الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رفيقي السلفيّ: الرسالة (24) كنتَ نجمًا في غزوة كليّتي التي أحبّ

مصطفى القلعي

2012 / 11 / 22
مواضيع وابحاث سياسية



رفيقي
أرجو أنّك بخير
الحقيقة، يا رفيقي، أنّ ذكرى غزوتك لكليّة منّوبة أثارت آلامي وأوجاعي فملكت عليّ قلمي فانقاد لها. فكتب محنة منّوبة كما عشنا انفعالاتها أيّاما وليالي خلال شتاء سنة 2011 الماضية.
رفيقي
ما أثار فيّ شجون منّوبة خبران محزنان وتاريخ. أمّا الخبر الأوّل فهو موت رفيقنا محمد بختي أحد قادة غزوة منّوبة. وأمّا الخبر الثاني فهو استئناف محاكمة عميد كليّة منّوبة د. حبيب القزدغلي بسبب شجاعته في التصدّي لك، يا رفيقي. وأمّا التاريخ فهو اقتراب الذكرى الأولى لغزوتك المؤلمة للكليّة. فقد كانت الغزوة في 28 نوفمبر/ تشرين الثاني 2011.
رفيقي
أتذكّر أنّك كنت معزّزا حينها بمجموعة من رفاقنا الملتحين لا ينتمي منهم إلى الكليّة إلاّ أربعة أو خمسة. وكنتم متأفغنين. وتعمّدتم إغلاق مداخل أقسام اللغات بالمتاريس ومنعتم رفاقنا الطلبة من إجراء الامتحانات. ثمّ توجّهتم بعد ذلك إلى الإدارة لتقتحموا بهوها وتستوطنوه وتمنعوا رفيقنا العميد من مغادرة مكتبه. وأذكر أنّكم تلقّيتم دعما لوجيستيكيّا سريعا تمثّل في أغطية وحشايا حمّلتها لكم عربات إيسوزو المناضلة. ويبدو أنّ مقام الكليّة بأروقته وإدارته قد طاب لكم، فقضّيتم فيه لياليكم التالية معتصمين مكبّرين مسبّحين قائمين اللّيل.
وأذكر، يا رفيقي، أنّكم طالبتم بمنع الاختلاط وبتقسيم الكليّات إلى كليّات للطلاّب يدرّس فيها الأساتذة الرّجال وأخرى للطالبات تدرّس فيها الأستاذات السيّدات. كما طالبتم بالسّماح للطالبات المنقّبات بحضور الدروس وإجراء الامتحانات بنقبهنّ. وطالبتم، أيضا، ببناء مصلّى في الكليّة وبإيقاف الدّروس آن الصّلاة.
رفيقي
أذكر أنّ اعتصامك ذاك قد أدّى إلى توقّف سير الامتحانات بالكليّة. وحينها، نفّذ طلاّب الكليّة وجمع من رفاقنا التقدميّين والحداثيّين ورجال التربية والجامعيّين وممثّلين عن مكوّنات المجتمع المدنيّ كالنقابات المهنيّة ورابطة حقوق الإنسان والجامعة العامّة للتعليم العالي تجمّعا جماهيريّا ضخما بالكليّة يوم الثلاثاء 29 نوفمبر 2011. ثمّ توجّهت جموع المحتشدين إلى منطقة باردو حيث مقرّ المجلس التأسيسيّ العتيد للتنديد بك، يا رفيقي.
كما دعا المجلس العلميّ للكليّة أعضاءه إلى الاجتماع يوم 29 نوفمبر الموالي، وهو مجلس منتخب، كما تعرف، يا رفيقي. وعبّر عن تمسّكه بقرار منع النقاب عن رفيقاتنا داخل فصول الدراسة لدواعي بيداغوجيّة تواصليّة وأخرى أمنيّة. وهو قرار نافذ المفعول في قطاعات التعليم التونسيّ كلّها وفي كلّ الأجزاء والجهات. أمّا مسألة المصلّى فقد ذكر عميد الكليّة بأنّها مسألة إداريّة تهمّ وزارة التعليم العالي، وبأنّه رفع إليها مذكّرة في الغرض منذ مدّة. ودوره يقف هناك. وقد أصدرت وزارة التعليم العالي المحروسة بيان إدانة واستنكار لغزوتك.
رفيقي
ردّا على غزوتك هذه، دعت الجامعة العامّة إلى تنفيذ إضراب حضوريّ عامّ في كلّ الأجزاء الجامعيّة التونسيّة يوم الخميس 01 ديسمبر 2011 احتجاجا على اعتدائك السّافر على حرمة الجامعة وعلى كرامة الجامعيّين وسلامتهم الجسديّة. كما تتالت البيانات من الأحزاب السياسيّة المندّدة بما حدث. فيما اكتفى قياديّو حركة النهضة بتوزيع أصواتهم على الإذاعات متحدّثين عن ضرورة المعالجة الحكيمة للمسألة وفتح حوار وطنيّ حول النّقاب.. تصوّر، يا رفيقي، يدعون إلى فتح حوار وطنيّ حول النّقاب والطلبة معطّلون عن امتحاناتهم والعميد محتجز في مكتبه يتعرّض للعنف اللفظيّ والماديّ والمجتمع في حالة إرباك وتخوّف!! أمّا حزب العمّال فقد أصدر بيانا قويّا يعتبر فيه ما حدث فاشيّة جديدة بصدد التشكّل.
رفيقي
السّؤال الحقيقيّ الملحّ هو لماذا اخترت كليّة الآداب لاعتصامك؟
لمناقشة هذا السؤال أعتقد أنّه لابدّ من التذكير بأنّ كليّات الآداب كانت معاقل للفكر النقديّ الحداثيّ الحرّ. وهي التي منها تخرّج الكتّاب المنشقّون والمثقّفون العضويّون والمفكّرون الحداثيّون والنّاشطون العلمانيّون. فأقسام الآداب والعلوم الإنسانيّة في الكليّات التونسيّة أقسام تقدميّة منفتحة على كلّ ضروب المعرفة ومناهجها ومنابعها. ولقد نأت بنفسها عن التجاذبات السياسيّة والاصطفافات الإيديولوجيّة. فكانت أرقى من السياسة والإيديولوجيّات الحزبيّة الضيّقة المضيّقة على الذوات الحرّة هوامش حريّتها.
رفيقي
