الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شُهداء بلا حدود

فايز شاهين

2005 / 3 / 12
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية


بالأمس عملية إرهابية انتحارية بواسطة سيارة نفايات استهدفت وزارة الزراعة العراقية ببغداد، واليوم إرهابي انتحاري يفجر نفسه في حسينية بالموصل، وقذيفة هاون على موقع تشييع جنازة الضحايا، والنتيجة عشرات من الشيعة العراقيين يسقطون شهداء على يد السلفيين الإرهابيين كلَ يوم. اليوم هو أيضاً يوم الذكرى الأولى لتفجيرات مدريد الإرهابية، والتي راح ضحيتها 191 إنساناً بريئاً، وأكثر من 1800 جريح.
الإرهابيون من السلفيين ومن يفتي لهم بقتل الشيعة من عصابة هيئة علماء الإرهاب، وكذلك من مشايخ الوهابية في السعودية الذين ما زالوا مستمرين في فتاويهم التكفيرية ودعوات الكراهية والعنف ضد الشيعة، يبدو أنّها أثمرت وبشكل كبير في تحويل فجر العراق بعد رحيل صدام، إلى دم أحمر، كما حوّلوا بلاد كثيرة أخرى إلى خراب ودمار يومي، مثل الشيشان وأفغانستان قبل سقوط عصابة طالبان وإندونيسيا، وكذلك الفلبين والصومال. شهداء في أمريكا، شهداء في الشيشان أفغانستان، شهداء في أسبانيا، شهداء في الفلبين، شُهداء في روسيا، شهداء في كل مكان، والمجرم هو نفسه، المجرم المحترف قتلاً ودماراً هو نفسه قبل أكثر من مائتي عام، هو نفسه الذي ذبح الآلاف في الحجاز وهجم على النجف وكربلاء وقتل الألوف من البشر، هو نفسه الذي فجّر في الرياض والخبر وفي جدة، هو نفسه الذي سحل الجثث الآدمية وقطع رؤوس البشر في العراق، هو نفسه الذي سحل الجثث الآدمية في ينبع وقطع الرؤوس الآدمية في الرياض والخبر.
شهداء يسقطون كلَّّ يوم، وإرهابيون يتسارعون إلى الحور العين بقتلهم الأبرياء، خاصةً إذا ما كانوا من الشيعة، فهذا يعني أن هناك زيادة في عدد الحوريات يتناسب مع عدد الضحايا. هؤلاء القَتَلة لم يتحركوا ضِد صدام ولا ضد أزلامه من المجرمين، لكنهم اليوم يتحدّثوا عن تحرير العراق، تحرير العراق ليس من الأمريكان، بل من شعب العراق. لا يَهمّهم الدمار الذي يحصل في العراق من تفجير أنابيب نفط أو للبنية التحتية العراقية من مصافي ومياه وكهرباء وهاتف، فالعراق ليس وطنهم، ودماره هدفٌ سامٍ يجب تحقيقه. لذلك تراهم يتحدّثون عن إيقاف صادرات النفط العراقية "لأن الأمريكان يسرق النفط العراقي"، ولا يتحدثون عن النفط السعودي ولا عن المنشآت النفطية السعودية ولا البنية التحتية، لأن ذلك يصب في صالحهم وأموال النفط تصب في جيوبهم لتمويل أعمالهم الإرهابية.
هذه ليست دعوة لأن يُدمِّروا البلاد ومصالح العباد، بل هي لكشف القناع عن هؤلاء الإرهابيين الذين يتظاهروا بحربهم ضد الغرب "الكافر" في العراق وقطع إمدادات النفط العراقي "للغرب الكافر" وليس النفط السعودي أو القطري أو الإماراتي أو الكويتي أو العماني، الخ. مشايخ الإرهاب ودُعاته هم هنا، حين أدانوا تفجيرات مدريد وأدانوا تفجيرات سبتمبر، وإن كان زيفاً ونفاقاً وخوفاً، ولكن لم يحصل أن أدانوا تفجيرات الموصل وغيرها التي يذهب ضحيتها العشرات، بل المئات من الشيعة كل يوم. السبب واضح، كما كان في السابق، اتهامهم الشيعة بأنهم أخطر على الإسلام من اليهود والنصارى، لذلك استهدافهم بالقتل والذبح هو أقصى ما يطمحون إليه للتقرب إلى الله، وإلى الشياطين من الحكّام لينهلوا من موائدهم وأموالهم، لينشروا ثقافة "السلف" في القتل والدمار. لذلك لهم الفخر في نشر هذه الثقافة ولهم السبق في إعلام أسماء "الشهداء" من الوهابيين في العراق على مواقعهم في الإنترنت، مواقع بعضها تعليمية حكومية ومواقع تقوم بتمويلها الحكومة السعودية تفيض "برائحة المسك" من جثث أعوانهم، أعوان الشيطان.
