرساء دولة ديمقراطية..." ويذكر الإعلان المشترك بعض الأولويات مثل تنظيم الانتخابات، إصلاح الجهاز الأمني، إصلاح الجهاز القضائي وكذلك الإعلام ودعم ما يسمى "العدالة الانتقالية" وحقوق الانسان.

و إذا تركنا جانبا ديماغوجيا الديمقراطية وحقوق الانسان، نتبين ما لاستنساخ النمط الاوروبي للدولة، ولتقوية أجهزة القمع (الأمن) والتأطير والمراقبة وصنع الرأي العام (الاعلام)، وما للانتخابات الشكلية مفرطة المركزية أهميّة قصوى ضمن أولويات "الشركاء" الأوروبيين، حتى يروّضوا الثورة ويجعلوا من الخسارة ربحا، ومن العداوة طاعة وسكينة.

وللفاعلين خارج الدولة نصيبهم

إيمانا منهم بدور القوى الفاعلة خارج إطار الدولة أو ما يسمى بالمجتمع المدني، رصد زعماء الاتحاد الاوروبي جزءا مهما من تمويلاتهم الى بعض الأحزاب المعارضة والمنظمات والجمعيات. وهو بصدد وضع آليات استشارة كي يتيحوا للمجتمع المدني لعب دوره كشريك مفاوض مع السلطات ومع المؤسسات الاوروبية.
ولئن استأثرت النهضة بخبثها المعهود بنصيب الأسد من " الهبات" المسمومة عبرتفريخ آلاف الشبكات والجمعيات ذات الأهداف الرجعية، فان بعض الأحزاب المعارضة حازت هي الاخرى على نصيبها. فضلا على الاتحاد العام التونسي للشغل دأب على هذه الرشوة منذ عقود عبر مؤسسة فريديرك ايبارت والاتحاد الاوروبي. وهو ما يفسر دوره الوفاقي والحمائي تجاه السلطة والأعراف الذي ظل ينتهجه منذ عهد بن على الى اليوم باعتباره ملتزم بالشراكة لا بالنضال الطبقي.

تعميق الخوصصة و تعميقها،تفكيك الحمائية الاقتصادية و الاجتماعية، خلق فضاء حر للتبادر التجاري، الالتزام بالمواصفات الاوروبية للجودة الاندماج في السوق الاوروبية، تكييف التعليم والتكوين لمطلبات المؤسسات الراسمالية الكبرى...عناصر قديمة لشراكة شرع في التخطيط لها وتنفيذها على مراحل منذ التسعينات من القرن العشرين. واليوم،و بفعل تهديد الثورة بادر الاتحاد الأوروبي الى حملها الى مصاف الأولويات الفورية. و باتفاق مع الحكومة، وبإعانة إصلاحيي المجتمع المدني، يسعى الى قطع طريق المسار الثوري الذي، بحكم طبيعته، يتعارض بداهة مع كل تلك المشاريع والاتفاقيات الاستعمارية الجديدة.
إنّ المعركة لم تُحسم بعدُ، بل هي في بداياتها. وإن تنوّع دوائر المتواطئين تصعّب من مهمة إسقاطها ولكن لا مفر من المواجهة إذا أردنا ان نرسم مستقبلا غير ما يريده لنا النهّابون وعملاؤهم المحليون.
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
التفكيك اللامتماثل يعني أنّ طرفي "الشراكة" غير متماثلين في عملية التفكيك بحكم لا تماثل قوّة "المتشاركين"!!! وهو ما يعد قبولا مسبقا بإلزام تونس ما لا يلزم الاتحاد الأروبي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - القرار الصائب
hkimihakim ( 2012 / 11 / 22 - 09:30 )
هذا كلام طوباوي متعال عن الواقع ينطلق صاحبه من مقولات مهترئة ترى ان الحل يكمن في الاشتراكية كخيار اقتصادي وهو خيار اثبت فشله... الخوصصة ايها الرفيق هي التي جعلت اليابان وكوريا الجنوبية وغيرها من دول جنوب شرق اسيا تحقق نموا اقتصاديا وقفزة نوعية اما الاشتراكية فهي السبب في تخلف عديد الدول مثل كوريا الشمالية والبانيا والعديد من دول المعسكر الشرقي ...المشكلة في تونس اقتصادية والدولة غير قادرة على ايجاد الحلول لانعدام الموارد فلا بد من الاعتماد على الاصدقاء فمرحبا بمن يمد يد المساعدة...و اذا كان اي شكل من اشكال التعاون مرفوض ويعتبر تدخلا في الشؤون الداخلية ويمس بالسيادة فما هو الحل... مشكلتكم اصحاب هذا الفكر انكم تنتقدون ولا تقدمون الحلول الجاهزة لانكم لا تمتلكونها المهم بالنسبة لكم ان تعارضوا اي خطوة تقوم بها السلطة القائمة... اتساءل انا كمواطن ما هي اطماع الاتحاد الاوروبي في بلد مثل تونس يعاني من صعوبات ومن ازمة خانقة ...مرحبا بالتبادل الحر وبكل اصلاح وبكل مساعدة تهدف الى توفير الحياة الكريمة للمواطن التونسي الذي يتحمل الكثير ويطمح الى مستوى . افضل... يبدو انك لم تذق طعم الخصاصة ومذلة

اخر الافلام

.. تحدي اللهجة السودانية والسعودية مع اوسا وفهد سال ??????????


.. جديد.. رغدة تتحدث عن علاقتها برضا الوهابي ????




.. الصفدي: لن نكون ساحة للصراع بين إيران وإسرائيل.. لماذا الإصر


.. فرصة أخيرة قبل اجتياح رفح.. إسرائيل تبلغ مصر حول صفقة مع حما




.. لبنان..سباق بين التهدئة والتصعيد ووزير الخارجية الفرنسي يبحث