الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لماذا تنعدم الثقة ؟

مهند البراك

2012 / 11 / 26
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


لم يعد خافياً، بانه بعد ان سقطت الدكتاتورية بحرب خارجية، اجتمعت قوى معارضة صدام باطيافها و حاولت اغلب قواها ان تطرح البديل بشكل جبهة سياسية تقدمية تضم كل القوى التي ناضلت و ضحّت على درب اسقاط الدكتاتورية، الاّ ان اصرار قسم منها منذاك على ان يكون هو البديل لاغيره . . . تم التوصل الى صيغة محاصصة انثروبولوجية كانت قوى عالمية و اقليمية تهيئ لها . .
في وقت ضاعت فيه الجماهير المُضيّعة بين كره الدكتاتورية و الفرح لسقوطها، بين كره الحرب و الاحتلال، و بين ان ماكان يحصل قد يكون لعبة جديدة بعد ان تكررت الانتفاضات و الحروب و حسمتها مواقف القوى الكبرى و ابقت على الحكم الدكتاتوري الشمولي . . حتى صار الشعب متغرباً عن دولته و عن بلاده و صار يلعن النفط الثمين لكونه سبب الدمار و الضياع، بدل ان يكون سبباً للرخاء و لعيش كريم اسوة بأمم و شعوب العالم . .
في وقت لايمكن فيه اغفال دور القوى العراقية و جهودها من اجل ان تتمكن من الاتيان ببديل عراقي للاحتلال الأميركي للبلاد، في طريق وعر زاد من وعورته نشاط القاعدة الارهابية و التحالفات الارهابية لفلول الدكتاتورية المنهارة، التي سارت على طريق (تحرير البلاد من الاميركان)، بالارهاب و بتصعيد الروح الطائفية، موظفة المحاصصة الطائفية التي جاءت كبديل للدكتاتورية الظالمة التي انهارت . . و تسبب ذلك بضحايا هائلة من كل قوميات و اديان و مذاهب و ملل البلاد، ومن كل حَمَلة الفكر التقدمي التحرري بألوانهم و طالت كوادر البلاد العلمية و الادبية و كفاءاتها المتنوعة، و خسرت بذلك البلاد طاقاتها البشرية المؤهلة . .
و يرى محللون ان اختيار بدائل الهويات الانثروبولوجية و خاصة الطائفية و العرقية منها، كبدائل عن الانظمة الشمولية التي سادت المنطقة . . اختيار اشتغلت عليه دوائر القرار العليا لملئ الفراغات التي نشأت عقب انهيار القطبية العالمية الثنائية و محاولة تسيّد قطب واحد، لحرف النضال الشعبي و بالتالي احزابه و قواه، عن وجهته الاصلية في التحرر و التقدم الاجتماعي و التمدن على طريق حياة افضل . .
و كان من نتائج ذلك ـ و بالملموس من نتائج المحاصصة في البلاد ـ صعود فئات و افراد لم يناضلوا يوماً من اجل مصالح شعوبهم و تكويناتهم . . بل و صعود فئات و اشخاص لم يحلموا يوماً ان يكونوا حتى (رجل كرسي) من كراسي الحكم، و لكن لنسبهم و (علو) انتمائهم العائلي وفق (البديل الجديد) و لسد شواغر بقيت فارغة بسبب الهوية الانثروبولوجية، و ليس بسبب الكفاءة و تراكم الخبر من التجارب المريرة في مواجهة الدكتاتورية الكريهة، و بالتالي القدرة على اتخاذ قرار وطني يخدم الصالح العام . .
في زمان تراكضت فيه الاحتكارات المتعددة الجنسيات تحت شعارات (الفوضى الخلاقة) و (عفى الله عما سلف) المفيدة لها لإعادة ترتيب و تصنيف اوراقها لتحقيق اعلى الارباح . . الامر الذي تبنته فئات داخلية انفتح امامها طريق كرسي الحكم فاستبدلت اثوابها باثواب المرحلة و مودتها، بهوياتها (الجديدة) . . لتحقيق اعلى الارباح لها و لعوائلها على حساب الشعب بكل اطيافه . .
