الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تغطية الشمس بغربال

الياس المدني

2005 / 3 / 11
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


طيبعي ان نختلف مع الاخرين في تقييم بعض المسائل، , ولكن هل في تلك الاحداث التاريخية التي مضى عليها حقبة من الزمن واوضحت الوثائق الرسمية كل حيثيات القضية؟
طبيعي ايضا ان ينظر كل منا الى الامور من منظوره الخاص ويفسر رؤيته لها انطلاقا من مفهومه الخاص وقناعته الذاتية وموقعه في المجتمع. ولكن هل يمكن ان نغطي الشمس بغربال؟؟
على ما يبدو هذا ما ارادته الملكة نور الحسين ارملة الملك الاردني الراحل من خلال مذكراتها التي نشرت باللغة الانجليزية تحت عنوان (Queen Noor.
Leap of Faith.: Memoirs of an Unexpected Life. London: Weidenfeld & Nicolson. 2003) "وثبة إيمان – مذكرات الملكة نور الحسين".
بغض النظر عن الفصول الاولى التي تطرقت فيها الى نشأتها واصلها ما يهم القارئ العربي هي الفترة التي اصبحت فيها جزء من العالم العربي والمجتمع الاردني بزواجها الميمون من الملك حسين بن طلال.
عبر صفحات الكتاب الطويلة تحاول ليز الحلبي التأكيد على مبدأ اساسي في شخصية الملك حسين الا وهي سعيه الدائم الى اقامة السلام العادل بين شعوب منطقة الشرق الاوسط وحرصه الاساسي على تحقيق الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.
وتذكر الكاتبة عدة مرات في كتابها عن اللقاءات السرية التي كانت تجمع الملك حسين بالقادة الاسرائيليين في محاول منه لحثهم على قبول حل عادل لهذه المسألة وبالتالي تحقيق الاماني الوطنية للشعب الفلسطيني.
ويستنتج القارئ من الكتاب ان الملك حسين كرس كل حياته الحافلة بالاحداث من اجل هدف واحد الا وهو استعادة الاراضي الفلسطينية والعربية المحتلة من قبل اسرائيل.
غير ان الملكة على ما يبدو من خلال فهمها الخاص للاحداث التي تقدم الملك على انه ملاك اتى في عصر غير مناسب نسيت او تناست اهم القضايا التي كانت مصدر الخلاف بين الحكومة الاردنية ومنظمة التحرير الفلسطينية ومفهوم الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني.
يبدأ تحوير التاريخ عند الملكة نور منذ حرب 1948 حين نقرأ ان الجيوش العربية لم تقاتل - طبعا باستثناء قوات اللواء الاردني، الذي قاتل بكل بسالة وشجاعة – ويبدو ان الملكة نسيت التضحيات الكبيرة التي قدمتها الجيوش العربية الاخرى، رغم خيانة القيادة السياسية، ونسيت تضحيات الشعب الفلسطيني. ولا اريد هنا ان اعود الى الوثائق السياسية التي اثبتت الخيانة الكبرى للقيادة السياسية العربية في حرب 1948 بل يكفي ان اقول ان الذاكرة الجماعية للشعب الفلسطيني سجلت الكثير من الخيانات للقادة العسكريين على الارض، مما سهل تنظيم المجاور الجماعية التي ادت بدورها الى هروب العديد من ابناء القرى والمدن الفلسطينية الى الدول العربية المجاورة.
ونجد الكذبة نفسها عند الحديث عن حرب حزيران، حيث قام جمال عبد الناصر والقيادة العسكرية المصرية والسورية بجر الاردن الى معركة كان محكوم عليها منذ البداية بالفشل. وقد كان الملك ايضا مدركا لهذه المسألة ولكن لم يكن له اي مخرج الا مناصرة اخوته العرب، مما يوصلنا الى قناعة بان ايمانه القومي والعربي كان اقوى من مصالحه السياسية ومصالح الاردن في الضفة. وبالتالي تعيد الملكة الميمونة من جديد صياغة الكذبة الاسرائيلية الكبرى بان حرب حزيران كانت حرب دفاعية وليست حرب هجومية مخطط لها منذ سنوات.