لقد كانت كليّات الآداب في الجامعات التونسيّة عصيّة على كلّ محاولات الاختراق الدستوريّة والتجمعيّة والإسلاميّة الإيمانيّة والسلفيّة، كما تعرف يا رفيقي. فلم يكن لطلبة الحزب الحاكم ولا لأساتذته وجود يذكر في هذه السّاحات إلى حدود السّنوات الأخيرة حيث بلغ تغوّل واستئسادها على كلّ مكوّنات المجتمع أشدّه. أمّا العمليّة النقديّة لكلّ ضروب الإبداع والفكر فقد كانت قائمة على مناهج التفكيك والتحليل والتأويل اللسانيّة والتداوليّة والسيميائيّة والنصيّة والمقاميّة وغيرها. أمّا الرّؤية الإيمانيّة فلا أثر لها في مناهج التعليم والبحث الجامعيّيْن التونسيّيْن.
رفيقي
أعتقد أنّه لابدّ من الإشارة إلى أنّ معاقبة كليّات الآداب قد بدأت منذ العهد البائد حيث تمّ تكريس خيارات جائرة في مناظرات التوجيه الجامعيّ ثمّ في مناظرات التوظيف والانتداب، نتج عنها تراكم العاطلين من خرّيجي هذه الكليّات. فالنظام المخلوع كان يبتكر الحيل للتقليل من نسبة المنتدبين من هذه الفئة لأنّه يعلم أنّهم سينظَمّون إلى القواعد النقابيّة التي كانت تعمّق جراحاته يوميّا بإضراباتها واحتجاجاتها ورفضها لكلّ أشكال التوظيف والتدجين السلطويّ ولكلّ أشكال التدخّل البيداغوجيّ والتربويّ وإصرارها على أن يكون الشأنان التربويّ والجامعيّ شأنين خاصّين بأهلهما.
رفيقي
هذا الجمهور الذي عاقبه النظام النوفمبريّ المخلوع بالبطالة عاقبته أنت، بعد الثورة، بالاعتداء على المؤسّسات التي تخرّج منها وشيّدت قيم الحداثة والاعتدال والحريّة فيه. وغاب عن وعيك، يا رفيقي، أنّ من أسقط نظام الاستبداد بجبروته لن يسمح بنشأة مستبدّ جديد.
رفيقي
مع ذلك، أعترف لك بشيء من التنظّم والتخطيط. فأنت تختار تواريخ غزواتك وتختار أهدافها، ذلك أنّ غزوة كليّة منّوبة، مثلا، جاءت في ظرف دقيق حسّاس جدّا في تاريخ تونس. صحيح أنّ الانتخابات قد وقعت. ولكنّ الدّولة غائبة أو تكاد، إذ لم تتشكّل بعدُ الحكومة الجديدة. كما أنّه من المكاسب التي حقّقتها الجامعة بعد الثورة إلغاء الأمن الجامعيّ. هذا إضافة إلى تقاطعك البيّن مع حركة النهضة الفائزة في الانتخابات الأخيرة. إذن، استغلّيتَ هذا الظرف، وتوهّمت تحقيق تراجعات وارتدادات بهذا المجتمع الحداثيّ عن مكاسبه. ولكنّ تونس رفضت، يا رفيقي.
رفيقي
المهمّ أنّ غزوة كليّة منّوبة انتهت إلى إيقاف الامتحانات وإغلاق الكليّة (مرحى.. مرحى لانتصارك علينا!!). كما لابدّ من الإشارة إلى استغراب الشارع الثقافيّ والأكاديميّ التونسيّ من موقف الصّمت الذي وقفته حكومة تصريف الأعمال التي كان يرأسها قائد السّبسي والمجلس التأسيسيّ من نكبة كليّة منّوبة!! لقد ترك المسؤولون التونسيّون، جميعا، بمن فيهم المنتخبون، الكليّة نهبا لك، يا رفيقي.
رفيقي
لقد علِقت الحصّة الإذاعيّة المباشرة التي بثّت على إذاعة شمس أف.أم. الخاصّة بالأذهان إذ شهدت نقاشا حادّا بين الشيخ الإسلاميّ عبد الفتّاح مورو وبين الفقيد محمد بختي. وقد انتهى النقاش إلى غضب الفقيد على الشيخ مورو بعد أن طالبه الشيخ بكشف مراجعه التي يستند إليها في الدعوة إلى فرض مطلب السماح لرفيقتنا المنقّبة بحضور الدّرس بنقابها يعني مخفيّة الوجه والملامح.
رفيقي
أذكر، أيضا، أنّه بعد إغلاق الكليّة تكلّم، أخيرا، راشد الغنّوشي رئيس حركة النهضة ليقول إنّك جزء من هذا الشعب، حتى لكأنّ هناك من شكّك منّا في جنسيّتك، يا رفيقي.
أمّا الأساتذة الجامعيّون، وبعد تيقّنهم من عزلتهم في مواجهتك، فقد اجتمعوا في كليّة الآداب بسوسة يوم الأربعاء 07 ديسمبر 2011 وأصدروا بيانا استنكروا فيه ما تعرّضت له كليّة منّوبة من اعتداء من قبلك. كما أدانوا ما أسموه تهاون السلط في شأن غزوتك. وأنهى الجامعيّون بيانهم بالتزامهم بالدخول في إضراب عام ابتداء من يوم الجمعة 09 ديسمبر2011 واستعدادهم لتوخّي أشكال نضاليّة أرقى في حالة عدم الاستجابة إلى مطالبهم.
رفيقي
هذه ذاكرة غزوتك على كليّتي التي أحبّ. ولا يمكن أن أنسى أنّك كنت النجم فيها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - انت اخظ
hkimihakim ( 2012 / 11 / 22 - 18:02 )
تقمص دور الضحية واعتبار انفسكم ممن يدافع عن الحداثة و عن حقوق الانسان وعن الديمقراطية دون سواكم كلها حيل لن تنطلي على الشعب ...اين انتم لما كان بوليس بن علي يقوم بغزواته الليلية...تواطئتم معه وكنتم سندا له ليبطش وينهب ..اما عن اساتذتك الجامعيين الذين تفتخر بهم فلم نسمع منهم من احتج على قمع بن علي وعلى انتهاكاته لحقوق الانسان الا نفر قليل...لعلمك ان تشومسكي رفض دعوة من الجامعة التونسية ايام بن علي والسبب هو صمت الجامعيين الرهيب ازاء تجاوزات سلطة بن علي...رفيقك الكردغلي واحد من هؤلاء الذين لم نكن نسمع لهم صوت سنوات الجمر ....اذا كنت من هواة كتابة التاريخ والاحتفال بالاحداث الهامة في تاريخ الشعوب فقد اخطات الطريق ذلك ان حادثة منوبة لاتستحق ان يحتفى بها و ان تكتب المقالات للتذكير بها


