الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كلمات حب في القمامة

حوا بطواش
كاتبة

(Hawa Batwash)

2012 / 11 / 22
الادب والفن


(ترجمة من العبرية لمقالة سيد قشوع في صحيفة هآريتس الإسرائيلية)

هذا هو، سنبدأ بالترميم في بداية الأسبوع. والذي بدأ بحائط جبس يقسّم فضاءً الى غرفتين تدهور الى ترميم شامل. كيف وصلت الى هذا الوضع، سألت نفسي عندما شرعت بحزم غرفة عملي في كراتين، ولم أفلح في التوصل إلى النقطة الدقيقة التي تحوّل فيها الترميم الصغير الى مشروع يلزمنا بترك الشقة لثلاثة أسابيع كاملة. "لستم مضطرين للإنتقال،" قال المهندس المعماري الأشكنازي المنفذ، "ولكن البيت لن يكون في أفضل حال لحياة العائلة."
لست متأكدا أنني أفهم ما هو أفضل حال لحياة العائلة، ولكنني في أي حال لم أرغب في المخاطرة، خاصة في الوقت الحالي، حيث باتت زوجتي حساسة بعض الشيء. في الآونة الأخيرة، باتت تتوصل الى استنتاجات مختلفة عن الحياة. فجأة صارت لديها تأمّلات عجيبة وأحيانا تقول جملا مرعبة، مثل: "كل القرارات التي اتخذتها في حياتي كانت خاطئة"، "فشلت ولم أفلح في تحقيق أي هدف"، والجملة الأكثر إرعابا: "خسارة أنني لم أتزوّج بالطريقة التقليدية". ولكن الجملة الأخيرة سبق أن قالتها لي بالإنكليزية. أقسم إنها وجّهت إليّ نظرة مباشرة الى عينيّ وتحدّثت عن تراديشينال هازبند! وأنا، مؤكد أنهم لم يخلقوني بالأمس. لطالما حذرني والدي من النساء العربيات اللاتي يبدأن فجأة بالتحدث بالإنكليزية. مخاوف ثقيلة أخذت تقضم في نفسي. خشيت أن الترميم والحياة تحت الغبار، وباب المرحاض المخلوع، قد يؤدي بها لاتخاذ قرارات مصيرية تتعلق باستمرار الحياة معي.
"يو نو وات، هاني،" قلت ردا عليها، "لن نبقى في البيت في فترة الترميم. سأجد شيئا ما، وسنشعر بالإرتياح، وستكون هذه تجربة لطيفة للأولاد، فماذا قلت؟"
وافقت، وأنا باشرت في البحث عن بيت. فاجأتني وفرة الشقق المقدسية المعروضة للإيجار لفترات قصيرة. أحد الإعلانات في الإنترنت الذي أعلن عن شقة في كتمون القديمة* سأل: "هل تبحثون عن شقة للإستجمام؟ هل ترممون البيت؟" اتّصلت بالرقم الظاهر في الإعلان فردّ عليّ رجل مهذب بشرني بأن الشقة متوفرة في التواريخ المطلوبة وأنه سينزّل لي السعر لأن الوقت خارج موسم السياحة.
"ممتاز،" قلت وطلبت تفاصيل عن الشقة.
"شقة بأربع غرف"، قال، "في شارع كوفشي كتمون**، ملاصقة للكنيس".
"ممتاز"، كان ردي. في نهاية الأمر، حقا، أردت أن أكون جزءا من كوفشي كتمون زاوية اللصوص، معقل النخبة الدينية - القومية. ولم يزعج صاحب الشقة أننا عرب. أو بالأحرى، إنزعج في البداية، وبعد ذلك، حين قلت له اسمي، قال إن ذلك شرف كبير ونزّل لي السعر أكثر.
هذا هو، بعد قليل سننتقل، والآن نحن حازمون. "لو عرفت أنني سأضطر لحزم كل البيت"، سمعت زوجتي تصرخ من الصالون، "هكذا هو حظي، دائما سيئ". صمتّ، وانشغلت في حزم الكتب والأوراق المتناثرة. وريقات مختلفة، أوراق حسابات، نماذج رهن عقاري، تأمينات، ضمانات لآلات لم أعرف أصلا أنها عندنا في البيت، ولو كانت كذلك، أن هذه الضمانات ما زالت صالحة. لا بد أنني حافظت على كل هذه الوثائق لسبب ما وجيه. مؤكد أنه كانت هناك لحظة تلقيت فيها الرسائل الرسمية المختلفة وبعد أن عاينتها قررت: "هوو، عليّ أن أحتفظ بهذه الورقة، وإلا سأقع في ورطة".