ولعل اكثر ما يثير حنقي اثناء قرائتي للكتاب هي المحاولات المتعددة من قبل الملكة نور لاثبات ان هاجس الملك حسين الازلي وكل ما قام به في حياته كان مكرسا لاستعادة الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني. وان هذا الانسان الرقيق، الانسان الشاعري، الانسان الرومانسي الانسان النبيل لم يكن لديه ايه اهداف خاصة ولا مصالح للحكومة الاردنية في الضفة الغربية، بل ان الشعب الفلسطيني اللئيم لم يعط الفرصة له لتحقيق هذه الاهداف، بل عمد عرفات والقيادة الفلسطينية طوال الوقت على وضع العصي في دولاب المفاوضات والمساعي الحميدة لحل المسألة الفلسطينية.
ولكن على ما يبدو ان احدا من مستشاري الملكة لم يذكرها بالاهداف الوطنية للشعب الفلسطيني التي تعارضت بشكل شبه كامل مع السياسة والمصالح الاردنية حتى قناعة الاردن بذلك وفك الاتباط بين الضفة والمملكة الاردنية الهاشمية. (سأخصص لهذا الموضوع مقالا اخرا).
كل من عاش مدركا للاحداث السياسية منذ سنوات السبعينات يعرف تماما ان الملك حسين كان واحدا من اهم الزعماء العرب ويعرف تماما انه كان ثعلبا سياسيا ورجل دولة متمرسا تماما في اصول السياسة، لا يمكن تخطيه بسهولة في المعادلة السياسية الشرق اوسطية.
غير ان الملك حسين كما نراه من خلال مذكرات الملكة نور كان سياسيا يمكن الضحك عليه بسهولة ويمكن خداعه بكلمات طيبة وهو ما قامت الادارات الامريكية المتعاقبة باستغلاله حيث كانت تعده بشيء وتقوم بشيء اخر. ولكنه بسبب طيبة قلبه وحسن نيته كان يعود لتصديق الادارة الامريكية مرة اخرى وهكذا حتى وفاته. فهل نصدق نحن الذين عايشنا الاحداث منذ سنوات السبعينات بذلك؟ ناهيك عن السياسةوعن الحنكة التي كان يتمتع بها الملك الراحل، هل يمكن لاي منا ان يثق بشخص او هيئة خدعته مرات ومرات؟ هل يمكن لاحد ان يثق من جديد بمن خذله؟ لهذا لا استطيع ان ادرك ما كانت تصبو اليه الملكة نور من خلال تقديمها لشخصية الملك الراحل بهذا الشكل الا تبرير تحالفاته الغير مبررة من الناحية الوطنية مع الولايات المتحدة.
المغالطات التاريخية الواردة في مذكرات الملكة كثير جدا وليس من مجال لذكرها كلها في هذه العجالة. ولا بد من العودة اليها في وقت اخر للتساؤل عن الاهداف التي ترمي اليها الكاتبة خاصة وان المذكرات صدرت باللغة الانجليزية وتمت ترجمتها الى العديد من اللغات الغربية وهي موجه اصلا الى القارئ الغربي، لتصور المجتمع العربي المتخلف الذي دخلته لتجعل مجتمعا متحضرا.
بعد قراءة الكتاب توصلت الى قناعة بان الملكة نور رغم سنوات اقامتها الطويلة في الاردن الا انها لازالت تنظر الى موضوع الشرق الاوسط نظرة الامريكية المتعاطفة مع القضايا العربية وليس نظرة الانسانة التي تعيش هم الناس والمجتمع في هذه المنطقة. تنظر الى الاحداث في المنطقة من برجها العاجي الذي لم تحاول مغادرته لتعايش يومياتها وتفاصيلها. واذا كان للملكة الحق بالنظر الى الامور من وجهة نظرها الخاصة فليس بارادتها تغطية الشمس بغربال.
عادة ما يبحث الانسان في مذكرات الشخصيات التي وجدت قرب صنع القرار السياسي عن حيثيات وتفاصيل توضح له بعض القضايا التي قد لا تزال عالقة، او ان تشرح اسباب حدث ما، ولكن من كان يبحث عن ذلك في كتاب "وثبة ايمان" فقد يصاب بالفشل، لان الكتاب لا يحمل في تفاصيله الا نشيد تمجيد لشخصية الملك والاعمال الاسطورية التي قدمتها الملكة الطيبة لرفع مستوى الوعي الاجتماعي في الاردن.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. باريس سان جرمان يأمل بتخطي دورتموند ومبابي يحلم بـ-وداع- مثا


.. غزة.. حركة حماس توافق على مقترح مصري قطري لوقف إطلاق النار




.. لوموند: -الأصوات المتضامنة مع غزة مكممة في مصر- • فرانس 24 /


.. الجيش الإسرائيلي يدعو إلى إخلاء -فوري- لأحياء شرق رفح.. ما ر




.. فرنسا - الصين: ما الذي تنتظره باريس من شي جينبينغ؟