الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حكومة بن كيران والتفاحة الفاسدة

سعيد مبشور

2012 / 11 / 24
مواضيع وابحاث سياسية


تولى حزب العدالة والتنمية قيادة الحكومة المغربية الأولى بعد دستور الفاتح من يوليوز 2011، في ظرف أقل ما يقال عنه أنه حاسم ومفصلي ودقيق، حيث تشتعل المنطقة العربية بحراك اجتماعي وسياسي هائل تغيرت معه الكثير من ملامح القرار في بلدان تونس ومصر وليبيا ومن بعدها اليمن، كما أن باقي البلدان العربية تشهد صراعات وتغييرات متسارعة، سقطت معها كل المقولات التقليدية التي حافظت من خلالها أنظمة الحكم على وجودها وتماسكها، وغدت مبررات الطوارئ والاستثناء وحتى الاستقرار عوامل إضافية لتأجيج الغضب الشعبي العارم وتوسيع مطالب الثورة والإصلاح.
وقد تنسم المغاربة كغيرهم من شعوب المنطقة رياح الربيع العربي، وجاشت في أنفسهم مشاعر التوق إلى التغيير، وتعددت تعبيراتهم عن الانخراط في السياق العربي المتحرك، فكثرت الاحتجاجات المطلبية في مختلف القطاعات الاجتماعية، وشكل مجموعة من الشباب حركة العشرين من فبراير، التي وسمت السنة الماضية من تاريخ المغرب بطابع الحراك والسجال والجدال الذي بدأ لكي لا ينتهي إلا على إيقاع إصلاحات باشرتها الدولة، كان أبرزها تعديل دستور البلاد بما فاق في الكثير من جوانبه سقف مطالب القوى السياسية التقليدية.
وفضلا عن ذلك جرت انتخابات الخامس والعشرين من نونبر 2011، في شروط مأزومة، اضطرت معها الدولة إلى مسابقة الزمن من أجل الدخول في مسلسل سياسي جديد، يطوي مرحلة مضت من الرتابة والجمود، ويتجاوب مع المشاعر الشعبية المحبطة من جراء توالي عقود الترهل وشيخوخة المؤسسات، ويذهب بالتالي إلى فرز نخب سياسية بديلة، تعطى لها فرصة إدارة الشأن العام وممارسة السلطة وفق معادلة الخصوصية التي تمنح للمغرب وضعا استثنائيا وسط الغليان الذي تعرفه المنطقة.
وهكذا أفرزت الانتخابات صعود قوة سياسية تنتمي إلى تيار شعبي، هو التيار الإسلامي، حيث حاز حزب العدالة والتنمية ذو المرجعية الإسلامية على أغلبية مقاعد البرلمان، بما يمكنه من تشكيل الحكومة وفق قواعد الدستور الجديد.
الكتلة الناخبة، على الرغم من محدوديتها، اختارت في معظمها، حزبا حمل جل شعارات المظاهرات في الشارع، ودعمت هذه الكتلة شريحة من المثقفين والمنتمين إلى طبقة وسطى ناشئة، آثرت نهج خيار الطريق السالك، وسط أشواك نباتات الهامش التي تفرعت براعمها بفعل أجواء الحراك الإقليمي.
وكان أبرز عنوان قاد به رفاق بن كيران حملتهم الانتخابية هو محاربة الفساد، بل إن بعض الخطب النارية لزعيم الحزب وبعض قياداته إبان الحملة نفسها، كانت تذهب بعيدا في انتقاد الأوضاع القائمة، لدرجة استهداف أسماء بعينها من محيط السلطة المركزية، والإعلان الصريح عن النية في مواجهة مظاهر اجتماعية وسياسية وسلطوية ظلت خارج المحاسبة إلى وقت قريب.
وهو ما يعني أن محاربة الفساد كان العنوان الحقيقي للبرنامج الذي تعاقد عليه حزب العدالة والتنمية مع ناخبيه، لكن الذي غاب عن الجميع وسط دوي الشعارات، هو أن حزب بنكيران لم يقدم حدودا لمفهوم هذا الفساد، ولا الأمكنة العلنية والخفية لتواجده، ولا أدوات واستراتيجية الخوض في هذه الحرب، أو السقف الذي سوف تنتهي إليه.
