الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اتفاق القاهرة لوقف إطلاق النار في الميزان

عليان عليان

2012 / 11 / 27
القضية الفلسطينية



قبل الشروع في قراءة بنود التفاهمات الخاصة بوقف إطلاق النار بين المقاومة والكيان الصهيوني ، برعاية مصرية وأمريكية ، لا بد من تثبيت الحقائق التالية:
أولاً : أن هذه التفاهمات جاءت بعد الانتصارات التكتيكية الفعلية لفصائل المقاومة ، - التي طالت صواريخها المتطورة عمق الكيان الصهيوني- وفي ضوء الاعتراف الضمني للعدو بهزيمته في هذه الحرب .
ثانيا: أن هذه التفاهمات جاءت بضغط من الإدارة الأمريكية وفرنسا وبريطانيا على الكيان الصهيوني ، بعدم إقدامه على العملية البرية إدراكا من هذه الأطراف - التي دعمت العدوان الإسرائيلي وبررته - بأن الهجوم البري سيحسم أيضاً لصالح المقاومة ، بعد أن كشفت كل من كتائب القسام وسرايا القدس ، وكتائب الشهيد أبو علي مصطفى ، وكتائب شهداء الأقصى وغيرها عن مفاجآتها الصاروخية المذهلة ، التي طالت القدس وتل ابيب ومجمع غوش عتسيون الاستيطاني في جبال الخليل ، وكل المستوطنات الممتدة من غلاف غزة حتى تل أبيب... وأن مفاجآت أكثر في البر تنتظر القوات الإسرائيلية ، من ضمنها امتلاك المقاومة ، لصواريخ كورنيت المضادة للدبابات ، كتلك التي اصطادت فيه كتائب الشهيد أبو علي مصطفى ، الدورية العسكرية الإسرائيلية عشية الحرب الأخيرة.
ثالثاً : أن الجبهة الداخلية الإسرائيلية ضربت في الصميم ، وأن استمرار الحرب سيؤدي إلى تهالكها أكثر فأكثر ، ناهيك أن الخسائر غير المنظورة ممثلة بشكل رئيسي ، باحتمالات الهجرة اليهودية المضادة ، باتت تقلق القادة الإستراتيجيين لهذا الكيان .
ولعل الصرخة التي أطلقها أحد المستوطنين قائلا : " أقدمنا على حرب على قطاع غزة ، لمنع وصول الصواريخ الفلسطينية إلى سديروت ، لكن بعد إشعال هذه الحرب ضربت صواريخهم قلب تل أبيب " وكذلك الصرخة التي أطلقها مستوطن آخر والتي جاء فيها " النار التي تشتعل من فوقنا في تل أبيب ومن تحتنا ، تجعلنا لا نطيق البقاء هنا ، أنا من نيويوك وسأعود إليها " فهاتان الصرختان اللتان تكاد تعبران عن حال المغتصبين والمستوطنين الصهاينة ، لمؤشر على ما آلت إليه الجبهة الداخلية في الكيان الصهيوني .
رابعاً: أن حكومة العدو الصهيوني – وليس فصائل المقاومة – هي التي طلبت وقف إطلاق النار ، وكلفت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون نقل هذا الطلب ومتابعته ، مع الحكومة المصرية .
في ضوء ما تقدم يمكن قراءة اتفاق التهدئة بين المقاومة والكيان الصهيوني والإجابة على سؤال : هل عكس الإتفاق نتائج المواجهة ، التي حسمت لصالح انتصار المقاومة ، بشهادة الرأي العام الإسرائيلي ؟ على النحو التالي :
1-فالتفاهمات في بندها رقم (1 ) من الفقرة الأولى، لبت شرط المقاومة الرئيسي من زاوية وقف الاعتداءات الإسرائيلية براً وبحراً وجواً وبوقف استهداف الأشخاص من قبل الإسرائيليين " وقف الإغتيالات " ، وعدم تهديد حرية الحركة والعمل في المناطق الحدودية .
وتحقيق هذا الشرط إنجاز يحسب للمقاومة الفلسطينية الذي ما كان ليتحقق لولا صمودها ، وانتقالها من تكتيك الدفاع إلى تكتيك الهجوم الفاعل في عمق الكيان الصهيوني ، إذ أن قبولها لهذا المطلب الفلسطيني كان بالنسبة للمفاوض الإسرائيلي عاموس جلعاد ، كمن يتجرع كأس السم .
