الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كيف حالُكَ؟

خالد جمعة
شاعر ـ كاتب للأطفال

(Khaled Juma)

2012 / 11 / 23
الادب والفن


كيف حالك؟
أحمل الرواية على أوراقي البيضاء، أجلس على الطاولة المربعة، وأشرح للراوي أخطاءه التاريخية، يوصي بالقهوة، يصيب الصاروخُ الفنجان ومن يعده، أقولُ إنها الحرب، فينظر إليّ باستخفافٍ خفي، ويباعد يديه ويفهمني بشكل خاطئ تماماً، أشكره وأمضي والنيران تسقط من فم الغيم، ليس للنار إيقاع، كل من حاول أن يوائم جسده مع إيقاع النار، خسر المعركة.

** كلُّ محاربٍ خاسرٌ في النهايةِ، المعركةُ ذاتها هي الرابحُ الذي يبقى اسمه في التاريخ **

كيفَ حالُكَ؟
لا حال لي، ولا كيف لي، تنهمر الأصوات تباعاً، اللعنة على من علمني أن أميز بين القذائف وهي تنفجر، يسقط جارنا في الفخ ويصرخ في الطائرة، يظنها ستقع، يقع جزء منها كما توقع، لكنه ليس الجزء الذي أراد، لم يفهم كيف حطمت الصرخة بيته وأولاده وزوجته والحصان اليتيم في حظيرة البيت، ظن أنه بقي حياً لأن الله يعاقبه على ذنب لم يعرفه.

** الحالُ فكرةٌ، وإن زالت الفكرةُ صار الحالُ ضباباً وصار صاحب الحال عواء **

كيفَ حالُكَ؟
أبحث عن أصدقائي على الخارطة، أكلمهم واحداً واحداً ولا يردون، أشتمهم، أعلق لهم المشانق، أبدأ في تذكر سوءاتهم، هؤلاء الكلاب، أريد الاطمئنان عليهم وهم لا يكلفون أنفسهم بفتح خط الهاتف، وبعد جولة طويلة من السباب، أكتشف أنني لم ألمس الهاتف منذ أيام.

** الأصدقاء وهم علينا ألا نكثر منهم كي لا ينكسر القلب أكثر **

كيفَ حالُكَ؟
أنظر إلى بطاقة الهوية كي أتذكر اسمي، هذا أنا؟ كما كنت قبلَ أيامٍ، كامل التكوين، لكني نقصتُ ما لا أعرف، هناكَ عميقاً، هوةٌ هائلة، لا يعبئ فمها شيء، ولا يخرج منها أي لونٍ أعرفه، ذاكرتي تسيل بين الأبنية، بين الشوارع، بين حبات الرمل، ولا تصل إلى شيء، ولا تخرج من شيء.

** الأسماء تُخرجنا من دائرة الطبيعة إلى دائرة السجل المدني، فالأشجار لا اسم لها **

كيفَ حالُكَ؟
أدرس كيمياء الطقس، المقولات الكثيرة الموزعة في الهواء، لا أحد يفهم، فقط الخوف يخرج من الأرض، ويلاقي الخوف الهابط من الغيم، فتصير البلاد خوفاً، والهواء خوفاً، والناس خوفاً، والرمل خوفاً، والوقت خوفاً، يصيرُ جسدي كرةَ ماءٍ تمطرُ وتتبخر وتمطر وتتبخر، وأسقط فيما أظنّه النوم، تأتي الحرب في النوم أيضاً ولكن بوضوحٍ أكبر.

** الخوف حين يعقد المعدة على شكل حرش قصب، لا يكون ناياً، مطلقاً **

كيفَ حالُكَ؟
أمرّ بين الكلمات مثل دوريّ تطارده صقور خِماص، لا شيء يدلّ على شيء، يرقصون وينتحبون، ويموت الميتون مرتين كل مرة، فولاذ كل ما نرى، فولاذ كل ما نحس، تغلق جارتنا باب غرفتها، أنتفض تماماً كما أنتفض عندما ينفجر الهواء، لم أعد أرى، لم أعد أسمع، لم أعد أنا.

