الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في محطة القطار الحزينة

سعيد بنرحمون

2012 / 11 / 23
الادب والفن


وحيدا جلس يرقب الحياة تمضي أمامه مسرعة، ساعته الكبيرة في معصمه النحيف شبه متوقفة، عقاربها شاخت قبل الأوان، كلما التقى اثنان منها، أثناء الدوران، قررا التوقف عن تشخيص تلك المسرحية السخيفة، وتساءلا بكمد، ما جدوى دوراننا والمعني بالأمر ما عاد يكلف نفسه مجرد النظر إلينا ندور؟ وحده رفيقهما الثالث والأصغر ما يزال يصر على مواصلة الحياة صعودا ونزولا، ربما ينتظر أن يكبر مثلهم، ثم يقرر، فعندنا القرار أصعب من العمل، اتخاذه لا يتم إلا باستشارة السماء، وربما يعمل مواساة لصاحب الساعة في تحمله للحياة الثقيلة، في ذلك اليوم قرر أن يمضي صباحه في محطة القطار، ركب واحدا منها مبكرا جدا، حتى قبل أن تصحو الأجواء، قرر النزول في واحدة من المحطات الشبه مهجورات، ووحيدا نزل كما صعد، في المحطة التي قررها للنزول الكل يصعد والمجنون مثله من ينزل في هذا الجو البارد، كان يرقب القطار يواصل سيره المتكاسل بحنان كبير، القاطرة ما عدت قادرة على الجر، تاريخ صنعها يشي بالهرم، لكل هيهات أن يدعها أصحابنا تستريح، أن تعيش ما تبقى من حياتها بعيدا عن حرارة القضبان الحديدة ولسعات الفرامل القوية، لتنعم بالتقاعد المستحق يجب عليها أن تتسب في هلاك المئات وربما الألاف...

ارتمى متهالكا على مقعد خشبي تبدو عليها أثار العقود من السنين، صيفا وشتاء، خمّن مسرعا أنه من الحسنات الكبيرة لجالب التحديث للبلاد، طرق فكره بشكل خاطفا سؤال كبير، ماذا لو لم نعش الحماية؟ ماذا لو استمر الأخرون في الاعتقاد أننا أقوياء وتركونا لحالنا على حالنا؟ أطلق ضحكة خفيفة مليئة بالتهكم، أقوياء؟ ونترك لحالنا يا سلام؟ مسرعا لعن شيطان التاريخ الرجيم، وعاد إلى واقعه في المحطة الباردة، أجال بصره يمينا وشمالا وإلى الأعلى أما الأسفل فقرر أن لا ينظر فيه، ما يزال في الأجواء بعض الظلام، بالكاد تتسلل أولى خيوط الضوء لتجعل الأفق رمادي اللون، أشعره المكان بالألفة وهو الذي بالكاد كان يرمقه من نافدة القطار، حين أشعل سيجارته شعر بالدفن يتسرب إلى داخله، أجبر أصابعه والساعة على مغادرة دفن جيوب معطفه الثقيل، وحين شعر بلفحات البرد تتسلل عبر أنامله ناوب يمناه ويسراه على حمل السيجارة إلى فمه، الأفكار والأحاسيس كانت تتزاحم في قلبه وعقله، كلها تريد أن تخرج في نفس الوقت ودفعة واحدة، لم يكترث للأمر، فظل الجميع عالقا بداخله، ربما كان ينتظر مجيئ الشمس، واتضاح معالم المكان، والأهم صحو الناس وانطلاقهم في المكان...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مسرحية -شو يا قشطة- تصور واقع مؤلم لظاهرة التحرش في لبنان |


.. تزوج الممثلة التونسية يسرا الجديدى.. أمير طعيمة ينشر صورًا




.. آسر ياسين يروج لشخصيته في فيلم ولاد رزق


.. -أنا كويسة وربنا معايا-.. المخرجة منال الصيفي عن وفاة أشرف م




.. حوار من المسافة صفر | المخرجة والكاتبة المسرحيّة لينا خوري |