2-والتفاهمات في البند (1) من الفقرة الأولى أيضاً نصت على "عدم تهديد حرية الحركة والعمل في المناطق الحدودية " ، ما يعني حريىة الحركة والعمل للمزارعين ، في الشريط الشرقي للقطاع– الذي تم تجريفه بحدود نصف كيلو متر ، حيث تم منع المزارعين الفلسطينيين في العمل في أراضيهم ، ودفع العديد منهم حياتهم ثمناً لإصرارهم على مزاولة الزراعة على أرضهم.
3- لكن الاتفاق لم ينص صراحةً على حرية الحركة ، للصيادين في العمق الدولي المسموح به لصيد الأسماك ، ما يعني أنه تم ترحيله ضمناً للبند (3 ) من الفقرة الأولى ، والتي تنص على " يتم تداول القضايا الأخرى عندما يطلب ذلك " وقد وافق العدو الصهيوني ، بعد توقيع الإتفاق على حرية وصول الصيادين ، إلى عمق ستة أميال ، بدلاً من ما كان يفرضه العدو منذ إحكام الحصار على قطاع غزة ، وهو ثلاثة أميال.
وإتاحة الفرصة للصيادين للصيد، بعمق ستة أميال بحرية إنجاز إيجابي لكنه ليس إنجاز مكتمل ، كون حصيلة الصيد في أعماق البحر بواقع
(12) ميلاً ، هي التي توفر الثروة السمكية المطلوبة واللازمة لأبناء قطاع غزة.
4-وبالمقابل لبت التفاهمات شرط حكومة العدو " بأن توقف المقاومة كل الأعمال العدائية ، من قطاع غزة ، اتجاه إسرائيل ، بما في ذلك إطلاق الصواريخ والهجمات عبر الحدود " .
قد يستغرب البعض قبول المفاوض الفلسطيني بهذا الشرط ، كون المقاومة حق مقدس مكفول بالحق التاريخي الوطني ، وبالقانون الدولي ، لكن اتفاقات التهدئة في السياق التكتيكي مطلوبة ، لأن المقاومة وأهل قطاع غزة بحاجتها لالتقاط الأنفاس وإعادة البناء.
لكن الخطأ الكبير – الذي قد يرقى لمستوى الخطيئة – تمثل في قبول المفاوض الفلسطيني ، بتمرير عبارة "وقف الأعمال العدائية من الفصائل الفلسطينية اتجاه إسرائيل " .
فهذه العبارة غير منسجمة ، مع حقائق الصراع وطبيعته لأن الشعب الفلسطيني يزاول المقاومة والدفاع عن نفسه ، ولتحرير أرضه ولا يمارس فعل الاعتداء ، والذي مارس فعل الاعتداء والعدوان ، والإجلاء والتشريد وفعل الاغتصابي والاستيطاني ، الكولونيالي الإجلائي هو العدو الصهيوني .
وكان بإمكان المفاوض الفلسطيني المقاوم ، التمترس بعدم تمرير جملة " وقف الأعمال العدائية من قبل الفصائل الفلسطينية " واستبدالها بعبارة " وقف الأعمال الهجومية " ، أي حصر الأمور في التكتيك المؤقت ليس أكثر ، لأن الهدنة لن تدوم ، وأول من يخرقها الجانب الإسرائيلي ، وقد خرقها فعلاً جزئياً ن بعد يومين من توقيع الإتفاق ، عندما أطلق النار على المزارعين في الشريط الشرقي للقطاع ، ما أدى إلى استشهاد أحد المزارعين ، وجرح تسعة آخرين .
لكن ورود هذه العبارة ، لا يقلل من شأن رضوخ العدو المتغطرس لشرط المقاومة ، وبشكل مكتوب ولأول مرة – حتى لو كان رضوخاً تكتيكياً - "بشأن توقفه عن كامل الأعمال العدائية ، في البر والبحر والجو ضد قطاع غزة ، وبعدم المساس بحرية العمل والحركة ، للمزارعين في مناطق معينة " لما لهذا الرضوخ من تأثيرات سلبية خطيرة ، على الجانب المعنوي وعلى الجبهة الداخلية للإسرائيليين .
5- وفيما يتعلق برفع الحصار ، لم يتمكن المفاوض الفلسطيني من فرض مطلبه الخاص ، برفع الحصار عن قطاع غزة ، بعبارة واضحة وصريحة حيث جاء النص على النحو التالي : " فتح المعابر ، وتسهيل حركة الأشخاص والبضائع ، وعدم تقييد حركة السكان ".
