الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رحلت الاغنية العراقية قبل رحيل عفيفة

بشرى علي

2012 / 11 / 24
الادب والفن


رحلت عنا الفنانة العراقية الكبيرة عفيفة اسكندر ١٩٢١/ ٢٠١٢ ، لكن الأغنية العراقية كانت قد رحلت قبلها، وربما منذ سبعينات القرن الماضي، حين اكتسح نمط من انماط الأغنية الريفية ساحة الغناء العراقي بالكامل ودون مقدمات، وبأصوات ظهرت فجآة ، وبقدرة عجيبة أزاحت كل رموز الغناء العراقي بقسميه المعروفين، الاغنية المدنية ، والاغنية الريفية. والتي لكل منهما اشكالها المتعددة .

عفيفة المطربة الأصيلة قد أثرت مكتبة الاغنية العراقية باصالة نابعة من عمق وعذوبة صوتها، وسعة حنجرتها، وحلاوة طلتها التي أبهجت جمهورها فراحت تآخذهم بجرآتها وقدراتها الصوتية الى ابعد مدى، وبأداء تميز بروح شفافة لامست المسامع ، فاثرت النفوس برقي من الحب وسلطانه (ادري بيك مشغول بهوى الاسمر ، ياحلو يا اسمر، جوز منهم لا تعاتبهم، حركت الروح) . اغاني ما زالت تؤثر فينا ، نحفظها ونرددها في مناسباتنا المختلفة بحنان وشوق لتلك الرفعة والذوق الموسيقي العالي.

الفن والغناء الراقي انعكس عند عفيفة عبر مئات الأغاني، مترافقا مع أجمل أغاني المطربات والمطربين المعاصرين لها ، احلام وهبي، لميعة توفيق، هيفاء حسين، مائدة نزهت، رضا علي، ناظم الغزالي، داوود العاني وملحنين أمثال عباس جميل واحمد الخليل، هؤلاء وغيرهم ، شكلوا مع عفيفة الجزء الأهم من الأغنية العراقية الحديثة آنذاك، والتي كانت قد تميزت بأنماط موسيقية متعددة، فمن المقام والبستة في بغداد، الى الأغنية الموصلية، فالبصراوية، واغاني الفرات الى الأغنية الجنوبية في العمارة، أضافة الى أغنية البادية.



وهكذا كنا نرى الأغنية المدينية التي تقدمتها عفيفة ومعاصريها الذين أبدعوا جميعا في أداءهم وأحاسيسهم، قد جعل لهذا النمط من الأغنية العراقية مكانة وموقعا موسيقيا راقيا بتلاحمه مع موسيقى المقام العراقي، حيث كان رافده الأساسي للاستمرار والتطور.

آما الغناء الريفي ، فله حضوره المتميز على ساحة الأغنية والموسيقى، له اسلوبه، أدائه الخاص، تقدمته نخبة من أروع الأصوات النقية المؤثرة على مختلف الأوساط الأجتماعية، مطربون ريفيون اٌصلاء، امثال وحيدة خليل ، ناصر حكيم، وحضيري ابو عزيز، داخل حسن، جواد وادي، عبد الصاحب شراد، وعبد الواحد جمعة وكثيرون غيرهم.


لكن الأغنية المدينية، قد بدآت بالتراجع والأفول، بفعل عوامل عديدة في مقدمتها وأهمها قوة وقوع الحدث السياسي وما رافقه من متغيرات اجتماعية وثقافية، وتآثير ذلك على الفرد والشارع العراقي، وعلى مسار التطور الثقافي والنفسي الأجتماعي ، حتى اكتمل الظرف السياسي الأجتماعي في بداية ومنتصف سبعينات القرن الماضي، لتبدآ عملية مبرمجة لأغارة ثقافية ريفية واسعة ، تكتسح المدينة فتنشر أدابها ، أغانيها، وكل ما تملك من أعراف وتقاليد عشائرية وبدوية، ترفعت المدينة عليها لزمن طويل.

هذه الظاهرة كانت انعكاسا حقيقيا ،مهما وحاسما لحاجة السلطة الحاكمة في فرض أراداتها وسياساتها التعسفية، لذلك كانت هذه السلطة المبادرة والسباقة في التشجيع وتقديم كل أمكاناتها في سبيل تعزيز هذه المتغيرات، لتكون هي الثقافة السائدة في المجتمع.

