الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حلول

عبد الفتاح المطلبي

2012 / 11 / 26
الادب والفن


حُلـُــــــــــوُلٌ
قصة قصيرة
عبد الفتاح المطلبي
قليلٌ من السكانِ هم الذين تجاوزتْ أعمارُهم عقدَها السادس وراحوا ينتظرون الشيء الوحيد المتبقي لهم وينشغلون عن عفن مايجري هذه الأيام بالإعداد لساعات أصفارهم حيث يلجون العالم الآخر من ثقب صغير ظل مواربا وربما كان هو الشيء الوحيد الذي بقي لهم ، رائحة الموت الذي يدب بين بيوتهم خلسة وأحيانا علناً قد سلبتهم آمالهم وحريتهم قبل أن ينجبوا تحت سقوف من الصمت يعيشون تحتها ووجل يغلف طرقاتهم إلى أعمالهم وتحت سلطة العيون الحارقة الخارقة لمخلوقات الموت يمارسون طقس الحياة التي تتسرب من خلال تقرحات زمن لا يعبأ بهم كثيراً، يأكلون بلا شهية وينجبون أولادهم سراً وهم ضجرون ، طيلة أربعين عاماً امتلأت البيوت بأولادٍ أصبحوا عندما شبــّوا سببا للقلق ، كثيرٌ من هؤلاء الأولاد معرضون للإخفاق بتعلم سر البقاء فتراهم يهبـّون أحيانا كفقاعات تنتفخ حين تجيش أرواحهم في القدر ثم تنفجر فجأة لتكون عدماً إثر النار المتواصلة تحت هذا القدر الذي يسمى حياتهم فيذهبون إلى نهاياتهم مختصرين الأمر سريعا إلى النقطة التي ينتظر عندها آبائهم بل وربما تجاوزوهم إلى ذلك الثقب الموارب إلى العالم الآخر،( حسان) كان الوحيد الذي شبّ بقلب شيخ رغم جسده الفتي ، لا يـُفسرُ ذلك إلا بموهبةٍ مفطورٌ عليها حسان لذلك كان لا يُعاني كثيرا حين يعيش ما تيسر من حياته كفقاعة متمهلة على حافة القدر موهما عيون الموت المتمثل بمجموعات من ذوي البدلات الزيتونية بما لا يستطيعون فك شفرته إذ أن مجسات الموت تلك وقرون استشعاره لم تتوصل لشيء محدد بشأنه وكلما حاول هذا الموت مع حسان تفشل محاولاته تلك ، لاتفسير لذلك إلا موهبته وفطرته التي تحميه ، وعندما تفحص المسؤول قائمته الطويلة التي يراجعها كل يوم كان حسان من القلائل الذين لم توضع مقابل أسمائهم علامات المسؤول، سأل المسؤول أحد أعوانه: من هذا؟ مشيراً بقلمه إلى إسم حسان ، أجابه لا نعرف عنه شيئا ، يسير صامتا لايلتفت إلينا مثلما يفعل الآخرون تأكدنا منه مرارا إنه لا يشكل خطرا لكنه لايحبنا ، راقبناه لعدة شهور فلم نجد إليه سبيلا، يروح صامتاً ويجيء صامتاً ،وفي يوم ران صمتٌ مطبق على المدينة ، لم يكن أحد من رجال الموت ليصدق يوما بأنه سيكون ضحيته ، ضحية الموت وخصوصا ذلك المسؤول ، ورن في رأس الموت هاجس أن يعرف الجميع عماذا كان مسؤولا هذا المسؤول ، لم يكن من العسير استحضار الحقائق ومكاشفتها إذ كانت لاتزال قريبة في الصدور لم يتيسر لها الخروج من قبل، صاح الجمع الهائج : سقط النظام ... سقط النظام ... لم يتسن للمسؤول أن ينفلت من بين الأيدي و الأرجل ، كلها كانت تريد الوصول إليه ففي صدره المتقيح ببقايا صراخ الضحايا الذين يعذبهم قبل إرسالهم للموت بجريمة