الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل هي اسرائيل الثانية ...لا انهم المريدون

عادل أسعد

2012 / 11 / 23
القضية الفلسطينية


يبدو ان اسرائيل التي كنا نعتقدها منيعة عن الانتكاسات السياسية و الاصابات العسكرية قد وقعت أخيراً فريسة لاصابة مرضية مزمنة و فتاكة و هي متلازمة "ترف القوة" . و المتلازمة تختلف عن المرض كونها اضطراب مرضي يترافق مع مجموعة معينة من الأعراض و العلامات المرضية التي تأتي مع بعضها دائماً و تشكل علامة فارقة لهذه الاصابة ، أي أن المتلازمة هي تلازم لمجموعة اضطرابات بدنية أو نفسية في مرض واحد . و ما دفعني إلى استحضار معلوماتي الطبية في هذه اللحظة السياسية الساخنة التي تمر فيها المنطقة هو بروز ظاهرة "اسرائيل الثانية" التي تعرفنا عليها من خلال حربها الحالية على غزة و من ردود أفعالها المترددة و المصدومة التي رافقت تطورات هذه الحرب و هي ردود لم نتعود على مثلها من اسرائيل في حالات قعقعة السلاح مما يدل على وقوعها في براثن اضطراب المفروض أنها محصنة منه و هي الدولة التي نشأت و ترعرعت على معادلة "كن الأقوى أو لن تكون" في بيئة معادية لها تمتد من المحيط و كانت فيما مضى تصل إلى الخليج . و مما يزيد من غرابة اصابة اسرائيل بهذا المرض هو طبيعتها السياسية المعروفة بحذرها الشديد من العرب و المسلمين و بتوجسها من كل ردود أفعالهم و توقعها الأسوأ دائماً منهم سيما و قد خاضت و ما تزال الحرب تلو الأخرى مع من بقي منهم في مواجهتها مما وضعها في حالة استنفار دائم يشمل كل كيانها من المؤسسات إلى الأفراد .
لمتلازمة ترف القوة صفات واضحة و مميزة أهمها أنها تصيب الدول المعروفة بذكائها و بقدرتها الممتازة على تقييم امكانيات الأعداء و الأصدقاء و اختيار التعامل الأنسب معهم حسب هذه الامكانيات . و على نقطة التفوق هذه بالذات يضرب المرض فيعطل من قدرة هذه الدول على سبر أعدائها بدقة و على قراءة محيطها بوضوح ، فعندما انطلقت الطائرات الاسرائيلية لتغتال أحمد الجعبري في غزة لم يخطر في بال المؤسسة العسكرية و السياسية الاسرائيلية إلا أنهم ينطلقون في نزهة دورية لطقطقة عظامهم التي تكلست و لشد عضلاتهم التي ارتخت في السنين الأخيرة بسبب الجلوس الطويل خلف المكاتب لاعطاء التفصيلات و النصائح عن جيرانهم الشماليين إلى ذوي العضلات المفتولة من أهل العطور المصنعة و تماثيل الحرية المعلبة في الضفة المقابلة للبحر ، و للتنسيق وزرع ورود الربيع السوري مع ذوي العضلات المنفوخة من أهل الصمت على ضحايا مرمرة و الاجهاش بالبكاء على ضحايا غزة أمام الشاشات و من تحت لتحت كله شوكوزال . لكن الرد الذي ردت به غزة النحيلة و المحاصرة على قصفها قد أربك اسرائيل المترهلة بدهون القوة و صاحبة الكرش الكبير الذي ابتلع كل معادلات الشرق الأوسط المعادية لها ، و لم يبق منها إلا اثنان أو ثلاثة يتم العمل عليهم في هدوء بعيداً عن ضجيج اعلام الجزيرة و اخواتها بنظافة و أناقة المايسترو الذي لا يمد يده إلا ليوجه العزف و يوزع الأدوار ، فخبرتها العريقة بأعدائها تجعل ذوي العضلات المفتولة يرفعون برانيطهم لها اجلالاً ، و حسب نصائحها يشيرون لهذا في لبنان بالتوقف و سحب ارتجاله اللامسؤول بتشكيل جناح مسلح و اعادته ليبقى ذاك "الأسير" في ألعابه الصبيانية على دراجته الهوائية إلى أجل أخر مسمى ، فالمعركة هي في سورية فقط و لا صوت يجب أن يعلى على صوت المعركة . و تحت نصيحة المايسترو يوجهون ذاك العصملي أيضاً ليرمي بانكشارييه في شمال شرق سوريا لعل الرمية تصيب هذه المرة و يتشكل واقع عسكري على الأرض السورية يسمح بتطبيق منطقة الحظر الجوي التي طال انتظارها و تحولت مع الوقت إلى أمل متعب يقفز مبتعداً عن المعارضة المسلحة في سوريا كلما ركضت باتجاهه .
إن صواريخ غزة قد أعادت إلى اسرائيل ذكريات لبنانية مؤلمة لا تحب الحديث عنها ، و هي ذكريات حرب تموز في عام 2006 التي خرجت فيها للنزهة و دمرت نصف لبنان لتعود و هي مصدومة من الغلاء الذي أصاب أسعار التنزه في هذا البلد الصغير ، و لتقرع نواقيس الخطر داخل البيت الاسرائيلي و لتستنفر فيها الدوائر المغلقة المعنية بالأمن الاستراتيجي لدراسة ما حدث و لماذا . و لكنها لم تستطع لمس أصل العلة و الدليل هو وقوعها في غزة في نفس خطأ تموز اللبناني فهي قد أطلقت صواريخها الذكية لتغتال الجعبري بعد أن رمت منذ زمن بعيد المنشور السياحي لغزة على الرف دون أن تعيد قرائته لترى لائحة أسعار المغامرات و التنزه الجديدة في القطاع و التي باتت أكثر كلفة بأضعاف من السابق ، و تكاسلت عن القاء نظرة واحدة على القوانين السياحية الحديثة التي تقول أن تل أبيب قد أصبحت بدورها مقصد لسياحة الصواريخ الغزاوية . و هذا التقصير من اسرائيل عن رؤية ما تحت قدميها بسبب كبر كرشها هو ما استبصره ما يعرف بمحور المقاومة و جيره بذكاء و حرفية في غزة ، فلم تكن المفاجأة الفعلية هي رؤية اسرائيل و هي تتلقى مالم تتوقعه في لبنان من حزب الله الذي يملك من القوة ما يضاهي فيها دول في المنطقة ، لكن ماهو مستغرب أن من صدمها في لبنان قد كرر فعلته معها في خاصرتها الصغيرة غزة المخترقة حتى النخاع من عيون و آذان اسرائيل و التي لم يبق لرئاستها (حماس) إلا مضغتين من مصر و قطر لتنتهي مسألتها و تُبلع و تستقر كاملة في الكرش الكبير .
لكن اسرائيل ليست بالدولة الغبية و ليست من ذاك النوع الذي ينسى ثأره بمرور الزمن ، لكنها من ناحية أخرى مثل كل المرضى لا تستطيع بنفسها تشخيص علتها مهما علا شأنها ، فما خفي عنها هو أن عدم قدرة مؤسساتها المعنية على تفادي خطأ قاتل وقعت فيه سابقاً هو قصور ناتج بالدرجة الأولى عن اصابة ذاتية داخلية و ليس عن عوامل عسكرية خارجية و محاور سياسية معادية كما كانوا قد شخصوا أهل الاختصاص في اسرائيل ، و من ثم وضعوا العلاج و رسموا الخطط بناء على هذا التشخيص و عطفاً على إلحاح حلفائهم من العربان لتحطيم المحور الممتد من ايران إلى غزة ، مع تعهد الحلفاء بالالتزام التام بالمساندة و الدعم ما أمكن حتى لو وصل الأمر إلى حد المشاركة في الألم و التماهي