2 - اخطات الطريق
hkimihakim ( 2012 / 11 / 22 - 18:04 )
تقمص دور الضحية واعتبار انفسكم ممن يدافع عن الحداثة و عن حقوق الانسان وعن الديمقراطية دون سواكم كلها حيل لن تنطلي على الشعب ...اين انتم لما كان بوليس بن علي يقوم بغزواته الليلية...تواطئتم معه وكنتم سندا له ليبطش وينهب ..اما عن اساتذتك الجامعيين الذين تفتخر بهم فلم نسمع منهم من احتج على قمع بن علي وعلى انتهاكاته لحقوق الانسان الا نفر قليل...لعلمك ان تشومسكي رفض دعوة من الجامعة التونسية ايام بن علي والسبب هو صمت الجامعيين الرهيب ازاء تجاوزات سلطة بن علي...رفيقك الكردغلي واحد من هؤلاء الذين لم نكن نسمع لهم صوت سنوات الجمر ....اذا كنت من هواة كتابة التاريخ والاحتفال بالاحداث الهامة في تاريخ الشعوب فقد اخطات الطريق ذلك ان حادثة منوبة لاتستحق ان يحتفى بها و ان تكتب المقالات للتذكير بها

اخر الافلام

.. زاخاروفا: على أوكرانيا أن تتعهد بأن تظل دولة محايدة


.. إيهاب جبارين: التصعيد الإسرائيلي على جبهة الضفة الغربية قد ي




.. ناشط كويتي يوثق خطر حياة الغزييين أمام تراكم القمامة والصرف


.. طلاب في جامعة بيرنستون في أمريكا يبدأون إضرابا عن الطعام تضا




.. إسرائيل تهدم منزلاً محاصراً في بلدة دير الغصون