الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ضرورة أن يأخذ السلفيون وقتهم

مهدي بندق

2012 / 11 / 28
مواضيع وابحاث سياسية



برهنت معظم التيارات السلفية في مصر على براءتها من مرضين سياسيين خطيرين : الازدواجية والبرجماتية ، فالسلفيون بعامة قوم واضحون لا يلجئون إلى الكيل بمكيالين والمناورات الفظة والمساومات الرخيصة ، وهم ليسوا ممن يبنون مواقفهم على مقياس المنفعة يغيرونها حال تبينهم لمنافع أكبر، بل يتمسكون بمبادئهم حتى وإن كبدتهم وأرهقتهم . وتلك سجايا جديرة بالإشادة ، بينما – على صعيد الممارسة - ثمة متطرفون بينهم يستحقون النقد لمحاولاتهم الدءوب إجبار غيرهم على قبول أفكارهم والخضوع لرؤاهم حتى ولو كانت مستحيلة مثل فرض الجزية على الأقباط ، وهدم أبي الهول والأهرامات والمعابد الفرعونية باعتبارها أوثاناً ! مع إباحة الرق وتزويج البنات في سن الطفولة !
وأما من الناحية الفكرية فالسلفيون في مجملهم يعبرون عن ثقافة ذات طابع تقليدي ينزع نحو الشمولية، ويعتبر التعدد الثقافي خطأ مأسويا ً يؤدي إلى هلاك الأمة ( =المسلمين) دون التفات للمصطلح المؤسس للدولة الحديثة : المواطنة ، بما يعنيه من مساواة غير المسلم بالمسلم والمرأة بالرجل أمام القانون ، غير عابئين بما ينجم عن ذلك من أخطار أدناها نشر التباغض الأسري والمجتمعي، وأوسطها مقاطعة المجتمع الدولي لدولتهم تلك الدينية ، وأعلاها الزج بالشعب الواحد في أتون الحرب الأهلية التي حتماً تنتهي بالبلاد إلى كارثة التقسيم . فما هي جذور هذه الثقافة ؟
تلك الجذور تشير إليها مخايلاتٌ تاريخية تمجد عصر الفتوحات الكبرى من ناحية ، ومن أخرى تتألم لما أصاب العالم العربي الإسلامي من تفكك وانقسام أتاحا للعدو الخارجي أن يقتحم الحدود، وان يحل بعساكره داخل الديار بدء من الحروب الصليبية فالاستعمار الأوروبي ، وصولا ً إلى الهيمنة الأمريكية اقتصاديا ً وسياسيا ً وعسكريا ً في وقتنا الحاضر .
ولما كانت الثقافة هي مجمل المفاهيم ووتائر السلوك ، فإن إعادة إنتاج هذه الثقافة العربية ، بمكوناتها المؤسِسـة الأولى، يتطلب إعادة أنماط الإنتاج وأساليب العيش القديمة وهذا محال بالطبع، وحتى بفرض حدوثه فلا مندوحة من أن يكرر التاريخ نفسه عبر أمواج الصعود والهبوط . لنجد أنفسنا في النهاية كما نحن الآن ! كيف ؟
في البداية ثمة حاجة للتذكير بأن التاريخ لا يمضي خبط عشواء بمسيرة البشر، بل هو في معظمه ينطلق تبعاً لقوانين يمكن رصدها، وهذا الرصد إنما يمثل أداة تحليل علمي لفهم أسباب صعود وسقوط القوى العظمى، بحد تعبير المؤرخ الأمريكي بول كينيدي، أو صعود وانحسار الدول أي العصبيات الحاكمة كما يدعوها مؤرخنا عبد الرحمن بن خلدون ، أو الصراع بين الطبقات الذي كشف عنه علم الاجتماع الماركسي.