في الأهداف و التطلعات !! و عند هذه النقطة يتبدى العرض الثاني المميز لتناذر ترف القوة المتمثل في كثرة المريدين و طالبي المساعدة و العون حول المريض مما يعزز من احساسه بالقوة و من نشوته بالنصر ، و بالأخص لو كانوا هؤلاء المريدين و المتمسحين هم حكومات لبلدان كانت إلى وقت قريب تقع في خانة الأعداء لاسرائيل أو أقله الغير متعاطفة معها و تحولت بين ليلة و ضحاها إلى بلدان تحبو حكوماتها طالبة العون و شرف الانتساب إلى الشرق الأوسط الجديد . ان حماس المريدين للعمل مع اسرائيل على قتال محور ايران سورية حزب الله و تهافتهم للتنسيق و تقاسم الأدوار معها قد أزاح العبء الثقيل عن كاهلها ، فهم كثر ، و ملتزمون ، و يملكون الثروات و الكتلة البشرية الهائلة ، و أهم من هذا و ذاك هم يملكون اللسان الذي يصدر الفتاوى مما وفرعلى اسرائيل الجهد الكثير في صراعها مع أعدائها و منحها الجو الملائم لترف الاسترخاء و مراقبة المشاريع و هي تنفذ على الأرض بهمة الشركاء و المريدين . حتى أخطائها بات لاسرائيل من يغطيها لها فعندما فتحت جبهة الجولان بكل ترف و صفاقة أمام المعارضة الأصولية المسلحة ضد الجيش السوري ، و وفرت الحماية الخلفية لقاطعي الرؤوس و لمرسلي المفخخات ، و أمنت لهم الملاذ الآمن من هجمات الجيش السوري كانت مرتاحة لوجود اعلام عربي سوف يبيض معارضة الجولان المسلحة من تهمة خضوعها لها ، و في المقابل سوف يُخون الجيش السوري الذي فقد صبره و طارد المسلحين إلى داخل المنطقة المنزوعة السلاح و أطلق نيرانه باتجاه الجيش الاسرائيلي الذي يراقب و يشرف على صبيان مريديه . و لهذا الاعلام الآذان التي تسمعه و العقول التي تؤمن بما يقول دون طرح الأسئلة ، فعندما صرح وزير الدفاع الاسرائيلي قبيل اغتيال الجعبري بأن نظام الأسد و جيشه يتفككون بسرعة كان يعرف أن تصريحاته ستفسر من المعارضة السورية بكل الأوجه التي تناسبه ، فمن يثق باسرائيل القوية و العارفة سوف يستبشر بقرب سقوط النظام و هذا له من اعلام الصحراء ما يرويه ، وهكذا رأينا كيف أن موقع ايلاف السعودي قد تلقف تصريح الوزير الاسرائيلي و نشره في الصفحة الأولى بسرعة تفوق سرعة صواريخ غزة ، و بنفس السرعة ارتجل ما يريح اسرائيل بعدما قصفت هذه الأخيرة غزة و سحبت مصر سفيرها احتجاجاً فما كان من الموقع إلا أن سحب التصريح مباشرة و لصق بدلاً عنه مقالاً يقول أن مصر تغامر بالاعانات المقررة لها بسبب استدعائها لسفيرها من اسرائيل !! أما من مازال يسرح في أوهام العداء لماما اسرائيل من المعارضة السورية فهذا وضعه أسهل ، فهو سيكرر نفس الاسطوانة المشروخة و سيعطي لتصريح الوزير الاسرائيلي نفس الدافع الصدء و نفس التفسير المهترئ و سيقول بأنها لعبة من اسرائيل في "هذا التوقيت بالذات" للادعاء بمعاداتها للنظام السوري المزنوق و بالتالي ستزيد من رصيده اقليمياً !! و هذا الرأي له أيضاً ما يرويه من اعلام "النعاج" و الابل ، و بالتحديد من بئر فيصل القاسم الضحل .