معاداة السلطة والشك بولائهم لها كانت هناك تتكدس حقوق أخوة المعدومين والمسجونين والمغيبين ، راح حسان ينظر للهائجين مأخوذا بدهشةٍ عارمة وهو ينظر لخزين الغضب المعبأ بصدور الموتورين الذين تململ وترهم قي صدورهم من زمن بعيد منشغلين بتقطيع ضحاياهم الجدد استكمالا للدورة الحلولية بين الضحية والجلاد ، لطالما كره حسان دور المسؤول كجلاد تملأ سمعته الآفاق لكنه كان يشاهد لأول مرة تلك القساوة المفجعة للضحية عندما تحل محل الجلاد فقد كان المسؤول يفعل ذلك وراء الجدران أما الآن فإن الأمر يحصل في الشارع أمام ناظريه ، استعاد حسان كل الحكايات المرعبة التي كان بطلها جلاد الأمس ضحية اليوم ، فكر إن الأمر يتعلق بالضحية في مكانها وزمنها، منظر الضحية وهي تستسلم لمصيرها المحتوم بين أيدي عفاريت الغضب المختزن ، هاهو الرجل المرعب أمامه لا يعدو عن ضحيةٍ وكما تفعلون يُفعلُ بكم ، استغرق حسان بالدهشة حتى سحبته يد تحمل مدية باشطة كانت قد شُحِذتْ لزمن طويل والآن جاء دورها ، قال له ودم المسؤول يقطر على ملابسه وهو يصرخ بوجهه: هل أنت منهم ..ها ..هل أنت متلصص ، أحس حسان إن المدية كانت قريبة من أمعائه ، تخيلها وهي تندلق من بطنه إلى الأرض وصليل الألم يذبحه ، أسقط في يده صاح دون وعي ، لا..لا .. أنا معكم أنا معكم ، ناوله الرجل المصبوغ بالدم المدية قائلاً إذن هيا يا بطل إبقر بطنه و أنا سأقطع رأسه ولم يصدق نفسه وهو يغرز المدية ببطن الضحية التي كانت لا زالت تنتابها ارتجافات الموت الأخيرة ،فكر أن لا مجال إلى خلاصه من فوضى لاتميز بين مجرم وبريء وإن الأمور لا تحتمل التردد تحت سياط صراخ الرجل الذي يتهمه من طرف خفي : إبقر بطنه هيا يابطل، راح حسان يخوض بالمدية في بطن الرجل شبه الميّت ولا عزاء له إلا تذكر أنه من الممكن أن يكون هو الضحية ذاتها وإن المدية التي في يده ربما كانت تجوس في مصارينه وهو يسمع هتاف الشخص الموتور السابح بدم ضحاياه الجدد متخذا عرش الجلاد الجديد مكانا ، هيا ههههههه يابطل هيا يابطل ، هات المدية ، دعني افصل رأس الوغد بينما كان الرجل يفصل الرأس ، انسحب حسان بوجل وحذر وعند ولوجه في رأس أول زقاق ركض إلى البيت كمن أصيب بمسٍّ وقد تلوث قميصه الأبيض بالدم ، نظر في المرآة إلى يديه المصبوغة بالنجيع الأحمر وإلى بقع الدم التي تنتشر على وجهه وانتبه إلى أن كل خلية من جسده ترتجف على حدة ، أغلق باب الغرفة عليه بالمزلاج من الداخل وراح يبكي بمرارة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -من يتخلى عن الفن خائن-.. أسباب عدم اعتزال الفنان عبد الوهاب


.. سر شعبية أغنية مرسول الحب.. الفنان المغربي يوضح




.. -10 من 10-.. خبيرة المظهر منال بدوي تحكم على الفنان #محمد_ال


.. عبد الوهاب الدوكالي يحكي لصباح العربية عن قصة صداقته بالفنان




.. -مقابلة أم كلثوم وعبد الحليم حافظ-.. بداية مشوار الفنان المغ