من جانب آخر ورغم حل الجيش و الدولة من الحاكم الاميركي آنذاك بريمر . . و لأهمية انشاء وضع قانوني معترف به دولياً في بلاد النفط و المعادن . . تراكض الجميع و بتشجيع من فئات و افراد و قوى مخلصة للبلاد، لتشكيل دولة مؤسسات و اجريت اول انتخابات في العهد الجمهوري و تم وضع اول دستور دائم جرى التصويت عليه رغم الارهاب . . و رغم مآخذ و نواقص وثّقتها المحكمة العليا و حكمت لصالحها . . و صار للبلاد برلماناً و حكماً فدرالياً مثبّت دستورياً .
و الآن و بعد مايقارب العشرة سنوات . . تنمو و تتفاقم النواقص المذكورة آنفاً و صارت الصحف و وكالات الانباء المحلية و الدولية تعجّ بكثرة ماكتب و يكتب عنها، و استمرت الاختلافات و الخلافات و المشاكل القائمة . . بل و نمت رغم القليل الذي انجز، و رغم الحلول المؤقتة التي اجّلت الحلول الدائمة و ساعدت على نموها . . بتشويه حكمة " كل شئ في وقته حلو " . .
حتى صارت الطبقة الحاكمة تبتعد عن شعبها بمكوّناته المذهبية و العرقية . . بالاتفاقات التي لايعلن عنها بين قادة كتلها المتنفذة، و بالاتفاقات الثنائية التي لايعلن عنها بين قادة كتلتين فقط من بين تيارات متعددة تتغيّر تحالفاتها، اضافة الى استكتاب قادة كتل لإفراد متنفذين من كتلهم بان يطيعوا قائدهم او يفقدوا مواقعهم، وفق تصريحات ناطقين باسم تلك الكتل . . التي يصفها مطّلعون بكونها استهانة حتى بقيادات و افراد الكتل ذاتها.
و صار الدستور برأي اوساط تتسع و كأنه صيغ لتأمين وجود قادة بعينهم لايتغيرون في مناصبهم الحكومية بعيداً عن تنفيذ مبادئ التعددية و سلمية تداول السلطة التي اقرّها الدستور . . ليس بين الكتل فيما بينها فحسب، بل و بين افراد الكتلة الواحدة لتأمين التداول السلمي الاصولي لقيادة كتلة ما بين افرادها هي، كأساس لابد منه لتأمين تداول السلطة بين الكتل . .
و يرى خبيرون ان ذلك (الضبط الفولاذي) لعدم شطط افراد كتلة ما عن قائدها و الذي يدار من خارج البلاد كما تتناول الصحف و المواقع . . لن يضمن الثقة بين الكتل المتنفذة و بين افرادها ذاتهم . . بل سيزيدهم جهلاً و بالتالي تعنتاً لا يُفرّغ الاّ بنمو الروح العدوانية و الانتقامية و الاستبدادية، و زيادة روح الانانية و يشجّع على الفساد الاداري و الاختلاس . . بدل بناء التجربة على اساس التعددية و احترام الآخر و التبادل السلمي للسلطة و ابعاد الجيش عن حل المشاكل السياسية للبلاد و ابقاء تفرّغه للدفاع عنها و ضمان سلامة حدودها من استباحة الطامعين .

26 / 11 / 2012 ، مهند البراك








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل ترسل مدير الموساد فقط للدوحة بعد أن كانت أعلنت عزمها


.. بريطانيا.. كير ستارمر: التغيير يتطلب وقتا لكن عملية التغيير




.. تفاؤل حذر بشأن إحراز تقدم في المفاوضات بين إسرائيل وحماس للت


.. البرهان يشدد على أن الجيش يحقق انتصارات ميدانية وسينتصر على




.. البرهان يتهم في لقاء مع الجزيرة قوات الدعم بالتسبب في مجاعة