الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نص بلا عنوان

محمد حسن عبد الحافظ

2012 / 11 / 23
الادب والفن


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يَضُمُرُ خيال الإنسان حين يتباعد عن خيال الطفولة؛ تلك التي تبدو سحيقة في روحه، يكاد لا يلامسها إلا في أحلامه التي كانت أزلَ خياله الطفولي الخلاق، حين كان يرى الكون منظومات من الأساطير، وسلاسل من الصور والمشاهد والرموز والعلامات، حيث بوسعه أن يطير بسرعة الحلم في نفقٍ مظلمٍ صوبَ فوهةِ نورٍ أخَّاذ، وحيث يرى الشمس طائرًا مجنحًا بالنار، والقمر قاربًا بأشرعةٍ من ملائكة يسمو (كـ يُبْحِرُ) إلى لُجَّةٍ في ظلمةِ سماءٍ موحيةٍ بمجهولٍ ومخبوء، يتتبع الإنسان الضوء في قلب الظلام باحثًا عن المطلق الذي لا ينتهي. يتحرك ويرى ويشم ويلمس ويتخاطب، بإيقاعات اللون والصوت والرائحة والحركة، تلتبس الروح بالجسد، ويلتبس الجسد بالروح، وتلتبس الحقيقة على الحائر بين النفس والهيولى. السماء تزرع الأرض بهواءٍ وماءٍ ونور. والأرض تمطر السماء بخيالٍ وإبداعٍ وفلسفة. الإنسان بألف وجه، والوجه بألف أنف، والأنف تدنو لألف عين، والعين تعلو على ألف لسان، واللسان يتوسط بين ألف أذن، والروح واحدة، والوجود واحد. القباب نهود العمارة في القصور والمعابد والقبور، وهي استدارات النفس الحبيسة. والمسلات أقضبة الحضارة كالفنارات وأبراج الأجراس والمآذن، وهي صواريخُ دمار، ومجامرُ مدافع، وأنصالُ قطع، ومزقُ وصلِ السماء بالأرض. الغراب يومئ بالأنباء التي لم تحدث بعد؛ ليخلق في النفس مملكة المشاعر من الخوف إلى الحرية. الفأر ذو العيون الباعثة لألوان وأصوات وروائح وإيماءات تمزج انفجارات الحروب بوحشية الإبادة بمشاعر الكره بأنفاس العداوة بمخاوف الإنسان من جرائمه ضد الطبيعة، واعتداءاته على حكمتها، فترد الطبيعة بأسوأ مما أجرم واعتدى. الثعبان المرقط ذو القرنين المتدلى منهما جرسان ينذران بضجيج ما ينبئ عنه الفأر سلفًا؛ يدنو من الوجوه التي غالبًا ما لا يراها أصحابها إلا في أحلامهم، بينما ينسى اليَقِظُ ملامح وجهه الذي يحمله، ولا يسمع صوته الذي ينطق به، ويكاد لا يدرك كينونته الإنسانية. يقف الطاووس المرشوق ريش ذيله الطويل بعيون الأرجوس* في تعالٍ صامت - يحسبه الناظرُ خيلاء – ليوازن بين ريش ذيله الساكن، ورأسه الصغير – المكتنز بالأسرار والأسئلة - المتوَّج ببضع ريشاتٍ من نرجس. يرى الحالم رأسه محل القمر، ويرى قمره محل الرأس. ذلك الشخص الذي ينفلت من مؤخرته ذيلُ عقربٍ ملتوٍ ومسنونِ الذنب، أو ذاك الذي يستحيل وجهه وجهَ ثعلب. المخالب الرمادية تهدد، والأنياب البارزة تنهش، والغيلان تفرض سيطرتها وهيمنتها، والبراكين تعرف مكانها في عيون الأرض، والمشاعر آلهة تتشاجر، والعقل يحوي ما لا تعيه العقول. في الأحلام وحدة وجود، وأزمنة أزلية، وبيوت قديمة، وأصوات صامتة، وملامح مبهمة، وأحداث غرائبية، بلا طبائع، أو منطقية، أو مطلق، أو وثوقية، أو مقاييس، أو ثنائيات، أو حدود، أو طرائق مقننة. يعيش الطفل الحلم يقظةً، والأسطورة واقعًا، والمستقبل ماضيًا، واللاشعور شعورًا، على نحوٍ لا نظير له عند الرُّشَّد إلا في أحلامهم، وإلا الفنانون منهم الذين يغوصون أو يطيرون أو يحفرون في عوالم طفولتهم، فيخلقون من ماء الخيال كل شيء جميل. ذلكم طبعهم وفطرتهم: أطفال عباقرة يتخيلون دون أن يدركوا أنهم يتخيلون، فيصير الخيال حقيقة. بهذا الهدي، أفضت الإنسانية بقيم الحق والجميل والفيَّاض؛ فأبدعت واخترعت وتراكمت حضاراتها وأساطيرها وتنوعت وتلاقت.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الممثل الباكستاني إحسان خان يدعم فلسطين بفعالية للأزياء


.. كلمة أخيرة - سامي مغاوري يروي ذكرياته وبداياته الفنية | اللق




.. -مندوب الليل-..حياة الليل في الرياض كما لم تظهر من قبل على ش


.. -إيقاعات الحرية-.. احتفال عالمي بموسيقى الجاز




.. موسيقى الجاز.. جسر لنشر السلام وتقريب الثقافات بين الشعوب