الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-عسكريون يتربعون على -مملكة البحر

مصطفى عنترة

2005 / 3 / 12
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


شكلت الفلاحة وقطاع الصيد البحري على وجه الخصوص أحد المجالات التي نشطت داخلها بشكل حيوي بعض النخب العسكرية من خلال الاستثمار في الصيد في أعالي البحار أو في بعض القطاعات المرتبطة به كصيانة البواخر وما شابه ذلك. وقد استفادت الفلاحة منذ الاستقلال من طبيعة السياسات العمومية التي عرفتها البلاد والتي أعفت العالم القروي من أداء الضرائب..بعد ما تم ضرب كل المخططات السياسية الرامية إلى إقرار الإصلاح الزراعي و توزيع الأراضي على الفلاحين الصغار.. الشيء الذي جعل المستثمرين في هذا القطاع يستفيدون أكثر من غيرهم من هذا الوضع.
ومن هذا المنطلق اتجه بعض العسكريين ـ خصوصا بعد مرحلة السبعينات ـ إلى توظيف أموالهم في قطاع الصيد البحري، مستفيدين من الخيرات الطبيعية للبحر المتمثلة في الثروات السمكية الهائلة، وموظفين سلطاتهم القوية ونفوذهم الواسع قصد حماية وتأمين مصالحهم كما هو حاصل في السواحل الصحراوية، وقد منح هذا الوضع البعض منهم موقعا اقتصاديا متقدما، جعله يكدس ثروات خيالية لدرجة أن بعض الأسماء شكلت نوعا من "الإمبراطوريات البحرية" التي استفادت ولا تزال دون غيرها من ثروات البحر.
وهكذا تعاقبت على إدارة شؤون وزارة الصيد البحري مجموعة من الوجوه المخزنية المعروفة سواء عبر الطبيعة أو الاكتساب، حيث كان مهندسو الحكومات السابقة ينتقونها بعناية اعتبارا لحساسية هذا القطاع الذي يعرف تواجد مصالح هامة لبعض الكوادر العسكرية التي تملك مواقع حساسة داخل المؤسسات العسكرية. فالمتربع على رأس هذه الوزارة لم يكن بمقدوره أن يقاوم الممارسات والسلوكات التي تصدر عن أصحاب هذه "الامبراطوريات البحرية"، كما أن الرأي العام والمجتمع المدني على وجه التحديد لم يكن بمقدورهما فضح مثل هذه الممارسات نظرا لغياب المعطيات من جهة والتضليل والتعتيم الممارس من قبل الدوائر الرسمية لحماية مصالح هذه الفئات الاجتماعية المحظوظة من جهة أخرى.. كما أن بعض الممارسات التي اجتهدت الصحافة الحرة في فضحها لم تكن تجد الآذان الصاغية لدى الجهات المسؤولة المختصة قصد محاربتها والقطع معها خاصة في الأقاليم الجنوبية المرتع الخصب للعسكريين الكبار.
وتجدر الإشارة إلى أن بعض المنابر الإعلامية كانت قد نشرت في السنوات الأخيرة معطيات جد هامة تكشف النقاب عن بعض الأسماء وشراكاتها مع الرأسمال الأجنبي ومؤسساتها المستفيدة من هذا القطاع إلا أن هذا الحدث لم يمر حينها في شكله العادي دون أن تتحرك كالعادة "الهواتف الخاصة" قصد تحذير أصحاب هذه المنابر بالكف عن الكتابة حول مثل هذه الأمور التي تدخل في نظرها في مجال "المحرمات السياسية" !؟