ان حماس مريديها قد زاد من قابلية اسرائيل للوقوع في براثن ترف القوة ، فحتى ثأرها الشخصي قد وجدت من يسدده لها طواعية و يشكرها على ثقتها فيه ، و لا يطلب منها إلا الرضى و الاستلقاء للتمتع باحتساء ما يقدمونه المريدون لها من الشاي السوري القروي و القهوة التركية المركزة على صواني عربية مذهبة تحمل رأس كل سوري قد أذى اسرائيل في يوم من الأيام . فمن المريدين من قدم لها رأس الضابط السوري المسؤول عن مركز الاستطلاع الذي يراقب تحركات جيشها من فوق الجبال ، و هو للعلم لا ناقة له في قتال المعارضة و لا جمل ، لكنه كان ينقل تحركات الجيش الاسرائيلي أول بأول إلى مقاتلي حزب الله في لبنان خلال حرب تموز 2006 . و هناك من المريدين من تصيد لاسرائيل عالم الصواريخ السوري مع عائلته كاملة ، و هو الذي ساهم في تطوير سلاح الردع لمحور المقاومة بصواريخ متطورة لم يسقط أي منها على رأس المعارضة السورية المسلحة !! و البارحة سمعنا عن فضيحة سياسية من العيار الثقيل ترينا (لو صدقت) كم كانت تصفية هذه العائلة مهمة لأهل العطور المصنعة و تماثيل الحرية المعلبة ، و كم رفعوا برانيطهم عالياً اعجاباً بفن و ذوق عملية الاغتيال ، و قرعوا كؤوسهم الحمراء في صحة صاحبة الجلالة المترهلة .
دعونا نعود إلى الوراء قليلاً و نتذكر تصريحين من زعيمين في محور المقاومة ، فبعد حرب تموز 2006 مباشرة وصف الرئيس السوري في خطاب له بعض الزعماء العرب بأنصاف الرجال ، و كلنا عرفنا من كان يقصد بكلامه هذا ، و الكثير منا نظر إلى هذا التصريح على انه شتيمة مندفعة و عاطفية تخالف كل قواعد السياسية البراغماتية . لكننا لم نخمن وقتها بأن الرئيس السوري قد يكون مطلع على معلومات و حقائق ما تجعله يميز المريد منذ ذاك الوقت و يعرف أنه لم يعد هناك أمل يرجى منه أبداً ، فهو (المريد) قد أخذ قراره ، و حدد من سيده و من عدوه بشكل قاطع ، و ينتظر الفرصة المناسبة ليقدم الرؤوس الثمينة على صحفته قرباناً إلى صاحبة الكرش الكبير و عربون صداقة و ولاء لها . و التصريح الثاني كان قد أطلقه أمين عام حزب الله في لبنان عندما وصف اسرائيل التي لا تقهر بأنها أوهن من بيت العنكبوت و ذلك قبل أن تذوق مرارة صواريخه و تشم رائحة البارود في غرفة استقبالها ، و عندها فسرناها جميعاً على أنها جملة حماسية من زعيم شعبي مفوه و لم يخطر في بالنا قط أنه قد يكون قد شبه اسرائيل ببيت العنكبوت الذي يتآكل من داخله لأنه يفهم عدوه من الداخل جيداً ، و يعرف حجم امكانياته و مدى استطاعته ، كما أنه يعرف امكانيات محور المقاومة الكامنة و يملك رؤية مستقبلية جيدة جداً جداً .











التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الرئيس التنفيذي لدائرة الحلول منخفضة الكربون في -أدنوك-: أسو


.. الجزيرة ترصد مبنى الشركة المتهمة بتصدير أجهزة البيجر التي ان




.. الإعلام الإسرائيلي يناقش تداعيات اغتيال القيادي بحزب الله ال


.. تصعيد إسرائيلي ضد حزب الله.. هل نشهد غزة جديدة في بيروت؟ | #




.. الرئيس التنفيذي لدائرة الحلول منخفضة الكربون في -أدنوك-: نست