العراق كان ولا زال يقدّم الشهداء، فكما كان في عهد الطاغية صدّام، أعوان صدّام أبوا إلاّ أن يسيروا في خطّه الخاسر، أبوا إلاّ أن ينتقموا من الشيعة، لذلك نسوا أو تناسوا بأن صدّام "بعثي ومجرم وقاتل"، تذكّروا فقط بأن له الفضل الأكبر في "قتل الشيعة" ويكفيه هذا فخراً، كما ذكر العديد من "أهل السلف الصالح" في خطاباتهم ومواقعهم النتنة على النت. في الوقت الذي يُنادوا فيه بقتال الغرب واستعباد أهله، وقتل من يتعاون مع الدول الغربية، تراهم يغضّوا الطرف عن الحكومة السعودية، بل يُشيدون بها وبمواقفها في قمع "الرافضة والعلمانيين ودعاة التغريب"؛ في الوقت الذي خرجوا يدعون للجهاد في العراق لِقِتال الأمريكان الذين يحتلّون العراق، تراهم صمتوا عن فلسطين وأصبحت فلسطين وكأنها في خبر "كان"؛ في الوقت الذي ينتقدون فيه الانتخابات العراقية لأنها جرت تحت الاحتلال، لم يذكروا الانتخابات الفلسطينية التي جرت تحت الاحتلال الإسرائيلي؛ في الوقت الذي يتصيّدون أي تعليق أو لقاء لمسؤول عراقي مع مسؤول إسرائيلي، لم يُعلِّقوا على لقاء القيادات السلفية لقيادات يهودية في أمريكا، بل حاولوا التعتيم على الموضوع وكأن لم يحدث أو أن الخبر "مكذوب" على أهل النقاء والتوحيد.
لن تهدأ المنطقة، كما لن يهدأ العالم طالما وُجِد فيها من يدعو للإرهاب باسم الدين، يدعو لقتل الشيعة المواطنين باسم القضاء على "الكُفّار والمشرِكين"، يدعو لقتل أهل الكتاب واستعبادهم "باسم الجهاد"، يدعو لقتل كل من يختلف عن "الفرقة الناجية" باسم نشر الإسلام.
إن العالم الحر مُطالب بأن يرقى فوق المصالح الآنية وأن يتحدّث بلغة واحدة أُممية إنسانية تُطالب بالقصاص من الإرهابيين والدول التي تُموِّل الإرهاب وتدعو للكراهية والفكر المنحرف المتطرف على منابر المساجد وفي مناهجها المدرسية والجامعية وقنواتها الإعلامية من صحف ومجلاّت وإذاعة وتلفزيون. دول العالم الحُر مطالبة بمعاقبة الدول التي تنشر الفكر المنحرف والمتطرف في كل مكان، خاصةً الدول الفقيرة مثل باكستان وإندونيسيا وغيرها على شكل مراكز دعوية وكُلِّيات دينية ومعاهد تعليمية، مما أدخل هذه الدول في متاهات طائفية لم تكن تعرفها من قبل، أدخل هذه الدول في حروب تُهدّد وحدتها ومصالحها الحيوية، كل ذلك باسم القضاء على المشركين والكفار. إذا ما استمرت دول العالم الحر في سياستها الحالية من "غض النظر" عن هذه الدول للحصول على النفط الرخيص، فعليها أن تدفع الثمن غالياً في المستقبل، دماً يُسال وأرواحاً بريئةً تُزهق، كما تم دفعه في نيويورك ومدريد، ويبدو أن الغرب لم يفهم من تجربته السابقة، أو لا يرغب في الفهم أصلاً.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لماذا قررت مصر الانضمام لدعوى جنوب إفريقيا في هذا التوقيت؟ |


.. بيسان ومحمود.. أجوبة صريحة في فقرة نعم أم لا ??????




.. دول أوروبية ستعترف بالدولة الفلسطينية في 21 مايو/أيار


.. -مطبخ مريم-.. مطعم مجاني ومفتوح للجميع في العاصمة اللبنانية




.. فيديو مرعب يظهر لحظة اجتياح فيضانات مدمرة شمال أفغانستان