أكيد أن السواحل البحرية ببلادنا تختزن مياهها ثروات سمكية هائلة، لا يعرف قيمتها إلا المستفيدين منها، فضلا عن الأجانب الأوربيين منهم على وجه التحديد الذين أقاموا الدنيا ولم يقعدوها إثر اعتزام المغرب توقيف تجديد اتفاقية الصيد البحري.. مع التذكير في هذا الباب إلى أن هذا القطاع يشكل رهانا يعتمد عليه المغرب في علاقاته مع الجارة الإسبانية وشركائه الأجانب. فالخطاب الرسمي يظهر وجود رغبة للاستثمار في هذا القطاع إلا أن واقع الحال يؤكد أنه قطاع يدخل ضمن اقتصاد الريع الذي يستفيد منه رجالات المخزن ذوو المواقع المتقدمة داخل مراكز القرار السياسي ببلادنا.
والأكثر من هذا وذاك أن ضعف القدرة التصنيعية ببلادنا سهل عملية استغلال هذه الثروات السمكية من قبل الأجانب إضافة إلى العلاقات التي نسجوها مع دوائر معينة اجتهدت في رعاية مصالحهم.. فمغادرة الأسطول الأوربي لسواحلنا البحرية على سبيل المثال لم يؤدي إلى الوفرة وتقليص الأسعار عند الاستهلاك في أسواقنا المحلية على اعتبار أن هذه الأسعار لم تتغير بالشكل الإيجابي لفائدة المواطن، كما أنها لم ترفع من عائدات القطاع على خزينة المملكة..
إن السياسة التي اتبعها المغرب لم تسمح له بجعل خيرات هذا القطاع مصدرا للتغذية ومصدرا لإنعاش مناصب الشغل.. ذلك أن الصيد
البحري ظل قطاعا تسوده الفوضى والتسيب، حيث تستفيد حفنة من رجالات المخزن مدنيون وعسكريون منهم على حد سواء بثرواته السمكية ضدا على غالبية المغاربة المحرومين من مادة غذائية ذات منافع صحية وذلك بفعل غياب المراقبة خاصة إذا علمنا أن شبكات مصلحية دولية توظف تكنولوجيا جد متطورة تمنحها القوة لاستنزاف الخيرات البحرية وبيعها للأجانب مقابل الحصول على العملة الصعبة الموضوعة في مؤسسات بنكية عالمية بأوربا والولايات المتحدة الأمريكية.
فاللوبي النشيط داخل هذا القطاع الحيوي لعب دورا كبيرا في الضغط على المغرب من أجل إيقاف عملية تجديد اتفاقية الصيد البحري مع الأوربين تحت ذريعة الدفاع عن السيادة السمكية، إلا أن واقع الحال سرعان ما كشف عن زيف مثل هذه الشعارات التي لم يستفد منها سوى اللوبي المتحكم في ثرواتنا السمكية، فالأسعار عرفت ارتفاعا مهولا، كما أن الإنتاجية تراجعت ناهيك عن التسيب الذي أضحى عنوان قطاع الصيد البحري ببلادنا..
مما لاشك فيه أن المخزن قد فتح باب الاستثمار في قطاع الصيد البحري في وجه رجالات الجيش الكبار كامتياز منه لهذه الشريحة الاجتماعية قصد إبعادها عن التدخل في الحياة السياسية وضمان حيادها بعد المحاولتين الانقلابيتين، كما أن منطق المكافآت والامتيازات الذي أحسن استعماله سواء مع مناصريه أو معارضي مخططاته يدخل في عمق معادلة الاقتصادي والسياسي التي تتحكم في فلسفة المخزن في علاقته بالمجتمع ونخبه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المكسيك: 100 مليون ناخب يختارون أول رئيسة في تاريخ البلاد


.. فاجأت العروس ونقر أحدها ضيفًا.. طيور بطريق تقتحم حفل زفاف أم




.. إليكم ما نعلمه عن ردود حماس وإسرائيل على الاتفاق المطروح لوق


.. عقبات قد تعترض مسار المقترح الذي أعلن عنه بايدن لوقف الحرب ف




.. حملات الدفاع عن ترامب تتزايد بعد إدانته في قضية شراء الصمت