فهذا النص ضبابي " وحمال أوجه " كيف ؟
فبوسع الكيان الصهيوني أن يقول أنه لم يغلق معبر " كرم أبو سالم " الخاضع لسيطرته ، وأنه مستعد لتسهيل دخول السلع من الخارج إلى قطاع غزة لكن تحت إشرافه ورقابته .
ونحن نعلم أن الحكومة في غزة ، وفصائل المقاومة ، رفضت وصول السلع من هذا المعبر ، لاعتبارات سياسية ووطنية ، واستبدلته بالحصول على البضائع من خلال اجتراح آلية الأنفاق ، التي حلت مشكلة اقتصادية وعسكرية للقطاع والمقاومة عموماً .
كما أن هذا النص لا يجيب على السؤال المحدد وهو : هل سيفتح معبر رفح بالكامل ، أمام حركة الأفراد والبضائع وعدم قصره على حركة الأفراد ؟؟ وبالتالي فإن عدم الإجابة على هذا السؤال ، قد يعطي حكومة العدو الفرصة لتفسيره ، على النحو الذي جاء في اتفاق المعابر سيئ الذكر الذي سبق وأن وقعه محمد دحلان ، مع الجانب الإسرائيلي عام 2005 الذي يحصر دخول البضائع ، من الخارج إلى قطاع غزة ، عبر معبر " كرم أبو سالم " في حين يكون دخول الأفراد من وإلى قطاع غزة ، عبر معبر رفح وضمن مراقبة جسدية وإلكترونية ، للأفراد ووثائق سفرهم وأسمائهم من قبل الجانب الإسرائيلي.
كما أن هذا النص قد ينسجم مع ما ذكرته وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون ، في مؤتمرها الصحفي مع وزير الخارجية المصري محمد إبراهيم كامل، بشأن الإعلان عن التوصل لوقف إطلاق النار ، عندما قالت بالحرف الواحد " الاتفاق يضمن تحسين الظروف المعيشية للفلسطينيين ، والظروف الأمنية للإسرائيليين ".
وحتى لا نستعجل الأمور ، ونذهب كثيراً في التفسير لهذا النص الضبابي الخاص بالمعابر ، دعونا ننتظر آلية تطبيق هذا النص على أرض الواقع . في ضوء ما تقدم من حقائق ، يمكن القول بأن تفاهمات الهدنة - رغم أنها جاءت محصلة لهزيمة الكيان الصهيوني في هذه الحرب ، لكنها لم تلب مطلب فلسطيني أساسي ، ألا وهو رفع الحصار صراحةً عن قطاع غزة ، ناهيك أن الصيغةالمتبادلة لوقف إطلاق النار ، شابها ثغرة القبول بوصف المقاومة " بالأعمال العدائية " .
وأخيراً : ما يهم جماهير شعبنا هو أن لا تكون هذه الهدنة طويلة الأمد رغم أنها ضرورية في هذه المرحلة ، وأن يبقى الصراع بسمته التناحرية قائما مع العدو الصهيوني ، وأن يجري حصر الهدنة في إطار تكتيك التقاط الأنفاس وإعادة البناء والتنظيم ، على النحو الذي مارسته المقاومة في الفترة الممتدة من عام 2008 وحتى الحرب الأخيرة ، وأن تستمر المقاومة في تهريب الصواريخ إلى قطاع غزة ، وفي تعويض ما قذفته من صواريخ على مناطق العدو ، أو تعويض ما خسرته منها في المعركة ، مع الحذر – كل الحذر - من محاولات دول ما يسمى بالاعتدال العربي – المرتهنة للإدارة الأمريكية - استثمار النصر التكتيكي الذي حققته المقاومة ، لتوظيفه باتجاه المفاوضات مع الكيان الصهيوني .
[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيران.. صلاحيات وسلطات المرشد والرئيس


.. أمم أوروبا.. إسبانيا تكرس عقدة ألمانيا على أرضها | #هجمة_مرت




.. إغلاق مراكز الاقتراع في جولة الإعادة للانتخابات الرئاسية الإ


.. توقيف مسؤولين سابقين بالكرة الجزائرية في قضايا فساد.. هل هو




.. مراسل الجزيرة يرصد سير المفاوضات بين حماس وإسرائيل في العاصم