الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عندما يركب الحاكم العربي رأسه

سامي البدري
روائي وكاتب

(Sami Al-badri)

2012 / 11 / 29
مواضيع وابحاث سياسية


على الرغم من أن ركوب الرأس والتحول إلى حكم الفرد هو ديدن الحكام العرب، إلا أن الغريب أن يركب رأسه حاكما يأتي إلى السلطة عن طريق الإنتخاب الديمقراطي الحر، وخاصة فيما لو كان هذا الحاكم قد ذاق الأمرين من شكل ذاك الحكم، كالرئيس المصري محمد مرسي.. فلماذا يصر العربي على التحول إلى حاكم مطلق ويسعى لإحتكار كل السلطات في يده؟
الغريب أن الإنسان العربي وبمجرد، جلوسه على كرسي الحكم، يفقد الثقة بكل مواطنيه، وأولهم مقربيه وشركائه في الحكم، ويحتكر الحقيقة والعلم في كل الشؤون، وعليه فإنه (يشفق) على رعاياه من جهلهم المطبق فيبدأ بإعادة بناء حياتهم وفق تصوره من أجل إنقاذهم وإيصالهم إلى الفردوس الذي يرسمه خياله، والذي غالبا ما يكون مدعوما بمباركة إلهية مخصوص بها صاحبها... والأمثلة كثيرة وإن بدأت بصدام أو القذافي فإنها لن تنتهي ببشار الأسد الذي يمارس حرب إبادة الآن ضد الشعب السوري لأنه ضاق به وبفردوسه الموعود الذي لم يحققه نصف قرن من حكمه وحكم أبيه من قبله.
والأغرب هو إصرار الحاكم العربي على إرتكاب نفس أخطاء سابقيه، وعدم التعلم من منطق الأحداث والحوادث، حتى لو كان هذا المنطق هو الذي أطاح بسلفه وأوصله إلى مكانه؛ وحتى لو هدده الشعب، الذي منحه فرصة الوصول إلى منصبه، بملاقاة نفس مصير سلفه... وهذا ما يفعله اليوم مرسي بعد وصوله إلى كرسي الحكم، عبر ديمقراطية الثورة المصرية التي أطاحت بدكتاتورية مبارك.
كرسي السلطة أكبر من ذات الإنسان العربي، وهذا سببه يتعلق بالبنية الثقافية للعقل العربي ومرجعيته الإجتماعية والبيئية البدوية التي لا ترى قيمة للذات من دون القوة التي تتيحها السلطة.
الذات العربية قيمتها فيما تكتسب من قوة لا في مقوماتها الذاتية وفي قدرتها على الخلق والإبداع.. وهذا هو منطق بدائية الصحراء وقيم مجتمعاتها البدوية التي تقوم على منطق القوة والبطش وإغتصاب أسباب البقاء وديمومة الحياة في أكثر صورها بدائية وتخلفا: الحياة من أجل الإستمرار في البقاء، لا البقاء من أجل الإنتاج والخلق والإبداع.
وسؤال المقاربة هو: ماذا سيفعل بنفسه وماذا سيقدم لها محمد مرسي فيما لو أجبرته مظاهرات ميدان التحرير على التنحي أو الإستقالة؟ أظن أن خير جواب يجب على محمد مرسي إستيعابه ينحصر في هذا السؤال: ماذا فعل أو ماذا قدم لنفسه وأين وضع ذاته كل من حسني مبارك وصدام حسين وزين العابدين بن علي وعلي عبدالله صالح الذين لم يستطيعوا أن يجدوا لذواتهم قدرا وقيمة خارج مقعد السلطة والتسلط على رقاب الناس وكلهم حكموا قبلك وعزلوا؟
أما سؤال المحاججة فهو: ما شكل الجنة التي ستحققها للشعب المصري من خلال قبضك على جميع السلطات بيد واحدة؟ ثم، ألم يعد سلفك مبارك بنفس الجنة وهو يقبض على السلطة بيده وأنت كنت أول الشاكين من ذلك القبض والتفرد والتسلط؟ فلم أنت ستحقق هذه الجنة، ولم لا تتحقق جنانكم يا حكام العرب إلا عن طريق التسلط والحكم المطلق والتفرد بالسلطة؟
هل آن للحكام العرب الجلوس مع ذواتهم وتحديد قيمتها وهم يجلسون على كراسي لا تصدر الأوامر والفرمانات المطاعة؟ ماذا يفعل الآن زين العابدين بن علي وحسني مبارك وعلي عبدالله صالح بأنفسهم؟ يأكلون ويشربون وينامون – إن إستطاعوا إلى النوم سبيلا... وماذا بعد هذا؟
هل ثمة من يشك منهم أن قيمته لم تكن في ذاته وإنما في الكرسي الذي كان يجلس عليه؟ وها هي الأيام قد أثبتت إنه لم يكن أكثر من كرسي حلاق، جلس وسيجلس عليه المئات من قبل ومن بعد.... وربما الحلاق الذي كان يحلق لأنشتاين لم يجلس على كرسيه إلا شخص واحد بقدرة أنشتاين على الخلق والإبداع!

سامي البدري/صحفي وكاتب [email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. انتقادات واسعة لأداء بايدن أمام ترامب في المناظرة الرئاسية


.. الأسد يبدي انفتاحه لتحسين العلاقات مع تركيا




.. رئيس الوزراء الإسرائيلي: جنودنا مصممون وملتزمون بمهمة حماية


.. صحيفة لوموند: مفتاح السلام يكمن في مرحلة ما بعد نتنياهو




.. اللواء فايز الدويري يحلل العملية العسكرية الإسرائيلية في حي