رميت كلها في كيس القمامة على أمل أن لا يكون هناك بأس في ذلك. "ما هذا؟" سمعت زوجتي تصرخ من غرفة النوم، وحالا قفزت على الدرجات ووصلت إليها بسرعة قياسية. "قل لي ما هذا؟" سألت وهي تحمل جوارب وملابس داخلية ملأت الدرج الخاص بملابسي الداخلية. "لماذا تلمسين درجي؟" سألتها بنعومة أمام الوضع الهشّ، "ألم أقل لك إنني سأحزم أغراضي الخاصة بنفسي؟"
"حسن،" ردّت، "ولكن لماذا بحق السماء تحتفظ في درجك بملابس داخلية مثقوبة من عصر البلماخ؟"
لا أدري حقا لماذا. ليس لأنه تنقصني ملابس داخلية جديدة، ولكن لدي مشكلة في رمي الملابس، خاصة الجوارب والملابس الداخلية. لدي تصوّر دائما أنني سأعلق وعندها أتأسّف أنني رميتها.
"والله؟؟" سألت وهي تحمل عشرات الأفراد من الجوارب، "ماذا ظننت؟ أنك ستجد أزواج هذه الجوارب بعد طول السنين؟"
الحقيقة، كدت أقول إنني بقيت أحمل في قلبي على طول الأيام أملا بأن تتوحّد هذه الأفراد من الجوارب من جديد. "معك حق." أجبتها، "أنا آسف. سأرمي حالا كل هذه الأشياء التي لم أعد أستعملها. معذرة."
"لست أفهم، "قالت فجأة والدموع تتلألأ في عينيها، في الآونة الأخيرة، إنها على وشك البكاء طوال الوقت، "أصلا لماذا نحن نرمّم؟!"
"ما هذا الكلام؟" أردت أن أقول لها، "لأنني أردت أن تكوني سعيدة، أن تكون غرفة نومنا مريحة لك أكثر، والحمامات لطيفة، وأولادنا مرتاحين أكثر، أردت أن تحبي البيت." أردت أن أقول لها إنني أفعل كل ذلك من أجلها، لأنني ظننت أن ذلك سيجعلها سعيدة أكثر. ولكن... لم أقل شيئا.
أخذت أفرز ملابسي فاكتشفت أنني لا أستعمل معظمها على الإطلاق. فرزتها الى كومتين، ذلك أننا قررنا أن نتبرع بالملابس النافعة لجمعية ما. زوجتي، بدورها، رمت العديد من الوثائق، الأوراق والوريقات في داخل كيس أسود والباقي حزمته في صندوق من الكرتون كتبت عليه "دراسة". نظرت الى داخل كيس وثائق القمامة، أدخلت يدي وخلطتها، ثم أخرجت أول ورقة وقعت عليها يدي، ثم تجمّد قلبي حين وجدت خط يدي على ورقة مفصولة من مفكرة وعليها كنت قد كتبت، قبل عشرين عاما، كلمات حب. وضعت الورقة المجعدة على الأرض وحاولت إخفاء تجعداتها، وكويتها بحركات يد ناعمة، كي لا تتمزّق.


رابط المقالة بلغتيها الأصلية:
http://www.haaretz.co.il/magazine/sayed/1.1855052


.....................................
* كتمون القديمة- حي القطمون في القدس
** كوفشي كتمون- كلمة عبرية تعني: محتلو قطمون








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بطريقة سينمائية.. 20 لصاً يقتحمون متجر مجوهرات وينهبونه في د


.. حبيها حتى لو كانت عدوتك .. أغلى نصيحة من الفنان محمود مرسى ل




.. جوائز -المصري اليوم- في دورتها الأولى.. جائزة أكمل قرطام لأف


.. بايدن طلب الغناء.. قادة مجموعة السبع يحتفلون بعيد ميلاد المس




.. أحمد فهمي عن عصابة الماكس : بحب نوعية الأفلام دي وزمايلي جام