وللأسف، فأن مستوى الوعي الأجتماعي الثقافي لم يكن ليؤهل الى أدراك الخطورة الفائقة لمثل هذه الظاهرة ، بل أن هناك مساهمات فاعلة، بنيات حسنة لفنانين وأدباء لم ولن يدركوا الضرر الكبير الذي يحدثه مثل هذا الأكتساح الريفي البدوي للمدينة

الغريب في الأمر أن رواد الغناء الريفي، الذين حملوا هموم الريف وابناءه، لم يساهموا في هذا التراجع الثقافي الرهيب. اختفت اسماءهم فجآة امام أسماء ظهرت فجآة ، وبسرعة غريبة لتكتسح ساحة الغناء العراقي بالكامل، امثال سعدون جابر، حسين نعمة،ياس خضر، سعدي الحلي ونسيم عودة…الخ



رافق ذلك سيطرة صدام حسين على السلطة السياسية بالكامل، وفرض أراداته الفاشية على كل مرافق الحياة الأجتماعية ، ومنها الساحة الفنية، مما أدى الى تحول الكثير من هؤلاء الفنانين الى ابواق لتمجيد قائد التراجعات والهزائم، لتفتح الأبواب واسعه امام الأنحدارات الحادة للثقافة والفن والذائقة الموسيقية.



لا بد من الاشارة هنا، الى أن هذه الحالة كانت قد واجهة رفضا قاطعا من قبل بعض فنانينا، الذين اضطروا الى مغادرة العراق بحثا عن مكان أمن لأستمرار انتاجهم الفني، الا أن هذه المغادرة كانت بمثابة اضافة اخرى لموت الاغنية العراقية الحديثة.

كل هذه العوامل انحدرت بالذوق الموسيقي العام الى الاسفل وباستمرار حتى وصلت الأغنية العراقية الى أدنى مسبوياتها على يد قاسم سلطان ونصرت البدر وحسام الرسام، واخرون لا يمثلون الا قمة في الأنحطاط الذوقي للموسيقى والكلمة.

لا نغفل هنا، ان كانت هناك محاولة لبعث الاغنية العراقية على يد الفنان كاظم الساهر، الا ان هذه المحاولات، وفيما عدا بعضا صغيرا من ألحانه، فانه وفي اغلب ألحانه لم يستطع الخروج على اغنية الحرب والمارش العسكري (قولي احبك، دمر حطم والعب على اعصابي)

أين كل هؤلاء من عفيفة اسكندر، اين هم منها ومن فنها وأغانيها، أين هم منها حين حولت بيتها الى صالون ثقافي يرتاده أعلام الثقافة والفن والأدب امثال مصطفى جواد والشاعر حسين مردان والمحامي عباس البغدادي والفنان عبدالله العزاوي وصادق الازدي، والمصور امري سليم والمصور حازم باك


أين كل هؤلاء من عفيفة، التي عاشت رفضا قاطعا غير معلن، لما دار في الساحة الفنية والموسيقية ، من خلال أعتزالها، وتوقفها عن الإنتاج الغنائي ، لآلا تضطر الى الخضوع لقوة وقع الحدث، حيث أبقت على حلاوة اغنيتها ، وذوقها الرفيع دون ان تضع ألحان الصريخ والتمجيد والمارشات العسكرية الى جانب تراثها المتألق الرفيع .

الا من مبادرة من فنان او فنانين وموسيقيين للعمل بجدبة لإسترجاع ماض ضاع ؟ قد نستطيع أحياءه ،تطويره، فيما لو تكاتفت الجهود، والا فالسلام على العباد والبلاد .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - طيبه ..ذكريات مظت كلمح البصر
سمير فاضل ( 2012 / 11 / 25 - 09:04 )


الست بشرى

أيام زمان ذهبت واصبحت ذكرى

عفيفه أسكندر و بغداد ..

جفت دموع العين لم يبقى فيها الا بصيص نظر

طيبه ..ذكريات مظت كلمح البصر

ذكرتيني وخليتيني أعود بذكريات الصبى و بلمحات وذكريات جميله عن تأريخ العراق وأعلامه في العهدين الملكي والجمهوري رحم الله رجالاتهم ونسائهم والعبره لمن يعتبر من تأريخه
انا وعائلتي نعيش في بلاد غربه بعيده منذ سنين طويله ..

أبقى آحن لديرة هلي ونكهة واناقة ما يقولون بحلوها ومرها

موضوع كلامك جميل وشيق

تحياتي لك

اخر الافلام

.. فنان إيطالي يقف دقيقة صمت خلال حفله دعما لفلسطين


.. فيديو يُظهر اعتداء مغني الراب شون كومز -ديدي- جسدياً على صدي




.. فيلم السرب للسقا يقترب من حصد 28 مليون جنيه بعد أسبوعين عرض


.. الفنانة مشيرة إسماعيل: شكرا للشركة المتحدة على الحفاوة بعادل




.. كل يوم - رمز للثقافة المصرية ومؤثر في كل بيت عربي.. خالد أبو