لكن الشعارات التي اصطف إليها المغاربة وساندوها، ما لبثت أن تحولت إلى مزيج من بهرجة إعلامية، وفقاعات شعبوية، كان أكثرها تأثيرا الإفراج عن لائحة رخص النقل الطرقي بين المدن، وهو ما تبين أنه مجرد طلقة طائشة، لم يتبعها أي إجراء، وحتى إن تم نشر لوائح الرخص والامتيازات الأخرى، فإن ذلك في الغالب لن يتعدى الاستهلاك الإعلامي.
أما التعاقد البرنامجي لحزب بن كيران، فقد أسقطه إعلان "العفو عما سلف" الذي صرح به رئيس الحكومة، على الرغم من التصريحات التي أتت بعده بما يشكل ملحقا لهذا الإعلان، والتي مفادها أن باب الحرب على الفساد مفتوح، ويكفي لإشعال فتيلها توصل الحكومة بملفات تستوفي شروط المحاسبة، وكأن صلاحياتها الدستورية الواسعة لا تكفل لها حتى مراجعة الملفات العالقة المتراكمة في أدراج العديد من المؤسسات !
ثم إن التناقضات المتوالية في تصريحات وزراء الحكومة وقراراتهم باعث على الشك الذي قد يحطم الآمال العريضة التي علقها المغاربة على الوافد الحكومي الجديد، وقد يتسرب هذا الشك حتى إلى الجبهة المساندة لابن كيران، التي ظهرت من داخلها أصوات تدعو بن كيران إلى التحلي بالشجاعة اللازمة للنبش في مخلفات ما قبل تشكيل حكومته، والكف عن تفويت المعركة إلى كائنات من قبيل "التماسيح والعفاريت والساحرات"، مخافة إضعاف مصداقية مسلسل الإصلاح السياسي والمؤسساتي.
ويبدو أن النوايا المعلنة لحزب العدالة والتنمية تصطدم بصخرة الواقع الذي يقاوم هذه الأماني، حيث إن الفساد ظاهرة متفشية، ترى بالعين المجردة، تقوض أسس البناء المؤسساتي، وتكبح مسيرة التنمية، وتنمو على هامشها قواعد ركينة من الاقتصاد السري الموازي المبني على المعاملات غير المشروعة، وتحميها لوبيات ومصالح وقوى تنتفع من عوائدها وأفيائها.
وهي أجواء ومفاعيل قد تؤشر على أن هذه الحكومة ستستهلك ولايتها الوزارية في الحديث عن الفساد دون تجاوزه إلى مرحلة المواجهة، ما يعني غياب استراتيجية واضحة ومترادفة الخطوات في هذا الشأن، ونفاذ الوقت قد يفرغ شعار إسقاط الفساد من مضمونه المأمول، ويضع أي إمكانية للتغيير على المحك، مما ينذر بتداعيات أخطر على المستقبل السياسي والاجتماعي للبلاد.
ومع هذا وذاك، قد يحصل لحكومة الدستور الجديد، ما حصل في الولايات المتحدة الأمريكية عقب الحرب الأهلية، في ستينيات القرن التاسع عشر، حين باشر رجال القانون عملية تطهير واسعة، سموها عملية "التفاحة الفاسدة"، انسجاما مع ثقافتهم الأنجلوسكسونية، حيث يقول المثل الإنجليزي: "التفاحة الفاسدة تفسد السلة بأكملها"، لكن الذي حصل أن الولايات المتحدة تحولت برمتها إلى حضارة فساد وغزو ونهب واستعمار لازال مستشريا إلى اليوم.
وفي الأسطورة، التي لا دليل عليها في الكتاب ولا في السنة بحسب الفقهاء، أن التفاحة التي كانت سببا في إخراج آدم عليه السلام من الجنة، لم تكن سوى تفاحة فاسدة، فهل يكون بعض التفاح الفاسد، وما أكثره، سببا في خروج ابن كيران من السلطة ؟ أم أن التفاحة الفاسدة هي السلطة نفسها ؟ !!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ألمانيا تهدد روسيا بعواقب بسبب أنشطة تجسس واختراق إلكتروني


.. جماعة الحوثي تعلن بدء مرحلة جديدة من التصعيد ضد السفن التجار




.. القوات الروسية تصل إلى القاعدة العسكرية في النيجر قبل انسحاب


.. رئيس الوزراء البريطاني السابق يقع في فخ قانون أقر في عهده




.. -إنسان الغاب- يستخدم نبتة طبية كضمادة لجروحه