ودون دخول - ليس هذا مجاله - في صميم فلسفة التاريخ، فإن أحدا ً لا ينكر أن لكل كائن حي دورته التي تبدأ بالميلاد، وتثنى بالنشأة فالاكتمال، لتنتهي بالشيخوخة فالموت. ينطبق هذا على الأفراد والطبقات والدول والحضارات. إنما يعنينا في هذا المقام الإشارة الموجزة إلى دورة الحضارة العربية التي قامت أساساً على ثقافة فتح الأبواب المغلقة أمام سكان شبه الجزيرة، أولئك الذين توحدوا بفضل الدعوة الإسلامية، فأدركوا كم هم أقوياء بها ، وبالتالي كم هم على حق . ولقد تأكد لديهم هذا المعنى جرّاء الانتصارات الحربية الباهرة على الإمبراطوريتين العظميين (وقتها) الفارسية والرومانية، وكذلك نتيجة إقبال سكان البلدان المفتوحة دخولا ً في دين الإسلام أفواجاً لأسباب مختلفة ً. وهكذا أصبح للعرب إمبراطورية تمتد من جنوب أوروبا إلى جنوب غربي آسيا .
بيد أن القانون البيولوجي القائل إن كل امتداد في المكان يقابله حتما ً انفصال لبعض عناصره، أدى في تطبيقه التاريخي إلى انقسام الإمبراطورية في عصرها الوسيط إلى ثلاثة مراكز: خلافة عباسية في بغداد، وخلافة أموية في الأندلس، وبينهما خلافة فاطمية في مصر والشام، ثم كان أن انقسمت هذه "الخلافات" إلى دول ودويلات متصارعة على "الخراج" و"الفيء"، مقابل حركات اجتماعية وسياسية متمردة من جانب الفلاحين والصناع أرباب الحِـرف في كافة الأنحاء. وكان طبيعياً أن يؤدي هذا كله إلى الانقسام وانحسار عوامل القوة والسقوط في براثن القوى المعادية .
الماضي الذهبي إذن محض أسطورة ، والمطالبين بعودته كمن يقبل بتأبيد نتائجه الحالّة ! وبين هؤلاء تقف "الثقافة السلفية" في الصف الأول ، مشيحة بوجهها عن العصر بشروطه واستحقاقاته ، مستدبرة عصوراً ولى زمانها وامتنع على الناس العيش في ظلال أشباحها . فما العمل إزاء أناس شديدي الإخلاص والنقاء لكنهم غير قادرين على اجتياز الهوة ما بين الماضي والحاضر ؟
في اعتقادي أنه ينبغي على المثقف ألا يضيق ذرعاً بالسلفيين فهم جزء لا يتجزأ من اللُحمة الوطنية ، بل يجب تشجيعهم على الانخراط أكثر في ممارسة السياسة العملية بأكثر من الاشتباك فكريا ً معهم ، لأن الفكر لا يتغير بالفكر وحده ، والأفكار لا تحدد وضع المرء على خارطة تقسيم العمل الاجتماعي، ولا تـُـمَوْضِعُ مكانته الإنتاجية، بل العكس هو الصحيح.. خذ مثلا أفرادا ً ينتج كل منهم سلعته على حِدة ( فهو بهذا الوصف صاحب عمل ولو كان صغيرا ) فلسوف ترى كلا ً منهم ذا فكر فرديّ مكتف ِ بذات صاحبه وبمشاكله، فإذا حدث وأن أفلس هؤلاء، واضطروا للعمل في مصنع لرأيتهم يتحدثون عن ضرورة العمل النقابي، والتأمينات العامة ، والأجور الموحدة، ورويدا ً ينشأ عندهم ما يعرف بالوعي المشترك .
ولما كانت جماهير السلفيين أغلبهم من الكادحين المنتمين للطبقات الدنيا ، فمن المرجح أن تحاول قيادات الاتجاه السلفي للتعبير عن مصالح جماهيرهم هؤلاء ، وما أن يفعلوا حتى يتبين لهم أن القضايا الدينية ليست الشغل الشاغل والأوحد لمن يتبعونهم ، هنا يبدأ الواقع الفعلي في تثقيف القيادات والأتباع معا , فالمسألة كما بينّا آنفاً مسألة وقت ، ولا بد أن يأخذ السلفيون وقتهم .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. استشهاد فلسطينيين اثنين برصاص الاحتلال غرب جنين بالضفة الغرب


.. إدارة جامعة جورج واشنطن الأمريكية تهدد بفض الاعتصام المؤيد ل




.. صحيفة تلغراف: الهجوم على رفح سيضغط على حماس لكنه لن يقضي علي


.. الجيش الروسي يستهدف قطارا في -دونيتسك- ينقل أسلحة غربية




.. جامعة نورث إيسترن في بوسطن الأمريكية تغلق أبوابها ونائب رئيس