** الكلمات تفقد توازنها، تفقد إحدى قدميها، وتفقد عين من يفهمها **

كيفَ حالُكَ؟
ألملمُ نُتفاً من روحي التي توزعت على أطفالٍ ميتين مصادفةً أو عمداً، لم يعد هناك فرق، محبوسٌ في جلدٍ ساخنٍ يتهيّأُ لما لا يعرفُ، حزينٌ ربما، خائفٌ ربما، أجرّبُ أن أجدَ اسماً للمشاعرِ التي تقصفُ قلبي تماماً كما الطائرة التي لا أراها في السماء، يسقطُ الصوتُ في كلّ سنتمترٍ من المدينة، ولا تعرفُ المدينةُ ماذا تفعل، لا هي تموتُ ولا هي موهوبةٌ للرحمةِ، وتنادي اللهَ كلَّ الوقتِ بيدين خاضعتين ووجهٍ لم تعد ملامحه واضحة.

** الأطفالُ اختبارُنا، حيث نفشل دائماً **

كيفَ حالُكَ؟
روحي مغناطيس، تحت جذور العاطفة، وفوق سقوف العاصفة.

** الروح لم تعد حين ذهبت وراء الظل، الروح بنت النور، ظللها، سترحل **

كيفَ حالُكَ؟
أرى الصغار يتجولون في الهواء بحريّةِ بالونٍ معبأ بهواء ساخن، ملونون بالأحمر كلهم، على وجههم شعارات غريبة لا هي ضحك ولا هي ألم ولا هي انتظار، فقط يتجولون هناك، أينما التفتُّ وجدتهم، أصرخ فيهم أن يلعبوا بعيداً عن عينيّ، يغضبون ويتركون المكان، لكنّهم صغار كما أعرفهم، بعد ثانيتين ينسون غضبهم ويعودون، يدورون حولي، فأكاد أفقد عقلي، بل أفقده.

** ثانيتين فقط، المسافة بين كل ثانية وأخرى، معادلة لن يفهمها أحد، إلا الأطفال حين يسبحون في الهواء **

كيفَ حالُكَ؟
أجرّبُ زوايا البيتِ كلّها، لا زاوية آمنة، لكلّ زاويةٍ مكانٌ يمكنُ اختراقها منه، أمدّ يدي إلى الهواء الساخن، تسبح فيه أرواحٌ كثيرةٌ لا تعرفُ مستقرّها بعد، ففي طريقها إلى السماء واجهتها الطائراتُ فأجلت رحلتها.
عصافير حقيقية بريش ومناقير وأجنحة، تصرُّ أن تقف على شباكي، وتأكل من نبتة الصبار في إصيص الفخار، تغني وتتحرك بشكل يلهيني قليلاً فأبتسم، يخرجُ الصوتُ من الهواء، تطير العصافير ولا ترجع، وأظل منتظراً صباحاً تالياً لعله يأتي.

** للبيت أكثر من معنى، ليس منها معنى واحداً متعارف عليه **

كيفَ حالك وقد انتهت الحرب؟
حزيناً ما زلتُ، فلا يعني انتهاء الحرب أن الذين ماتوا سيعودون من موتهم.


23 تشرين ثاني 2012








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -أنا مع تعدد الزوجات... والقصة مش قصة شرع-... هذا ما قاله ال


.. محمود رشاد: سكربت «ا?م الدنيا 2» كان مكتوب باللغة القبطية وا




.. جائزة العين الذهبية بمهرجان -كان- تذهب لأول مرة لفيلم مصري ?


.. بالطبل والزغاريد??.. الاستوديو اتملى بهجة وفرحة لأبطال فيلم




.. الفنان #علي_جاسم ضيف حلقة الليلة من #المجهول مع الاعلامي #رو